احمد ضحية
الحوار المتمدن-العدد: 1340 - 2005 / 10 / 7 - 11:11
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
* تشكيل الحكومة الجديدة : بداية النهاية لتيار قرنق أم خط شروع جديد لذات التيار ؟!..
* المعارضة الشمالية : راية "الثنائية" دعوة حقيقية , أم قميص عثمان ؟!.
* حزب المؤتمر الوطني: مشروع قديم في شكل جديد !!..
_________________________
جاء تشكيل الحكومة السودانية الجديدة وتوزيع حقائبها الوزارية, في الفترة القريبة الماضية . بموجب اتفاق السلام الموقع في ينايرالماضي حيث نال المؤتمر الحاكم 52% مقابل 28% للحركة الشعبية بزعامة سيلفا كير النائب الأول للرئيس و14% للمعارضة الشمالية و6% للمعارضة الجنوبية..
وستبقى هذه الحكومة لمدة أربع سنوات, تجري بعدها انتخابات تشريعية في البلاد, بموجب اتفاق السلام. وينص الاتفاق على إجراء استفتاء لتقرير, مصير جنوب السودان بعد فترة انتقالية, مدتها ست سنوات بدأت في التاسع من يوليو الماضي.
_____________________________
على الرغم من ترحيب الاتحاد الأفريقي, بتشكيل الحكومة السودانية الجديدة, واعتباره لها "مرحلة رئيسية" في تطبيق اتفاق السلام بالبلاد" . وكذلك ترحيب الأمم المتحدة والحكومة الأمريكية , إلا أن كل ذلك لا ينفي أنالإعلان عن الحكومة السودانية الجديدة , جاء وبعد لايزال المناخ السياسي في السودان, يعاني من التقلبات والأجواء الملبدة بالغيوم والحذر . بسبب المتناقضات الذاتية داخل الحزب الحاكم من جهة, والمتناقضات التي وسمت السلوك السياسي للقوى المعارضة , بمختلف فصائلها من جهة أُخرى , الى جانب الآثار العميقة التي خلّفها الرحيل المفاجيء, والمأساوي لدكتور قرنق, وآثار هذا الغياب الفاجع لدكتور قرنق على الحركة الشعبية , ما أدى بالنتيجة الى وراثة خصومه لثمرات إتفاق السلام, وأنحسار نفوذ أتباعه تحت قيادة سلفاكير .
عبرّت هذه المتناقضات عن نفسها في علامات بارزة, تكشف عن طبيعة التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة , فقوى المعارضة التاريخية, مثل الحزب الشيوعي والإتحادي والأمة , ليست جزأً من التشكيل الحكومي الجديد (كذلك القوى الصغيرة المعارضة الأخرى ذات النفوذ المقدّر على الأقل في الجامعات وأوساط المثقفين, مثل القوى الديموقراطية الجديدة بصورة عامة ) , اذأن الحزب الحاكم وحكومته أستغنى عن هذه القوى بأحزابه المتوالية الصغيرة , والتي هي في واقع الأمر ليست قوى سياسية حقيقية, بقدر ما هي صدى للصوت الأساسي, الذي يمثله الحزب الحاكم , على الرغم من تعهدات الحزب الحاكم ,والحركة الشعبية(سلفاكير) ببذل أقصى جهد لتأمين مشاركة التجمع الوطني الديمقراطي المعارض في
الحكومة الانتقالية الجديدة. و تأكيد سيلفا كير بعد عقده لإجتماع مع وفد شكله رئيس التجمع الوطني محمد عثمان الميرغني : بحث خلاله ترتيبات مشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي في حكومة الجنوب.
إذأكد سيلفا كير ضرورة مشاركة الحزب الاتحادي في الحكومة الوطنية باعتبار أنه من الممكن أن "يعمل توازنا ودفعة للحكومة الانتقالية". ومن هنا كانت تأكيدات القوى السياسية الأخرى(غير المتوالية) بأن موقفها من (ثنائية) إتقاق السلام لم يتغير,فقد إنعكست هذه الثنائية على تشكيل الحكومة الجديدة , التي هي بالأساس تم تشكيلها بموجب هذا الإتفاق الثنائي , ولذلك جاءت المحاولات لدفع بعض القوى المعارضة للمشاركة الإسمية في هذه الحكومة , كمحاولات غير جادة , عبرت عن ذلك خلال موقف الصادق المهدي الذي أكد أن معارضته للحكومة الحالية إنما هو بسبب تكريسها للشراكة الثنائية بينها كحكومة لحزب المؤتمر الوطني وبين الحركة الشعبية, ولأن حكومة حزب المؤتمر الوطني لم تعير اهتماما للتيارات والأحزاب السياسية الأخرى. وفي هذا السياق نفسه انتقد المهدي , في عدد من وسائل الإعلام ,الطريقة التي تم بها التشكيل الحكومي، ووصف نسب المشاركة في السلطة بأنها غير عادلة؛ لأنها تعطي للأحزاب الأخرى نسبة ضئيلة, على الرغم من ثقلها الشعبي في الشارع السوداني.ودعا المهدي إلى عقد مؤتمر جامع لكل أهل السودان, ليقرروا فيه مستقبلهم السياسي ويتجاوزوا المشكلات الحالية..
كذلك كشف البيان الذي أصدره الحزب الاتحادي, عن طبيعة الخلاف حول المشاركة في هذه الحكومة (وكانت محادثات دكتور نافع السابقة لتشكيل الحكومة الجديدة ,مع عدد من السياسيين البارزين في التجمع الوطني قد جعلتهم مثيرين للشفقة , فقد عكست محادثاته معهم عدم جدية حزب المؤتمرالوطني في مشاركة قوى التجمع , وتعامله مع شأن المشاركة , كنوع من العبث الذي يروّح به عن نفسه , على هامش ترتيباته الخاصة في التحكم بزمام الأُمور بصورة ثنائية مع الحركة الشعبية , في الفترة الانتقالية ) ..
أعلن الحزب الاتحادي في البيان الذي أشرنا اليه سابقا ,عن تملصه من التوقيع على أي اتفاق مع الحكومة , فقد ذكر أحمد الميرغني نائب رئيس الاتحادي, في البيان الذي حمل توقيعه أن" التوقيع مع حزب المؤتمر الوطني, لم يتم بعلمي أو استشارتي وعلمت به من وسائل الإعلام الرسمية"وأن اللجنة التي تفاوضت مع المؤتمر الوطني الحاكم رفعت توصياتها لقيادة الحزب, التي لم تجتمع ولم تتخذ بعد قرارا بالمشاركة في الحكومة الانتقالية".
وأضاف البيان أنه جرت اتصالات بين رئيس الحزب, محمد عثمان الميرغني ونائبيه: علي محمود حسنين وأحمد الميرغني، وقد تم التأكيد على موقف الحزب بعدم المشاركة في السلطة التنفيذية .
وقد بدا واضحا قبيل الإعلان عن الحكومة الجديدة, أن مفاوضات حكومة المؤتمر الوطني مع قوى التجمع الوطني لم تكن جادة بما يكفي ليتبلور عنها أي نوع من الاتفاقات الكفيلة بتحقيق قدر معقول من توسيع قاعدة المشاركة . الامر الذي ترتب عليه إحباط لقوى التجمع بصورة مثيرة للشفقة , الأمر الذي جعل موضوع خارطة التحالفات الجديدة, تطل برأسها بقوة خاصة أن الخلافات بين الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي , التي أوجدتها مسألة تقسيم الوزارات (على وجه الخصوص الخلاف الشهير حول وزارة الطاقة ) لا تزال تلقي بظلالها بعد أن حسمت وتم الإعلان عن الحكومة الجديدة,, وربما تترتب علي هذا الخلاف , الذي تم استبطانه خصوصا في أوساط تيار قرنق الذي آثر الانسحاب جنوبا , خطوات ما من الحركة الشعبية على المدى البعيد : فيما يخص مشروع الوحدة بين الشمال والجنوب . فالحركة الشعبية خرجت من التقسيم الوزاري وهي تحمل بعض الغبن . الذي من شأنه تقوية تيار الإنفصاليين داخلها .
ومثلما نلاحظ أن حزب المؤتمر الوطني ,عبارة عن تيارين أحدهما يوالي الرئيس عمر البشير والآخر يوالي نائبه علي عثمان محمد طه . كذلك نجد أن الحركة الشعبية تعج بالمتناقضات الذاتية , التي أبرزها يتعلق بالإرادة السياسية الواحدة للحركة الشعبية , اذ توضع هذه الإرادة الآن في محك الإختبار بسبب وجود تيار قوي للراحل قرنق بمجابهة تيار سلفاكير , على الرغم من أن هذين التيارين لم يعبرا عن نفسيهما بصورة حادة حتى الآن(كمجابهة عسكرية) لكن يظل مع ذلك ما تحمله الفترة القادمة ,محاصرا بالهواجس والظنون في ظل بروز عدد من التحالفات ذات البعد الإثني(داخل داخل الحركة الشعبية و على استحياء داخل حزب المؤتمر).
على ضؤ ما تقدم يمكننا الزعم أن الحكومة السودانية الجديدة هي حكومة "ولدت معاقة" فقد تمخضت عن تعنت حزب المؤتمر الحاكم وشهوته الكبيرة في السلطة,والتغيرات التي أعترت حساباته السابقة وفقا للواقع الجديد الذي فرضه غياب قرنق , وهو ما ينطبق أيضا على التغييرات التي أعترت الحركة الشعبية , لأسباب مشابهة ..
وبإقصائهما(الحركة الشعبية والحكومة)لتيار قرنق و القوى الكبرى وفشلهما بذلك في الإمتحان الاول للتحول الديموقراطي , يمكنناالتأكيد أن حكومتهما الجديدة قد ولدت معاقة , خاصة أنها بعيدة عن تيار الشارع العام , الى جانب ما يبدو أنه بداية الخزلان لكل القوى التقدمية التي تنادي ب"سودان جديد"..
ويطرح هذا الواقع السياسي المعقد بالتوصيف الذي أشرنا إاليه , عددا من الأسئلة المشروعة :
حول ما إذا كانت الحكومة الجديدة هي بداية النهاية لتيار قرنق أم خط شروع عسكري جديد لذات التيار , في مجابهة سلفاكير في الجنوب؟!..
كذلك غموض ما تطالب به قوى التجمع كبديل لما ظلت تطلق عليه الشراكة الثنائية بين الحكومة والحركة : راية "الثنائية" هل هي دعوة حقيقية , أم قميص عثمان ؟!. فبإستثناء الحزب الشيوعي , بين قوى التجمع وحزب الأُمة , ظلت القوى الطائفية لوقت طويل خلال تاريخها غير مبدئية في مطالبها , وعاشقة لإغراق نفسها في التاكتيكي على حساب الاستراتيجي فيما يخص الاجندة الوطنية وهو ما أودى بالبلاد , الى عدم الاستقرار .. هل تستطيع هذه القوى التعبير بصورة حقيقية عن تطلعات الشعب , وتكوين تحالف ديموقراطي حقيقي . أم ستظل تراوح مكانها وتكتفي برفع قميص عثمان , كما تؤكد القوى الجديدة الديموقراطية , التي تسعى هي الأخرى لتكوين تحالف , تأمل أن تكون الحركة الشعبية راعية له .. تحالف بمعزل عما تطلق عليه "قوى السودان القديم"..
كذلك هل هذه الحكومة ,( فيما يخص حزب المؤتمر الوطني الذي كشف عن قدراته الكبيرة في ترضية أتباعه , الأمر الذي يعد بترهل في المؤسسات موقع مسئوليته): هل هذه الحكومة مؤهلة للعبور بالسودان بأمان من الفترة الإنتقالية , الى المرحلة القادمة التي تليها بعد أربع سنوات (الانتخابات التشريعية ) , وهي تفتقر للإجماع الوطني , ونهضت في الإقصاء والثنائية ..
من الصعب إعطاء أي إستنتاجات متسرعة , فالوضع حول مستقبل الحكومة الجديدة , ومصير اتفاق السلام نفسه من الغموض بحيث , يدفعنا للتريث والتأمل مطولا .. خاصة أننا في دولة لا تعترف بحرية المعلومات التي بموجبها يتم تقييم الأوضاع ومآلاتها ..
#احمد_ضحية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