|
الكوابيس تاتي في حزيران الفصل التاسع والعاشر
محمد أيوب
الحوار المتمدن-العدد: 1343 - 2005 / 10 / 10 - 05:37
المحور:
الادب والفن
رواية - 9 -
تصاعدت الحملات الإعلامية بين مصر والأردن ،التوتر يتصاعد أيضاً ، مصر تغلق مضائق تيران ، عبد الناصر يأمر القوات الدولية بالتجمع في قطاع غزة ، إعلان حالة الطوارئ القصوى في الجمهورية العربية المتحدة ، الآمال تنتعش ، أجراس العودة فلتقرع، صوت فيروز يغرد عبر أجهزة الترانزستور ، إذاعة فلسطين تصدح بالأناشيد الوطنية ، أنا لا أنساك فلسطين …. أنا في أطيافك نسرين ..أنا زهر الشوك أنا الورد ... يا جسر العودة .. آه يا جسر العودة .. هل ستحتمل العائدين بآمالهم وطموحاتهم ، هل ستحتمل الشوق الملتهب في صدورهم ، أم أن عظامك ستتكسر تحت وطأة هذه الأحمال الثقال، وهل ستكفي مياه نهر الأردن لغسل وجوه العائدين من أدران الغربة ودنسها ، وهل ستستطيع هذه المياه أن تمحو آثار القدم الهمجية ؟ آه يا نهر الأردن كم أصابك من دنس ومع ذلك تظل تحمل لنا مياهاً قدسية . الإذاعة الإسرائيلية تشارك في الحملات الإعلامية بطريقة مدروسة وموجهة ، إخواني يا ولد مصر الطيبين وسم ناقع يتناثر عبر الأثير، حديث ابن الرافدين يتلوى في الهواء والأسماع بطريقة لم تشأ الآمال الكبيرة أن تعيرها أدنى اهتمام ، كانت الآمال أكبر من الشكوك والحذر، ثقة مفرطة في النفس، سندخل تل أبيب في بضع ساعات وستصبح إسرائيل في خبر كان ، وكان يا ما كان، في أيام زمان ، دولة اسمها إسرائيل، قامت على أرضنا وترابنا، لكن أولادنا الجدعان في ليلة ليس فيها قمر ، شنوا حملتهم وشدوا قبضتهم، ولووا عنق الظالم وأطلعوا روحه من الجسد، وخلصوا من شروره كل أبناء البلد ، وعاد اللاجئون إلى ديارهم وعمروا بلادهم بعد خراب ، وقضوا على البوم والغراب ، فعادت العصافير تصدح والطيور تمرح ، وتوتة توتة خلصت الحدوتة.. حلوة وإلا ملتوتة ؟ ملتوتة؟ عليك الحدوتة ، وتستمر الحواديت من الجدات إلى الأطفال بعد أن يهدأ البال ويعيش الناس في أطيب حال. هنا دار الإذاعة الإسرائيلية .. نقدم لكم الآن تمثيلية موتى بلا قبور ، قال المذيع عبارته بطريقة تحمل معاني التهديد والوعيد كأنهم يهدوننا بأن يجعلوا منا موتى بلا قبور لا نجد من يقوم بدفننا، هذه حرب نفسية . علق أحد المستمعين، وأردف : إن دل ذلك على شيء فإنما يدل على ضعفهم وخوفهم . علق آخر : سنجعلهم موتى بلا قبور بإذن الله . قال أحمد الفايز : ولكن الحيطة مطلوبة ، يجب أن نكون حذرين وأن نأخذ تهديداتهم بشيء من الجدية حتى لا نفاجأ بما لا تحمد عقباه . تدخل شخص رابع في الحديث : وماذا سيفعل هؤلاء الجبناء ؟ جيش التحرير الفلسطيني وحده يستطيع القضاء عليهم فما بالك إذا اجتمعت جيوش مصر وسورية والأردن خصوصاً وان هناك بوادر مصالحة بين مصر والأردن.. يا أخي الدم ما بصير ميًة . ـ ولكن إسرائيل ليست وحدها .. الغرب كله يقف من ورائها .. أميركا تقدم دعمها لإسرائيل بلا حدود . ـ ولكنا لسنا وحدنا ، معنا الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية . ـ على عيني ، ولكن المعركة معركتنا إذا ربحناها ربحنا العالم وإذا خسرناها خسرنا أنفسنا . ـ وهل من المعقول أن نهزم وعندنا هذا السلاح وهذه الجيوش ؟ ولا تنس أن ديجول أنذر بأنه سيقف ضد من يطلق الطلقة الأولى . ـ يجب ألا نغتر فعدونا ليس سهلا ، وعندما تبدأ المعركة تذوب الكلمات وتتبخر التصريحات . هنا القاهرة .. إذاعة الجمهورية العربية المتحدة من القاهرة .. صوت العرب من القاهرة، تنضم الآن موجات صوت العرب إلى موجات البرنامج العام في إذاعة خارجية لنقل خطاب السيد الرئيس جمال عبد الناصر على الهواء مباشرة .. انبعث صوت الرئيس دافئا متحديا.. سنواجه إسرائيل ومن وراء إسرائيل.. أمريكا وما أدراك ما أمريكا.. أمريكا الأساطيل والطائرات .. أمريكا الظلم وقهر الشعوب .. أمريكا ليبرتي التي حطت رحالها