أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد بلغربي - الإيروتيكية في الأدب الأمازيغي القديم: أبوليوس أنموذجا















المزيد.....

الإيروتيكية في الأدب الأمازيغي القديم: أبوليوس أنموذجا


سعيد بلغربي

الحوار المتمدن-العدد: 4861 - 2015 / 7 / 9 - 19:20
المحور: الادب والفن
    


شكلت الموضوعات الإيروتيكية بشقيها الرغبة والقذارة على مر العصور أحد أهم العناصر الجاذبة التي إستأثرت الأدب الكوني، ويتضح هذا جليا من خلال رواية الحمار الذهبي التي تعج بمواقف الجنس كخيط أساسي يحرك أحداثها، ويمنح لها رونقا خاصا ومتعة للقراءة.
في منحى خاطئ، حاول الكاتب الليبي فهمي خشيم (1936-2011) وضع ترجمة باللغة العربية سمّاها: (تحولات الجحش الذهبي)، وقد ظهرت عام 1980م، وهي رواية ناقصة، فقد إعترف الكاتب صراحة أنه تعمد عندما تجاوز بعض تفاصيل العلاقات الغرامية التي يحتويها ذلك المتن الأدبي ". ونؤكد هنا، أن لا مجال لمقارنة وتأويل حضور موضوع الإباحية في إطارها الرمزي البدائي بخلاصات وآراء النقد الأدبي الحديث الذي إشتغل على هذا النمط كعنصر للإغراء والتشويق، وإلاّ سَنُفسد بلا شك، المغزى والبعد الحقيقي الذي إبتغاه أبوليوس من خلال المعالجة الإجتماعية لقصصه الحاملة لقيم التغيرات الحضارية ومن بينها الجنس في بعده التاريخي.
في الموضوع ذاته، لا يمكن أن نتحدث في رواية الحمار الذهبي عن الطابو في إتجاهه الآثم، بقدر ما نفترض أنه سلوك عادي لا يثير أي إنفعال، فأبوليوس حاول نيل الشهرة عبر الترويج النفعي لكتاباته التي تحمل طابع السخرية والطرافة وذكر النوادر والمغامرات التي مر بها، إلاّ أنه، لم يكن يسعى إلى ذلك عبر أساليب الإغراء الجنسي من خلال سرد قصص ممارسة الحب الفاضحة بين الحمار الممسوخ وعاشقاته.
وكتعبير عن رفضه للجنس القذر غير المقنن؛ تُصور لنا آخر أجواء الرواية، إنتفاضة إنسانية لوكيوس الحمار، حينما تلصص ثياتوس على عنف فحولته الجنسية، وقرر إدراجه كمشهد تهكمي في ألعاب السرك المفتوحة التي سيقيمها.. أقتيد الحمار مع إمرأة جانحة حُكم عليها بمضاجعة الحيوانات، حينها أحس لوكيوس بالإهانة، وفضّل الإنتحار على أن يأتي مثل هذا التصرف المشين المثير للإشمئزاز، إلاّ أنه وفي موقف طريف، قرر الهروب نحو الخلاص، ويمكن أن نعتبر هذا التمرد التاريخي ثورة رمزية قام بها بطل الرواية على مبادئ التفسخ الخلقي والإﺳ-;-ﺘ-;-ﺮ-;-ﻗ-;-ﺎ-;-ق الذي كان سلوكا شائعا حينها.
إرتباطا بنفس الموضوع، نقرأ في المجلد العاشر من الرواية، قصة فرعية لإمرأة وقعت في حب ربيبها، راودته عن نفسه بكل أساليب المكايدة والإغراء، إلاّ أن سحر الإغواء لم ينفع مع الفتى الذي لم يستسلم لنزوات زوجة أبيه، فحاولت قتله بالسم. نلمس بوضوح إنفعالات أبوليوس الرافض لهذا السلوك الدنيء، الذي أثار لديه موجة من السخط والإستنكار، معبرا عنه بالجريمة الشنعاء، واصفا الزوجة بالسافلة والمنحطة. من خلال هذا، نستطيع أن نكتشف الأثر السلبي البالغ الذي شكلته وقائع القصة على نفسية أبوليوس الرافض لمثل هذه الإنحرافات الجنسية الشاذة (عهر الأصول). إلاّ أن العدالة في هذه النازلة التي تتبعها الرأي العام المحلي بحشود كثيرة حكمت على الزوجة بالنفي المؤبد.
لقد أقر أبوليوس في كتاباته على أنه تأثر بشكل قوي بالحركة الإبداعية الهلينية، المثقلة بأساليب الجنس البذيء، يقول م. ديتيان: »أن ميثولوجيا اليونان مليئة بالحكايات الماجنة التي يقال فيها كلام داعر وتُحكى بلغة فاسقة « ، ونحاول أن نلمس هذه التأثيرات من خلال أجواء الحمار الذهبي المليئة بمشاهد الجنس والحركة، حيث كان لوكيوس يغزو قلوب فاتنات تاسلي الرهيفة ويغدق عليهن بسخاء من الكلام المعسول والمداعبات الوديعة وهو الخطيب العارف بجواهر البلاغة وزخرفة الكلام الذي يثير لطفهن، يترنح بينهن ثملا، مغازلا مفاتن أجساد أنثوية طرية وليّنة بزيت الزيتون، واصفا شبقهن اللامحدود وعهرهن المثير، مميزا بين العفيفات منهن وبائعات الهوى، منتشيا معهن بكل ما أوتي من رائحة النبيذ وهو يقبل كما يقول: »شفاه رقيقة ندية برحيق الآلهة« . وهناك نص مكتوبة بشكل تعبيري وإيحائي أكثر جمالية، يصف فيه هذه الحميمية، بقوله: »لم أستطع مقاومة عذاب الشّهوة أطول، فإقتربت منحنيا، وطبعت على محطّ خصلها، من حيث يصعد شعرها إلى قمّة رأسها، أعذب قبلة، إذاك أدارت رأسها وغمزتني بعينين تلتمعان إغراء. وقَالت: إنتبه أيها التلميذ المشاغب ! ها أنت تتناول مقبلات حلوة ومرة. فحذار أن تثير بحلاوة العسل المفرطة مرارة الصفراء المستديمة ! أجبت: ماذا تقولين يابهجتي، أنا مستعد من أجل قبلة واحدة تحيي مهجتي، حتّى لأن أصلي ممدّدا فوق هذه النار «.
