مجرد كلام سلطنة

عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)

الحوار المتمدن-العدد: 4871 - 2015 / 7 / 19 - 13:21
المحور: الادب والفن
    

مجرد كلام ـ سلطنة

عندما أكملنا الإعدادية وقدمنا أوراقنا للجامعة، نصحـَـنا الجيل الذي سبقنا بأن نحفظ أغان غربية وعدد كافٍ من أسماء مطربين وممثلين أجانب في الوسط الفني كي لا ينعتنا المخضرمون... (شكد عيب... محافظات)!
كان فريق منا قد أقنعه الكلام وصار يحفظ أسماء لامعة في هوليود*، وفريق آخر ظل يستمع للأغاني العربية الأصيلة والجميلة، كنت أنا واحداً منهم، وبهذا فقد استفدتُ من مخزوني منها دون اللجوء لغيرها إلا نادراً، وصرنا نبحث عن كل جديد، وعن القديم الخالد أيضاً.
كنا نتجمع كمجموعة زملاء في النادي، ونتبادل كاسيتات الأغاني فيما بيننا، ويتسابق البعض كـ (سبق صحفي) ليقول بأنه قد أستمع لأغنية جديدة، ويتكالب الفضوليون من الأصدقاء عليه للحصول على الكاسيت وبالتالي لأول فرصة سماعها.
× × ×

كان زميل واحد من بيننا كثير الإزعاج، كنا نسميه (الفيلسوف) وكان يتكلم كثيراً ولا يستمع إلا قليلاً ويتدخل بكل شيء ويبدي رأيه حتى بمكياج البنات وبكل ما يعرضه (أورزدي باك) من ملابس للجنس اللطيف، لكن مع كل هذا فقد صار تواجده بيننا مهم لإضفاء روح المداعبة للجلسة.
صادف أن قام احد الزملاء باستدانة (ربع دينار) منه، وحار صاحبنا بكيفية أقناعه أن يعيده لخجله المطالبة به لقلة قيمته، وتوسط لدينا حتى حصل على نصيحتنا بأن يعطيه مدينهِ (ثلاث أرباع) أخرى لتصبح (دينار) فتكون له قيمة عند المطالبة، اقتنع الرجل وفعل، وكانت النتيجة انه لم يجد ولا ابن (حلال) واحد يسانده بالمطالبة بديناره فتحيّر في أمره أكثر!

جاء يوماً وسألنا: هل سمعتم آخر أغاني هدى؟
سأل الكل: منو هدى؟
أجاب: بنت سلطان.
عندها فوجئنا بالاسم لأننا تعودنا أن ننطقه كاملاً، أي (هدى سلطان).
عندها علق زميل من بيت كبّة: آني اعرف (أم)، تعرفها أنت؟
صاح الكل: هاي بنت كلثوم!
رد آخر من عائلة المشاط: شنو رأيكم بـ... في؟
داخ الكل وسأل بنفس اللحظة: منو... في؟
قال مستهزءً بنا: شبيكم مو هاي بنت... روز!

من يومها ونسمي المغنيات والمغنين بأسماء مختصرة جداً، فصار (حل) حليم و(فر) فريد و (نج) نجاة و(فا) فائزة...
واختصرنا أسماء الأغاني، (سو) سوّاح و(مو) موعود و(هذ) هذه ليلتي...
وبدأنا نكتبها على الفسحة الصغيرة بالورقة الملصوقة على وجه شريط الكاسيت، ولأننا نهتم بكاتب الكلمات والألحان أيضاً، ولحمايته من السرقة كي لا يستطع أياً معرفة محتواه إلا نحن، أصبح من السهولة نكتب على الكاسيت...
(زي حل مح بل): زي الهوا غناء عبد الحليم كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدي.
أو (فك أم وه مح) وهي كما واضح، فكروني لام كلثوم كلمات عبد الوهاب محمد ولحن محمد عبد الوهاب...
والآن هل عرفتم هذه الأغنية: (أط أم اب ري)*؟

