|
الخامسة علاوي ومقترح الأدب الجغرافي
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4873 - 2015 / 7 / 21 - 13:51
المحور:
الادب والفن
صدر عن دار السويدي للنشر والتوزيع في أبو ظبي كتاب "العجائبية في أدب الرحلات: رحلة ابن فضلان نموذجًا" للدكتورة الخامسة علاوي. وقد حاز هذا الكتاب القيّم على جائزة ابن بطوطة للدراسات عام 2008 - 2009 . يتألف الكتاب من مقدمة وثلاثة فصول رئيسة وخاتمة. كما اعتمدت الباحثة على أكثر من 130 مصدرًا عربياً وأجنبيًا بينها رسائل جامعية ووثائق ودوريات أثرتْ البحث وأوصلت الدراسة إلى مستوىً علمي رصين. أوردت الخامسة علاوي تعريف عبد الفتاح كيليطو لأدب الرِّحْلات الذي يقول بأنه "مجموعة من الآثار الأدبية التي تتناول انطباعات المؤلف عن رحلاته في بلاد مختلفة وقد يتعرّض فيها لوصف ما يراه من عادات وسلوك وأخلاق، وتسجيل دقيق للمناظر الطبيعية التي يشاهدها أو يسرد مراحل رحلته مرحلة مرحلة، أو يجمع بين كل هذا في آنٍ واحد". تُقسِّم الباحثة الرحلات إلى نوعين، الأول الرحلة الحقيقية مثل رحلة ابن بطوطة، ورحلة ابن جبير، ورحلة العبدري. والرحلة الخيالية مثل قصة ابن طفيل لحي بن يقظان، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري، وروبنسون كروزو لدانيال ديفو وسواها من الرحلات المستقرة في الذاكرة الجمعية للقرّاء. تقترح الباحثة إطلاق مصطلح، الأدب الجغرافي" على أدب الرحلات وذلك لغلبة منهج الجغرافيا الوصفية عليه ولكن هذه التسمية لا تجرّده من خصائصه الأدبية وطابعه الفني الذي يشدّ القرّاء ويمدّهم بعنصري المتعة والفائدة. لابد من الإشارة إلى أن أدب الرحلات قريب جدًا من السيرة الذاتية والمذكرات واليوميات، بل أن الباحث كيليطو يرى من الصعوبة بمكان أن يفصل الرحلة عن السيرة الذاتية. تسعى هذه التغطية إلى تسليط الضوء على رحلة ابن فضلان نفسها بوصفها نموذجًا تحليليًا يقدِّم صورة حيّة ومباشرة قائمة على الخبرة ومعايشة الآخر. لذلك سوف ينصّب تركيزنا على الفصل الثالث من هذا الكتاب بعد أن نتوقف قليلاً عند بعض التعاريف والمفاهيم الأساسية التي لا يمكن تفاديها أو غضّ الطرف عنها لعل أبرزها العجب الذي يعرّفه ابن منظور بأنه "إنكار ما يرِد عليك لقلة اعتياده والنظر إلى شيئ غير مألوف ولا معتاد". أما المعجم الوسيط فيعرّف العجب: "بأنه روعة تأخذ الإنسان عند استعظام الشيئ". في حين يذهب الفراهيدي إلى القول: "أما العجيب فالعجب. وأما العُجاب فالذي جاوز حدّ العجب". ويعرّف زكريا القزويني العجب بأنه "حيرة تعرض للإنسان لقصوره عن معرفة سبب الشيئ أو عن معرفة كيفية تأثيره". وثمة تعريفات أخرى تؤكد بأن "العجب انفعال النفس عمّا خفي سببهُ" وهو لا يكون إلاّ في النادر الوقوع، وإنما يسقط للأنس وكثرة المشاهدة. ربما يكون تعريف تودوروف هو الأكثر دقة حينما يصور "التردد والحيرة كميزة خاصة بالمحكي العجائبي. فالعجائبي حسب تودوروف هو "التردد الذي يُحُسهُ كائن لا يعرف غير القوانين الطبيعية فيما هو يواجه حدثًا فوق طبيعي حسب الظاهر". وبما أنّ التردد هو السمة الأساسية لتعريفه فإن ذلك يدعو إلى التساؤل: هل أن ما يحدث هو وهم أم حقيقة؟ والبطل مثل القارئ يبقى مترددًا بين تفسيرين أحدهما عقلي والآخر غيبي. وحالما يختار القارئ أحد التفسيرين فإنه يغادر العجائبي ليدخل في أحد الجنسين المجاورين: العجيب والغريب على حدّ قول تودوروف.
