ياسر عبد الله
الحوار المتمدن-العدد: 1340 - 2005 / 10 / 7 - 11:10
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
منذ تأسيس الحملة الشعبية من أجل التغيير فى 9 سبتمبر 2004 إلى الآن جرت مياه كثيرة فى النهر وتفتحت أكثر من زهرة تطالب بالتغيير فى مصر و حدثت متغيرات كثيرة على الساحة السياسية لا يمكن إنكارها, فعلى مدار هذا العام المنصرم تم تعديل المادة 76 من الدستور والإستفتاء على هذا التعديل وإجراء أول إنتخابات رئاسية بناء على هذا التعديل, كذلك شهد هذا العام الماضى تحركات شعبية عديدة إستطاعت إنتزاع حق التظاهر والمسيرات السلمية.
فكان لزامًا علينا أن ندرس كيفية إيجاد السبل لتعميق هذه المكاسب وزيادتها والعمل على تراكمها للوصول إلى التغيير الحقيقى المنشود, فطرحنا على أنفسنا عدة اسئلة وحاولنا الرد عليها كى نطور عمل" الحملة الشعبية " وفى هذا الاطار تأتى ورقة العمل المطروحة الآن.
ماهية "الحملة الشعبية" ورؤيتها للتغيير :
إن الاجابة على سؤال ( من نحن ؟ ) تتطلب لمحة سريعة حول القوى المشاركة الان فى الحملة الشعبية والتى تمثل تحالفًا يساريًا وهى القوى التى استرمت فى الحملة الشعبية الى الآن بدلاً من التركيبة الأولى التى بدات بها الحملة الشعبية والتى شملت كافة ألون الطيف السياسى من اليمين إلى اليسار.
وكنتيجة طبيعية للتركيبة الاولى التى بدات بها الحملة الشعبية عند تكوينها وألتى شملت كافة ألوان الطيف السياسي من اليسار إلى اليمين, لم يكن من الممكن صياغة رؤية شاملة لقضية التغيير الديمقراطى بل تم الإقتصار فقط على شعارات تعبوية مثل رفض التجديد والتوريث والمطالبة بإصلاحات دستورية محدودة تتناسب مع طبيعة القوى الممثلة فى الحملة الشعبية آنذاك.
والآن بعد ان أصبحت الحملة الشعبية معبرة أكثر فأكثر عن اليسار أصبح لزامًا عليها أن تطور رؤيتها بما يتناسب مع تكوينها اليسارى, لأن رؤية اليسار المصرى للتغيير لا يمكن أن تكون مقتصرة فقط على إصلاحات دستورية وتشريعية لا تمس أساس النظام القائم بل يجب أن تكون رؤية شاملة للتغيير بجوانبه الثلاثة المترابطة جدليًا وهى الجانب السياسى والإجتماعى والثقافى إهمال اى حانب من هذه الجوانب الثلاثة من شأنه ان يضعف باقى الجوانب وان يعيق عملية التغيير بمجلمها, ومن ثم فلا يمكن ان يكون طريق هذا التغيير هو حشد الجماهير فى مظاهرات مستمرة دون وجود هدف واضح للتظاهر او حتى حشد الجماهير فى مظاهرة مليونية, كذلك لا يمكن ان يكون طريق هذا التغيير هو ( فوضى منظمة ) كما يريدها البعض.
ان المستفيد الوحيد الآن من حدوث اى فوضى ليس الجماهير كما يعتقد البعض أن الفوضى ستحدث إنتفاضة جماهيرية بل المستفيد الوحيد هو النظام الحاكم إلذى سينتهز فرصة ضعف القوى الشعبية ويزيد من قمعه ويشدد قبضته وإستبداده أو فى أحسن الاحوال سيكون المستفيد هو إنقلاب عسكرى من داخل الجيش سيحظى ببعض التأييد الشعبى ويعيد إحتكار السلطة والثروة معًا مرة أخرى.
إن الجماهير الشعبية الفقيرة والمتوسطة صاحبة المصلحة الرئيسية فى التغيير كما يراه اليسار ليس لها من سلاح تواجه به السلطة وتفرض به برنامجها من أجل التغيير سوى تنظيم نفسها خلف برنامج للتغيير الشامل.
البرنامج الشامل والبرنامج المطلبى:
إن التغيير الشامل كما يراه اليسار بما يعنيه ذلك من ضرورة تنظيم الطبقات الشعبية يتطلب الإرتباط بالقضايا الإجتماعية وكافة المشكلات الحياتية التى تعانى منها تلك الطبقات والإرتفاع بمستوى وعيها من مستوى الوعى الإقتصادى العفوى بمشكلاتها الحياتية وفقط إلى مستوى الوعى السياسى بكافة القضايا والإرتقاء بنضالها الطبيعى إلى مستوى النضال السياسى, ويعنى ذلك ضرورة صياغة برنامج للتغير الشامل يشرح وجهة نظر اليسار فى التغيير ويحشد وراءه الجماهير الشعبية ويقوم بتثقيفها ومواجهة تأثير آيديولوجية النظام عليها ممثلة فى اجهزة إعلامه, وهنا تكمن إشكاليات عديدة منها ماهو حقيقى ومنها ما هو شكلى.
أول هذه الإشكاليات هى أن صياغة برنامج من أجل التغيير الشامل عملية جدلية تستغرق قدرًا من الزمن بينما معارك الجماهير الملحة تتطلب برنامجًا مطلبيًا عاجلاً, وحل هذه الإشكالية يكمن فى أهمية صياغة مطالب محددة لا تنفصل عن رؤية البرنامج للتغيير بل هى جزءًا منها فالبرنامج الشامل من اجل التغيير لا يكتمل دون مطالب محددة وعاجلة, كذلك فأن المطالب المحددة والعاجلة لا تكتمل وحدها دون برنامج شامل يحتويها خاصةً فى ظل البلبلة الفكرية والسياسية السائدة حيث يستخدم النظام شعارات المعارضة بعد تفريغها من مضمونها.