بالعودة إلى سيرته الشخصية، قد نكتشف من ثنايا إبداعاته ما يبين ولعه بالعهر والمثلية، ومداومته على حضور حفلات الجنس الجماعي المليئة بالمجون الصاخب، وهي مآدب كانت مألوفة ومشاعة بين الناس ولم تكن في حد ذاتها عملا شائنا، إضافة إلى الإنتشار الواسع لأوكار الدعارة في ربوع المستعمرات الرومانية، تصف لنا بشكل دقيق قصة سقراط الفرعية التي إستهل بها أبوليوس روايته الحمار الذهبي وكرا تديره ساحرة عاهرة. في هذا الصدد، يتحدث ب. فريشاور عن هذه الظاهرة في أفريقيا الرومانية، قائلا: »نحن نعلم أن المقاهي وبيوت الدعارة قد إزداد عددها« . وفي الموضوع نفسه، تسمح لنا تماثيل الرخام الأبيض النقي ونقوش العصر الروماني المكتشفة بشمال افريقيا برؤية واضحة تذكرنا بتفاصيل رموز العري والعشق كموضوع أساسي يؤثث مشاهد الميثولوجيا لهذه الفترة.
تشير الإخبارات التاريخية إلى أن المجتمع والمشرّع الروماني تساهل مع المثلية بمستويات تختلف حسب الأفراد والعلاقات التراتبية التي تنظم السُلم الطبقي، في هذا الصدد يلمح ك. باسكال إلى أنه "لم يميز اليونان ولا الرومان قط بين المثلية وبين إشتهاء الجنس المغاير "، وبنفس التعبير يشير ب. فريشاور إلى أن الرومان "كانوا يولعون حبّا بالنساء، ولكن ولعهم بالأولاد والمراهقين كان أعظم "، كما يشير المؤرخ اليوناني ثيوبومبس (380 ـ ؟ ق.م)، بقوله: »إلى أن اللواطة عندهم كانت عادة مقبولة، وهم يجهلون كل شعور بالخجل حيال الأمور الجنسية« ، وهي السلوكيات التي أدت لاحقا إلى أفول نجم الإمبراطورية الرومانية حسب دراسة حديثة للمؤرخ الإيطالي روبيرطو ديماتيو التي وصف فيها هذا الأخير قرطاجا بأنها كانت" جنة العهر والشواذ جنسيا".
في نفس السياق، ما فتيء أبوليوس يصف تمايل وغنج الغلمان في أجواء روايته بطريقة مثيرة، يتضح ذلك جليا من خلال قوله: »صبي غض الجمال يؤدي رقصة رشيقة غنجاء، متلوّيا في إنعطاف وإرتخاء، مثيرا إعجاب كلّ الحاضرين، كأنه في تثنّيه تلك الحيّة المباركة الملتفّة في إنسياب حول صولجان إله الطّب« . وفي كتابه المرافعة، ظل أبوليوس يعبر بصراحة عن ميولاته الجنسية المثلية ورغبته في مواقعة الغلمان، وهي من بين التهم الثقيلة التي بسببها أحيل إلى المحاكمة، نسمع إليه وهو يدافع عن نفسه في أجواء صاخبة، قائلا: »لكن أي سحر أو أي سوء في أني تغزلت في قصيدة بغلامين لصديقي أسكريبونوس لايتوس؟ أم ترى أنا ساحر لأني شاعر؟«، ومن نفس المشاهد نستمع إلى نموذجين من هذه القصائد الماجنة التي نظمها في مغازلة غلامين، يقول في إحداها:
ـ »كرتياس أنتَ لذّتي وخلاصي. ويبقى لكَ في وجداني نصيبك ياحياتي خارينوس. لاتخف: لتحرقْني نارك وناره كما تشاء فلاصبرنّ على هذين اللّهبين ما دمتما لي. ليتني بهذا أكون عندكما ما يكون الواحد عند نفسه. ستكونان إذن لديّ بمثابة عينيّ« .
وفي نشيد آخر، يقول:
ـ »ضفائر من الزّهور، وأعذبَ الهوى وهذه الأبيات أهديك: أشعاري أقدّم لك. ضفائر لروحك. أشعار لنتغنّى بهذا السّنا الحبيب الذي يهلّ عليك في ربيعكَ الرّابع عشر، (..) وتزّين بالأزهار زهرة شبابك، وتعطيني في مقابل زهرة الرّبيع ربيعَك، (..) وتردّ لي مقابل الزّهور المضفورة ضمّة من جسمك، ومقابل الورود قُبُلا من شفتيك المتورّدتين« .
تُصور لنا رواية (الحمار الذهبي) شخصية أبوليوس بالفتى الهادئ، الخجول، المُفعم بالحيوية والشجاعة، لم تكن ملامح أبوليوس الذي وصفه باسكال بالرجل الشيطاني غريبة عن القرطاجيين، إلى جانب بنيته الجسدية المقبولة التي أهلته إلى أن يكون ودودا بين العامة، ملامح جاء وصفها في الرواية، بقوله: »كنت سأشيم بحقّ من وسامة مظهرك وحسن خفرك «، وكأنّ أبوليوس ـ هنا ـ يحاول أن يقلد هيئة الأبطال الإغريق الأسطوريين الذين تصورهم الميثولوجيا الإغريقية بأنهم كانوا دائمي الشباب والقوة، في نفس المعنى، نجد ميدالية خشبية يمكن مشاهدتها الآن في متحف باريز للميداليات، يعتقد أنها لأبولوس وهو في شبابه، يستطيع المرء أن يلمس قسمات وجهه الوسيم ومدى الإعتناء الذي آله لخصلات شعر رأسه ولحيتة المتدلية بإتقان، إلى جانب لباسه الصيفي الذي يتكون من قطعتي جلد رقيقة يلاحظ أنها حيكت بمهارة، وأن يكتشف إمتلاكه لجانب من لياقة ومرونة بدنية عالية، وهي مواصفات تنم على أن الكاتب كان معتنيا بهندامه وأناقة مظهره الخارجي وفقا لذوق العصر.
تحملنا الرواية التي من المحتمل أن يكون أبوليوس قد كتبها في سن المراهقة؛ إلى عالم مليء بالمغامرات، حيث يبدو لنا لوكيوس بالبطل القوي؛ القادر على تحمل أهوال السفر ومشاقها. والتصدي لتلك التحديات هي في حد ذاتها قرائن تدل كما يؤكد ف. خشيم على أن "أبوليوس كان شابا عندما كتب الرواية " وكان في سن متقدمة من حياته، سمحت له بإعتناق جميع المغامرات بالقوة الدافعة لطموحاته العديدة التي لا يمكن أن تتحملها إلاّ مرحلة الصبا والشباب.

