جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 4866 - 2015 / 7 / 14 - 16:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الصفوية .. فارسية المولد عراقية بالتبني
جعفر المظفر
كانت كلمة الصفوية تثيرني, وأعترف أنها ما زالت تفعل ذلك, لأنها غالبا ما تأتي في سياق حملات سياسية تسقيطية لا تغيب صفة العنصرية عنها. ويوم تتصاعد المجابهات البينية بين إيران وخصومها على الجانب العربي فإن إعادة التذكير بهذه المفردة يصبح جزءا اساسيا من مشهد إعلامي سياسي تراشقي يتخطى الحاجز السياسي إلى الإجتماعي ولتجمع بين دفتيها ثقافة يصعب الفصل فيها ما بين السياسي والطائفي والعنصري.
إن الشيعي العراقي باتت تثيره سلبيا هذه الكلمة بدلا من أن تستفز فيه مهمة ملاحقتها كظاهرة يومية متخلفة. لكن المقارنات التي تنعقد بين مستويات التحضر على الجانبين العراقي والإيراني, والتي يثيرها بين الحين والآخر رجال من أولئك الذين تسنح لهم فرص زيارة إيران أصبحت مدعاة لملاحقة أصل المشكلة بقدر عالي من دقة التوصيف وعمق التفسير. لقد صارالفرق كبيرا وأصبحت المقارنات مدعاة لإثارة الحزن والأسى, فهذا كاتب من الذين زاروا إيران أخيرا ينقل إلينا مشاهد تغري على طرح الكثير من التساؤلات المهمة.
اول هذه التساؤلات وأهمها هو لماذا كل هذا الفروق في التحضر والسلوك الإجتماعي على صعيد الشارعين العراقي والإيراني ؟!, والتفوق الكبير فيها هو لصالح إيران طبعا في مشاهد تبعث على الأسى عراقيا, رغم أن الدولتين محكومتان بنفس الفكر السياسي الديني الذي يتصدى لقيادته رجال من المذهب الشيعي الواحد, وإن أغلب من يحكمون العراق حاليا كانوا عاشوا فترات طويلة في إيران مما يجعلهم في غنى عن الإرشاد والتوعية .
ومما يثير الإتباه حقا هو الفرق الكبير في مشاهد الحزن العاشورائي وتمظهره على الجانبين حتى بات من الممكن القول ان شعار (كل يوم هو عاشوراء وكل أرض هي كربلاء) قد تم تحقيقه في العراق بقوة وبزمن قياسي في حين ان مظاهره في إيران باتت محدودة بنوعية من النشاطات التي يمارسها اغلب الإيرانيين بإعتدال وباشكال لا تؤثر مطلقا على حركة الدولة والمجتمع . فما أن يزال سردادق للحزن واللطم والبكاء والزنجلة والتطبير حتى يقام سرادق آخر. ويبدو الأمر بكل وضوح غير منسلخ ابدا عن تخطيط يرتبط بقوة مع نوايا ليس منها مطلقا الحزن الصادق على شهيد كربلاء, بل هو الطمع والجشع وحب السلطة والفساد ذلك الذي يدفع بمن يدعي محبة الحسين أن يسوق مظاهر الحزن عليه لأغراض خاصة تتقاطع مع اخلاقية الإستشهاد ذاتها.
لقد إعتدنا أن نشير إلى إيران كونها مصدر هذا النوع من التشيع, اي الصفوي, لكن المقارنات التي عقدها رجال زاروا إيران أخيرا جعلتنا على يقين أن ظاهرة التشيع الصفوي لم يعد لها وجود في داخل إيران ذاتها , بل انها باتت الان تُصَّنع كاملا على الأراضي العراقية وداخل دهاليز عقول الكثير من رجال السياسية واصحاب العمائم العراقيين انفسهم الذين إكتشفوا أن قضية التشيع الصفوي وليس التشيع العلوي, هي التي تتيح لنظامهم الفاسد قدرة الإستمرار.
