|
شيئ من عبق الماضي يطيّب الجروح . !!!!!
خليل الفخري
الحوار المتمدن-العدد: 4854 - 2015 / 7 / 2 - 21:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شيئ من عبق الماضي يطيّب الجروح .!!!!! كان الربيع على غير عادته ككل المرات ؛ قد أعلن عن قدومه مبكرا . تبدّل وجه الأرض المغبرّ، كما تغيّر طعم الموجودات ؛ حين كستها خضرة ربيعية ضاعفت من عنفوان الفرحة حتى غصّت القلوب بها ، و شرقت كما الدمع لمن يبكي بحرقة . لقد حيّر الشعب العراقي فيما مضى من الوقت ، و أصاب الذهول اولئك الذين اهتموا بمسيرته ، و تابعوا نضالاته ، و لمسوا عظيم تضحياته من أجل الحرية غير هيّاب بما يأتي ولا متردد .وحين أمسك بها كان كالطفل يشدّ كفيه على لعبته ، ينام معها و بها يحلم ، ولا يفارقها للحظة . نحن الآن على أبواب ربيع العام 1959 و ثورة تموز مازالت تشقّ طريقها بين تركة الماضي و تحدّيات الحاضر المحفوف بالمخاطر و الوجع ، عاشها العراقيون في ظل حكم ملكي اقترب من الأقطاع و الأقطاعيين بالقدر الذي ابتعد فيه عن العامة و الفقراء ، فعاشت في رغادة حفنة من هؤلاء ، في وقت اختنق الآخرون وهم الغالبية في بؤسهم و حاجتهم ؛ بينما خيرات العراق تتحوّل ذهبا في جيوب و خزائن اولئك . لذا فلا غرلية ان واجهت ثورة الرابع عشر من تموز كمّا هائلا من محاولات القضاء عليها و اعادة دورة الحياة التي بدأها في العام 1920 الى الوراء . لم تكمل ثورة تموز عامها الأول بعد ، و لم يحتفل الشعب بذكراها ، فبين السابع من آذار و الرابع عشر من تموز وهو العيد الوطني للثورة مسافة أربعة أشهر ، و العراقيون في انتظار مرّ لها للتعبير عن تضامنهم و تأييدهم للثورة و قيادتها و أن الذكرى انما هي عرس العراقيين جميعا . كان نهارا ربيعيا جميلا و الساعة فيه كانت قد اقتربت من الثامنة مساء . و على غير ما أتوقع التقاني المرحوم طاهر غفوري صاحب مكتبة 14 تموز ، وكان ينتظرني في مقهى المرحوم أبو أحمد ؛ حيث كنت أسلك هذا الطريق كعادتي كل يوم عند عودتي الى البيت . انتحى بي جانبا و أخرج من جيبه مضروفا متوسط الحجم لم يتمكن من اغلاقه لسعة المحتوى و دينارا واحدا لاغير قائلا : لم يستطع الرفيق عبد ناصر مشكور – وهو معلم متفرّغ للعمل الحزبي في ريف الناصرية وكان وقتها يسكن فندق الغراف وقد توطدت بيننا صداقة رفاقية – أن ينتظر أكثر فلديه مشاغل و طلب الي ان اسلمك هذه الأمانة طالبا منك السفر حالا الى بغداد و تسليمه الى ادارة جريدة اتحاد الشعب . تناولت عشائي بسرعة و حملت حالي بعد المرحومة والدتي بأسباب سفرتي المفاجئة . ركبت القطار الى أور مدينة الأجداد و علق التاريخ ، و فيها انتظرت القطار القادم من البصرة . رميت نفسي على أحد المقاعد و أما اضمّ ضلوعي على المضروف الأمانة . راودتني فكرة رؤية ما به فهو مفتوح ، و للأمانة أقول انني عدلت عن الفكرة و طردتها من ذهني ؛ لأن ثقة الحزب بي منعتني من ذلك ؛ و ان تصرفا كهذا لا يتفق مع التربية الحزبية التي عوّدنا الحزب عليها . كانت الساعة قد اقتربت من التاسعة صباحا من اليوم التالي ، حين وجدت نفسي في شارع الكفاح أقف أمام رجل خمسينيّ خمّنت من لباسه وهيئته أنه من رفاقنا الكرد ، وهو يجلس على كرسي يدخن عند مدخل الجريدة ؛ سألني عن حاجتي !!! فأخبرته . رافقني الحارس الى الداخل . وفي باحة المكان طلب اليّ ان انتظر قليلا . ارتقى سلّما خشبيا . غاب لدقيقتين نزل بعدها ليخبرني امه ايقظ الرفيق المسؤول عن الجريدة من نومه حيث كان يسهر على امورها حتى تصدر . كانت عيناي مسمرتان على السلّم انتظر شكل الشخص الذي اسلمه الأمانة كي آخذ بعدها نفسا . رأيته ببجامته الزرقاء بخطوط طولية وهو ينزل السلّم ؛ كانت سحنته و تقاطيع وجهه تبعث على الأرتياح . حيّاني ب مودّة و حرارة و طلب الي الجلوس و دعا لي بفطور . سلّمته المظروف الذي كان مفتوحا ؛ ثم سألني عما بداخله قبل ان يخرجه ؛ أجبته بالنفي و بأنني لم اطّلع عليه ؛ فأخرج ما بداخله فأذا هي صورة بالزيّ العسكري بحجم 30 × 40 بحسب تقديري ملونة و جميله للعقيد عبد الوهاب الشّواف ، وفي