صرنا نسهر ليلة الجمعة نسلطن على الأغاني، عزفناعلى الكيتار وإيقاعنا على الطبل وترديدنا بشفاهنا، ونتناظر الأغاني كما في الشعر، ونتسابق في معرفة أي أغنية وأي مقطع منها بمجرد أن نردد أول كلمات منها أو دندنة بداية موسيقاها.
كانت مكتبتنا تضم مائة أغنية لأم كلثوم فقط ومائة أو أكثر لغيرها، ولدينا مسجل ستريو (أكاي)، وكنا نخوض مباراة بأن نضع كاسيت بشكل عشوائي على أحد وجهيه، ونمرر مسافة من الشريط بشكل عشوائي، ثم نستمع بهدوء تام لنرى من منا أول من يسمّي الأغنية وأي مقطع منها... أحياناً لا تستغرق عملية استكشافها سوى ثوانٍ!
(ياما حاولت أنساك، وأنسى ليالي هواك، وأنسى الزمان اللي شفتو في الوجود وياك) واختلفنا هل هو المقطع الثالث أم الرابع لأغنية هجرتك، وكان الرهان شراء كاسيت الأغنية.

كنا بعد ليلة حافلة الطرب، نعود لبيوتنا منطلقين مسلطنين، فندخل بسعادة لنجد انفسنا بذات الموقف الذي يتكرر حين نصطدم بنفس السؤال من قبل الوالدة وهي طبعاً تدري الإجابة: ها يمة قريتوا زين؟
تحصل على نفس الجواب، هزة الرأس بشكل عمودي وغلق العينين ورفع الحواجب، لتفسر الجواب بالإيجاب... لكن من غير كلام!


عماد حياوي المبارك

× بالتأكيد عرفتموها... إنها رائعة أم كلثوم وإبراهيم ناجي ورياض السنباطي ... (الأطلال).

× هوليود، مدينة السينما، تتمتع هذه البقعة التي تقع غرب مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، بحدود إدارية منذ العام 1906 يمنحها صلاحيات وأرشيف مستقل عن الولاية.
في منتصف القرن التاسع عشر، شُيّد مبنى صغير من الطين بين غابات الصبّير، وتمت زراعة الأرض ثم استملاها لتنمو مدينة صغيرة ببطء، فلم يُبنى حتى العام 1900 سوى سوق وفندق وطريق ترام تسحبه الخيول يربطها عبر البساتين بمدينة (أل أي).
تم بناء فندقاً متميزاً آخراً، ليتم جذب رجال الأعمال وبالتالي استقدام رؤوس أموال واستثمار بالمدينة ليصبح هذا الفندق في العام 1910 مركز جذب للفنانين للممثلين لشراء الفلل وليؤسسوا لصناعة لم تكن في الحسبان، فحينها قامت الحرب العالمية الأولى كان نجم المدينة قد صعد كواحدة من أبرز مدن صناعة السينما في العالم على مدى المائة عام اللاحقة... أي حتى يومنا هذا.
تجد اليوم في استوديوهات هوليود، مدينة في الفضاء وقعر لمحيط ومغارة في جبل ونفق تحت الأرض، وفيها ما لم تجده بغيرها، سجون وغرف تعذيب وإعدامات، مدن أصابتها زلازل وقنابل حتى نووية، وتجد حيوانات منقرضة ونباتات نادرة وغيرها، وكان لفتح أبوابها أمام الجمهور صداً طيباً ومنشطاً للسياحة فيها...
قلدتها مدن أخرى كثيرة في المغرب (ترودنت) ومصر (شرم الشيخ) وفي استراليا وغيرها، وحتى في لندن وباريس وروما التي كانت قبل أكثر من مائة عام قد سبقتها في صناعة السينما...
لكن المدينة الأكثر شهرة في العالم والتي تأتي بالدرجة الثانية من حيث غزارة الإنتاج (وليس جودته) هي (بوليود) الهندية، ولها عالمها الساحر وممثلاتها الهنديات الجميلات يعبقن بسحر جمال الشرق...

#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات