|
المعنى بين الواقع والافتراض في القصة القصيرة (لؤي قاسم عباس) أنموذجا .
حيدر جمعة العابدي
الحوار المتمدن-العدد: 4847 - 2015 / 6 / 24 - 13:17
المحور:
الادب والفن
تتميز قصص لؤي قاسم عباس بطابعها الحكائي الذي يتخذ من الواقع ثيمة أساسية تعتمد في بنائها على المفارقة النقدية للواقع والإحداث عبر انهماكها في رصد ومتابعة الحدث اليومي السائد وما يعتريه من تحولات فكرية ونفسية تعكس حجم المضمر الثقافي ،النفسي الذي تختفي خلفه انساقنا الثقافية والسلوكية الضاربة في عمق وعينا وثقافتنا اليوم ،وهذا يتضح في اختياره لعناوين قصصه القصيرة التي سنسلط الضوء فيها على أربع قصص هي (عالم افترضي .. عالم حقيقي ) و(جنازة السيد المدير )و(مدينة الأحلام) و(سوق الأفكار). حيث تتشارك هذه القصص في تناولها للواقع على انه مجموعة حكايات مختلفة قد صنعها الإنسان للإقناع نفسه بأنه يعيش ضمن حقيقة ثابتة اسمها الواقع .تقوم هذه الحكايات في بنيتها على رؤيتين مركزيتين هما ،الواقع و ،الحلم او الافتراض بكل ما تحمله من دلالات فكرية واجتماعية تنفتح بدورها على عوالم الكاتب القصصية . ففي قصة( عالم افتراضي ..عالم حقيقي ) انجد ان للعالم الافتراضي ( الفيس بوك ) هو بؤرة الحدث حيث جميع أحداث القصة تدور حول إقناع المتلقي ان ما كان يعد ضمن ثقافة افتراض او حلم صار واقعا له قوانينه وشروطه مثل اي واقع اخر سمته التعايش والتواصل بين الأشخاص لذلك هذه القصة والتي يرويها البطل بأسلوب المخاطب تضعنا امام تحدي حقيقي لكل قيم الواقع يقول السارد (أحاول ان أسرد لكم تجربتي مع عائشة صديقتي في العالم الافتراضي ,الفيس بوك) فمنذ البداية يضع المتلقي اما فعل الافتراض كي يشعر المتلقي انه إمام حدث حكائي مختلق لكن سرعان ما يتحول هذا الافتراض الى واقع له مكان وزمان انا (محمد سلطان من العراق ) وصديقتي ( عائشه من المغرب ) فهذا التداخل مابين الواقع والافتراض الهدف منه كسر نمطية الواقع الحقيقي بالواقع الافتراضي لذلك يتنوع هذا الافتراض ما بين قصة وأخرى ففي قصة (جنازة السيد المدير) نجد ان افتراض موت المدير يفتح نوافذ الأمل بغد افضل لدى الطلاب(بفرح شديد استقبلت خبر وفاة السيد المدير ... اي صباح جميل هذا) الحلم في واقع جديد خالي من نمط التسلط السائد فيتحول موت المدير الى لحظة حزن وشؤم لدى اهالي الطلاب والى لحظة سعادة وفرح وامل ،جعلت الطلاب يفترضون واقعا جديدا خالي من سطوة المدير وعصاه التي طالما هددنا بها حتى تحولت كلمت (مدير) الى رمز للتسلط والقمع لدى الطلاب (لست ادري لماذا يمرون بجنازة المدير امام بيتنا ، انهم يزفون الي هذه البشرى ) ،ونجد ذلك يتكرر في قصة( مدينة الأحلام ) ((وهي مدينة يعيش الناس فيها على عدم ارتكاب المعاصي والأخطاء يضعون على صدورهم لوحة بيضاء تظهر نوازعهم وخلجات صدورهم ، وعلقوا في موضع جباههم لوحة زجاجية كأنها شاشة التلفاز تظهر ما يدور في رؤسهم من افكار بيضاء او سوداء )) فمدينة لؤي قاسم هي أشبه ما تكون (المدينة الفاضلة) لكن ليس بشكلها الافلاطوني القديم و إنما بشكلها الافتراضي الجديد ، فهذا النزوع نحوا الافتراض من خلال القص يكشف سعي الكاتب للبحث عن العوالم الافتراضية خالية من التسلط وتكشف في نفس الوقت ازمة الواقع اليومي الذي يعيشه الكاتب لذلك هو سعى لتغير معادلة الواقع/ الازمة بمعادلة الواقع /الافتراض، بكل ما يشكله الافتراض من رحابة وحرية وخيال استطاع من خلالها الكاتب من أحداث مقاربة طرفيها الواقع والافتراض لكن هذه المقاربة هي الأخرى تخضع لنفس آليات التحول السردي اي الانتقال من الواقع الى الافتراض وبالعكس وهذا يتضح في الستهلال السردي لقصة (مدينة الاحلام ) يقول (تسللت في يقظتي عبر بوابة الوهم الى مدينة الأحلام) فالتأكيد على الحلم والافتراض لدى الكاتب هو تأكيد رمزي اكثر مما هو واقعي لإيصال رسالة مفادها ان كل حقائقنا عن الواقع هي في الأصل كانت حلم اتفقنا ان نسميه حقيقية ،وبالتالي علينا ان نحلم ونفترض كي نصصح وجودنا الإنساني.