أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - القدس والثقافة والتراتب الاجتماعي المقلوب















المزيد.....


القدس والثقافة والتراتب الاجتماعي المقلوب


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 4851 - 2015 / 6 / 28 - 14:49
المحور: الادب والفن
    


ينحسر دور الثقافة في القدس. تلعب الحواجز العسكريّة والحصار وجدار الفصل وحالة عدم الاطمئنان الناتجة عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي، دوراً بارزاً في ذلك. وتلعب الأحوال الاقتصادية المتردّية دوراً في ذلك أيضاً. وللمدّ الأصولي الذي ينمو في المدينة دور، فالثقافة الحديثة من وجهة نظر الأصوليين مدخل إلى نشر العلمانية، وإلى إفساد الأجيال الشابة وزعزعة انتمائها الصحيح.
لم تعد في القدس مكتبات تبيع الكتب كما كانت الحال في السابق. لم تعد هناك دور للسينما. دور السينما مغلقة منذ الانتفاضة الأولى. تُعرض في بعض الأحيان أفلام سينمائية في قاعة المسرح الوطني الفلسطيني، لعدد محدود من الناس. لم يعد في القدس جمهور للسينما (مؤخرًا نشط مركز يبوس الثقافي في عرض أفلام سينمائية).
توجد في القدس بؤر ثقافية معزولة إلى حدّ ما عن الجمهور. ثمة فرق مسرحية وعروض متفرّقة. وثمة نخبة معنيّة بالثقافة وبما تشهده المدينة من أنشطة في ميادين المسرح والغناء والفن التشكيلي والندوات. تتشكّل هذه النخبة من مثقّفين مخضرمين وجدد، ومن بعض طلبة الجامعة وقلّة من المواطنين.
ينحسر دور الثقافة وتستفحل نزعة الترييف في القدس، وتتراجع النزعة المدنيّة فيها، بتأثير عوامل شتّى من أهمّها إحساس المقدسيّين بأنهم متروكون لمصيرهم تحت الاحتلال الإسرائيلي، حيث لا نفوذ للسلطة الوطنية الفلسطينية في المدينة، وحيث لا تأبه بهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي تسعى للتخلّص منهم، باعتبارهم عقبة في مواجهة خطّة تهويد القدس.
ينتج عن ذلك كلّه مشهد مقلوب للتراتب الاجتماعي في المدينة، وللحالة الثقافية السائدة فيها. في سنوات سابقة، كانت للشهادات العلميّة قيمة واعتبار. كان الطبيب والمهندس والمحامي والأستاذ الجامعي والصحافي يشغلون موقعاً مميّزاً في سلّم التراتب الاجتماعي في المدينة. وكان القائد السياسي الذي يخوض معارك النضال الوطني ويتحمّل مرارة السجن والسجّان، صاحب حظوة لدى الناس.
ينقلب المشهد هذه الأيام، ويصعد الوجهاء ليصبحوا في الواجهة، ولتصبح لهم الكلمة الطولى في معالجة مشكلات الناس اليومية، في ظلّ غياب الأمن وتفاقم الصراعات العائلية، التي يغذّيها الحصار وتوتّر الأعصاب الناتج عن وضع معيشي لا يطاق.
يصعد الوجهاء القادمون من عائلات لها نفوذ مستمدّ من القوّة العددية لأفرادها، وتصعد معهم حالة ثقافية تُعلي شأن التعصّب العائلي والركون إلى أشكال بدائية من التنظيم الاجتماعي التي أعيد إحياؤها بعد أن لفظتها المدينة في فترة سابقة. وتنتشر الدواوين العائلية المكرّسة لاجتماعات أبناء العائلة الواحدة، تلك الاجتماعات التي تتأكّد من خلالها مكانة وجيه العائلة المتميّز على غيره من أبنائها، بغضّ النظر عن حظّه من التحصيل العلمي.
يمارس الوجهاء دورهم الاجتماعي عبر هذه الدواوين وغيرها، وينشطون لحلّ المشكلات الناشئة عن المشاجرات والخلافات على حدود ملكيّة الأرض والاعتداءات على الأعراض، وما ينتج عن ذلك من مضاعفات قد تصل حدّ القتل وإزهاق الأرواح.
ينظر الناس في القدس وفي محيطها، نظرة إيجابيّة لظاهرة صعود الوجهاء في زمن يفتقر إلى نظام سياسي يرعى شؤون الناس، وإلى محاكم فلسطينية وأنظمة وقوانين. هنا يتمّ الاعتماد على العرف العشائري الذي يهتدي به الوجهاء بأسلوب خلاّق حيناً وبأساليب متخلّفة لا إبداع فيها ولا تجديد في أحيان كثيرة، ما يدفع إلى عدم الانضباط في تطبيق هذا العرف والخروج عليه في حالات شتى، الأمر الذي ينذر بحالة من الفوضى وانهيار صيغة التعايش الهشّة بين الناس.
