|
أمة تضحك الأمم - انفلونزا المسلسلات التركية أعراضها، علاجها والوقاية منها - القسم الأول
ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم
(Majid Alhydar)
الحوار المتمدن-العدد: 4844 - 2015 / 6 / 21 - 22:33
المحور:
كتابات ساخرة
أمة تُضحِكُ الأمم ماجد الحيدر انفلونزا المسلسلات التركية: أعراضها، علاجها والوقاية منها القسم الأول
يقال أن بعض الأمراض المعدية كانت محدودة الانتشار أو لا تصيب الجنس البشري الى أن نشرتها، عمداً أو نتيجة خطأ غير مقصود، مؤسسات بحثية أو شركات أدوية أو حكومات دول بعينها بغية جني مكاسب سياسية أو اقتصادية محددة. قد يبدو هذا الكلام صحيحاً (ميّة بالمية) لدى البعض، أو مبالغاً به ومتأثراً بنظرية المؤامرة العتيدة لدى البعض الآخر. لكن انفلونزا المسلسلات التركية الذي بدأ (بالصدفة المحضة) مع ظهور أردوغان حتى غزا البيوت والمقاهي والعقول في الجوار التركي (العربي والكردي بشكل خاص) يجعل الفأر يلعب في عبّ كل متابع حصيف. نعم. التسويق هو التوصيف الصحيح لما تقوم به هذه المسلسلات: تسويق لوجهات النظر التركية (الأردوغانية في الغالب)، لنمط الحياة، للاقتصاد، الزراعة ،الصناعة، الأثاث، المستشفيات، السياحة (بضمنها السياحة الجنسية). هذا التسويق يفهمه عقلي الساذج على أنه تمهيد لشيء أكبر بكثير، امتداد ثقافي يحاول أن يؤثر على رسم خرائطنا السياسية والاجتماعية والعقلية. لقد دخلت الثقافة التركية وتاريخ تركيا وحياتها العائلية ومناظرها السياحية وحتى أجواء مافياتها الى عقولنا وحياتنا اليومية بقوة غير مسبوقة، وصارت الحياة العائلية في كثير من أسرنا تتنظم على إيقاع هذه المسلسلات ومواعيد بثها وصراعات أبطالها. وصار الكثير من "بالغينا" وشبابنا (والمراهقين والمراهقات على وجه الخصوص) يحاكون أولئك الأبطال في كل شيء. أطاحت المسلسلات التركية بالمسلسلات المصرية عن عرشها، فلم يبق لها إلا مواسم رمضان لتعرض فيها بضاعتها الشحيحة. وبزّت (حلوة بزت؟) سابقاتها المسلسلات المكسيكية في طولها وعدد مشاهديها. أما المسلسلات العراقية والكردية فحالها يبكي الحجر منذ آخر مسلسل جماهيري ناجح : النسر وعيون المدينة. تستخدم هذه المسلسلات ستراتيجيات مدروسة للوصول الى عقل المواطن الشرقاوسطي الذي تراهن على غبائه وعقليته المهيئة سلفاً لاستقبالها: • اللهجة الشامية للدوبلاج وهي لهجة بسيطة سهلة الاستيعاب وأقرب الى نفس المواطن العادي من العربية الفصيحة أو من الترجمة السبتايتلية المتعبة (يقابلها في كردستان وإن كان بنجاحٍ فني أقل، استخدام اللهجات المحلية المتنوعة). • البنات الحلوات (المُزز بالمصري أو الحاتات بالعراقي) بأزيائهن المثيرة (رغم أن بعضهن يلعبن النفس حسب مقاييس الجمال عندنا، وحسب آراء بناتنا – طبعا من الحسد!) • الشباب الرومانسيين الحبابين ذوي الأجسام الرياضية الممشوقة والقوة الخارقة التي تصمد للرصاص والضرب ، مو مثل شبابنا المساكين الواحدهم يموت من مجرد انفجار سيارة مفخخة تافهة لا تخدش جلد أبطال المسلسلات الذين لا يصابون في أسوأ الأحوال إلا بغيبوبة مؤقتة تستمر عشرين حلقة أو بتلف في الكلية (لماذا الكلية دائما) يتم علاجه بعد كذا حلقة على أيدي الجراحين الأتراك "العباقرة" الذين يظهرون في المسلسلات مثل الطماطة (ترهم على كل شي) بعد أن يتبرع بها (وأعني الكلية لا الطماطة) شخص غريب نكتشف في النهاية أنه أخو البطل أو ابن عمه (شق المنشار). • الديكور الفخم والمنظر السياحية الخلابة والأزياء والاكسسوارات وغير ذلك من مستلزمات العمل الدرامي (وأشهد أنهم حاذقين وناجحين في هذا حتى في تسويق الساسة لأنفسهم: أنظر لصور قصر أردوغان وحرسه وأزيائهم) • الحبكة التقليدية التي يسهل الإدمان عليها: الخوش ولد والخوش بنيه والأهل المعارضين وزعيم العصابة والأقرباء الذين لا يعرف أحدهم الآخر. وفي الوقت نفسه (شوف الصدفة) هناك واحدة خبيثة موخوش بنية مو مترباية تحب الخوش ولد وتحاول التفريق بين الخوش ولد والخوش بنية.. الموخوش بنية تنكشف في العادة في وسط المسلسلة أي في الحلقات المائة الأولى أما الموخوش ولد الذي يكون في العادة زنكين بس معقد وعنده حالة نفسية لأن أمه مو أمه فعادة ما يلجأ الى الانتحار بعد أن يفشل في اختطاف الخوش بنية أو قتل الخوش ولد فيقدم على عمل أرعن يستمر طوال الحلقات العشرين الأخيرة يؤدي في النهاية الى انتحاره أو قتله على يد أم الخوش ولد أو أبيه الأصلي رغم ان الخوش ولد والخوش بنيه قلبهم رقيق ولا يرضون بقتل نملة بس شنسوي لازم الموخوش ولد يموتون في النهاية على عناد مجلس النواب! في كل مسلسل أيضا تضم الخوش بنية سرا على الخوش ولد أو بالعكس لكن ارادة القادر القدير وبعدها ارادة صاحب الشركة المنتجة تحتم أن لا ينكشف السر الا في الحلقات الأخيرة رغم أن كل المشاهدين يعرفون السر ويصيحون على التلفزيون ولك ليش ما تحجيلها وتخلصنا؟! ناهيك عن الساعات الطوال التي تقضيها وأنت تشاهد أم البطل أو البطلة تتوسل بالطبيب والممرضة كي ترى فلذة كبدها وهما يمانعان صوناً للأعراف الطبية والدبلوماسية إلى أن يرضخا لدموعها وشكواها و "ليش يا ربي هيك عم بيصير فينا؟" • بين هذه الأحداث المتشابكة التي لا تعرف لها راس من رِجل، لا ينسى منتج المسلسل أن يدس السم في العسل: أن يصور جرائم الفاتح العثماني الداعشي المتعطش للدماء وكأنها هبة ورحمة من السماء. أن يظهر السلطان العثماني السفاح رجلا حكيما حصيفا ودودا يكاد قلبه يتفطر من الرحمة والتقوى، وأن يعرج بين فترة وأخرى على الشعب الكردي في تركيا ليظهره كمجاميع من المتخلفين والقتلة المعادين للسياسة الحكيمة والرشيدة للحكومات التركية المتعاقبة وبخاصة في "جهادها" لهؤلاء الإرهابيين الأشرار الذين يحتلون أرض تركستان منذ مئات السنين ويحرمون الشعب التركي المظلوم من أبسط حقوقه ومنها حقه في التحدث بلغته القومية! وللموضوع تتمة طبعاً، إنه موضوع طويل: أليس عن المسلسلات التركية؟!
#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)
Majid_Alhydar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من الشعر النيوزيلندي المعاصر - مارك بيري - تاريخ الكذبة
-
أمة تضحك الأمم - بالعباس مو آني
-
بمناسبة ذكرى مذابح الأرمن - لا أكبر من جرحكم الله - شعر مؤيد
...
-
المدرسة الميتا-عشائرية في النقد العراقي الحديث
-
من روائع الشعر الغنائي الإيراني المعاصر - انسان - داريوش -مع
...
-
في هذه الدنيا - للشاعر الفرنسي رينيه سوللي برودوم
-
على جرف الماء - قصيدة للشاعر الفرنسي رينيه سوللي برودوم
-
مجرد عابرِ سبيل - أوزوالد متشالي - جنوب أفريقيا
-
الكاتبة - للشاعر الأمريكي رتشارد ولبر
-
أوزوالد متشالي - مشبوه على الدوام - ترجمة ماجد الحيدر
-
طفل عند النافذة - للشاعر الأمريكي رتشارد ولبر - ترجمة ماجد ا
...
-
يهودا عميخاي - أريد أن أموت في سريري - ترجمة ماجد الحيدر
-
مؤيد طيب -نهايات حزينة - ترجمة ماجد الحيدر
-
قتيل آخر - مسرحية من خمسة أسطر
-
سلام - شعر شاهين نجفي
-
استفهامية الشاعر الدرويش - عن مجموعة غلطة من هذه لماجد الحيد
...
-
وقت عصيب - شعر تشارلز بوكوفسكي
-
وكنت أبكي.. يوم تحررت سايغون
-
الأسلوب - قصيدة تشارلز بوكوفسكي
-
تسبيحة لليل - للشاعر الأمريكي هنري و. لونكفلو
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|