ـ سعيد بلغربي
كاتب أمازيغي، المغرب.



#سعيد_بلغربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معالم التطور الأدبي في المجتمع الأمازيغي القديم
- -;-الأدب النسائي في المجتمع الأمازيغي القديم
- -;-إشكالية التجنيس في الأدب الأمازيغي القديم
- الأدب الأمازيغي القديم… شذرات في الأصل والبدايات
- -;-الأدب الأمازيغي والحركات الفكرية في شمال أفريقيا ...
- واقع النخبة الأدبية في المجتمع الأمازيغي القديم
- الحياة الأدبية في المجتمع الأمازيغي القديم… الموهبة في خدمة ...
- الأدب والحروب في المجتمع الأمازيغي القديم
- قراءة في كتاب:وراء باب الفناء، الحياة اليومية للنساء الريفيا ...
- شعر الشعب يريد إسقاط الأصنام
- الكتاب الرقمي الأمازيغي في الإنترنيت
- الطفل الأمازيغي و الإنترنيت
- صورة البلد وقصص أخرى
- الإعلام الإلكتروني الأمازيغي/ مدخل إلى دراسة نظرية وتحليلية ...
- الإعلام الإلكتروني الأمازيغي/ مدخل إلى دراسة نظرية وتحليلية ...
- الإعلام الإلكتروني الأمازيغي/ مدخل إلى دراسة نظرية وتحليلية ...
- الإعلام الإلكتروني الأمازيغي/ مدخل إلى دراسة نظرية وتحليلية ...
- الإعلام الإلكتروني الأمازيغي/ مدخل إلى دراسة نظرية وتحليلية ...
- الإعلام الإلكتروني الأمازيغي/ مدخل إلى دراسة نظرية وتحليلية ...
- الإعلام الإلكتروني الأمازيغي: مدخل إلى دراسة نظرية وتحليلية ...


المزيد.....




- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد بلغربي - الإيروتيكية في الأدب الأمازيغي القديم: أبوليوس أنموذجا