|
فارسٌ وجميلة وبعض خيال
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4865 - 2015 / 7 / 13 - 08:43
المحور:
الادب والفن
في تراس أحد فنادق "أبو ظبي"، قبل شهور قليلة، مع مطلع هذا العام الحزين، كنتُ أجلس مع الصديقين، سامر أبو هواش، الشاعر والروائي والمترجم اللبناني المرهف، والدكتور علي بن تميم، المبدع الإماراتي عاشق التراث العربي والباحث في الشأن الشعري ومدير مشروع "كلمة" للترجمة، أحد أهم الجسور المعرفية العملاقة بالوطن العربي. كان مساء 17 يناير، وكنا نتحدث عن مصر وعن الشعر وعن الحياة. وفجأة شحُب لونُ سامر وهربتِ الكلماتُ من شفتيه وهو ينظر إلى شاشة هاتفه ويهمس: “معقول؟! ماتت فاتن حمامة؟!” ولم نصدّق! خاصةً أنني كنتُ قد التقيتُ بها قبل شهور قليلة في دار الأوبرا المصرية في حفل عيد الفن مع الرئيس السيسي، وكانت مشرقةً آسرةً، وابتسامتُها العذبة تسرقُ العيون كعادتها. ثم بدأت الأخبارُ تتضارب. فثمة من ينفي رحيلها من عائلتها، وثمة من يؤكد من الصحفيين. أمسك ثلاثتُنا كلٌّ هاتفه لمطاردة الخبر. وكلٌّ منّا يُمنّي النفس بأن تكون شائعة كعادة ما نسمع عن رحيل الفنانين كل نهار. راح د. تميم وأبو هواش يكلّمان وكالات الأنباء والصحفيين في الإمارات وخارجها، وأجريتُ أنا عدة اتصالات ببعض أصدقائي من الفنانين المصريين، الذين انقسموا بين التأكيد والنفي. إلى أن أكّد لي الخبرَ الموجع صديقي الجميل "سامح الصريطي"، فما عاد لديّ أيُّ شكٍّ في صحة طيران الجميلة للسماء. لأن الصريطي، ليس فنانًا مثقفًا ومناضلا نبيلا وحسب، إنما يحتلُّ مكانة "الأخ الروحي" المقرّب لكل فناني مصر وأدبائها ومثقفيها. لم أر حزنًا يجتاحُ عينيْ شاعر، كما غشتْ سحابةُ الأسى ملامح سامر أبو هواش، بعد تأكُّد الخبر. أطرقَ الفتى إطراقَ عاشقٍ فقد حبيبته فجأة دون مبرر ودون إنذار. نصفُ قرن يفصل بين مولدها ومولده، وربما لم يلتقيا أبدًا، على أنها تمثّل له، ولجيله من شباب الوطن العربي، فتاةَ الأحلام ونموذجَ المحبوبة الرقيقة التي تعرف كيف تتكلّم ومتى تصمتُ لتنظرَ في عيني حبيبها فتقرأ قلبَه، وكيف تشيحُ بوجهها في خفر وحياء، وكيف تنتقي فساتينها الباليرينية ذات الخصر النحيل والكلوش الواسع كفراشة غيداء ملوّنة، وكيف تقصُّ شعرها الأسود الفاحمَ "آلا جارسون" كما الأميرات. طارت الجميلةُ عن عالمنا وخلّفت وراءها مجدًا لا يأفُل، وقلوبًا ملايينَ حصدتْها عبر حياتها بابتسامتها الطفولية، وعبوسها الغضوب، وشقاوتها الهادئة، وأناقتها الأنوثية الطافرة، وعمق أدائها الفنيّ الفطريّ الآسر. يا لشؤون القلم وأوامره التي يصدرها فنصدعُ لها صاغرين! بدأتُ المقالَ أنتوي الكتابة عن فارس الأميرة الذي طار بالأمس، فإذا المقال قد أوشك على الانتهاء، ومداد قلمي قد شارف النفاد، ومازلتُ أكتبُ عن