أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد لشهب - الصوم كإرث إنساني














المزيد.....

الصوم كإرث إنساني


حميد لشهب

الحوار المتمدن-العدد: 4854 - 2015 / 7 / 2 - 23:06
المحور: الادب والفن
    


للصوم لغة معان عديدة، تعدد الميادين التي تستعمل الكلمة فيها: قد يعني الصوم: "الصَّمْتُ" و"الإمساك عن أيَّ فعلٍ أو قَوْل كان" وهو في البيولوجيا التشريحية "جزء أوسط من الأمعاء الدقيقة". وتقدم لنا اللغة العربية تعابير بكاملها لكلمة أو فعل "صام" كـ "صَامَ عَنِ الكَلاَمِ اِنْقَطَعَ عَنه، سَكَتَ"، أو "صَامَتِ الشَّمْسُ: صَارَتْ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ" و"صَامَتِ الرِّيحُ: رَكَدَتْ" و"صَامَ النَّهَارُ: اِعْتَدَلَ، وصول وقت الظُّهْرُ" و"سِكِّينٌ صَائِمَةٌ: لاَ تَقْطَعُ"

يعتبر الصوم تراثا إنسانيا بكل مقاييس المفهوم. عُرف عند الكثير من المعتقدات السابقة على الديانات السماوية وما لحقها. شاع بين سكان البيرو القدماء مثلا بأن الصوم كفارة أو عقاب عن الذنوب والخطايا بعد اعتراف الفرد بها أمام الكاهن. وعرف عند هنود أمريكا كمظاهر مصاحبة للإحتفالات إبان تغيير الفصول الموسمية. أما الهندوس فيصومون في الأيام الأولى من الأشهر القمرية وفي مناسبات وأعياد خاصة بهم. وإلى حدود عام 1949 كان الصينيون يصومون لفترة محددة والإنقطاع قبل التضحية في ليلة الإنقلاب الشتوي، قبل أن يبدأ الإله يانج (القوة الموجبة) دورة جديدة.

عرفت البوذية الصيام أيضا في أوقات محددة وفق النظام القمري. ويعتبر تحول القمر إلى بدر مبدأ ومنتهى للصيام عندهم. يمتنعون عن الطعام، وخاصة المطبوخ منه، مع السماح ببعض المشروبات (الشاي مثلا). يمارسون الصيام كوسيلة من وسائل تطهير الذات وكأداة ناجعة لتحرير العقل الإنساني من الأوهام والأساطير، ذلك أن الصوم عندهم يُوَلِّد الطاقة الداخلية التي تساعد النفس على كبح شهواتها وأطماعها وتحقيق السكينة والصفاء الذهني. أما عند اليونان القدامى فقد كان الصوم وسيلة لإعداد الأفراد، وبالخصوص الكهنة، للتقرب من الآلهة. كان عبدة "اكليبوس"، إله الطب في الميثولوجيا اليونانية، يعتقدون بأن إلههم يمنح النبؤات الشافية في الرؤى والأحلام لمن صام بإخلاص من كهنته. في مقابل هذا حرمت الزارادشتية الصوم، لاعتقادها بأنه لا يساعد على تقوية المؤمن في جهاده ضد الشيطان.

أكدت الديانات السماوية الثلاثة على ضرورة الصيام خلال فترات معينة من العام، على الرغم من اختلافها في دلالاته. يعتبر مفهوم الصوم في اليهودية مفهوما مطاطياً، ويتفرع بتفرع اجتهادات أحبار اليهود حول الفرائض والعبادات الواجبة على المؤمن. هناك نوعين من الصيام عندهم: الصيام الفردي، أو ما يسمى بصوم العُسْر عند نزول مصيبة أو حزن على الشخص أو اقترافه لخطيئة أو جريمة. والصوم الجماعي، ويكون في حالات الكرب والحزن والقلق الجماعي من كارثة ما. وتفرض الشريعة اليهودية على معتنقيها صيام "يوم عاشوراء اليهود".

والصوم في المسيحية هو الإمساك عن الطعام لهدفين: من أجل الآخر (الإنسان) والخليقة.ومن أجل العلاقة مع الله. فالصوم ليس موضوع طعام وشراب، بل مبدأ تربوي لتهذيب الإنسان روحيا وجسديا. فليس الذي يدخل عن طريق الفم هو الذي ينجس الإنسان في عرفهم، بل ما يخرج منه.
وضع الإسلام الصوم كأحد أركانه الأساسية، ووسع مفهومه وفهمه ليشمل ما هو ذاتي، علاقة العبد بربه وعلاقته بنفسه، وما هو اجتماعي تكافلي، وما هو صحي، نفسيا وجسديا وعقليا. وبهذا فإنه يُكمل ممارسة الصيام كأصل من أصول الثقافة الإنسانية، بل يسمو به إلى مستوى رفيع، في علاقة بين العبد وربه ومن يتقاسم معهم العيش في هذا الكون والطبيعة. والسؤال المطروح هو: هل وصل المسلم المعاصر إلى هذه الدرجة السامية للصوم، أم بقي في مستوى "الجوع والعطش"، موهما نفسه بأنه صائم؟ هل نحن مستعدون، ونحن تائهون في ثقافة الإستهلاك، ممارسة الصوم كفلسفة حياة تقربنا من الله ومن أنفسنا ومن بعضنا البعض ومن شعوب أخرى؟



#حميد_لشهب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ما يجب أن يُقال-، غونتر غراس
- أركولوجية المؤمرات السياسية في -وزير غرناطة-
- -أرض الفراشات السوداء-
- أصالة الذات و تراث الأصالة
- العواقب السيكو-سوسيولوجية للإستهلاك كإدمان
- العنف و العنف المضاد
- الداودية و تعرية اللاوعي الجمعي
- البرهان الفينومينولوجي الواقعي على وجود الله. يوسف سايفرت
- توظيف الروحي لسلب الإنسان
- السلفية. مقاربة فرومية
- من هو الله الذي يتقاتلون عليه؟
- الدين للوطن و السياسة للجميع
- نهاية العلمانية. نهاية الدين.
- هل يتحول -غضب الربيع العربي- إلى -ثورة أمل-؟
- فخ الحداثة. مصيدة الإسلاموية.
- كم من عالم أخصى فرويد؟
- -مخارج من مجتمع مريض- لإريك فروم
- فن الحب عند إيريك فروم
- حوار مع هيرمان هيدجر ابن مارتين هيدجر
- -الخروف و الذئب في النفس الإنسانية-


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد لشهب - الصوم كإرث إنساني