وقصة التشيع الصفوي في إيران واهدافه معروفة, لكن هذا النوع من التشيع, المتقاطع أصلا مع التشيع العلوي, قد فقد فاعليته مع إنتهاء الحاجة إلى الوظيفة التي جاء من اجل تأديتها, والتي يكمن جلها في حسم عملية الإستيلاء على السلطة في إيران من قبل العائلة الصفوية ومن ثم تفعيل التعبئة المذهبية ضد العثمانيين في زمن الصراعات التوسعية ذات الطابع الديني.
لقد خدم التشيع الصفوي إيران في مرحلة, لكنه عاد ليتعبها في مرحلة أخرى. وما إن زالت الحاجة الأساسية التي إستدعته حتى بدأ المجتمع الإيراني نفسه عملية الملاحقة الذاتية للتخلص من الإعباء التي خلقها هذا النوع من التشيع, وقد ساعده على إنجاز المهمة, إضافة إلى نفاذ الأهداف التي جاء لتحقيقها, موروث حضاري فارسي لم يستطع الصفويون ترويضه تماما.
كان علماء الدين الفرس في مقدمة من رفضوا مظاهر التشيع الصفوي ومن ابرزهم الخميني. اما خامنئي فلم يتردد عن إرسال أكثر من خمسة آلاف عسكري لتفريق مسيرة دينية أراد اصحابها ممارسة الشعائر الدينية العاشورائية مستعملين مشاهد التطبير لشق الجباه والزنجيل لجلد الظهور.
وبالتأكيد فإن أحد أهم العوامل التي ساعدت المجتمع الإيراني على تجاوز الثقافة الصفوية وما يرتبط بها من ممارسات مقيتة هو غياب التحديات التي عادة ما تثيرها الثنائيات الطائفية أو الدينية برعاية من فاسديها. ونرى أن الشيعة الإيرانيين غير مستفزين من قبل طائفة سنية مقابلة بما قد يفعل الحاجة إلى إنغلاق على الذات.
وبغياب ثقافة المظلومية فقد صارت الشيعة هناك اقدر على الإنفتاح والتطور بعيدا عن العزلة والتشرنق والإنكماش. وفي داخل بيئة حضارية متوارثة فإن القدرة على التخلص من الإرث الصفوي كانت متيسرة, خاصة وإن الحاجة السياسية لوجود التشيع الصفوي قد إستنفذت أغراضها بعد أن هدأت خاصية هذا التشغيل سياسيا, سواء على صعيد هيمنة العائلة الصفوية على السلطة في إيران أو على صعيد حاجات المجابهة مع الدولة العثمانية.
على الجانب العراقي, ومع النظام الطائفي الحالي, تبدو الحال في يومنا الراهن معكوسة لأمور عدة أقلها تأثيرا العامل الذي يفسر الامور على طريقة نظرية المؤامرة واضعا تأثير العامل الذاتي في مقام ثانوي, وهو تفسير يلقي بعواهن الأمور وتبعاتها كليا على وجود مؤامرة صفوية إيرانية تستهدف الحالة العراقية لأغراض ذات علاقة مباشرة بالنزاع العربي الفارسي ومحاولات الهيمنة على العراق.
ولا يعني ذلك غياب نوايا وفعل إيراني بهذا الإتجاه ولكنه يحمل دعوة صريحة للإلتفات إلى العوامل الداخلية التي جعلت الثقافة الصفوية مُلكية عراقية بالدرجة الأساس, فالثقافة الصفوية أصبحت اليوم ظاهرة عراقية في المقام الأول لأن الحاجة إليها عراقيا باتت مرتهنة بالفوائد التي تجنيها حاليا حركة الإسلام السياسي الشيعي في العراق, وهي حاجات باتت تتقدم بمسافة على فعل التوظيف الإيراني نفسه.
لقد كانت الصفوية فارسية المولد لكنها صارت عراقية بالتبني.
وأحرى بالشيعة العرب, وفي المقدمة منهم العراقيون ان يعودوا شيعة لعلي لا شيعة لإسماعيل الصفوي. وهو أمر لن يتحقق ابدا إلا في ظل نظام علماني يحرم عمل الأحزاب على اساس ديني.
وسواء أكانت هذه الأحزاب شيعية أم سنية, فما ظل هناك إختلاط بين الدين والسياسة فإن خطوط إنتاج هذه الثقافات المريضة تبقى شغالة على مدار الساعة.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