|
النخب المثقفة في العالم العربي... سوق المواقف
عمر الراجي
الحوار المتمدن-العدد: 4873 - 2015 / 7 / 21 - 21:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المثقفُ روح ُالجماهير، نبراسُ طريقها ووجدانُها الحيُّ وضميرُها الذي لا يستقيمُ عيشُها لحظةً بدونه. إنّ النخب المثقفة وعلى امتداد عقود طويلة من الزمن شكلت العنصر الفارق في وعي الشعوب وإدراكها، وما فتئت تعكس مستوى اليقظة داخل تركيبة المجتمع مُحَذٍّرة إياه من القادم تارة، ومبشرة إيّاهُ بهِ تارة أخرى. لم تتخلى النخب المثقفة عن هذا الدور المحوري في يوم من الأيام بأوروبا ودول آسيا الصاعدة وحتى في دول الاقتصادات الناشئة، فمنذ بزوع فجر الأنوار في أوروبا تبلور الفكر التنويري على يد علماء الاجتماع الأوائل، وشكلت الأنظمة الاجتماعية المبتكرة والنظريات القانونية الحديثة الحجر الأساس لنهضة أوروبا العلمية والتقنية، وكما هو معلوم فلا نهضة علمية دون إصلاح المجتمع أولا، ولا إقلاع اقتصادي دون وعاء سياسي متين وملائم يحتضن الإبداع ويحتفي به، وفي تركيا مثلا أسهم النقاش الفكري العميق الذي قامت به النُّخَب إبّان سنوات الإصلاح في تحييد التناقضات العميقة التي خلفها الإرث العثماني وفي تذويب العقبات التي كانت تقف أمام عجلة التقدم وفي تنزيل مقتضيات الدستور الدمقراطي في البلاد. هكذا كان دور النخب في الدول الناجحة وهكذا من المفترض أن يكون في دولنا العربية كذلك، لكن الواقع على ما يبدو يوضح صورة أخرى معاكسة تماما، إذ أن من نستطيع أن نطلق عليهم تسمية النخب تجاوزًالم يخرجوا بعد من قفص النرجسية الفكرية بكل ما يحمله من تسطيح في قراءة الواقع ومن انطواء غير مبرر على التجربة الذاتية ومن إشكالات التعصب الأعمى للأفكار حينا ولأشياء أخرى أحيانا كثيرة، وفي ظل حالة الاحتقان الشديد التي يعرفها العالم العربي اليوم، نلاحظ أن المثقف العربي لم يحرك ساكنا إزاء كل هذا الخراب ولعله فشل في إخراج نفسه هو من تبعات الاستقطاب الإيديولوجي والطائفي، وكثيرا ما غاب الحس الوطني بل والإنساني عن هذه النخب في خطابها مع الناس، وهي التي صنعها الإعلام الموجه في غفلة من الزمن لتشهرَ بعد ذلك أحقادها العمياء وخلفياتها المشبوهة في وجوه الملايين المكلومة من هذه الشعوب. أي دور لعبه الكتاب العرب في تحديد الأولويات حينما أحرقت الحروب الطائفية المنطقة وهم الذين ظلت تتقاذفهم أمواج المصالح وتميل بهم رياح الغرائز الطائفية المريضة والايديولوجيات الكاذبة، في حين كان من المفترض أن تتوحد اٌقلامهم على أولوية إيقاف نزيف الدم العربي الذي يسيل لسنوات دونما أمد في الأفق لاندمال تلك الجراح العميقة التينكأتها الصراعات الدوليةوالاقليمية في الخاصرة العربية. لم يكن دور النُّخب مفهوما في الإعلام حينما أصبحت "مودا" الترحال السياسي وتبادل الأدوار وتغيير الولاءات لمصلحة من يدفع أكثر هي السائدة في أوساط الكثير من الإعلاميين العرب بدل أن تطغى المهنية على كل هذه الشوائب التي تسيء للإعلامي النزيه، لا أن يستغلب شططٍ هذا الأخيرُسلطةَ الشهرة التي منحته إياها الجماهير العريضة، حتى أصبح يمتلك بفضلها صفحات تواصل اجتماعي مليونية لم يكن يحلم بها، وفي كل ظهور مرئي له تشخص أبصار المشاهدين لتستنبط أذهانهٌم أفكارَهُ وتصوُّراتِهِ فإذا به يتاجر بالفكرة ألف مرّة، ويُقَلِّبُ الرأيَ ذات اليمين وذات الشمال كلما خفّ ميزان هذا الطرف أو ذاك، فأين هي روح المبدئية إذن وأين ضمير الكلمة من كل هذا؟ أم أن العربيّ بطبعه يصعب عليه مقاومة الإغراء في كل شيء للأسف. إنه لمن المعيب حقا أن نرى نخبا عريضة من الكتاب والصحفيين والشعراء وفئات أخرى عريضة من الفنانين وهم يديرون ظهورهم جميعا لحساسية اللحظة التي يعيشونها كونهم نتاج هذا المجتمع أولا، لاباعتبارهم يقطنون الأبراج العاجية ويصعب على نيران الفتن أن تصل إليهم، وهم الذين يعرفون جيدا أن لا قيمة لهمدون ذلك الكم البشري المهمل الذي يتجارون بمعاناته يوميا في سوق المواقف وشوارع المصالح الضيقة. أي نخب ثقافية نتحدث عنها إن كان الشاعر العلماني يخلع قبعته الثقافية ويلبس بدلا منها عمامته الطائفية ليصطف في خندق أسلافه بعدما تذكر أصوله اللاهوتية فجأة دون سابق إنذار، اللهم ذلك الخطر المحدق الذي أحس به ربما بعدما "وصل البَللُ إلى ذقن حاشيّته " التي صنعته على ما يبدو؟ أيُّ قيمة للفن حينما يتخلى الفنان عن ريشة أحلامه ويرسم الواقع بألوان أقبح من تلك التي صنعتها أيادي الجناة؟ وهل بات الفنّ عندنا إلا مطيّة للوصوليين ومراهقي الشهرة والباحثين عن "ضربة معلّم" يصبح بعدها النكرة ُعَلَمًا يُشارُ لهُ بالبنان بعد أن لم يكن شيئا مذكورا؟ إن المثقف يا سادة وجدان الأمة، فما حال الأمة إن كان تجار الكلمة وجدانها؟
#عمر_الراجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطنطان..مدينة الثورة والوجع القديم
المزيد.....
-
كيف سقطت المقاتلة الأمريكية فوق البحر الأحمر بالقرب من اليمن
...
-
-اختبار حاسم للعودة لغزة-.. السلطة الفلسطينية تكافح لطرد الم
...
-
من الأرض إلى الجوّ.. سانتا كلوز المجري يستقل طائرة هليكوبتر
...
-
أوكسفام: 12 شاحنة فقط وزعت المساعدات شمال غزة خلال شهرين ونص
...
-
تعرف على التطورات السياسية والدبلوماسية في سوريا
-
علامات تدل على إصابتك بالتهاب مزمن
-
تضارب بشأن السيطرة على قاعدة الزُرق في دارفور
-
يزيد جعايصة.. قيادي في كتيبة جنين قتلته السلطة الفلسطينية
-
حافظ منذر الأسد يكشف لبي بي سي: كواليس اللحظات الأخيرة قبل س
...
-
-نستيقظ في الصباح متجمدين من البرد-.. معاناة بلا حدود للفلسط
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|