أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى توفيق - أصوات الواحة التي ألهمتني















المزيد.....

أصوات الواحة التي ألهمتني


هدى توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 4851 - 2015 / 6 / 28 - 09:41
المحور: الادب والفن
    


أصوات الواحة التي ألهمتني
شهادة عن إبداع الكاتب الكبير بهاء طاهر


لن أتحدث عن ولعي بقراء إبداع أديبنا الكبير بهاء طاهر ولما لا؟ وقد لفت أنظار الواقع الثقافي على عالمه القصصي الجديد، والغريب والأليف معا، فهو من أبرز الأصوات القصصية العذبة في ساحة القصّ المصري بل والعربي المعاصر، بدأتها بقراءة المجموعة القصصية{ الخطوبة} ثم {بالأمس حلمت بك }الذي بهرني عالمها الجديد، لتعيد صياغة علاقتنا الإشكالية مع الغرب من جديد، وقد تجسدت بها الرؤية العميقة، واختلطت بها الحقائق بالأوهام لتكتسب فيها الأحداث أبعادا رمزية خصبة بلغة صافية، فريدة في مذاقها، وإيقاعها وقدرتها على النفاذ بمستويات متعددة خلال البناء المحكم المتماسك، بقدرته الفائقة على إثراء القصّ بمستويات متعددة متراكبة من المعاني والدلالات، وقد أسست لقص جديد يتميز بالصلابة والشاعرية ثم قرأت له عدد من رواياته{ شرق النخيل} و{قالت ضحى }و{الحب في المنفى} و{خالتي صفية والدير} حتى قرأت تحفته الإبداعية{ واحة الغروب}، التي لي معها حكاية العمر كما يقولون، ليس فقط لانبهاري وإعجابي الشديد بها، بل أنني أحببتها بشكل شخصي، وأعود إلى قراءتها كلما شعرت أنني أريد أن أتشبع روحيا ومعرفيا بأدب ثمين ذو قيمة ومتعة عالية في آن واحد، فقلما ما نجد هذا كثيرا.
لكن حكايتي الأثيرة معها، تجعلها من أقرب وأفضل الروايات التي أعتز بافتتاني بها، وهي تراودني كحلم مستحيل أنا في انتظار تحقيقه على الدوام واحة الغرب تجربة إبداعية فريدة المعنى والمذاق يمزج فيها المبدع الكبير بين الحاضر والماضي وبين الواقع والتاريخ بصدق أعجز عن وصفه، إنه كالسحر يشدني إلى قراءتها دوما لدرجة أنني تمنيت برغبة ملحة، وإصرار عنيد أن أتمثل خلق أصوات كأصوات الواحة في كتابتي الجديدة الآن وأنا لا أرى متعة وجمالا وعمقا وموضوعية أكثر من ذلك، إنه شئ فاق خيالي لدرجة العجز عن إنجازه كما أتمنى ومن هنا بدأت حكايتي مع تلك الرواية بالذات فخورة لخيالي الجامح رغم شعوري بخيبة الأمل لعدم قدرتي على إتمام ما أردت، لكني سأنتظر الموعد القدري مع كتابة مثل هذه الكتابة الخالدة، مهما مرت السنوات، سأطمح لما بقي لي من عمر أن أفوز بهذا الكشف الدال بين المزج الساحر والرائع بين الواقع والخيال، واستلهام حقبة من تاريخ مصر، وتراثها المتراكم بلغة أحسها أكثر وأنا أقرأ باستمتاع أنها كنبع ماء صاف عذب، أنهل منه بشراهة المريد أن يتبع أستاذه حتى يصل لقمة الصدق وليس أمامي غير الإنتظار والصبر لعلي أصل إلى الإمتلاء الذي أنشده فى واحة الغروب (واحة سيوه) التي يعيش فيها الأجواد والزجالة هي كما يتصورها{ مستر هارفي }المستشار الذي يمسك كل خيوط النظارة بين يديه، بإسبرطة مع الفارق إسبرطة كانت مدينة لإنتاج العسكر، يدربون الأطفال من الصغر ليصبحوا جنودا ويعزلونهم عن سكان المدينة لهذا أصبحت إسبرطة كلها جيشا يسكن مدينة أقوى جيش في اليونان كلها قبل أن يظهر الإسكندر، وهؤلاء الزجالة في الواحة أيضا مجندون للعمل في فلاحة الأرض حتى سن الأربعين ممنوع عليهم الزواج أو دخول المدينة وعبور أسوارها بعد غروب الشمس { ص11}