على شواطئ البحر المتوسط في مقابل الشواطئ المصرية بحجة متابعة ومراقبة الأوضاع في المنطقة، القوات المصرية تتدفق إلى سيناء ، تأخذ مواقعها على عجل، الأغاني الوطنية يعلو ضجيجها، وصوت المذيع يردد بلا كلل .. أم كلثوم معكم في المعركة .. يا أيها الرجال أريد أن أعيش أو أموت كالرجال.. عبد الحليم معكم في المعركة.. جاب سلاحه ودباباته وطياراته واعتدى علشان نسلم.. كنا نار أكلت جيوشهم نار تقول هل من مزيد .. انتصرنا ولسة عارهم ذكرى في تراب بور سعيد .. والعروبة في كل دار وقفت معانا والشعوب الحرة جت عللي عادانا.. وانتصرنا .. انتصرنا .. انتصرنا.. يا إلهي هل ستكتب لنا النصر في هذه المرة؟ في المرة الأولى هزمت سبع جيوش عربية.. كانت أقل عددا وعدة من عصاباتهم.. كانت أقل تدريبا وخبرة.. ومع ذلك يتشدقون بأنهم هزموا جيوشا سبعة .. قتلوا القط ذا الأرواح السبع، وفي المرة الثانية احتلوا قطاع غزة وسيناء، بعد أن تدخلت بريطانيا وفرنسا إلى جانب إسرائيل، طلبتا من مصر وإسرائيل أن تسحبا قواتهما إلى مسافة تبعد عشرة كيلومترات عن ضفتي القناة ، رفضت مصر الإنذار.. قامت القوات البريطانية والفرنسية باحتلال بور سعيد ، وجاء الإنذار الروسي حازما وحاسما .. إذا كنتم تواجهون شعباً أعزل فإن هناك من يملك الصواريخ العابرة للقارات والتي يستطيع بواسطتها ضرب لندن وباريس.. توقف العدوان وانسحبت القوات المعتدية من بور سعيد في 23 ديسمبر 1956 تلتها القوات الإسرائيلية التي انسحبت من سيناء بعد ذلك بقليل ، ثم من قطاع غزة يوم 7 مارس 1957، يوم العيد 7 مارس ثوب العزة خليك لابس، وفي هذه المرة هل نمحو عار المرات السابقة؟ أم أننا سنحتاج إلى إنذار روسي آخر وبولجانين آخر؟ وهل سيكون موقف الروس حازما هذه المرة بعد أن تراجعوا إبان أزمة الصواريخ في كوبا؟ هل تغير الزمن وأصبح الأمريكان سادة العالم؟ كان شيء ما في داخل أحمد الفايز يقلقه.. النصر يحتاج إلى عوامل ذاتية .. معركتنا مع اليهود معركة حضارة وعلم.. إذا تفوقنا عليهم حضاريا وعلميا فإننا سننتصر حتما.. حالة الاستعداد القصوى ما زالت مستمرة.. الاتصالات بين روسيا وأمريكا على قدم وساق ، ونداءات ضبط النفس توجه إلى مصر وكأنها دولة معتدية، أن تتحرك ضمن حدود بيتك يعني أنك تنتهك حرية الآخرين.. دع مياهي فمياهي مغرقة .. واحذر الأرض فأرضي صاعقة .. هذه أرضي أنا وأبي ضحى هنا.. وأبي قال لنا مزقوا أعداءنا.. الإذاعة المصرية والإذاعة السورية تعبئان المشاعر القومية وقد انضمت إذاعة عمان إلى المعركة الإعلامية.. إذاعة إسرائيل تحاول نشر روح اليأس والإحباط وتذكر بالهزائم العربية السابقة وتحاول الإيحاء بأن الهزيمة القادمة ستكون أكثر إيلاما .. الجماهير واثقة من النصر.. سندخل تل أبيب وسنأخذ نساءهم وأموالهم غنائم لنا .. كل ذلك لن يعوض خسارتنا للوطن طيلة عشرين عاما تقريباً.. سأختار فتاة شقراء وسأريها العجب وكيف أن العربي يجيد ما يلبي رغباتها.. قال أحدهم مازحا ، رد عليه آخر بعد أن قطب ما بين حاجبيه : ـ وهل تعتقد أننا سنتركهم أحياء ؟ تدخل أحمد الفايز : وماذا تعتقد أنت ؟ ولم ينتظر منه جواباً بل أردف : نحن عرب نعفو إذا قدرنا.. مشكلة اليهود يجب أن تحل حلا إنسانيا ولكن ليس على حسابنا . الخميس الأول من يونيو.. الثالثة بعد الظهر .. دقات ملهوفة على باب الدار.. فتح أحمد الفايز الباب ، وجد نفسه أمام إبراهيم ،ذلك الرجل الذي يعمل مع المخابرات المصرية.. رحب به أحمد الفايز: أهلا وسهلا .. تفضل بالدخول.. دخل بسرعة .. كان مستعدا للدخول دون دعوة.. لم ينتظر طويلا أخرج من جيبه خطاباً مغلقاً وناوله إلى أحمد الفايز الذي تساءل بدهشة : ما هذا ؟ ـ جواب من وزارة الحربية المصرية.. عليك أن تقرأ الخطاب وأن تنفذ ما فيه وأن توصله إلى قيادة الحركة في أسرع وقت ممكن .. الآن إن أمكن. ـ وما علاقتي بوزارة الحربية ؟ كما أنه لا توجد بيني وبين الحركة أية علاقة . ـ وهل تعتقد أن المخابرات المصرية لا تعرف الحقيقة حتى تبعث لك هذا الخطاب.. أحمد اقرأ الخطاب ونفذ ما فيه فالوقت أضيق من أن تتردد.. وما عرفتك مترددا في حياتك.. اقرأ الجواب وإلا تحملت المسئولية أمام ضميرك وأمام الله أولا وأمام قوة القانون ثانيا.. هل نسيت أنك تلقيت تدريبا عسكريا وأن القوانين العسكرية يسري مفعولها على أمثالك ؟ فتح الخطاب .. قرأه على عجل .. أعاد قراءته عدة مرات ليستوعب ما جاء فيه.. الحرب واقعة لا محالة.. قد تقع الحرب يوم الاثنين الخامس من يونيو.. قطاع غزة ساقط عسكرياً.. عليك أن توزع السلاح على من تثق فيهم.. لتبدءوا المقاومة ضد اليهود في حالة سقوط القطاع بأيديهم، بإمكانكم أن تربكوا مؤخرتهم، عليكم توزيع السلاح على العناصر الموثوقة في القطاع . أصبحت البندقسة جزءاً من كيان أحمد الفايز ، لازمته الملابس العسكرية حتى أثناء النوم ، كان يعيش حالة طوارئ حقيقية ، رتب فرق الدفاد المدني في المنطقة الشمالية من المعسكر ثم في المنطقة الجنوبية، بدأت عناصر الدفاع المدني تتدرب على الإسعافات الأولية وطرق نقل المصابين ، ومواجهة الغارات الجوية ، قاموا بإجراء تجارب وهمية لوقوع غارات جوية .. طلبوا من الأهالي إطفاء الأنوار، كما طلبوا منهم طلاء زجاج النوافذ باللون الأزرق ، كما تم توزيع كميلت من الأسلحة على مجموعات المقاومة الشعبية في المعسكر، كانت مهمة هذه المجموعات متابعة تحركات العدو وإعاقة قواته وإرباكها، كان الشباب وهم يتحركون يحدوهم أمل بالنصر المبين ، لم يعلموا شيئاً عن الرسالة لأنها سر حربي لايجوز البوح به . قرر أحمد الفايز ألا يضيع الوقت وأن يذهب إلى جباليا لتوصيل الرسالة ، أخيراً سنواجه العدو وسنلقنه درساً لن ينساه ، هذا إذا بقيت لديه ذاكرة، قد يسقط قطاع غزة في أيديهم مؤقتاً ، ولكنا سنناوشهم ونشل مؤخرتهم ، سنقلب حياتهم في القطاع إلى جحيم ، ستحاصرهم القوات المصرية في قطاع غزة ولن يستطيعوا الفرار إلى إسرائيل..إسرائيل ؟ وهل ستبقى إسرائيل كما هي بعد هذه الحرب ؟ بكل تأكيد لن تبقى كما هي ، وإذا ما رجحت كفتنا .. هل سيتدخل الغرب لإنقاذهم ؟ دارت هذه الأفكار برأس أحمد الفايز ولم يكن يعلم أن التدخل قد بدأ قبل أن تبدأ الحرب وأن السفينة ليبرتي كانت محطة تشويش عائمة ترسو بالقرب من شواطئ سيناء ، استحث السائق على الإسراع أكثر ، كان يود لو امتطى جناح برقة من البروق ولدت من رحم سحابة من سحب آذار، ولكن أين نحن من آذار ؟ فقد ولى آذار ببروقه ورعوده ونحن الآن نجتاز المسافة الأخيرة من فصل الربيع الساخن بالتوتر وطبول الحرب، المشحون بالآمال العذاب، ترى .. هل نصيف هذا العام على شواطئ يافا ؟ أم أن يافا لن تعود يافا التي عرفناها وعرفتنا ؟ هل تنكرنا يافا لأننا أنكرناها؟ أم أنها ستغفر لنا وستفتح لنا أحضانها ؟ يافا يا يافا .. عرفتك صغيرا.. عرفتك عروساً كأجمل ما تكون العرائس في عين طفل حالم لما تقتل الشهوة عشق الجمال البريء في وجدانه.. عرفتك تلميذاً صغيراً في المدرسة الابتدائية في مخيم خان يونس ..بحر يافا أزرق .. سماء يافا زرقاء.. ضاعت منا يافا .. غادرناها على عجل ، أسبوع واحد .. أسبوعان ثم نعود ، هكذا طمأننا العرب والجامعة العربية .. تركنا كل شيء في مكانه لم نأخذ شيئا .. حتى المال تركه أبي .. لن يحتمل أولاد الميتة أكثر من جولة .. هكذا قال أبي الذي لم يكن يعلم أننا مباعون في سوق النخاسة كالعبيد، وأن ما جرى وما سيجرى لا يتعدى كونه مسرحية هزلية ، هل كنا نغادر الوطن والبيت لو كان آباؤنا يعلمون بفداحة ما سيحدث ؟ ضاعت يافا في الواقع وبقيت في كتب القراءة .. عشقت كتاب القراءة لأنني عشقت يافا.. ومن أجل يافا عشقت السكاكيني وقراءاته العربية والرشيدة ، ولكنهم تسللوا عبر قراءة السكاكيني لينتزعوها منا وينتزعوا يافا عن الورق حتى لا تظل ماثلة في أذهاننا .. أحضروا لنا كتاب المطالعة العربية في الصف الثاني الابتدائي، وبالتدريج بدأت يافا تختفي من المناهج ، رأيتها على الورق ولم يتسن للطلاب بعد أن يكحلوا عيونهم باسمها، تلك العروس التي لم تكتمل فرحتها ، السيارة بطيئة جداً أو هكذا خيل إليه ، كان يود لو أن بيده سوطا يسوط به ظهر هذه السيارة الحرون ، وربما ظهر هذا السائق الفاقع المرارة ليعيد له مرارته سليمة حتى يصبح أكثر حرارة واهتماما بمشاعر الناس ، لم يكن السائق يعلم ما يخبئه القدر بعد أربعة أيام فقط من اليوم .. الله وحده هو الذي يعلم من منا سيبقى على قيد الحياة بعد الحرب .. أينا سيموت شهيداً وأينا سيعيش سعيداً.. أخيرا وصل إلى ساحة التكسيات في الشجاعية قرب محطة السكة الحديد، كان عليه أن يركب سيارة أخرى تتجه إلى جباليا ، لم ينتظر طويلا ، أسعفته سيارة عابرة تحتاج إلى راكب واحد لإكمال حمولتها ، كان السائق متلهفا إلى الوصول بسرعة ، لذلك لم يطلب منه أحمد الفايز أن يسرع ، وصل إلى موقف التكسيات في جباليا ، كانت الشمس تميل نحو الغرب كأنها تعبت من مشوارها اليومي وتريد البيات كي ترتاح، عيادة الوكالة عن يساره والسوق عن يمينه ، كان عليه أن يمشي مسافة ليست بالقليلة ، استحث الخطى ، ودّ لو يجري لكنه خشي أن يظن الناس به الظنون .. ماذا سيقول الناس عنه لو انطلق جاريا في الشارع ؟ اتسعت خطواته ، أربكه خاطر مرعب.. ماذا لو لم يجد مسئوله التننظيمي في البيت ؟ هل يعطي الرسالة لأهل بيته ؟ ينتظره؟ وماذا لو تأخر خارج البيت ؟ لكن الجميع يعرفون أن حالة الطوارئ تلزمهم بعدم الابتعاد عن منازلهم أو أماكن سكناهم إلا للضرورة القصوى ، وجد المسئول في البيت ، ناوله الرسالة، قرأها بسرعة وقرر أن يتوجه إلى بقية الأخوة لعقد اجتماع طارئ لتدارس الموقف، أما أحمد الفايز فقد استأذن وقرر الانصراف، فيوم الجمعة سيكون حافلا بالنشاط، سيداوم في المدرسة للإعداد لامتحانات المرحلة الإعدادية ، وقد عسكر الجيش في المدرسة بسبب حالة الطوارئ ، كما أن الشاحنات بدأت في تخزين المواد التموينية في مدرسة البنات الإعدادية “ب” للاجئات (مدرسة الست حياة)، امتلأت غرف المدرسة بأكياس الدقيق ومختلف المواد التموينية بما يكفي لمدة ستة أشهر، عندما رأى أحمد الفايز ذلك ارتفعت معنوياته واعتقد أن الرسالة التي تسلمها إنما جاءت من باب الحيطة والتحرز وأن الاحتياط واجب، ولو كان المصريون متيقنون من سقوط القطاع لما كدسوا المواد التموينية بهذه الكميات الهائلة.. هل كانوا يكدسون المواد التموينية بهذا الشكل وهم يعلمون أنها ستذهب إلى مخازن العدو؟ هل يعقل ذلك؟ إذن مقولة أن القطاع ساقط عسكريا هي مجرد مقولة تكتيكية ، حتى وإن سقط القطاع لعدة أيام فلن يستمر سقوطه إلى الأبد ، وستقوم القوات المصرية بهجوم مضاد لاسترداد القطاع بعد أن تكون قد حررت أكبر مساحة ممكنة من الأراضي المحتلة، ما علينا إلا أن نعد العدة وننتظر، قال أحمد الفايز لنفسه، ها هي أجراس العودة تدق.. أكاد أسمعها، ابتسم في حبور وفرك يديه إحداهما بالأخرى اغتباطا بخواطره. كانت بندقية أحمد الفايز لا تفارقه.. أصبحت الملابس الكاكية جزءا من جسده ، لا تفارقه حتى عند النوم.. كان يعيش حالة طوارئ حقيقية.. رتب فرق الدفاع المدني في المنطقة الشمالية من المعسكر ثم في المنطقة الجنوبية.. بدأت عناصر الدفاع المدني تتدرب على الإسعافات الأولية وطرق نقل المصابين ومواجهة الغارات الجوية.. قاموا بإجراء تجارب وهمية لغارات جوية وإطفاء الأنوار، كما قام بتوزيع كميات محدودة من الأسلحة على مجموعات المقاومة الشعبية في المعسكر.. كانت مهمة هذه المجموعات متابعة أية عمليات إنزال جوي للعدو في المناطق المحيطة بالمعسكر والاشتباك معها وإعاقتها حتى تصل إليها القوات النظامية وتبيدها، كان الشباب وهم يتحركون يحدوهم أمل بالنصر المبين ، لم يعلموا شيئا عن الرسالة فقد كانت سرا حربيا لا يجوز لأحمد الفايز البوح به.
الفصل العاشر
ـ 10 ـ
السبت الثالث من حزيران يونيو سنة سبع وستين وتسعمائة وألف، استيقظ أحمد الفايز من نومه مبكرا كعادته ، لكنه كان يتدفق نشاطا ، فقد أنجز معظم المهام الموكلة إليه، وزع البنادق نصف الآلية على كوادر الحركة والشباب الموثوقين من الأصدقاء ، كانت أمه قد أعدت له طعام الإفطار ، أكل بضع لقيمات ، ازدردها ازدراداً، شرب الشاي ساخناً كعادته، خلع بيجامته ولبس الملابس الكاكية، تحزم بالقايش، ووضع الجيتر حول رقبة البسطار، وضع البيريه على رأسه، ألقى نظرة سريعة من خلال المرآة ، كان كأي جندي من جنود الجيش العامل، ارتعش فؤاده كعصفور فرح بمقدم صباح ربيعي، سنجتاز عتبة الصيف بعد أقل من عشرين يوما ، وسيكون صيفا جميلا بلا شك، سنقضيه في ربوع الوطن ، سهوله وجباله وغوره، لن يكون الغور حارا هذا العام ، سيلفنا الوطن بحنانه، سنكحل عيوننا بالساحل المخضوضر والموز والصنوبر وما بنى أجدادنا ، سنستنشق هواء رام الله ونردد مع المرددين فين عَ رام الله ، وأنت يا مسافر وين عَ رام الله.. ما تخاف من الله، ما تخاف من الله وانت يا مسافر وين عَ رام الله، وبين الدوالي في الكرم العالي يا عنب الخليل، سنلملم أوصالك من جديد أيها الوطن الممزق وستبعث من جديد وطنا عزيزاً سيداً . حمل بندقيته ، شرّع رأسها إلى أعلى باعتزاز ، لن أطلق رصاصة في الهواء ، هم يقولون : ادفع سنتاً تقتل عربيا ، ونحن لن نقول مثلهم ، سنقول : أطلق رصاصة تحرر شبراً ، خرج إلى الشارع ، دق الأرض بقدميه بثقة واعتداد ، تعود أن يتوجه إلى عمله سيراً على الأقدام ، لم تكن المدرسة بعيدة عنه، كانت المقاهي عن يمينه قهوة " أبو مسلم " ، وعلى بعد أقل من مائة متر منها توجد قهوة " أبو الوليد " حيث كان يلتقي نشيطوا التنظيمات السياسية من بعثيين وقوميين ليحوم رجال المباحث من حولهم ، أما الإخوان المسلمون فلم يكونوا يستطيعون الظهور بعد الضربة التي وجهتها لهم أجهزة الأمن المصرية، تم اعتقال البعض ، وغادر بعضهم طوعا إلى دول الخليج والسعودية ، ومن بقي في القطاع انزوى في البيت طلبا للسلامة ، وكذلك تحرك الشيوعيون في حذر بعد خروجهم من السجن ، اعتقلت أعداد منهم سنة تسع وخمسين وأفرج عنهم دون محاكمات بعد أكثر من خمس سنوات، التفت أحمد الفايز نحو مقهى أبي الوليد ، تذكر أستاذه المحبوب وكيف تم ترحيله من القطاع بعد الأزمة التي نشبت بين البعثيين والحكومة المصرية بعد فشل محادثات الوحدة الثلاثية، تذكر ميشيل عفلق ويعنياته ، لقد أحصى في صفحة واحدة من صفحات محاضر محادثات الوحدة الثلاثية .. أكثر من تسعين كلمة يعني رددها ميشيل عفلق أثناء حديثه، كذلك تذكر الأخ فهد الشاعر عضو الوفد العراقي ونومه أثناء المحادثات، كان جمال عبد الناصر يوقظه من نومه بقوله له : ولا إيه يا أخ فهد .. قهوة أبو نايف تليها قهوة جلود، فالشارع المؤدي إلى مخيم جورة العقاد(بلوك إف) فمقر منظمة التحرير في المعسكر وديوان الشرقاوي ، ديوان أهالي يافا الذي أقيم في إحدى غرفه مكتب بريد لخدمة سكان المعسكر، بعده مكتب الإسكان فبيت أبي جهاد السقا والإستاد الرياضي الذي يوجد المركز الثقافي تحت مدرجاته، كان غنيا بالكتب الثمينة والقيمة، كان أحمد الفايز يستعير الكتب التي لا يستطيع شراءها من هذه المكتبة الحكومية، جزاك الله خيرا يا أبا خالد ، لقد وفرت لنا كل ما نريد ..التعليم والكرامة والفكر ولقمة العيش الرخيصة ، انعطف أحمد الفايز إلى اليسار لينتقل إلى الرصيف الثاني، دلف بعد ذلك إلى المدرسة ، وجد الناظر بانتظاره، كان الناظر رئيسا للجنة الامتحانات وكان أحمد الفايز نائبا له، بدأ الطلاب يتوافدون على المدرسة، كانت المعرشات قد أعدت إعداداً جيدا وتم ترتيب الكراسي بحيث يكون جميع الطلاب مكشوفين للمراقبين ورئيس اللجنة ومساعديه، كانت غرفة الأسئلة ما زالت مختومة بالشمع الأحمر ، ولا بد من كتابة محضر قبل فتحها يوقع عليه رئيس اللجنة وأحمد الفايز وعضو ثالث لبيان أنهم تسلموا الغرفة مغلقة ومختومة بالشمع الأحمر، مضى يوم السبت دون أية مشاكل، جمعت أوراق الإجابة ووضعت داخل مظاريف خاصة ختمت بالشمع الأحمر وكتبت عليها الأعداد ثم أرسلت في طرود إلى مديرية التعليم في غزة ، بعد الامتحانات عاد أحمد الفايز إلى المنزل ، تناول طعام الغداء على عجل وخرج لمتابعة مهامه اليومية، تابع مجموعات المقاومة الشعبية والدفاع المدني، كانت الأمور تسير على ما يرام ، في عصر ذلك اليوم ، عقد النقيب رمزي من قرية الشجرة ، قضاء حيفا لقاءً مع عناصر المقاومة الشعبية ، تدفقت الكلمات من فمه في حماسة وعنفوان ، قد تبدأ المعركة غدا أو بعد غد ، يجب أن تكونوا مستعدين لمواجهة كافة الاحتمالات ، عدونا غادر ، لكننا قادرون ، وسنحقق النصر إن شاء الله . *** الأحد 4/6/67 يوم ثانٍ من أيام امتحان الشهادة الإعدادية ، كل شيء يبدو طبيعياً، لا قلق ، الطمأنينة والثقة تتجذر في النفوس ، لجنة الامتحان هادئة ، شرطة الحراسة يجلسون عند باب غرفة الأسئلة وعند مدخل اللجنة ، مر اليوم الثاني من أيام الامتحانات عادياً ، بقي يوم واحد للحرب ، أدار مفتاح الراديو ، فاجأه خبر مفاده أن خمسة من الضباط المصريين قد ضلوا طريقهم في سيناء وعبروا الحدود الإسرائيلية في سيارة جيب عسكرية، ساوره قلق غريب ، ترى هل كانوا يحملون معهم وثائق هامة ؟ وأي نوع من الوثائق كانوا يحملون ؟ وهل ضلوا طريقهم حقيقة أم أن الأمر كان مدبراً تدبيرا محكما حددوا له هذا الوقت بالذات ؟ يا إلهي ما أبشع شبح الخيانة، وما أبشع أن تكون هناك خيانة ومؤامرة مدبرة .. وقانا الله شر هزيمة أخرى . *** الاثنين .. الخامس من يونيو .. هدوء غريب ، لا إطلاق نار ، لا طائرات ، كل شيء هادئ .. إذن ، كان الأمر مجرد مزحة ، ضاعت استعداداتنا سدى ، أم كلثوم معكم في المعركة ، عبد الحليم معكم في المعركة، أين هي هذه المعركة ؟ ابذل العرق توفر الدم، ادفع قرشاً تحرر شبراً ، لبس ملابسه الكاكية دون اهتمام ، كان يتوقع أن يسهر الليلة الماضية يسمع معزوفة النصر والعودة فإذا به ينام على أغاني تلك الحفلة التي بثتها الإذاعة من سيناء، سهرت قيادات الجيش مع أم كلثوم حتى الفجر، فهل تكون هناك حرب بعد هذا السهر ،أم أن الحليف الروسي توصل إلى اتفاق يجنب المنطقة أخطار الحرب وويلاتها ؟ وهل يحفظ هذا الاتفاق أبسط حقوقنا في الحياة الكريمة وينهي حياة التشرد والغربة ؟ خرج إلى العمل ينتابه فتور قاتل ، كان يتوقع أن تبدأ القوات المصرية المعركة، أن يزغرد السلاح العربي ، أن تخرج الكرامة العربية من قمقمها ماردا قدماه على الأرض ورأسه فوق السحاب ، يبدو أن ثلاجة الدول العظمى كفيلة بتجميد أية مشاعر مهما بلغت حرارتها، الطريق هي الطريق والناس هم الناس ، بيوت المعسكر القرميدية لم تتغير، التثاقل يكبل خطواته ، الطريق أطول من المعتاد ، المقاهي تمر بطيئة متخاذلة ، الإستاد الرياضي يغفو كعملاق أرهقه طول السهر، ومستشفى ناصر يرنو عن بعد ، يلقي نظرات قلقة مستريبة وكأنه يتساءل عن سر هذا الهدوء الجاثم على النفوس، وصل إلى قاعة الامتحانات في مدرسة عبد القادر الإعدادية ، آه يا عبد القار ، كنا نتوقع أن يكون اليوم يوم ثأر لك ممن قتلوك ، أن يكون علامة بارزة على درب التاريخ ، لكنه يبدو كسولا متثاقلا أبطأ من الأيام السابقة ، في الأيام السابقة كان الجنود ينطلقون في الشوارع ، يجمعون الناس ويكدسونهم كالبهائم في شاحنات من طراز " زل" الروسية .. يأخذونهم إلى المناطق الحدودية لحفر الخنادق ، قال بعض الذين عادوا منهم : كنا نحفر الخندق بأمر أحد الضباط ، وما إن ننتهي من الحفر حتى يأتي ضابط آخر، أعلى رتبة ، لا يعجبه ما قمنا به من عمل ، فيأمرنا بردمه والانتقال إلى منطقة أخرى لحفر خنادق أخرى ، وهكذا كانت تضيع أيامنا بين حفر وردم ، أو ردم وحفر ، حتى كفرنا بالمعركة وتمنينا الهزيمة لنا ولهم بسبب هذه الأعمال الارتجالية العشوائية، ترى ، هل كان الروس وهم يواجهون الألمان يفعلون ما يفعلونه الآن ؟ تذكر أحمد الفايز ما قرأه عن الحرب العالمية الثانية على الجبهة الروسية وكيف واجه الروس الألمان وحولوا الهزيمة إلى نصر، عربات الزل لا تجوب الشوارع كعادتها لجمع الناس ، معظم الناس كانوا هناك في مكانٍ ما من القطاع، يلبسون الملابس الكاكية ويحفرون الخنادق بلا خطة أو هدف ، يحملون بنادق لا يستطيعون استعمالها ، لم تكن هناك ألفة بينهم وبين السلاح ، كأن هناك من يتعمد أن يباعد بينهم وبين السلاح ويزرع الشك والخوف في قلوبهم ، كان يعرف أن حالة الطوارئ معلنة وأن المساهمة في المجهود الحربي فرض عين على كل مواطن ، فالوطن سليب والكرامة مهدورة ، والأمل ينتظر قدوم أبنائه ، لا بأس أن تكون هناك بعض الأخطاء ، لكن كرامة المواطن يجب أن تكون مصونة ، عرقه مصون ، حياته لها قيمة ، وأن يتدرب على السلاح قبل أن يزج به إلى أتون المعركة، ذات ليلة رافق أحد زملائه الضباط في جولة ليلية انتهت بهم في منطقة الكتيبة في خان يونس ، عند البوابة صاح الحارس : من هناك ؟ أجاب زميله الضابط : أمين ! ـ تقدم ... وما إن رأى الضابط حتى أدى التحية العسكرية وسمح لهما بدخول القيادة دون أن يدقق في شخصية أحمد الفايز الذي بهت من هذا التساهل، كان يتوقع كما يسمع عن مثل هذه الحالات أن يرقد وينهض عدة مرات لكنه دخل قيادة القوات بسهولة غير متوقعة، تجولا في القياد حتى وصلا إلى الترنك(المقسم اليدوي)، حاول زميله الضابط أن يتصل بالعريش ، كان مكلفا بنقل رسالة عاجلة ، ظل يحاول الاتصال أكثر من ثلاث ساعات لكنه لم ينجح ، يئس وخرج ، قرر مغادرة القيادة بعد أن رأى بعض الزملاء الذين طبق عليهم نظام التجنيد الإجباري، تذمر بعضهم من عدم وصول الوجبات في مواعيدها، وجبة الإفطار تأتي بعد الظهر ، ووجبة الغداء تتأخر إلى ما بعد أذان العشاء ، أما وجبة العشاء فقد تأتي وقد لا تأتي ! يا إلهي هل وصل بنا الأمر إلى هذا الحد ؟ هل يمكن لجندي جائع أن يقاتل وينتصر، وإذا كان الجوع وعدم انتظام مواعيد الوجبات يحدث الآن قبل بدء الحرب فكيف سيكون الحال أثناء الحرب ؟ وزعت أوراق الامتحان على الطلاب ، بدت الأمور على ما يرام ، الملاحظون يتجولون بين الطلاب في القاعات ، أحمد الفايز بملابسه الكاكية يتحرك بخفة ونشاط ، مضى من الوقت نصف ساعة ، قال أحد الملاحظين ، بعد ذلك بدقائق جاءه الآذن وهمس في أذنه أنه يريد الخروج مع أفراد المقاومة الشعبية لتلقي التدريبات على شاطئ البحر، استغرب أحمد الفايز وتساءل : تدريبات ؟ ولم ينتظر جواباً فأردف : الآن ؟ أجاب الآذن : الطابور ينتظر في الخارج ، وقد يتحركون الآن، ينتظرون قدوم الحاكم لإعطاء الأمر ببدء التحرك سيرا على الأقدام باتجاه البحر. سرح أحمد الفايز .. ما سر هذه الحركة باتجاه الغرب ؟ بالأمس نقلت المدفعية المضادة للدبابات إلى البحر بحجة التدريب ولم تعد إلى مواقعها ، ماذا يحدث لو بدأت الحرب فعلا هذا اليوم ؟ كانت الدبابات الإسرائيلية ستمر بسلام ، لن تجد من يخدش طلاءها أو حياءها ..... ستخرج للتدريب ولن يستطيع الناظر أن يمنعك ، ستخرج بالأمر عند الضرورة ، ولكني آمل ألا يحدث ذلك ، تعال معي ، قال للآذن ، وخرجا من قاعة الامتحان إلى الشارع ، الطابور ما زال ينتظر، الملابس الكاكية لها طعم خاص ورائحة خاصة ، ما أجمل أن تتكحل عيونك أيتها الملابس الكاكية بكحل الحرب والنصر، وقف إلى جانب سور المدرسة وقد راعه منظر فرق المقاومة الشعبية، تخيل هذه القوات في مشيتها العسكرية وهي تمر في شارع البحر بين جموع اللاجئين ، لابد أن الشهيد مصطفى حافظ سيشعر بالراحة في مثواه الأخير حين تمر هذه القوات أمام مدرسة المخيم التي تحمل اسمه ، أما سكان مخيم المجادلة فسيشمون رائحة المجدل تهب عليهم مع عبق هذه الزهور الكاكية اللون ، سيارة مسرعة تتوقف فجأة في وسط الشارع، استرده صوت فراملها العنيف من سماء أحلامه، قفز منها حاكم خان يونس، كان رجلا طيباً ، ابن بلد أصيل، عشق خان يونس وعشقته، أخلص لها فأخلصت له ، كان لونه باهتا ، قال بصوت مضطرب : ـ الحرب ابتدأت ، على جميع الرجالة أن يأخذوا مواقعهم ، ما فيش تدريب النهار ده . بهت الجميع ، صمتوا وكأن على رءوسهم الطير ، الحرب ابتدأت ، هكذا في صمت قاتل ، أين أصوات مدفعيتنا ، أين طيراننا؟ أين أقوى جيش في الشرق الأوسط ، هكذا وبكل بساطة تبدأ الحرب ، يا إله السموات والأرض ، ارحمنا برحمتك وأسبغ علينا نصرك، للنصر دلالات وعلامات، من الغريب ألا نرى طائراتنا في الجو، ماذا جرى ؟ ولماذا هذا الصمت المريب ؟ الحرب بدأت ؟ وماذا بعد ؟ وكأنه استيقظ فجأة ، اندفع داخل المدرسة بسرعة وعنف ، همس في أذن رئيس اللجنة وأبلغه نبأ قيام الحرب ، ارتبك ناظر المدرسة، تساءل : ما العمل ؟ قال أحمد الفايز: نصرف الطلاب بهدوء قبل أن تتأزم الأمور ويصبح من الصعب عليهم مغادرة قاعة الامتحان، وقد يصاب بعضهم بمكروه. نادى ناظر المدرسة على الطلاب أن يجمعوا أوراق الإجابات، سرت همهمة بين الطلاب : ولكن الوقت لم ينته بعد، قال رئيس اللجنة : الرجاء من الأخوة المراقبين والملاحظين أن يجمعوا الأوراق بهدوء وأن يصرفوا الطلاب بنظام، بدأ الطلاب يخرجون من قاعة الامتحان بنظام وهدوء ، خرج أحمد الفايز إلى الشارع ، مرت سيارة مسرعة تحمل جريحا إلى المستشفى ، دقق في وجه الرجل ، ملامحه ليست غريبة ، أسعفته الذاكرة .. هذا الرجل يبيع الخضار في السوق ، هل يعقل أن يكون الرجل قد أصيب في الجبهة ، من غير المعقول أن تكون إصابته داخل المدينة ، أصابه التوتر ممتزجا بإحساس غريب ، أيدخل اليهود المدينة بهذه السهولة ؟ غير معقول ، قبح الله وساوس الشيطان ، تتابعت السيارات تنقل الجرحى ، قرر أن يعود إلى البيت لإحضار بندقيته ، فقد دقت ساعة العمل ، وليباركنا الله بنصره.. ليباركنا الله بنصره . جرى بسرعة متجها إلى الشرق ، لم يلو على شيء ، كان أمامه هدف واحد .. الوصول إلى البيت وإحضار البندقية ، بعد ذلك يمكنه متابعة مجموعات الدفاع المدني والمقاومة الشعبية ، قابله أحد باعة الكيروسين ، كان يرتجف من الخوف ، ارتجف صوته وهو يتكلم، قال : اليهود أحرقوا محطة الوقود في المدينة ، غضب أحمد الفايز وصاح بالرجل : اخرس . لا تنشر إشاعات مغرضة . قال الرجل : والله العظيم اليهود في البلد . استفز أحمد الفايز : أسكت وإلا جعلت هذا السونكي يخرج من ظهرك فتسكت إلى الأبد . قال الرجل : ما لي بركة إلا أنت . وانصرف . مرت مجموعة من الطائرات فوق خط الجبهة على مدى النظر، وفجأة صاح أحمد الفايز : الله أكبر، ولكن جسده نزف الكثير من العرق حين انطلقت المدفعية المضادة للطيران والموجودة غرب مخيم القطاطوة ترسل طلقاتها متتابعة نحو الشرق ، تغطى جسده بغلاف من العرق الحارق ، الطائرات ليست لنا ، إنها طائرات معادية ، أين طائراتنا يا رب السموات والأرض ؟ أين قواتنا ؟ أين تحدينا وأين وأين وأين ؟ ألف أين تحلق في آفاق ذهنه بلا إجابات ، الطف بنا يا رب ، لعلهم يفعلون ذلك من حلاوة الروح ، قبل النزع الأخير تدب في المقتول قوة جبارة يستشرس وهو يحاول التشبث بالحياة ، ليسقط قطاع غزة ، ولكنهم سيسقطون في النهاية، يا إلهي : ما أجمل طعم العسل بعد أن نتذوق مرارة الحنظل !
#محمد_أيوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظاهرة التسول في المجتمع الفلسطيني
-
الكوابيس تأتي في حزيران - الفصل الثامن
-
الكوابيس تأتي في حزيران - الفصل السابع
-
من المسئول عن إطلاق الرصاص على العمال في محافظة خان يونس
-
حين يعطش البحر ويظمأ الغيم
-
الكوابيس تأتي في حزيران - الفصل السادس
-
العريس
-
أشتاق إليك - خاطرة ،
-
5-الكوابيس تاتي في حزيران
-
الكوابيس تأتي في حزيران - الفصل الرابع
-
الكوابيس تأتي في حزيران - الفصل الثالث
-
الانسحاب والمستوطنات بين الواقع والطموح
-
الكوابيس تأتي في حزيران
-
الكوابيس تاتي في حزيران
-
صور وحكايات
-
المؤسسات غير الحكومية بين التجني والجناية
-
الشبح
-
لماذا كل هذه التعقيدات يا وزارة المواصلات
-
دويلة في قطاع غزة
-
أين علم فلسطين
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|