|
الغزو الضفاوي ليافا/تل أبيب
ناجح شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 4873 - 2015 / 7 / 21 - 13:47
المحور:
القضية الفلسطينية
لم يكن لدي أية نوايا للمشاركة في موسم هجرة العيد إلى الساحل الفلسطيني المحتل. أنا أنتمي إلى جيل غبي يحفظ عن ظهر قلب حكمة غسان كنفاني في "عائد إلى حيفا": الأبواب يجب أن تفتح باتجاه واحد، وإذا حدث وفتحت من الجهة الأخرى، يجدر بنا أن نعدها مغلقة حتى نقوم بفتحها من الاتجاه الصحيح. قام شقيق زوجتي بإحضار تصاريح "لزيارة الأهل في العيد" لي ولزوجتي دون أن نتنكب أية مشقات. لم نصور ورقة أو نقدم طلباً أو نذهب إلى أي مكان. وقد فهمت فيما بعد أن الضفة كلها على ما يبدو قد حصلت على تصاريح بالسهولة ذاتها. كان موضوع التصاريح قد أثار لغطاً في بداية رمضان، وأشاع من أشاع أن الرأسمال التجاري الفلسطيني قد أقام الدنيا ولم يقعدها في وجه السلطة لأنه قدر أن النقود القليلة الموجودة في جيوب المواطنين/المستهلكين سوف تذهب إلى المحلات "الإسرائيلية". ويبدو أن هذا الرأسمال قد نجح في "إقناع" السلطة بعدالة قضيته مثلما نجح طوال العقود الثلاثة الأخيرة في إقناع النخبة السياسية الفلسطينية بالفوائد الجمة للسلام. لم أقم بأية محاولة لتتبع تطور موضوع التصاريح، ولذلك لم أستيقظ إلا والتصاريح قد ملأت الدنيا بمناسبة العيد لتسمح للبلد كلها بالذهاب لزيارة الأهل في "إسرائيل". وفي الحقيقة لقد نسيت موضوع التصاريح التي في حوزة أسرتنا لأني لا أملك المال ولا الرغبة الكافية لممارسة "السياحة في إسرائيل". لكن حدث أن صديقي المشاكس أبوجورج الذي يقطن الرملة قرر أن يأخذ على عاتقه تلك المهمة، فاصطحبني وابنتي اوروك يوم أمس لكي "تشاهد" أوروك يافا التي تسمع عنها ولا تعرفها. ترون: المسألة لا تعدو ترف المشاهدة، وربما كانت بالنسبة للكثيرين المشاهدة مع شيء مما يسميه الأنجلو ساكسون: to have fun دلفنا إلى "إسرائيل" عبر بوابة نعلين. لا يمكن أبداً أن نقول إن التعامل كان فيه أي تعقيدات، وباستثناء الممرات والإجراءات الأمنية "العادية" كان كل شيء ميسرا. ربما أن المعبر ذاته مصمم بطريقة أقل من المستوى الإنساني بقليل، ولكن تلك قصة أخرى. وفي الحقيقة لم ألاحظ أي ضيق على وجوه الشبان والعجائز المتحفزة لدخول "إسرائيل". كان انتظاراً ناعماً. داخلني شعور عابر باحتقار الذات، ولكنني طردته على الفور مثلما طردت سؤال اوروك الساذج والمستفز حول حقهم في إذلالنا على هذا النحو من أجل ان يسمحوا لنا بدخول بلادنا. بعد أن عبرنا الحاجز ركبنا مع صديقي سامر "أبو جورج" فانطلق بالسيارة لنقترب بسرعة من تجمع سكني بارز، فسألته عن اسم المستوطنة، فرد بصوت عال فيه شيء من الثقة والدهشة: "خلص ما في مستوطنات احنا هلا في اسرائيل." أجبت بدون أن أقصد ذلك بالفعل: "كلها مستوطنات، كلها مستوطنات." لكنني أحسست بطعم نحاسي في حلقي، فلذت بالصمت. ذهبنا أولا إلى اللد لأنها بلد زوجتي، بمعنى أنها البلد الذي تنحدر منه عائلة زوجتي. وقال سامر: "لا أحب المرور من هنا، يوجد حي مريع يمتلئ بالجريمة والمخدرات، ويمكن لك أن تفقد حياتك على نحو عابر لأن أحداً يشتبه في أنك من مكافحة المخدرات، لقد نجحت "إسرائيل" في تحويل العرب هنا إلى مافيات وتجار مخدرات ولوثت الحي المرتفع الكثافة بالأمراض الاجتماعية كلها." لم أعارضه وأنا أشاهده يتعمد التخلص من المنطقة بسرعة ويتجه ناحية الرملة ثم يافا. في يافا أحسست بأنني في بيتي تماما. كان العرب الضفايون يملأون الشوارع عن بكرة أبيها، وقرب البحر كان الناس زرافات زرافات بالحجاب المعتاد منذ عقدين من الزمن يتزاحمون من أجل ركوب السفن السياحية. تكلفة التذكرة 25 شيكل، وتتسع السفينة لما يربو على مئة وخمسين شخصا. ولا بد أن المرء يحس بالسعادة وهو يستمع إلى صوت الغناء العربي الأصيل المنبعث من تلك السفن: "ريتيني تمباك معسل ..... تلحقها عيون الشباب وهي بحالها مغرورة....