أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - إيهاب الدمشقي - حكايات جدي.. والكهرباء.. وداعش














المزيد.....

حكايات جدي.. والكهرباء.. وداعش


إيهاب الدمشقي

الحوار المتمدن-العدد: 4869 - 2015 / 7 / 17 - 16:51
المحور: كتابات ساخرة
    


في أيام الطفولة المبكرة، كنا نزور بيت جدي في أحد الأحياء الدمشقية الشعبية، ذلك البيت المتكئ بحنان على بيت الجيران، والذي بدوره يتكئ على البيت المجاور في سلسلة ممتدة تبدو للناظر وكأنما هي مجموعة من الأطفال الصغار تغفو في حضن أمها الدافئ.

كان جدي يجلس في صدر الليوان، ونحن مجتمعون حوله، أنا وأبناء عمومتي الصغار، فيما يجلس أبي وأعمامي مع جدتي حول البحرة، حينها كان جدي يحكي لنا عن تفاصيل الحياة أيام طفولته، كان يحدثنا وفي عينيه تبدو نظرات الحنين لتلك الأيام التي كان يصفها بالجميلة رغم بساطتها، كان كثيرا مايخبرنا كيف كان الناس في تلك الأيام يعيشون ويمارسون حياتهم اليومية ببساطة وهدوء وبدون وسائل التكنولوجيا الحديثة التي كان يصفها باللعنة، كنا نسأل جدي ببراءة: “ولكن إن لم يكن في تلك الأيام لا كهرباء ولا تلفزيون ولا هاتف ولا براد فكيف كنتم تعيشون؟”.
كان جدي يجيب وعيونه تلتمع بدمعة حنين: “كنا نزور بعضنا ونمضي أوقات فراغنا بأحاديث السمر وبلعب الطاولة و(البرسيس)، كانت (النملية) هي المكان الذي نحفظ فيه الطعام،كانت أمي -والحديث لجدي- تكوي الثياب بمكواة البخار، دعوني أريكم إياها”. ويصعد جدي الدرج ونحن نتبعه إلى غرفة كان يحتفظ بمفتاحها بجيبه، غرفة مليئة بأغراض غريبة تثير فضولنا الطفولي.

“ماهذا” أسأل جدي
“إنه جرن الكبة” مجيبا بنبرة حانية “كانت أمي بواسطته تدق اللحم لتصنع منه أقراص الكبة الشهية، وليس كما تقوم النساء هذه الأيام بإعدادها بواسطة تلك الآلة الغبية فتخرج الكبة لاطعم ولا رائحة”.

يختم جدي قصصه بدعوة إلى الله أن يعيد تلك الأيام قبل موته، ذلك الزمن الذي نراه بدائيا وصعب الظروف، ويراه جدي وجيله عصرا ذهبيا!

ويبدو أن الله قد حقق نصف أمنية جدي، فقد عادت تلك الأيام، ولكن جدي قد توفي منذ زمن ليس بالبعيد.

فنحن اليوم في دمشق قد دخلنا تلك العصور الذهبية من أوسع أبوابها،وعلى يد حكومتنا الرشيدة، أصبحت الكهرباء ضيفا خفيفا لايكاد يزورنا ساعة حتى يغيب دهورا، فلم نعد بحاجة لا إلى تلفزيون أو براد أو موبايل أو غسالة، وبفضلها أيضا -أي حكومتنا الموقرة- أصبحنا نستيقظ على آذان الفجر بكل نشاط وحيوية ونحمل “بدوناتنا” الفارغة قاطعين القفار والمفازات إلى أقرب واحة لننهل منها ماءا عذبا سلسبيلا بعد أن استحكمت الغيرة في موظفي وزارة المياه من زملائهم في وزارة الكهرباء، فباتت المياه حلما صعب المنال في مدينة كان نهر بردى يفيض فيها مغرقا أشهر ساحاتها “ساحة المرجة” بمياهه الوافرة، ونحمد الله بأن لا وزارة هواء قد شكلت بعد، وإلا لكانت ربما حرمتنا أيضا أكل “الهوا” الذي نمارسه مجبرين.

زرت قبر جدي منذ أيام خلت، ورويت له كيف بدأت حلمه يتحقق، وبشرته أن مابقي من آثار التكنولوجيا المعاصرة في طريقه إلى الزوال أيضا، فهاهي داعش قادمة لتعيدنا ليس فقط ثمانين عاما وإنما ألفية ونصف ألفية.



#إيهاب_الدمشقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - إيهاب الدمشقي - حكايات جدي.. والكهرباء.. وداعش