العجائبية في رحلة ابن فضلان ثمة أسئلة منطقية تطرحها الباحثة الجزائرية الخامسة علاوي من بينها: لماذا اكتفى ياقوت الحموي بذكر ابن فضلان في معجم البلدان ولم يُذكر في معجم الأدباء؟ وإذا كانت القصة الفضلانية معروفة بين الناس فهل طال نُسَخُها الضياع بعد وفاة الحموي عام 626ه؟ وأكثر من ذلك: كيف أهمل المؤرخون الكبار من أمثال ابن الأثير والخطيب البغدادي أرخنة هذا الوفد المهم الذي خرج بأمر من الخليفة نفسه؟ يعْرف المختصون بأدب الرحلات بأن الخليفة العباسي المقتدر (295 - 320ه) قد تلّقى رسالة من ألمش بن يلطوار، ملك البلغار الذين يقطنون على ضفاف الفولغا، يطلب منه أن يرسل له فقيهًا يعلّم الصقالبة شرائع الدين، وبناء المساجد، وإقامة المآذن في جميع أنحاء المملكة. وربما تكون هذه النقاط الثلاث إضافة إلى أخرى غيرها هي الهدف الرئيس للرحلة. فقبل أن ينطلق الوفد الذي كان يرأسه سوسن الرسّي كان ابن فضلان قد أُنتُدِب لقراءة الكتاب الذي بعثه الخليفة، وتسليم ما أُهدي إلى ملك البلغار، ثم الإشراف على الفقهاء والمعلمين الصقالبة. تؤكد الباحثة بأن للرحلة مساران: الأول عام ويبدأ من بلاد العجم، الأتراك، الصقالبة، الروسيّة وينتهي بالخزر. والثاني خاص يبدأ ببغداد ويمرّ بـ 23 مدينة قبل أن ينتهي بالخزر. علمًا بأن طريق العودة هو نفس طريق الذهاب. غادر الوفد 11 صفر 309ه (21 يوليو 921م). ذاقَ أفراد البعثة الأمرّين بسبب سوء الأحوال الجوية في بلاد العجم والترك حيث منعهم أمير خوارزم من المغادرة وإلقاء أنفسهم في التهلكة. ورب سائل يسأل: لماذا كان ابن فضلان يكرر إثر خروجه من بغداد سِرنا وأقمنا، ثم رحلنا وقطعنا من دون أن يتوقف عند التفاصيل الجغرافية الأمر الذي يكشف عن احتمالية كون ابن فضلان فارسي الأصل وهذه المضارب مألوفة إليه فلاغرابة أن يكتفي بالإشارة إليها أو التلميح العابر لها. لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن ابن فضلان كان قادمًا من بغداد حاضرة الدنيا وقد حلّ في بلدان متخلفة آنذاك ولابد أنه كان يشعر بالتفوق الحضاري والديني فلاغرابة أن يركِّز على ثلاثية الوثنية والعنف والشبقية التي تقصاها بشكل دقيق. فهؤلاء كانوا يعبدون السمك والكراكي والحيّات وتماثيل الأعضاء الذكرية. وقد شبههم غير مرة بـ "الحمير الضالة". وقد قال عن الأتراك أن الواحد منهم "لا ينزع الثوب الذي يلي جسده حتى ينتثر قطعًا" كما أنهم لا يغتسلون من بول وغائط وأن نساءهم لا يستترن عند الجلوس. أما الصقالبة فهم يستحمون في الأنهار عراة، ويمارسون الحُب أمام الآخرين من دون أن يشعروا بالحرج. ولا يقتصر هذا الأمر على عامة الناس وإنما يمتد إلى الملك الذي