الخ." الأغاني الهابطة كلها اختارها ربان السفينة اليهودي اليوناني مثلما شرح لي أبوجورج لتلائم ذوق الركاب الضفاويين وتيسر لهم التمتع بالسياحة في "إسرائيل". لم يكن هناك أية إشارة على القلق أو التحفظ من هذا "الاحتلال" الضفاوي المرعب، فقد كان الناس جمهوراً لطيفاً ومسالماً ولا يريد سوى شراء بعض المتعة. وفي السياق ذاته لا نظن أن من المفاجئ بمكان أن نذكر أن التعليقات كانت تتراوح بين الإعجاب بكل شيء "إسرائيلي" وبين التعبير عن الفرحة من ناحية ثم صب جام الغضب على العرب وكل ما يتصل بهم من الناحية الأخرى. تحقق السفينة الصغيرة في نصف ساعة دخلاً صافياً يصل إلى 3000 شيكل، لكن يبدو أن هذا ليس هو الربح الوحيد الذي يحققه جيراننا من إدخالنا إلى بلادهم. لا بد أن هناك أموراً أعظم شأناً يتم تحقيقها في المناحي السياسية والنفسية. فلا بد أن الناس على هذا النحو ترضى بنصيبها من هذه البلاد: الزيارة و "تغيير الجو" كلما سمح الجيران بذلك. ما عدا ذلك القصة تغدو منتهية. فنحن في النهاية لنا "دولتنا" إن رغبوا في إبقائها لنا وإبقائنا لها، وهم لهم دولتهم شئنا أم أبينا. كتب موقع 972 "الإسرائيلي" إن فيضاً من الفلسطينيين من الضفة يأتي على الرغم من الأزمة الاقتصادية ليحتفل بانتهاء رمضان: عشرات الآلاف من الشبان العرب بملابس العيد الجديدة تفوح منهم الروائح القوية يجوبون اماكن التسوق الكبيرة "المولات" ويتجمعون بقرب البرك والمسطحات المائية المختلفة. ما من أحد يريد زيارة الناصرة ومشاهدة البشر، إنما المقصود هو اللهو في مدن مثل نتانيا وتل أبيب. ويكتب الموقع نفسه: "لقد توقف الفلسطينيون عن أن يكونوا خطراً يتهدد سير الحياة اليومية، إنهم لا يريدون سوى الاستمتاع بحياتهم مثل باقي البشر." وقد يكون الموقع على حق في الكثير مما كتب، ولكنه يتغافل عمداً عن واقعة أساسية: "إن الفلسطينيين ليسوا مثل باقي البشر، إنهم غرباء منفيون عن أوطانهم، وحتى الحفنة المتبقية منهم في مناطق السلطة الفلسطينية، لا يوجد ضمان يمنع أن يصحو أحدهم ذات يوم بعد أن يتمتع بضع ساعات على شاطئ يافا ليجد شاحنة تنتظره لكي يحمل عفش بيته ويغادر نهائياً باتجاه الأردن أو السعودية أو الخليج. ففي الوقت الذي نلهو فيه على رمال وطننا التي قبلنا أن تصبح "إسرائيل" ما يزال المشروع الصهيوني على حاله: لا بد من أرض الميعاد من بحرها حتى نهرها على الأقل، ولا بد أن تكون خالية من الأغيار، ونظيفة على نحو تام وشامل.
#ناجح_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القانون لا يحمي المغفلين، ولكنه يحمي النصابين
-
من يهودية الدولة إلى التطهير الكامل: المقاومة هي الحاجز الأخ
...
-
أيديولوجيا الديمقراطية في خدمة الاستعمار والدمار
-
حزب الله، أنصار الله ويسار الأجزة
-
داعش والصهيونية: لماذا تنشران الفظائع؟
-
بؤس المثقفين
-
إلى عزمي بشارة 1: المقاومة لا قطر هي العدو المؤرق لإسرائيل
-
فلسطين: نحو بطولة العالم في الجريمة؟
-
نساء اف.ام والفردية الليبرالية لتفسير الاقتصاد
-
ثالوث التحالف التبعي: السلطة، والأنجزة، والقطاع الخاص
-
البطالة الواسعة وأزمة الإنتاج التبعي الفلسطيني
-
الناس لا يقرؤون؟! ولكنهم لا يتقنون لغة القراءة
-
خولة الشخشير لن تستقيل؟
-
أسطورة البحث في فلسطين: موظفو أبحاث؟!
-
أنقذوا التعليم: أوقفوا تدريس اللغة الإنجليزية
-
جامعة بيرزيت الليبرالية: التنافس والريادية والإبداع أساس الت
...
-
الحجاب وتدمير التفكير واحتكار الحقيقة الأخلاقية
-
بطش الاحتلال وبطش المدارس
-
فشل الدول وسقوط البرجوازية الكولونيالية في الوطن العربي
-
السويد لم تعترف بالدولة الفلسطينية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|