أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بناء القصة السينمائية














المزيد.....

بناء القصة السينمائية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4851 - 2015 / 6 / 29 - 11:05
المحور: الادب والفن
    


نادرة هي الأفلام الوثائقية التي ترقى إلى مستوى التحفة غير أن فيلم "أمازونيا" للمخرج الفرنسي تييري راغوبير يستحق هذا التصنيف عن جدارة. وقد بذل طاقم الفيلم برمته جهوداً كبيرة، بدءاً من كُتّاب السيناريو الخمسة، مروراً بالمصورين الثلاثة وأصحاب المؤثرات الصوتية، وانتهاء بالمُمنِتجَين الذين أبهروا مشاهديهم بهذا العمل الساحر الذي يخلو من الحوار! فكيف أوصلَ المخرج فكرته إلى المتلقين الذين سقطوا في دائرة الدهشة والذهول على مدى خمس وثمانين دقيقة وهم يتنقلون في أماكن التصوير التسعة في أمازونيا، هذا العالم الاستثنائي الغامض وغير المروّض؟
لقد أراد منتجو الفيلم الأربعة أن يحصروه في إطار أفلام الأطفال أو العائلة في أبعد تقدير، لكن قوة الفيلم وسحر الغابات الأمازونية الممطرة المكتظة بعشرات الآلاف من النباتات والحيوانات والحشرات هي التي أخرجت هذا الفيلم من الأطر الضيقة المرسومة له. فهو فيلم لكل الأعمار، ولجميع المستويات، وأكثر من ذلك فهو يزاوج بين التوثيق والروي الصامت المعبّر إن صحّ التعبير. هذه إضافة إلى تنفيذه بتقنية الأبعاد الثلاثة التي منحته نكهة خاصة تُحسب لمصلحة الفيلم القائم على رصد اللقطات الجمالية المُبهرة التي تقترب من الفنتازيا أو اللامعقول في بعض الأحيان.

بناء القصة السينمائية
على الرغم من خلو الفيلم من الحوار إلاّ أنه ينطوي على قصة سينمائية متكاملة الأركان، بل أنها تنطوي على قدر كبير من التشويق خصوصاً وأن الكشوفات المدهشة التي قدّمها المصورون الثلاثة الذين انهمكوا بالتصوير على مدى ثمانية عشر شهراً كانت تسحر ألباب المتلقين، وتمدهم بمتعة بصرية غير مسبوقة مع كل لقطة أو مشهد من مشاهد الفيلم في أبعد الأحوال. تنعقد أولى خيوط القصة السينمائية حينما نرى فتاة صغيرة تودع قردها المُقلنَس "ساي" إلى سيرك آخر حيث سيتم نقله جواً حيث تتطور الأحداث بشكل دراماتيكي حينما تسقط الطائرة التي تقل هذا القرد لتعيده إلى حاضنته الأولى الطبيعة، تلك الحاضنة التي لم يرها من قبل، ولم يألفها قبل هذا التاريخ، وعليه أن يتماهى فيها ويندمج مع حيواناتها لكي يؤمِّن حاجته من الطعام والشراب والمأوى والبقاء على قيد الحياة. غير أن هذا القرد لم يعرف عالم الغابات لأنه تربى في الأسر وأصبح شأنه شأن الحيوانات المنزلية مدجّناً خلافاً لغرائزه الحقيقية، وطبعه البّري الذي ينسجم مع حياة الغابات التي تمتلك اشتراطاتها الخاصة.
لا تقتصر القصة على هذا السياق السردي الخارجي على رغم أهميته، وإنما تتجسد أمام أعيننا إشكالات جديدة من قبيل الضياع، والإحساس بالغربة، وصعوبة الإندماج مع الحيونات الأخرى، والإساءة إلى هذا النمط من الحيونات المأسورة التي أُقتلعت من جذورها وحاضنتها البيئية المألوفة بسبب الإنسان لا غير. لقد أحسن المخرج راغوبير حينما اختار هذا النوع من القرود المقلنسة "التي يحيط برأسها شعراً كثيفاً يشبه القلنسوة"، فهي قرود ذكية تتعلم بسرعة، وتندغم في البيئة المكانية من جديد، وتتفاعل معها، لكن هذا التفاعل لا يمنعها من ارتكاب بعض الأخطاء التي قد تودي بحياتها لأنها قد تذهب إلى الخطر بقدميها بسبب تدجينها وأسرها مدة طويلة من الزمن بعيداً مسقط رأسها ومأواها الطبيعي.

