محنة التنويريين العرب

وليد يوسف عطو

الحوار المتمدن-العدد: 4861 - 2015 / 7 / 9 - 15:29
المحور: حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير
    

مقدمة :


اصدرت دار (الكتب خان للنشر والتوزيع) – القاهرة ,كتابا ثمينا جدا للمفكر والباحث واستاذ اللغة العربية والدراسات الاسلامية في جامعة لايدن في هولندا ( سابقا )الراحل الدكتور نصر حامد ابو زيد , ترجمة :نهى هندي – ط 1 – 2015 ,يروي سيرة حياته.

اقترحت الاستاذة استر نيلسون على نصر حامد ابو زيد ان يكتب سيرته الذاتية , فقال لها :
( اود لو اكتب كتابا كهذا بالانجليزية , لكنني اتحدثها افضل مما اكتبها ) . وهنا جاء دور الاستاذة استر نيلسون في كتابة سيرته الذاتية باسلوبها الخاص باللغة الانجليزية .

ازمة الفكر التنويري في العالم العربي

( 1 ) :

انهى نصر حامد ابو زيد الدراسة في جامعة القاهرة عام 1972 وعين معيدا في كلية الاداب – قسم اللغة العربية . واجهته عقبة مهمة هي اختيار مجال البحث في الدراسات العليا . حيث اخبره القسم انه بحاجة الى طالب يتخصص في الدراسات الاسلامية .في حين تردد ابو زيد بسبب قراءاته السابقة لمحنة المفكرين التنويريين الاسلاميين .

( 2 ) :

كتب نصر حامدابو زيد عن قضية علي عبد الرازق 1925 مؤلف كتاب ( الاسلام واصول الحكم ) , حيث طرح فكرة نهاية الخلافة . فالخلافة من وجهة نظره ليست ضرورية للاسلام , لكنها كانت مجرد حكم سياسي طبقه المسلمون , ويقول في سيرته:

( الاسلام في واقع الامر لايصر على شكل معين من الحكم . لم يدع محمد ابدا انه ملك او حاكم , لقد كان دوره هو قائد ونبي في المدينة. وترك الامر للمسلمين ان يقرروا شكل نظام الحكم الذي يريدون. كان عبد الرازق يسير فوق الاشواك ببحثه هذا , في الوقت الذي كانت تعتبر فيه الدولة والاسلام كيانا واحدا ) .

لقد كان طموح الملك فؤدا في مصر ان يعلن نظام الخلافة الاسلامية ,وكان كتاب علي عبد الرازق يعرض مشروعه السياسي للخطر . وهو ماجعل الحكومة المصرية تستعجل في التخلص من عبد الرازق .

لقد كان عبد الرازق قاضيا شرعيا خريج مؤسسة الازهر , وكان باحثا مسلما حاول اعطاء الاسلام مفهوما حداثيا .لقد شكل الازهر لجنة تحقيقية , حيث اقرت اللجنة اتهامه بالخروج على الاسلام ,اي الهرطقة . تم اقالته من منصبه , وتم سحب الدرجات العلمية التي حصل عليها منذ ان كان طالبا .

الشخصية الثانية هي طه حسين , حيث حصل على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون , تحت اشراف عالم اجتماع فرنسي هو ايميل دور كاليم ( 1858 – 1917 ) . في عام 1926 نشر طه حسين كتابه ( الشعر الجاهلي ) والذي احدث ضجة كبيرة .

كان من المتفق عليه في بداية القرن العشرين ان لغتي شمال الجزيرة العربية وجنوبها مختلفتين . لكن حين اجرى طه حسين بحثه عن الشعر الجاهلي وجد ان شعراء من اليمن واخرون من شمال الجزيرة العربية يعبرون عن انفسهم بلغة متطابقة .

ولان الشعر الجاهلي ( ماقبل الاسلام ) لم يعكس الاختلاف اللغوي , لذا استنتج طه حسين ان هذا الشعر كتب بعد ان اوحي بالقران الى محمد .اي ان الشعر الجاهلي تم تدوينه بعد ظهور الاسلام .

وقد ذكر طه حسين ان القصة القرانية لوصول ابراهيم لمكة مع زوجته هاجر وابنه اسماعيل ,هذا الحدث يؤرخ لوحدة الجزيرة العربية بلغة واحدة , بحسب نصر حامد ابو زيد , كانت مكة تتناقلها شفاهيا قبل نزول القران . استنتج طه حسين ان القصة القرانية تم تحويرها واعادة تقديمها عن طريق العرب ( السكان الاصليين للمدينة ) نتيجة لهجرة اليهود من اليمن الى المدينة .

القادمون الجدد من اليهود كانوا غرباء , ولهذا نشا الصراع بينهم وبين السكان الاصليين . ولتطويق ولانهاء النزاع , نسج العرب قصة توضح ان اليهود والمسيحيين ينتمون الى جد واحد , هو ابراهيم, وهي قصة لدمج الوافدين الجدد في المجتمع .