الخلف كان الحزب قد ذيّل عليها مايلي ؛ وزعت بكميات كبيرة في الناصرية . طلب الرفيق مني انتظاره ريثما يصلح حاله . لم يمر طويل وقت حتى دخل المكان عامل يحمل صينية فيها كباب و طماطه و شاي . وقبل الأنتهاء من فطوري نزل الرفيق وصحبته رفيق آخر سلّم عليّ و سأل عن اوضاع المدينة وعن المرحوم طعمه مرداس . صعدت في السيارة الى جانب الرفيق و كأننا خرسا لا نحسن الكلام . كان الصمت لغتنا المشتركة . افقت من ثقل الأفكار والسيارة تدخل بنا وزارة الدفاع . صعدنا السلّم الخشبي كذلك الى الدور الأول . مشينا في رواق تطل غرفه من الجوانب و من الخلف على قاعة الشعب . كان ثمة ما يشبه الضجيج ينبئ ان شيئا ما سوف يحدث . انتظرنا في الرواق القريب من غرفة متوضعة جدا . مرّت ساعتان أو اكثر أخبرني الرفيق انه اتصل هنا قبل مجيئه ، و بينما نحن في حديثنا هذا خرج عسكري من داخل الغرفة المتواضعة يطلب منّا الدخول . فوجئت للوهلة الأولى أجد نفسي أمام صانع تاريخ العراق و باني مجده لولا ! رحب بنا الزعيم عبد الكريم قاسم والتواضع الجمّ و الأبتسامة لا تفارقه ، و طلب الينا الجلوس . استمع الزعيم دون انفعال ولا غضب الى عرض موجز قدّمه الرفيق مبينا ان المخاطر محدقة بالثورة و انها تستهدف الشعب في قيادته ان لم تضرب الثورة اوكار التآمر و رموز الأقطاع و الرجعية ؛ فأجاب الزعيم : يا جمال ؛ ان قوة الثورة و استمراريتها من قوة الشعب و التفافه حولها ، و هذا هو دور حزبكم هو ان تعبئ الشعب وراء قيادته ونحن ما علينا سوى التنفيذ . سألني الزعيم ؛ كيف تعاملتم مع الذين قاموا بحملة توزيع الصور ؟ أجبته ؛ وجدناها معلّقة في شوارع المدينة وبعضها مرميّ على الأرض صباحا . فقال رحمه الله : لا تنقلوا الخلافات الى داخل المدارس . دعوا الأمور للكبار خارجها ... ثم عقّب ؛ ستضرب الثورة بلا رحمة كل من يحاول العودة بالشعب الى ايام الذل و العبودية . استأذن الرفيق من الزعيم و خرجنا من عنده مودعين بابتسامة . كانت تلك هي المرّة الأولى التي أرى الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم عن قرب و كذلك الرفيقين جمال الحيدري و محمد صالح العبللي . رحم الله الجميع .
االنا صريه -- خليل الفخري
ال
#خليل_الفخري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجه من مد ينتي !!!
-
ماذا في جرار كهرمانة . !!!!! ؟ .
-
أبو احسان ؛ يا جرحا راعفا ؛ سلاما . !!!!!!
-
الناصرية ؛ مدينة فقدت ذاكرتها ..!!!!!
-
عشق السومرية ؛ نكهة التاريخ !!!!!!!
-
حين يكون القائد و المسؤول ابنا بارا و فيّا لشعبه !!!
-
أينانا ؛ طائف الليل !!!
-
الحقائق المرّة !!!
-
الدولة المدنية الديمقراطية أو أللادولة . !!!
-
بشار بن برد ؛ قراءة خاطئة للسيد بدري الغزّي . !!!
-
الدكتور حيدر العبادي ؛ ليكن عيد ميلادك هو ما يجمع العراقيين
...
-
نوم مضطرب !!!
-
العراق ؛ ارتقاء مدمّر باتجاه مهيل الصخر . !!!
-
ذاك الطّاس و ذاك الحمّام ؛ عدنا كما بدأنا أول مرّة . ّّّّ!!!
-
فيروز ؛ وجع الحلاّج و أغنيته . !!!
-
هل نجد في التراث دواء لعلّتنا ؟ !!!
-
للّه العزّة في الأعالي ، وفي النّاس المسرّة ، و على الأرض ال
...
-
حكم الطائفة طريق يفضي الى العدم .!!!
-
صناعة الأصنام في العراق !!!
-
حكم الطائفة البغيض ؛ هو المسؤول عن الدم العراقي المراق !!!.
المزيد.....
-
-غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق
...
-
بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين
...
-
تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف
...
-
مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو
...
-
تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات
...
-
يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض
...
-
الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع
...
-
قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
-
ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
-
ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|