|
-نقاشٌ- مع حمار .
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4871 - 2015 / 7 / 19 - 22:11
المحور:
كتابات ساخرة
الشيخ فتحي ، هو من الشخصيات التي لن يُخلدها التاريخ في صفحاته ، وحينما يُغادرُ هذه الفانية ، آخِرُ الاشخاص الذين عاصروه في "أوج عظمته " ، ستختفي ذكراه من "الحيز" العام ، وليصبح إسمهُ مجرد اسم يتوارثه أحفادُه في سلسلة نسبهم العائلي . والشيخ فتحي هذا ،كان أُسطورةً في حياته ، لسببين رئيسيين ، أولهما : لأنه كان من أوائل من تاجَرَ بالملابس الجاهزة ، والتي لم تكن معروفة ومستعملة كثيرا حينها ، فالغالبية من النساء والرجال في بلدتنا ، كانت تستعين بالخياطين والخياطات لخياطة ملابسهم التراثية والتي أصبحت لاحقا وفي أيامنا هذه ، فولكلورا نستعرضه ونعرضه في المهرجانات التراثية . أما السبب الثاني والأهم ، فهو بسبب ما تمَيّزت به شخصية الشيخ فتحي ، ألا وهو ظُرفُه وسرعة بديهته . ورغم أنه لم يتعلم سوى للصف الثاني ابتدائي ، أي تعلم مبادئ القراءة ، الكتابة والحساب وبعض قصار السور من القرآن ، إلا أنه استطاع بحنكته وذكائه الطبيعي من إدارة دكانه وتنميتها بحيث أصبحت ، دكانة الملابس الجاهزة الأكبر، والأشهر في البلدة والقرى المجاورة . وعنّي شخصيا ، فقد كُنتُ ضيفا مُرحبا بي في دكانه ، وذلك حينما كانت الدكاكين مُلتقى للأصحاب والمعارف . وكانت قهوته جاهزة دوما يرتشف منها الغادي والرائح . وقد أكتسب لقب "المشيخة " ، لأنه وهو في عز شبابه ، تاب توبة نصوحا ، بكل ما تحمل الكلمة من معنى... وذلك قبل أن يتكاثر الشيوخ في مجتمعاتنا ، شيوخ الاسلام السياسي السلفي . فقد شهدت أيام شبابه مغامرات كثيرة وصاخبة ، ولن نتوسع في هذا الجانب .. وذات رمضان بعيد ، دخلتُ الى الدكان وعنّت على بالي سيجارة .. ولنتذكر بأنه صائم ، وعندما شعر برغبتي في التدخين ، قال لي أن "أختبيء " وراء الطاولة وأُدخن !! وحينما سألتُه عن تفسير لسلوكه هذا ، أجابني بأنه ليس الله .. وهو سيترك حسابي الى من عنده الحساب !! طبعا ، لن أتمكن في هذه العجالة من الكتابة عن نوادره ومُلّحِهِ ، لكني أتذكر بعضها ، حينما تواجهني قصص أو ظروف ، كالتي حكى عنها أو كنتُ شاهد عيان عليها ، في دكانه !! وذات يوم ، وفي ساعات الصباح ، مررتُ عليه ، وفي هذه الأثناء دخلت فتاة صغيرة الى الدكان لتشتري شيئا ... فبادرها الشيخ قائلا : اليوم صباحا وفي طريقي من البيت الى الدكان ، شاهدتُ أخاك فلانا ،يُقاتلُ حمارا ..!! ضحكنا جميعا بما في ذلك الأُخت ..!! فمعروف لدى الجميع بأن الشيخ ساخرٌ ولا يقصد الإساءة. بعد ان خرجت الفتاة ، عاتبْتُهُ قائلا : هذه فتاة صغيرة ولم يكن من اللائق ان تتحدث عن اخيها هكذا ..!! فكيف سيتقاتل مع جحش يعني !! إذ يتصارع جحشان ، وليس إنسانا مع جحش .. فأخبرني بأن القصة حقيقة ، وسمّى لي اسم أخيها ، المشهور بالعناد ، التياسة (من تيس ، يعني غبي ) "وقسوة الرأس " كالجحش ، الذي ملأ الحي صراخا على حمار يقف