الأميرة التي تركتِ الفارسَ، فلحق بها بعد شهور قليلة. حين نتكلم عن الجميلة والفارس، فاتن حمامة وعمر الشريف، فإننا نستقي الحدوتة من شاشات الأفلام، لا من الحياة الواقعية. فرغم أن فاتن حمامة قد انفصلت عن عمر الشريف، وتزوجت بطبيب الأشعة المحترم د. محمد عبد الوهاب وعاشت معه حتى وفاتها حياة أسرية هادئة طيبة، إلا أننا نجدلُ أسطورتنا الخاصة من حكايا أفلام فاتن وعمر، تلك التي غمرت أرواحنا بالحب والرومانسية والغيرة والوجل وتباريح الهوى. شرّقَ الفارسُ وغرّب، وجاب الأرضَ أسفارًا وأفلامًا ومغامراتٍ وحكايات وقصصًا تملأ شاشات نشرات الأخبار وصفحات الصحف والمجلات. لكن حكايته مع الجميلة وحواديت أفلامهما تظلُّ هي تاريخَه الخالد، وتاريخها، وتاريخ طفولتنا وصبانا وغرامنا. يطيبُ لنا أن نصدّق، نحن صنّاع القصائد وحابكو الحكايات ومؤلفو السرديات الحالمون، أن العاشق لم يُطق غياب حبيبته، فطار إليها. عاش عقودًا في باريس بين أضواء سينماتها وفلاشات كاميراتها وصخبها ونورها، وعاشت عقودها الأخيرة في القاهرة في بيتها الهادئ بين تراثها الخالد القديم، وأعمالها الدرامية الجديدة التي أكدت أن الموهبة حيةٌ لا تموت ولا تخفُت. فرّقت بينهما تصاريفُ الحياة وانتهت حدوتة الحب بينهما، لكن الشاشة عنيدةٌ، لها قانونها الخاص وذاكرتها التي لا تبلى. تظلُّ تذكّرنا الشاشاتُ بقصة حب قديمة طوت صفحتَها منذ عقود طوال. فيطيب لنا، نحن العشّاق، أن نصدّق أن العاشق ترك باريس ليلحق بجميلته في السماء، بعدما تركت القاهرة وطارت إليها قبل شهور. شكرًا للفن الراقي الذي يُلهمنا ويمدّنا بالحياة والخيال. وشكرًا للخيال الذي يرسم لنا بورتريهات غير حقيقية لكنها أجمل من الواقع. وطوبى للفارس والجميلة اللذين ملآ حياتنا حبًّا وسموًّا. ملأ اللهُ كفّيهما بالحسنات وطيبات الجنّة، لقاء ما أبهجا حياتنا وملآها حبًّا.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليه كده يا أم أيمن؟!
-
لماذا أكتب في -نصف الدنيا-؟
-
القرضاوي يفخّخ المصريين بالريموت كونترول
-
أصعبُ وظيفة في العالم
-
شركات الاتصالات: اخبطْ راسك في الحيط
-
السراب
-
وسيم السيسي... سُرَّ من رآك
-
في مهزلة التعليم.... المسيحيون يمتنعون
-
فانوس رمضان
-
درجة الإملاء: صفر
-
-الحرف-... في المصري اليوم
-
هدايا لم تُفتح منذ مولدك
-
مصرُ ... وشخصية مصر
-
شيخ الكافرين
-
رحلتي للسماء
-
رسالة من ذوي الإعاقة إلى الرئيس السيسي
-
سلطان القاسمي... أحدُ أبناء مصر
-
ليس بوسعي إلا السباحة ضد التيار
-
قبل أن تُحبَّ صحفية
-
عكاشة والسيسي
المزيد.....
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
-
فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في
...
-
” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|