لا تقتصر ظاهرة صعود الوجهاء على القدس وحدها، فلها تجلّيات متفاوتة في مدن فلسطينية أخرى، غير أنّ لها حضوراً أكثر فاعلية في القدس بسبب ظرفها الخاصّ تحت الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتصدّى الوجهاء وحدهم تقريباً لحلّ مشكلات الناس، التي تقع أثناء ممارستهم لحياتهم اليوميّة في ظلّ الاحتلال.
مع ذلك، ثمة جانب سلبي مرتبط بالحالة الثقافية التي تواكب هذه الظاهرة، وهي حالة معنيّة بتكريس ما هو قديم من أشكال التنظيم الاجتماعي المستمدّة من بيئة محافظة، لا ترقى إلى أبسط أشكال التنظيم المدني، لأنها تجعل الفرد ملحقاً بالجماعة ولا حقّ له في ممارسة حرّيّته الشخصية، ولأنها تتعاطى مع المرأة باعتبارها عنصراً ضعيفاً مُلحقاً بالرجل، ولا يحقّ لها التعبير عن وجهة نظرها أو التحكّم بمصيرها وبوضعها الاجتماعي والمعيشي.
وتنمو على هامش هذه الظاهرة أدبيّات مبسّطة وعادات وتقاليد، حيث تتحدّد أمكنة الجلوس في الديوان بحسب أهمية الأشخاص وموقعهم في سلّم التراتب الاجتماعي. فالوجيه الأكبر له صدْر الديوان ومن حوله يجلس وجهاء آخرون، والذين لا يُحسبون في عداد الوجهاء لهم الأمكنة البعيدة من مكان الصدارة، وللوجيه الأكبر الحقّ في الكلام قبل الجميع، وهو الذي يختتم الكلام ويتوصّل إلى آخر الاستخلاصات.
وأما بخصوص الأدبيات، فمن يتابع صحفنا المحلية، فسوف يعثر في صفحاتها الداخلية على إعلانات، يجري نشرها بعد كلّ اتّفاق على عطوة عشائرية أو صلح بين العائلات المتخاصمة، حيث يبدأ نصّ الإعلان بسرد أسماء المشاركين في الجاهة العشائرية، وهم في هذه الحالة من الوجهاء دون غيرهم، ويعتبر نشر أسمائهم ميزة لا ينالها إلا من كرّسوا وقتهم لمثل هذا النشاط.
ولا يندر أن يقع كاتب النصّ في أخطاء لغوية لافتة للانتباه، حيث يتطرّق لذكر كبير الجاهة ويقول: إنه ترجّل كلمة في الحاضرين! (وهو يقصد بطبيعة الحال: ارتجل، والترجّل هو النزول عن ظهر الفرس) ، وتكاد تتشابه الكلمات التي يقولها كبير الجاهة في هذا المقام، مع الكلمات التي تقال في المناسبات الأخرى الشبيهة بهذه المناسبة، وهي تتلخّص في ضرورة إحلال الوئام بين المتخاصمين وتنقية النفوس من الضغائن، والحثّ على مكارم الأخلاق والشكر على الكرم والتسامح، وما إلى ذلك من كلام له وقع طيّب في النفوس.
بالطبع، ليس ثمة اعتراض على حضور الوجهاء في الحالة المقدسيّة. الاعتراض في الأساس على الوضع السياسي غير الطبيعي المتمثّل في بقاء الاحتلال، هذا الوضع الذي قزّم حضور الثقافة الحديثة في فضاء المدينة، وقلب سلّم التراتب الاجتماعي لأسباب اقتصادية وسياسية، وأدخل الناس في حمأة مشكلات يومية معقّدة، أدّت مع الزمن ومع تكرار وقوعها، إلى تخفيض سقف تطلعاتهم التي تواكبها ثقافة محلية محدودة الآفاق، بديلاً من الثقافة التي تشمل الوطن بأسره وترتبط بمصيره وبآفاق تطوّره الخلّاق، وترتبط في الوقت نفسه بالمواطن الفلسطيني، وتسهم في صيانة حريته الشخصية، وفي إغناء هويّته وتعزيز قيم المواطنة والعصرنة لديه دون انتقاص.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القدس وتبدلات شارع صلاح الدين
- ثقافة معزولة في مدينة محاصرة
- تبدلات شارع الزهراء
- العمران وضواحي القدس الآن
- القدس الشرقية تذوي والغربية تزدهر
- مقاهي القدس التي تتناقص باستمرار
- ترييف القدس المعزولة عن ريفها
- شبابيك القدس3 / قالت لنا القدس
- شبابيك القدس2 / قالت لنا القدس
- شبابيك القدس1 / قالت لنا القدس5
- في مديح نساء القدس/ قالت لنا القدس4
- قالت لنا القدس3
- تمهيد ثانٍ/ قالت لنا القدس
- تمهيد أول/ قالت لنا القدس
- رقص/ قصة قصيرة جداً
- فراغ/ قصة قصيرة جداً
- لو/ قصة قصيرة جداً
- مفاجأة/ قصة قصيرة جداً
- غبش/ قصة قصيرة جداً
- الخالة/ قصة قصيرة جداً


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - القدس والثقافة والتراتب الاجتماعي المقلوب