اللغة البصرية
إن منْ يشاهد هذا الفيلم لابد أن ينحني إعجاباً لكل طاقمه. وقد يستغرب المتلقي كيف تمكن المصورون من تصوير هذا الكم الهائل من اللقطات والمشاهد المدهشة التي تحبس الأنفاس؟ والجواب ببساطة شديدة أن الطاقم برمته قد انغمس في العمل على مدى عامين كاملين من البحث العلمي والكتابة وتطوير الأفكار، بل أن المصورين وبعض التقنيين قد أمضوا تسعة أشهر كي يتأقلموا مع الحيوانات الرئيسة التي يحتاجون تصويرها، هذا ناهيك عن مفاجآت التصوير والغواية الكامنة وراء المصادفات التي لا تنتهي لأنهم اقتحموا كوكباً أخضر بالكامل يحتوي على "40.000" نوع من النباتات و "5000" نوع من الحيوانات، و "2.5" مليون حشرة. أما الجمال الذي تنطوي عليه هذه الحيوانات والحشرات والنباتات فهي قصة ثانية لأنها تحتاج لوحدها إلى مقال منفصل يتمحور على قدرة المصورعين البارعين في الإمساك باللقطات الجمالية المدهشة والصادمة في آنٍ معا.
ربما يكمن قسط غير قليل من جمال الفيلم في اللقطات المدهشة لهذا الكم الكبير من الحيوانات وخاصة القرود والنمور والدببة والقُضاعات والنسور والدلافين النهرية والتماسيح والكائنات المُدرّعة والأفاعي العصّارة والطائر الطنان، والببغاوات الملونة، والجنادب، والعصافير، والعنادل. أما الأشجار الباسقة، المثمرة، المكتظة الأغصان فتحتاج وحدها إلى دراسة منفصلة كي تغطي فقط الجوانب الجمالية الكامنة فيها. ربما تكون الجنة أو الفردوس المفقود هي الكلمة الوحيدة التي تستوعب هذا الجمال النوعي المدهش المخبّأ في الغابات الأمازونية الحالمة.
ليس غريباً على المخرج الفرنسي تييري راغوبير أن ينجز فيلماً بهذا الإتقان الكبير، فقد سبق له أن حقق فيلم "الكوكب الأبيض" الذي رصد طبيعة الحياة في القطب المنجمد حاصداً العديد من الجوائز العالمية. وفي الختام لابد من القول إن هذا الفيلم الوثائقي يلامس القلب والعقل في آنٍ معا. كما يمنح المتلقي العضوي مساحة كبيرة من التأمل والاستغراق في هذا المنجم البصري الذي لا ينضب.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امرأة صينية تدجِّن شراسة الصحراء
- أطفال كورد يحلمون بالوصول إلى الفردوس المفقود في المحار المك ...
- اصطياد اللقطات اللونية المدهشة في صحراء نيفادا
- التطرف الفكري في رواية -الأشباح والأمكنة- لذياب الطائي
- تكريس الدعاية الرأسمالية في فيلم-صُنع في الصين- لكيم دونغ-هو
- الرسم بالضوء لاصطياد اللحظات الهاربة
- كُتّاب بريطانيون يعيشون على حافة الفقر
- هشاشة البناء الدرامي والرؤية الإخراجية المشوشة
- قدحٌ من الدموع المجففة إلى أوديت
- توثيق شامل للأفلام الروائية الطويلة في العراق
- تحت ظلال السنديان الإيطالي لموسى الخميسي
- اغتصاب الطفولة في -جراح الروح والجسد- لمليكة مستظرف
- شاهندة . . . أول رواية إماراتية
- الواقعية في السينما المصرية (2- 2)
- الواقعية الإيطالية الجديدة وموجاتها الثلاث (1 - 2)
- التعويل على الحوار في فيلم سُبات شتوي لنوري بيلكَه جيلان
- الشاعر السعودي حيدر العبدالله يتأهل للمرحلة الثالثة في مسابق ...
- القسوة والبشاعة وتقطيع الأوصال في أفلام أنتوني بيرنز
- الميتا سردية والبطولة المضادة في تل الصنم
- الرقص في الصحراء بعيداً عن أعين الباسيج


المزيد.....




- افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
- “مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا ...
- الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم ...
- “عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا ...
- وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
- ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
- -بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز ...
- كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل ...
- هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟


المزيد.....

- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بناء القصة السينمائية