اما في قصة( سوق الأفكار) يضعنا الكاتب إمام مفارقة فلسفية في الشكل والمضمون استخدم فيها أسلوب التهكم والنقد لاجتماعي ،لنوعية من البشر تبيع كل شيء كي تقتات على ما تبيعه حتى أفكارها فرطت فيها لتعيش بلا أفكار، ورغم ان القاص يفترض هذا السوق من مخيلته لكنه افترض يخضع لتوظيف ممنهج ومدروس تتسع من خلاله دائرة التأويل والنقد ،يقول الراوي (هو سوق اعتيادي ليس فيه ما يميزه عن بقية الأسواق . الا أنه يختلف من حيث المضمون؛ فالسلعة الرئيسية التي يتم تداولها فيه هي الفكرة ) تكشف هذه القصة حجم التراجع الفكري الذي تكون بفعل الكم الهائل من الاحباطات المتكررة حتى فقدنا الثقة في قدرتنا على تحويل أفكارنا الى واقع وإبداع لأننا لا نفترض النجاح بل نفترض الفشل أولا ، تقوم المفارقة في هذه القصة على ان من يبيع أفكاره يخسر كل شيء الا الكسل الفكري هو السلعة الوحيدة التي يربحها (احدهم باع فكرته بعشرة ألاف دينار فقط وعاد الى بيته ورأسه خالي )، فكل من وافق على البيع ينتهي بالموت الفكري والكسل اي يصبح عبئ على نفسه وعلى غيره . اعتمد الكاتب لغة تهكمية فنية لذلك تعمد فرض بعض الكلمات العامية السائدة لما تحمله من إيحاء عالي على التهكم والمفارقة وذلك لإشعار و تطمين المتلقي انه إمام واقع هو جزء منه ،استخدم أسلوب الكامرة في الوصف بما تحمله الكامرة من دقة عالية وسعة في الرؤية (وقبل الدخول للسوق يجذب انتباهك الإعلان الضوئي الذي وضع في واجهة السوق والذي يبلغ ارتفاعه أربعة امتار وعرضه ستة أمتار ) اجاد الكاتب في جعل نهايات قصصه نهايات صادمة للمتلقي حيث انتهت جميع قصصه بمفارقة نقدية للواقع والافتراض ففي سوق الأفكار تنتهي القصة باجتماع صاحب السوق السيد حسيب مع السيد نزار ساعده الأيمن قال له ( في علينا ان نفكر بجدية للرحيل من هنا الى وطن أخر فلقد اشترينا كل الافكار ولم يعد في هذه المدينة رأس واحد فيه ذرة من التفكير ) تتكرر هذه النهايات و المفارقات في باقي قصص المجموعة . لم تخلو بعض هذه لقصص من بعض التكرر في المشاهد والكلمات لكن تكرار لايؤثر كثير في شكل القصة ففي قصة جنازة السيد المدير يتكرر مشهد التشيع وصوت النعي اكثر مما تحتمل القصة. اعتمد الكاتب على حبكة قصصية نازلة تبدءا بالافتراض وتنتهي بالواقع تمثل لغة صورية جميلة وذلك لتحفيز النص والمتلقي للقراءة أجاد في جعل عوالمه الافتراضية قريبة من التحقيق اي ليست عوالم مفارقة كثيرا للواقع . في الختام نجد ان هذه المجموعة القصصية في شكلها العام هي بحث واقتفاء للمعنى الافتراضي المتمثل في الحلم والعوالم الافتراضية الأخرى لإيجاد حياة وواقع أكثر إشراقا وجمالا من عالمنا الحقيقي اليوم الذي فقد كل معنى إبداعي وأخلاقي جميل وبالتالي فقصص لؤي قاسم في الكثير منها هي كسر للسائد من المعاني وما يرافقها من فشل وتأخر ثقافي واجتماعي وحضاري من خلال تحفيز العقل البشري على الحلم والافتراض ومن ثمة اكتشاف معنى جديد للحياة عبر الافتراض . كي نكون شعبا قادر على الخلق والإبداع يجب علينا ان نفترض بأن هناك معنى جديد للحياة.
#حيدر_جمعة_العابدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجاملات النقدية وأثرها على المشهد الادبي والثقافي في العرا
...
-
الاخر مابين الصدمة والتجاوز قراءة في المجموعة القصصية ( ترات
...
-
القصة ما بين المفارقة والحدث قراءة في المجموعة القصصية (كائن
...
-
المكان في السرد مابين الثقافي والأسطوري في رواية مستعمرة الم
...
-
الرؤية السردية في الخطاب الروائي في رواية ( سرير في مومباي)
...
-
االخطاب الروائي مابين المضمون الظاهر والمضمون الكامن في رواي
...
-
صورة المكان في السرد القصصي (مداعبة الخيال) انموذجا للقاص عل
...
-
سؤال الهوية في القصة القصيرة في قصة ( الصدفة والصدمة) للقاص
...
-
التقابل والمفارقة في القصة القصيرة قراءة في المجموعة القصصية
...
-
بنية الاستبداد في السرد العراقي في رواية مواسم الاسطرلاب للك
...
-
شخصية المناضل السياسي بين الأيديولوجية وتحولات الواقع في روا
...
-
اشكالية المعاير في القصة القصيرة جداً
-
بداويتنا تسترد مفاتنها على يد داعش
-
اغتراب الذات في القصة القصيرة قراءة في مجموعة( أنا وكلبي وال
...
-
النقد الثقافي : قراءة في الانسياق القافية المضمرة في رواية ا
...
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|