في وسط الطريق !! والحمار لا يفهم ولا يتزحزح !! تذكرتُ الشيخ فتحي ، وذكراه لا تغيب طويلا عن بالي ، حينما دخلتُ في نقاش مع أحد " الحمير " ..!! وهذه هي المرة الثانية التي أخوض فيها نقاشا مع "حمار" ، ويرتفع صوتي وأغضب . "الحمار " الأول ، داعشي الهوى ، تربطني به قرابة ، وجرى الحديث عن داعش وفكرها الديني ، الذي يختلف جوهريا عن القراءة الإنسانية للنصوص المقدسة الاسلامية . وحينما نصحته بقراءة القرآن أولا وقبل أن يُصدر "فتاواه " ، تطاول علي ، فغضبتُ ... وفي أول ايام العيد ، واثناء زيارتي لبيت أخي المرحوم ، حضر للمعايدة أقارب زوجته ومنهم شاب ، وهابي سلفي متزمت (وهو لا يدري طبعا ). بدأ الحديث عن الشيعة وايران ، ثم تكفيرهم وبأنهم غير مسلمين ، يسبون السيدة عائشة والصحابة ، وهذه الاسطوانة المشروخة .. كما وأنهم يتزوجون زواج المتعة .. حاولتُ أن الفتَ انتباهه ليبحث اين ورد مصطلح "المتعة " ، ومن الذي اباح المتعة ومن الذي ابطلها ..خاطبني بالقول ، بأنني أقراُ كتبا مزيفة .. غضبتُ وطلبتُ منه أن ينصحني بكتاب غير مزيف حتى أقرأه ، فلم يُحر جوابا .. غضبتُ وعلا صوتي كثيرا .. عاتبتُ نفسي كثيرا .. لكنني توصلتُ الى نتيجة ، بأن السكوت عن مقارعتهم ، سيُكسبهم أنصار جدد !! فناقشوهم حيث ثقفتموهم ، لتفضحوا جهلهم ..!! تذكرتُ الشيخ فتحي ، ودعوتُ له بالرحمة ولتبقَ ذكراه خالدة ..
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دولة أم دولتان ؟!
-
-مجاهدو - المنابر
-
- الترجمة - على أُصولها ..!!
-
-لائحة طعام - ألثورات ..!!
-
الأشرار يكسبون ..
-
من هم دواعش إسرائيل ؟!
-
واللائي لم يَحِضْنَ ..!!
-
إمبراطورية -غزة- ..
-
من أجل خاطر عيون المونوبول ..
-
الميل الجنسي والاداء الوظيفي - تداعيات على مقال الزميل كمال
...
-
رمضان والبطيخ
-
تعزية لزميلنا الكاتب شاكر فريد حسن .
-
الجشع وسِفاح المحارم ..
-
مكانة عرب إسرائيل وواقع الحال ..
-
أُوباما : أسود وخفيف !!
-
الكُنى والأسماء المُستعارة
-
وحَطِّمِ آلأصنامَ تحطيماً ..!!
-
بين الفخر والإزدراء ..
-
ثقافة السرقات الادبية ..!!
-
لآقْعُدْ على دربك ..وآرُدك ..!!
المزيد.....
-
المزيد من الـ -Minions- قادمون في فيلم جديد
-
موسم أصيلة الثقافي يعيد قراءة تاريخ المغرب من خلال نقوشه الص
...
-
شائعة حول اختطاف فنانة مصرية شهيرة تثير جدلا (صور)
-
اللغة العربية ضيفة الشرف في مهرجان أفينيون الفرنسي العام الم
...
-
تراث عربي عريق.. النجف موطن صناعة العقال العراقي
-
الاحتفاء بذكرى أم كلثوم الـ50 في مهرجاني نوتردام وأسوان لسين
...
-
رجع أيام زمان.. استقبل قناة روتانا سينما 2024 وعيش فن زمان ا
...
-
الرواية الصهيونية وتداعيات كذب الإحتلال باغتيال-محمد الضيف-
...
-
الجزائر.. تحرك سريع بعد ضجة كبرى على واقعة نشر عمل روائي -إب
...
-
كيف تناول الشعراء أحداث الهجرة النبوية في قصائدهم؟
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|