يواقع زوجته أو جاريته أمام 400 من أفراد حاشيته وجنوده. اعتمد ابن فضلان على الوصف العجائبي الذي يثير دهشة القارئ مثل سقوط الحيّات الضخمة من الشجرة الباسقة، وهي للمناسبة تشبه حكاية السندباد في وادي الحيّات. وقصة الرجل الضخم الذي يصل طوله إلى 12 ذراعًا، أو السمكة الكبيرة التي تخرج من البحر ويقطع الناس من لحمها على قدر حاجتهم ثم تتحرك وتعود إلى البحر، أو قصة الجن المسلمين والكفار الذين يتقاتلون في السماء ويسببون الرعب لابن فضلان ورجاله. وربما يكون تفسير الجاحظ هو الأقرب للصواب حيث يقول: "إذا استوحش الإنسان تمثّل له الشيئ الصغير في صورة الكبير، وارتاب وتفرّق ذهنه، وانتفضت أخلاطه فرأى ما لا يُرى، وسمع ما لا يُسمع، وتوهم الشيئ الحقير أنه عظيم جليل". ثمة مواقف عجائبية كثيرة لا يمكن حصرها في هذا المجال الضيق ولكنها لا تمنع من كون هذه الرسالة رسالة تحليلية، استكشافية عن الآخر المتمثل في تلك المضارب النائية. وقد كُتبت بأسلوب شيّق لا يبتعد فيه ابن فضلان عن أسلوب الأديب، ولا يقترب من أسلوب الجغرافي الذي يصف عناصر الطبيعة بدقة بالغة. ونختم بقول المستشرق الروسي كراتشكوفسكي الذي وجد في رسالة ابن فضلان قطعة رائعة من أدب الرحلات حيث قال:"لا يمكن إنكار قيمة الرحلة الأدبية، وأسلوبها القصصي السلس، ولغتها الحيّة المصورة التي لا تخلو بين آونة وأخرى من بعض الدعابة التي لم تكن مقصودة".
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الولد الشقيّ- الذي يحمل مفاجآته معه أينما حلّ أو ارتحل
-
الولد الشقيّ الذي يحمل مفاجآته معه أينما حلّ أو ارتحل
-
انهيار الجلاد وانتصار الضحية في ثاني أفلام المخرجة أنجلينا ج
...
-
تجنّب عادة الاستظهار واللجوء إلى تحليل القصائد
-
فنّ الشارع بين الدعاية والتحريض
-
الرحيل تحت جنح الظلام 1
-
حُب وعنف في المتاهة الملحيّة
-
بناء القصة السينمائية
-
امرأة صينية تدجِّن شراسة الصحراء
-
أطفال كورد يحلمون بالوصول إلى الفردوس المفقود في المحار المك
...
-
اصطياد اللقطات اللونية المدهشة في صحراء نيفادا
-
التطرف الفكري في رواية -الأشباح والأمكنة- لذياب الطائي
-
تكريس الدعاية الرأسمالية في فيلم-صُنع في الصين- لكيم دونغ-هو
-
الرسم بالضوء لاصطياد اللحظات الهاربة
-
كُتّاب بريطانيون يعيشون على حافة الفقر
-
هشاشة البناء الدرامي والرؤية الإخراجية المشوشة
-
قدحٌ من الدموع المجففة إلى أوديت
-
توثيق شامل للأفلام الروائية الطويلة في العراق
-
تحت ظلال السنديان الإيطالي لموسى الخميسي
-
اغتصاب الطفولة في -جراح الروح والجسد- لمليكة مستظرف
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|