وأيضا الأهم، الذى تريد أن تقوله عنوان تلك الرواية – واحة الغروب هي أيضا الغرب أو الأفق الغربي عن المصريين هو مملكة أوزوريس مملكة الموتي وأرض الحساب التي إعتقد المصريون أنها في مكان ما في الصحراء الغربية، وبما أن سيوة هي أقصى الغرب من مصر، فلعلهم اعتبروها أيضا آخر محطة تغرب فيها الشمس عن الدنيا ما سمي بقدس الأقداس حيث أنهم في العصور المتأخرة كانوا يعبدون آمون في سيوة بإعتباره إله الشمس الغاربة بل إلها للموت أي الخلود فالأفق الغربي هو عالم الخلود{ ص215}
أشد ما لفت نظري لدرجة إستحواذ الفكرة على مخيلتي هو فكرة الأصوات التي تحكي عن التاريخ والحضارات المختلفة والواقع الأدنى في مزج ثري وممتع في آن واحد نموذج لذلك وأنا أنصت لصوت الإسكندر الأكبر، الذي أخبرته أمه (أوليمبياس) أنه ابن الإله زيوس –{ الإله الثعبان الكبش} – {الصقر الخفي }الأسماء، حيث جاء من لدغة الثعبان لأمه، الإسكندر الأكبر صاحب أكبر الفتوحات شرقا وغربا حتى أصبحت إمبراطورية عظيمة إستغرق في صنعها سنوات حياته كلها حتى مماته وهو في سن الثلاثة والثلاثون فقط وهو أيضا مؤسس مدينة الإسكندرية، يحكي صوت الإسكندرية الأكبر في الرواية بصوت تشعر به حيا وناطقا ومنتعشا كأنه لازال حيا عن نسبه وأصله وأمجاده وتاريخه المهيب ورحلته إلى واحة آمون واحة الخلود ليحصل من الكهنة على لقب ابن الإله آمون وفرعون مصر وقد حل في بدنه حلول الإله حورس منذ لحظة دخوله قدس الأقداس، وبذلك أصبح ابن الإله وسيد العالمين، فما من إنسان تتبناه الآلهة في الحضارة المصرية ويصبح واحدا منها إلا في مصر التي تؤله ملوكها، يخبرنا القائد الهمام بحكمة فارس شجاع، وإمبراطور عظيم قائلا على لسانه:-
"تعلمت أن الشجاعة ليست غريزة بل هي بالضبط قهر الخوف القابع في كل نفس".
هذا المزج البديع بين الحضارة اليونانية والفرعونية القديمة، ملأني بعبق التاريخ الأسطوري وقد شعرت به حيا ينطق بحكايات تاريخ مات وإندثر بصوت حاضر ومفعم بالحيوية رغم مرور آلاف السنين على حدوثه وتدفق الحكي يدخل روحي وتجعلني أهيم في روعة الكشف عن حياة الإسكندر الأكبر المثيرة وروحه المعذبة من يوم أن ولد وسطع نوره في الدنيا قائلا بمرارة شجية.
- لدغ الثعبان أمي لدغة الحب فجئت أنا .....
حتى رحيل الإسكندر الأفضل فيه عندما مات صديقة المفضل والمقرب إلى أفكاره وقلبه {هيفاستون }وسط الأشخاص الكثيرة التي تعيش داخله ويصفة الإسكندر بدقة ورقة قائلا عنه: "الذي عاش هادئا، معتدلا، ولم يكن يثور أو يعرف الجنون الذي ظل يطاردني العمر كله" معترفا بكل حزن أنه عندما مات هيفاستون تيقن أن الإسكندر الإنسان قد رحل."
وماذا عن صوت {كاثرين}، العقل الواعي والمثقف الذكي، الذي مررتها تجربة حياتها الماضية القاسية مع {مايكل }ومع أبوها الأستاذ بإستبطان غائر عن كينونات الحياة الحقيقية جعلتها غايتها في الحياة هو البحث عن الحقيقة، حتى لو بدأت بفكرة مجنونة كما بدأت بحثها المثابر عن مقبرة الإسكندر الأكبر في الواحة رغم كل ما لاقته من مصاعب ومخاطر عرضتها للموت أكثر من مرة على يد الزجالة الطيبون ولكن الأغبياء كما أخبرها الشيخ يحيي وتقاليد أسياد الواحة من الأجواد وميراثهم العتيق الجامد من طقوس تقتل أي روح جميلة كما قتلت مليكةأجمل البنات والوجه الوحيد المضيئ في تلك الواحة العمياء وهي تقهر العادات وأرواحهم الميتة حين أنها ترتدى زى الأولاد حتى تمرح براحتها وسط المعابد وخاصة معبد أبو عبيدة التي خربوها بحثا عن الكنز وهم لا يدركون أبدا أن تلك المعابد وما بداخلها من نقوش ورسومات هي الكنز الحقيقي، الذي تبحث عنه كل عقول الدنيا، مليكة التي تنحت تماثيل بديعة، وتعشق تلك الخرابات، كما يطلق عليها هؤلاء الأغبياء مليكة ذلك القلب الذي يئن بالجمال والحرية لأنها طائر حر، إنسحقت من جراء تاريخ الأسلاف المتخلف عن هلوسات وحكايات خرفاء عن النساء والمساخيط الكفرة والأرامل وطبول الحرب وزغاريد النساء إحتفالا وتأهبا لسفك الدماء كافحت مليكة حتى وجدت ضالتها المثيل لها، اللتان تقابلا على حافة الحب من أول وهلة بنظرة تلاقت فيها روحهما كعاشقان كان يبحث كلا منهما عن الآخر وهي تعلم أنه طريق الحب والأمان والإحتواء عند كاثرين.
ولأننا لا نستطيع أن نعيش هكذا بين الجنون والعبث الذي يحكم تلك الواحة، خرج لنا صوت الشيخ يحيي الذي يتهامسون سرا عن جنونه" وقد كان يعتبروه في شبابه فارس الغربيين وأشجع رجالهم لم ينهزم أبدا في قتال ولم يتراجع أمام عدو حتى عذبه ضميره لكل الدماء التي سفكها فرفض أن يشارك قومه في معركة ظالمة كانوا هم فيها المخطئين واعتزلهم حتى اعتبره عار أن يتخلى عنهم فوافق أن يحارب إلى أن تظل الحرب حتى يبيد أحدنا الآخر أما هم الشرقيين الذين ألقوا السلاح تحت قدمه وراحوا يقبلون يده ورأسه قائلين{ إنى أشجع من أنجبت الأرض عرضوا أن أ بقي معهم وأعيش وسط الشرقيين مكرما لكنه ركب حماره ولم يرجع إلى داره ولا إلى قومه بل تقدم نحو الصحراء المتاهة عازما ألا يعود يعترف الشيخ قائلا بحزن ومرارة التجربة الطويلة التي وجدت مرفأها وسلامها النهائي معتزلا كل البشر في حديقته بعد أن قتلوا مليكه بجهلهم وغبائهم الشديد وتخاطبها مطعونا بخنجر شارك في قتلها دون ذنب.
- لا تصدقي يا إبنتي لم أكن مجنونا بل أردت أن أوقف الجنون...
- كيف تريدون من مليكة أن تفهم عاداتكم التي بلغت أنا من الكبر عتيا، فلم أفهمها مليكة الجميلة رسول الموت؟
وأخيرا أعترف أنني ظللت لأكثر من شهرين، أتخيل صنع سحر هذه الأصوات في كتابة جديدة لي، وأحاول بكل جهد أن أقتنص فكرة الأصوات، التي ألهمتني كثيرا من التخييل لشخصيات أرفعها إلى قمة المجد والإبداع الخلاق كما فعل كاتبنا الكبير في تلك الرواية الفاتنة، لكنني مع الأسف فشلت... نعم فشلت، بقدر ما أحسست باكتئاب ساحق، بقدر أيضا ما أحسست بسعادة وقد أيقنت أن منال الفن الحقيقي بعيدا عني وهذا يعني أنني سأظل أطمح وأنهل من الأفكار وأشط بخيالي حتى تأتيني الفكرة المناسبة لأتمم ما أردته في كتابة أخرى أو ربما لا تأتي لكن الأمل سيصادق الانتظار والدأب والرغبة التي ستدفعني في إلحاح أن أصر على الكتابة لفترة أطول من عمري وهذا مسعاي وأمنيتي الغالية في بقائي بروح الفكرة الباقية في عقلي وروحي كنبراس مضيئ لا ينطفئ وهجه مهما مرت السنوات والقلم يلوح لي دائما ويذكرني وهو ينهرني بغضب أنت لم تكتبي بعد عملك الذي أردته يا جاهلة، وسيزال رحيق تلك الرواية يلهمني المزيد والمزيد حتى لو فات الوقت دون أن أدونه وأنا أبحث عن العلامة الفارقة، والصدق الشفاف الذي يقترب من الذات بتلك البساطة المعجزة في السرد والحوار كما تشكل وتجسد في تلك الرواية ذات العلامة المميزة في مسيرة كاتبنا الكبير بهاء طاهر الإبداعية.

هدى توفيق



#هدى_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو عالم محمد ناجي
- كيف قرأ عبد المنعم تليمه كتاب {في الشعر الجاهلي }
- حكاية اليهود
- الأراجوز يتحدث لنا
- أحلام شهرزاد
- كوميديا الحكم الشمولي
- عبق الأمل في مجموعة روح الفراشة
- تأثير الدين على الابداع
- يوتوبيا سيد قطب الدرامية
- الماضي والراهن :حول كتابات محفوظ التاريخية
- محفوظ كاتبا مسرحيا أيضا
- ازدواجية المتعة في عالم نجيب محفوظ الروائي بين القراءة والفر ...
- عداء بنى اسرائيل لمصر وفلسطين
- كارثة النشر الخاص
- جدل الواقع فى مجموعة مدينة طفولتى للكاتب طلعت رضوان
- عيسى الدباغ والثورة المضادة
- مجموعة أرنى الله لتوفيق الحكيم
- خلوة الكاتب النبيل
- حاذث النصف متر تجاوزكل الأمتار
- العداء العبرى لمصر وفلسطين


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى توفيق - أصوات الواحة التي ألهمتني