وبما ان القصة كانت معروفة قبل القران , لذا استخدمها القران ليربط نفسه ببعض التقاليد الابراهيمية . انها قصة شعبية تقول اننا ننتمي الى جد واحد .اراد طه حسين القول القول ان القصة يجب الا تؤخذ كحادث تاريخي , فهي ربما لم تحدث بالضرورة في سياق التاريخ .

لقد استخدم القران تلك القصة ليؤسس اقدميته كواحد من الديانات التوحيدية .وعلى الرغم من ان طه حسين اعتبر القران المصدر الاكثر صدقا لفهم الحياة الاجتماعية والدينية للعصر الجاهلي , فان كتابه اثارزوبعة كبيرة . حيث وصل الخلاف الى البرلمان المصري . وصار طه حسين متهما بالاساءة للاسلام .

قام النائب العام قبل محاكمة طه حسين , وكان رجلا مستنيرا , بقراءة كتاب طه حسين , وتوصل الى ان طه حسين لم يكن لديه نية للاساءة الى الاسلام . لقد كان عملا فكريا فقط . لقد تاثرت سمعة طه حسين كثيرا بسبب هذا الحادث .واجبر على اعادة كتابة اطروحته ونشرها تحت عنوان مختلف . ومع ذلك كانت النسخة الجديدة تعتمد على نفس منهج البحث كالكتاب الاصلي , بحسب ابو زيد .

لقد حذفت قصة ابراهيم واحضار هاجر لاسماعيل للجزيرة العربية . واطلق على كتابه الجديد (الادب في العصر الجاهلي ).طبقا للرواية التوراتية شعرت سارة زوجة ابراهيم بالغيرة من هاجر وابنها اسماعيل . وطلبت من ابراهيم ان يرسل هاجر واسماعيل بعيدا , حيث ارسلهما الى الجزيرة العربية , الى مكان مكة الحالي , حيث تفجر ينبوع ماء امام اسماعيل بعد حفره في الرمل .

ان اسماعيل لم يكن عربيا, لكن العرب , بحسب القصة , قاموا برعايته واحتضانه في هذا المجتمع الجديد . ولم يمضي وقت حتى انتمى اليهم .
ذكر طه حسين ان حديث القران عن ابراهيم واسماعيل لايعني اثباتا لوجودهما الفعلي كاناس من لحم ودم . واكد طه حسين ان قصص القران لاتعكس بالضرورة الوقائع التاريخية . وان نصوص ماقبل الاسلام كالنصوص الشعرية كتبت بعد نزول القران . واكتسبت مكانة لم تعرف لاي نص مماثل .

يقول نصر حامد ابو زيد,ربما يعتمد النص الديني على حادثة تاريخية , لكن هذا النص ليست مهمته ان يعكس حادثا تاريخيا بعينه . ان القصص لها معان اخرى تتعدى حدود النص .
اشعلت آراء طه حسين خلافا حادا .كيف يمكن ان يدعي اي شخص ان القران ليس دقيقا تاريخيا؟

كما تعرض الباحث محمداحمد خلف الله لنفس الازمة , وهو مدرس مساعد , عندما تقدم لنيل درجة الدكتوراه بقسم اللغة العربية في جامعة القاهرة . لقد اثبت ان النص المقدس يمكن دراسته من زوايا متعددة , من ناحية الاخلاق وفلسفة النص . لكن من اجل ان نفعل ذلك علينا ان نبدا بدراسة القران كنص ادبي .

لقد رفضت الجامعة رسالة خلف الله . واعلنت ان المنهج الذي استخدمه محمد احمد خلف الله في دراسته للقران يلقي بالشك حول اصولية وقدسية النص الاسلامي . لقد فصلت الجامعة خلف الله وحولته الى وظيفة ادارية .

مسك الختام :

تتعرض مجتمعاتنا الى ردة فكرية اصولية تقوم بمنع التفكير ومنع الدراسات والمناهج النقدية في الاسلام . والسبب هو تخلف المؤسسات الدينية وتحالفها مع مؤسسة الدولة .ان ترداد افراد المجتمع لاخبار كاذبة ووهمية وتراكمها عبر الاجيال يحولها الى حقائق تاريخية يقينية ومطلقة .ويصبح من الصعوبة بمكان نقدها وردها الى اصولها .

الانسان العربي يحتاج الى راحة نفسية. ان بذرة الشك تقلقه وتزعزع ايمانه القائم على ثقافة النقل والعنعنة .لذا يتم التحالف بين المؤسسة الدينية والسلطة الحاكمة لمنع البحث وتطبيق المناهج النقدية.

ان الكثير من المسلمات تصبح لاقيمة لها بعد دراستها وتحليلها وفق مناهج البحث الحديثة .
فمن سيجرؤ على ذلك ؟

#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات