|
رأي في توظيف العلم في النص الروائي المعاصر.
عبد الكريم السعيدي
الحوار المتمدن-العدد: 4842 - 2015 / 6 / 19 - 21:18
المحور:
الادب والفن
رأي في توظيف العلم في النص الروائي المعاصر. عبد الكريم السعيدي
يقول احد المؤرخين المحدثين : الاغبياء وحدهم الذين يتعلمون من اخطائهم ، اما انا فأتعلم من اخطاء الاخرين . من هذه المقولة احببنا الدخول الى موضوع القيم التي تنطوي عليها الرواية الحديثة ، فهل يكتفي الكاتب المعاصر بتزويد قارئه بنماذج من تجارب الاخرين الانسانية والحياتية ، حتى تضيف اليه تجارب إنسانية جديدة من دون ان يعيشها ؟ وبعبارة اخرى ما الذي تنطوي عليه الرواية الحديثة غير احتفائها بالحياة البشرية ؟ سؤال يحيلنا جوابه الى مجموعة قيم متظافرة ؛ منها الجمالي واللغوي والفني والثقافي والعلمي ، ولعل الزمن يخبئ لنا قيما لا نعلم ماهيتها ، بعد ان تطور النص الروائي حتى بات مرتعا خصبا للمعارف المتنوعة ، ولو ابعدنا الجانب الفني والجمالي من توصيف الرواية المعاصرة ، ذلك الجانب الذي ينمي خيال الانسان ، لوجدنا انفسنا امام كم هائل من المعارف في شتى المجالات والحقول ؛ كحقول الرياضيات والفيزياء والكيمياء والتاريخ والجغرافية ، وعلم الاجتماع وعلم النفس ، فضلا عن علوم اخرى كثيرة انطوى عليها النص الروائي المعاصر . لقد كان قارئ الرواية الكلاسيكية ومن خلال حياة شخصياتها ،يكتفي بالاطلاع على انماط من السلوكيات الاجتماعية ، من دون مخالطتهم ،فعندما يقرأ لنجيب محفوظ ،كأنه يطلع على المجتمع المصري من دون الذهاب اليه ،ومن ثم فان مقياس نجاح الرواية كان بمقدار ما تمنحه من تجارب الاخرين له ،من هنا استشهدت في بداية حديثي بمقولة ذلك المؤرخ الذي يقول : الاغبياء وحدهم الذين يتعلمون من اخطائهم ، اما انا فأتعلم من اخطاء الاخرين ، كما ان النص الروائي ينطوي على المتعة الفنية ، التي هي اساس كل الاعمال الفنية ، ولعلنا لا نجانب الصواب اذا ما وصفنا النص الروائي الكلاسيكي بانه الفن الذي يقدم لنا نمطا من انماط المعرفة الاجتماعية ، بعد اعادة تشكيله تشكيلا فنيا ،وفي ضوء هذه الحقيقة فان قارئ تلك الروايات ما كان يظن انه يحصل على معلومات عن تطور الاجنة في الارحام ، او نتائج التفاعلات النووية او حركة الاجرام في السماوات ، وغيرها من المعارف ، ولاسيما الطبيعية ، فاذا كانت غاية الرواية هذه ، اذن ما هي غاية كتب الفيزياء والفلك والكيمياء والطب والهندسة ؟ . ولكن العصر الحديث كان له راي اخر في الموضوع ، فقد وجدنا بعض الروائيين من يترك الحكي جانبا ، ليشغل نفسه بإخبارنا بمعلومات عن الفيزياء والكيمياء ، وغيرها من العلوم ، بعد ان يوقف السرد لصفحات عديدة ، مستعملا تقنية ايقاف الزمن السردي ، ليذهب بعيدا في شرحه ، وكأنه استاذ جامعي يلقي على طلبته محاضرة في تخصص معين ، متمنيا علينا قبول تلك المعرفة التي يقدمها الينا بعيدا عن جمود الدرس العلمي ، ونحن هنا لا ننكر على الفنون جميها توظيفها العلوم المختلفة ، فهذا من حقها ، ولكن ان يصبح ذلك الفن صورة عن ذلك العلم فهذا ما يمكن قبوله ، فعلى الرغم من ظهور التحليل النفسي والاجتماعي للأدب ، بوصفه النتيجة المترتبة على توظيف الادب لعلم الاجتماع وعلم النفس ، الا ان تلك التحليلات لم تغن عن استقلالية علم النفس وعلم الاجتماع ، كما ان الادب ظل وفيا لأدبيته ، ولم يصبح صورة عن تلك العلوم . لقد انشغل النقد الادبي طويلا بمسألة توظيف السردي في الشعري ، لان لكل جانب اشتراطاته الخاصة المتعارضة مع الاخر ، فالقصيدة مهما أوغلت في مناطق السرد وبالغت فيها تبقى فنا شعريا في المقام الأول ، تميل إلى الحذف البلاغي بسبب طبيعتها الجمالية ، وقد درج العرف النقدي التقليدي ، على التفريق بين القصة والشعر، بوصفهما نوعين مختلفين ، فالقصة فن نثري يكمن الإبداع فيه في بنيته الحكائية وطرائق رسم شخصياتها ، على حين بني الشعر على نظام لغوي تتراجع فيه الوظيفة اللغوية إلى الوراء وتكتسب الأبنية اللغوية قيمة مستقلة ، والقص كلما يقترب من شرط الشعر ازدادت دقة كلماته أهمية ، وكلما تحرك الشعر صوب السرد قلت أهمية لغته الخاصة، ذلك لأن الشعر فن لغوي في المقام الأول يكمن الإبداع فيه بالإيحاء والرمز ، أي أن الألفاظ في القصة تشير إلى اتجاه واحد هو المباشرة ، على العكس من الشعر الذي تتجاوز فيه ألفاظه دلالتها المعجمية ،واستنادا إلى هذا الفهم فان القصة إذا ما قررت الدخول في الشعر ، فأنها تدخل بأدوات الشاعر وعناصره بوصفها ضيفا مؤدبا على الشعر ، ومن ذلك إهمال التفصيلات والميل نحو التكثيف والإشارة السريعة واللمحة الخاطفة الموحية المتعددة التأويلات ، وعدم الاستغراق في وصف أبعاد الشخصيات وتحديدها وتفصيلاتها ،لأن الشعر معني بالوقوف عند انفعالات النفس ، أي انه يتحدث عن كوامن الأشياء وانعكاساتها في الذات المنفعلة بها ، هذا من جهة القصة . أما من جهة الشعر فهو إذا ما قرر استضافة القصة ، فعليه التنازل عن بعض مميزاته لكي تتمكن القصة من اخذ مكانها المناسب فيه ومن تلك المميزات اصطباغ الشعر بطابع التقريرية والمنطقية ، ولاسيما في الوصف ، الأمر الذي يجعل ألفاظه تشير إلى اتجاه واحد هو المباشرة ، وهذا يفضي إلى انكماش القدرة الإيحائية لبنيته اللغوية عند حدود الدلالة المعجمية ،ومن ثم تقل أهمية اللغة الخاصة به لتصبح اقرب إلى الأسلوب النثري وأنه سيقاوم محاولات القص المتكررة لأخذ النص الشعري إلى الاستغراق بالوصف ، ولاسيما تصوير الأشياء من الخارج تصويرا منطقيا مع التركيز على تفصيلاتها ، بغية إقناع المتلقي بصدق ما يقال. من هنا جاءت الصعوبة في دمج هذين الفنين المتباعدين في طرائق البناء الفني ، إذ أن لكل منهما اشتراطاته ومطالبه وعناصره ، الأمر الذي يتطلب أكثر من قدرة الشاعر وأكثر من مقدرة القاص لدمجهما ، فالقصيدة بحكم أنها قصيدة لابد أن تكون شعرا ، وبحكم أنها قصة لابد أن تنقل إلينا قصة في شعر وقصة ، وفي ضوء ذلك اجترح النقاد تسميات عدة للنص الشعري الذي يوظف بعض عناصر السرد أو كلها ، فمرة هو نزوع قصصي، أو هو شعر قصصي أو قصيدة قصصية ، وأخرى هو قصة شعرية أو حكاية شعرية ، أو هي قصيدة درامية أو حوارية أو سردية أو القصيدة ذات النزعة القصصية وغيرها من المسميات ، ولم يتوقف الأمر عند هذا ، فقد دعا بعض النقاد إلى وجود نوع أدبي مستقل هو القصيدة القصصية . بيد ان امر توظيف العلمي في السردي ينطوي على اشكاليات متنوعة ومتشعبة ، اكثر مما لمسناه في امر توظيف الشعري في السردي ، لان ما يفرقهما اكثر مما يجمعهما ، والمتتبع لأمر توظيف العلم في النص الروائي يجد نفسه وهو يدور في فلك مصطلحات كثيرة متداخلة ؛ فمصطلحات الرواية العلمية ، الرواية التعليمية ، رواية الخيال العلمي ، المعرفي او الثقافي الروائي ، السرد الثقافي ، والثقافي السردي ، وغيرها ، مما يكشف مدى الورطة التي وضع كاتب هذا النص فيها نفسه ، لان مصدر الاشكالية التي يفضي اليها تداخل العلمي مع السردي ، هو صعوبة دمج خطابين مختلفين في الاسلوب والغاية ، وهي اشكالية تختلف كثيرا عن اشكالية دمج السردي بالشعري ، لا يستطيع النقد الادبي التعامل معها بسهولة ويسر ، فعلى الرغم من اختلاف اسلوب السرد عن الشعر، الا انهما يظلان يتنفسان من بوتقة واحدة ، هي بوتقة الفن ، وهو امر لا يمكن توافره في حالة دمج العلمي بالسردي ، فالواقع الاجتماعي بكل تشعباته الثقافية والاخلاقية والدينية والسياسية والاقتصادية ،الذي هو ساحة النص الروائي ومسرحه ، لا علاقة له بالعلوم والمعارف ، كما ان تلك العلوم لا علاقة لها بالسرد ، فمن السهولة واليسر ان نجد العادي اليومي بكل همومه السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، يتألق في عالم الرواية ، لأنه العمود الفقري لبنيتها السردية ، وهو الرقعة الفسيفسائية التي تحتوي هذا الكم الهائل من كل شيء في الحياة ، الذي يصلح ان يكون مادة للسرد ، ولكن ان يكون العلم مادة سردية فهذا هو بيت القصيد!!! .. واذا اردنا فك الاشتباك بين هذه المصطلحات المتداخلة تواجهنا اشكالية تحديد المفاهيم التي تنطوي عليها ، ولاسيما ان الخط الفاصل بينها في الغرب ،اصبح رفيعا يكاد لا يرى ، فبعض الكتاب هناك راحوا يكتبون نصف رواياتهم بأسلوب الفنتازيا والنصف الاخر بأسلوب الخيال العلمي ، الامر الذي صعب على النقاد تصنيف تلك الكتابات ، ولكن على نحو يمكننا القول ان النقاد والكتاب الغربيين حاولوا جاهدين فك الاشتباك بين بعض تلك المصطلحات ، كمصطلحي الخيال العلمي والفنتازيا ، فهذا الروائي الامريكي أورسن سكوت يفرق بينهما بقوله ؛ اذا كانت شخصيات الرواية تقوم بأفعال مستحيلة عبر قيامها بأمور غير منطقية مثل المسح على الجماد او التمتمة امام الاشجار ، فان ذلك يسمى رواية فنتازيا ، واما اذا كانت تلك الشخصيات تقوم بالفعل المستحيل ذاته ، عبر الضغط على زر او الركوب في جهاز فهذه قصة خيال علمي ، كما ان الامر لم يخل من محاولة لتحديد ماهية الرواية العلمية ، فهذه احدى الموسوعات الالكترونية تعرفها بانها ضرب من الرواية قوامه التصورات أو التخيلات العلمية. تُعنى بتصوير حياة الإنسان في المستقبل القريب أو البعيد، وتدور حوادثها في معظم الأحيان على سطح القمر أو على سطح المريخ وغيره من الكواكب السيارة ، وقد نشأت بعد حقب من التقدم العلمي الحديث ،بقيت علينا الاشارة الى ان الرواية التعليمية نمط من الكتابة قديم يختلف جذريا عما سبق ذكره من مصطلحات ، فقد ادخل المتخصصون تحت رايتها كل عمل روائي يفيد التعليم ، كروايات جرجي زيدان التاريخية ،ومحاولة رافعة الطهطاوي في كتابه ( تلخيص الابريز ) ، ونحن هنا لا نريد تتبع هذه الجهود حتى لا يطول بنا المقام ، لان غاية هذه الورقة هي الاشارة الى نمط من التأليف راح يمارسه الكتاب العراقيون ، واحتل حيزا كبيرا في الساحة الروائية العراقية المعاصرة . يكاد الجميع يتفق على ان وضعنا العربي الحالي غير مهيئ لكتابة ما يسمى بالرواية العلمية بالمفهوم المشار اليه سابقا ، نظرا لبعد العرب عن التكنلوجيا وانشغالهم بواقع الاجتماعي المزرى ، الذي جعلهم يفتقدون عوامل نضوج الخيال العلمي ، والكاتب العربي حتى لو كتب رواية بهذه الاجواء فان ما يكتبه لا يلاقي النجاح الذي يلاقيه فلم الرسوم المتحركة ، فضلا عن الرواية الاجتماعية ، لان مجتمعاتنا العربية حاليا مجتمعات مستهلكة للتكنلوجيا الغربية ، والتعامل مع متطلبات الخيال العلمي تحتاج الى ثقافة تفتقدها مجتمعاتنا ، وهنا لا بد لي من الاشارة الى ان هناك من النقاد والكتاب من ينبري في مثل هذه الاجواء ـ كالعادة المتبعة ـ للدفاع عن موروثه الثقافي الذي يرى فيه غنى عن كل شيء ،فيأخذه الزهو بموروثه الثقافي ويذهب به بعيدا؛ ليقول ان الف ليلة وليلة ورسالة الغفران وحي بن يقظان وغيرها من روائع التراث العربي هي نماذج مبكرة لهذه النمط من التأليف ،فالف ليلة وليلة هي اول من تحدث عن الطيران بواسطة البساط الطائر، كما انها اول من تحدث عن الحياة تحت سطح البحر، وهي اول من تحدث عن سرعة الضوء ، وغيرها من الامور ، وانا هنا لا اريد الدخول في مساجلة عقيمة حول الموضوع ، وسأكتفي بالقول بانني لا اريد الحديث هنا عن اوليات هذا النمط من التأليف في تراثنا العربي ، بل اني اتحدث هنا عن روايات عراقية معاصرة وظفت العلم في نسيجها السردي ، نريد معرفة موقعها من الاعراب ، ولا يهمنا ان كان مفهوم القصة التعليمة او العلمية او الفنتازية او الخيال العلمي ينطبق على الف ليلة وليلة وغيرها من عيون روائعنا التراثية ـ فهذا حديث له مجلسه الخاص . يحيلنا عنوان ( فرانكنشتاين في بغداد ) للكاتب احمد سعداوي ، فضلا عن اقتباسه الاول مباشرة الى رواية الكاتبة البريطانية ميري شيللي ، المنشورة في عام 1817 ، التي تدور احداثها حول عالم الطبيعيات فكتور فرانكشتاين ، الذي يحاول جاهدا البحث عن اكسير الحياة عبر بث الحياة في بقايا اشلاء بشرية واخرى حيوانية اخذها من القصابين والمقابر والمختبرات ، فتتحول هذه الاشلاء الى مخلوق مدمر متوحش يقتل كل شيء امامه ، حتى يصل الامر به الى قتل باعثه للحياة فرانكشتاين نفسه هو وزوجته وشقيقه واصدقائه ، وحتى لو اتفقنا على ان احمد سعداوي وقبله شيللي قد اشارا الى بعض التجارب العلمية التي تهدف الى اعادة الحياة في جثث بعض الحيوانات عبر استخدام الكهرباء او وسائل علمية اخرى ،وليس الى اسطورة يونانية قديمة ( بجماليون )، الا ان ذلك لا يرقى الى القول بمسألة توظيفهما العلم ،فهما في حال قصدهما الاشارة الى تلك الحقيقية العلمية ،لم يذهبا بعيدا في شرحها للقارئ، كما فعل غيرهما ، فجمال حسين علي يحاول في روايته ( اموات بغداد ) اكمال مشروعه البحثي الذي بدأه في كلية الفيزياء في جامعة موسكو ،فراح يحدثنا عن الاشعاعات الكونية التي تصدر من الاجرام السماوية وكيفية عزلها واحد عن الاخر، وعن جهود العلماء في قياس تأثير تلك الاشعاعات ، كما راح يحدثنا عن تفسخ الجثث وتغير لونها ، بعد ان جعل بطله يتطوع للعمل في مشرحة بغداد حيث الجثث الوفيرة التي لا حسيب عليها ولا رقيب (( اطلب من الطبيب ان يجد لي اي عمل هنا وقل له باني اخرس وبلا مأوى حتى ابيت هنا... حسنا الاخرس هو المطلوب بالفعل للعمل مع الموتى )) ( اموات بغداد ـ 189 ) ، مستذكرا جثة حبيبته الروسية التي ظلت راقدة في معهد السرطان في موسكو . ولعلي لا أخطئ عندما اقول ان لأحمد سعداوي ظل وفيا لسرده القصصي ولم يبتعد عنه ، حتى عندما وظف معلومة علمية او اسطورة يونانية ، ولكنني لا اجد ما يبرر ابتعاد جمال حسين علي عن اجوائه السردية ، عندما اخذنا بعيدا الى قاعات كلية العلوم ، حيث يدرس الطلاب عن تفسخ الجثث وعن الاشعاعات الكونية ،فراح يسرد لنا معلومات علمية جافة لا حياة فيها ، يمكنني اخذها من اي كتاب متخصص ، وانا عندما اقول هذا القول انما انطلق من رؤية شاعرية للأدب والرواية على وجه الخصوص ،لأني ارى ان الانسان مهما وصل به التطور العلمي يبقى ذلك الكائن الذي هو بحاجة الى فسحة بدائية في حياته تجعله يرجع الى عصر طفولته الاولى ، فهو يحن دائما الى عصر يجد فيه المرء نفسه وهو ينام في حضن امه وهي تحكي له من حكايات علي بابا والاربعين حرامي وقصص الابطال الخرافيين وقصص انتصار الخير على الباطل ، وعندما يجلس في الصباح يجد نفسه على سريره ، ومن ثم فإنني اجد ان التطور العلمي قد اصاب ذلك الانسان بمقتل عندما قتل بدائيته ، دعوني اذكركم بمثال بسيط ، كنا قبل التطور، عندما يرن الهاتف تذهب مخيلتنا بعيدا محاولين التنبؤ من الذي يتصل بنا ؟ هل هو فلان ام فلان ؟؟ ، ولكننا بعد ان ظهر جهاز كاشف الارقام فضلا عن الموبايل صرنا نفتقد تلك البدائية التي تجعلنا نحس بإنسانيتنا او بشاعريتنا الانسانية ، ومع هذا التطور الهائل صار الانسان يفتقد اشياء كثيرة معها ، حتى وصل الامر للحكي ، والرواية ، والقصة ، الانسان منا يتوقع عندما يفتح رواية ان يطلع على حيوات انسانية وتجارب بشرية تغنيه عن عيشها ، وهو في الوقت نفسه يستمع عندما يستمع الى اصوات شخصياتها وهم يتصارعون فيما بينهم ، ويستمتع بسماع اصوات خطاهم وهي تحث الارض عندما يذهبون الى اعمالهم في الصباح وعندما يرجعون من عيادة مريض ، وعندما يرجعون من جبانة يدفنون فيها عزيزا عليهم ،ولكن هذا الانسان راح يفتقد تلك الحميمية عندما راح الكتاب يتحدثون عن الانشطار النووي وسرطان الرحم وتفسخ الجثة والاشعاعات الكونية في رواياتهم ، دعوني اشبه ذلك القارئ بطفل تهاوى جفناه واصابه الكرى وهو يستمتع بصوت امه التي تهدهده وتغني له احدى تنويمات العجائز التي كانت قد حفظتها من جدتها ، وفجأة واذا به يجبر على الاستماع في الوقت نفسه الى صوت قاطعة الحديد وهي تقطع لوحا فولاذيا كبيرا ، او قاطعة الخشب وهي تنشر قطعة خشب طويلة ، اريد ان اصل من هذا كله الى رؤية نقدية شخصية ،لعل بعض القراء يؤيدني عليها ،وهي انني اجد ان مسألة توظيف العلم في النص الروائي مسألة مستهجنة ، وهي عندي تمثل الاستماع لصوت ناشرة الخشب ، الذي يقض عليك مضجعك وانت تستمع لصوت ام كلثوم ، وانا هنا لا ارفض ان يوظف الكاتب ما يريد ولكن ان يصل الى الخطوط الحمراء التي تشعرني بإنسانيتي فهذا الذي ارفضه ،دعه يوظف ما يريد وما يعن عليه ولكن بعيدا عني ، دعه يقول ما يريد فهناك الملايين من الكتب التي تتحدث عن الفيزياء والكيمياء وعلوم الارض وعلوم الحياة والطب والهندسة وغيرها من المعارف ، الانسان طفل حتى ولو وصل العمر به التسعين ، وهو عندما يلجأ الى القراءة والمطالعة ولاسيما قراءة الروايات والقصص ، فعلموا بانه بات بحاجة الى الاستماع الى تنويمة تهدأ من روعة ، ومسحة كف على جبينه تقول له اهدأ يا بني فانا ما زلت موجودة وانت ما زلت في حضني ، وهذا الانسان عندما يصحو من النوم يصبح مستعدا للاستماع الى ما يقوله أينشتاين وافلاطون ، فضلا البلجيكي كوتلت الذي يرى استحالة وجود شخصين في العالم بحجم واحد ( اموات بغداد ـ 183 ) ، ولكن دعوا هذا الانسان عندما يفتح كتابا مكتوب عليه رواية ، دعوه يستمتع بالاستماع لصوت امه وهي تهدهده وتغني له من اغاني العجائز ، وانا متأكد من أينشتاين نفسه سوف يلعن اليوم الذي قال فيه بالنظرية النسبية ، عندما يفتح رواية يستمتع بها ويرى امامه مفردات نظريته ماثلة بين يديه ....
#عبد_الكريم_السعيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المترجم في روايات ما بعد التغيير العراقية
-
الى ابرهة الحبشي مع التحية !!!!!
-
عادات وتقاليد اجتماعية موريتانية غريبة
-
النتائج المترتبة على حرب غزة
-
دور الأدب العربي في ترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان
-
في ذكرى عزيز السيد جاسم الانسان والمفكر والروائي
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|