والإشكالية الثانية هى إشكالية شكلية وهى تكمن فيما يطرحه البعض من أن الحركة لا تصوغ برنامجًا شاملاً لأنها ليست حزبًا سياسيًا, والإجابة على هذا الإشكالية يكمن فى التفرقة ما بين الحركة والحزب وكذلك التفرقة ما بين الإحتجاج والتغيير.
فالبرنامج السياسى ليس هو الشرط الوحيد لوجود الحزب ولا هو الشئ الوحيد الذى يميز الحزب عن الحركة, فالشئ الرئيسى الذى يميز الحزب السياسى عن الحركة هو وجود التنظيم الهرمى بما يعنيه من خضوع المستوى الأقل للمستوى الأعلى منه مما يضفى عليه طابعًا مؤسسيًا ويفرض على أعضاؤه الأنضباط والإلتزام, بينما الحركة السياسية تجمع إختيارى لأفراد أو هيئات دون وجود تنظيم هرمى ينظم العلاقة بينهم حيث ينظم العلاقة بينهم إيمانهم بأهداف الحركة وأحترام رأى الأغلبية.
أما الفرق بين الإحتجاج والتغيير, فالإحتجاج هو رد فعل أو فعل سلبى على شئ يحدث وإستجابة له ولا يشترط وجود رؤية موحدة للإحتجاج فمثلاص شعار " لا للتوريث" يرفعه الإسلامى والقومى والليبرالى واليسارى دون وجود رؤية محددة تربط بينهم جميعًا بل من الممكن حتى ان يرفعه أحد اجنحة السلطة أذا حدث بينه وبين الوريث تناقض, بينما التغيير هو فعل غرضه صياغة بديل ووضعه محل التطبيق وإحلاله محل نظام آخر وهذا البديل ينطلق من رؤية سياسية محددة فالبديل الإسلامى للسلطة يختلف جذريًا عن البديل اليسارى لها.
إن صياغة برنامج للتغيير هو خطوة ملحة جدًا لم تحدث حتى الآن نتيجة إنشغال كافة الحركات الإحتجاجية القائمة بإخطاء النظام وعثراته مما وضعها جميعًا فى مصاف رد الفعل للنظام وأيضًا منع صياغة مثل هذا البرنامج غياب توازنات القوى داخل هذه الحركات وغياب التجانس الفكرى الأمر الذى أنتفى فى الحملة الشعبية الان حيث تعبر عن رؤية اليسار المصرى فى التغيير.
والأشكالية الثالثة التى تثيرها معركة التغيير الآن هو السؤال " هل معركة التغيير ضد النظام المصرى فقط ام ضده هو وحلفاؤه؟!"
فإذا كانت معركة التغيير ضد النظام المصرى فقط فهذا يعنى التغاضى عن ضرب الأساس الإجتماعى له ممثلاص فى الرأسمالية البيروقراطية والتابعة الفاسدة, أما إذا كانت معركة التغيير ضده هو وحلفاؤه فهذا يعنى ضرورة ضرب الأساس الإجتماعى له من رأسمالية فاسدة بيروقراطية وتابعة وكذلك يتطلب مقاومة المشروع الأمريكى الصهيونى فى المنطقة الذى يعتبر نظام مبارك أهم دعائمه بما يقدمه له من دعم ممثلاُ فى بيع الغاز لإسرائيل وإتفاقية الكويزو القيام بدور الحارس لمن إسرائيل على الحدود.
إن معركة التغيير ضد النظام المصرى الحاكم تعنى معركة شاملة ضد الدولة المستبدة والبوليسية وضد إستغلال وفساد الرأسمالية البيروقراطية والتابعة وضد المشروع الأمريكى الصهيونى فى المنطقة, بما يعنيه ذلك من ان يكون برنامج التغيير متضمناص لمفهوم ديمقراطى واسع يتضمن حق الأحزاب والجمعيات والروابط وحق التظاهر والإعتصام والإضراب وحرية الصحافة والنشر والمعلومات كذلك يجب أن يكون متضمنًا رؤية للتنمية الإقتصادية المستقلة وإنهاء حالة التبعية الموجودة حاليًا ودستور جديد يقر قيم العلمانية والمواطنة ويقر جمهورية برلمانية.
إن برنامج التغيير المنطلق من تلك الخطوط العامة هو برنامج جدلى ينمو مع نمو الحركة الجماهيرية وتطوره الجماهير كلما أتسعت قاعدته الإجتماعية.
اللجان الشعبية من أجل التغيير .. كيف ولماذا؟!
إن وضع البرنامج على أرض الواقع والضغط من أجل تحقيقه يتطلب أوسع تواجد ممكن بين الجماهير الشعبية, وهذا التواجد يتطلب أكثر الأ شكال التنظيمية مرونة بحيث يستجيب لكافة المتطلبات المطروحة على الساحة أمامه, والشكل الأمثل لهذا التنظيم المرن هو اللجان الشعبية التى ليست إختراعًا مننا بل عرفها الشعب المصرى طوال تاريخه النضالى فمن لجان الوفد إلتى تشكلت إبان ثورة 1919 مرورًا بلجان العمال والطلبة عام 1946 ووصولاً الى اللجنة الشعبية لدعم الإنتفاضة الفلسطينية عام 2001, كانت اللجان الشعبية هى أكثر الأشكال ديمقراطية وأوسعها جبهوية وأقدرها على الإرتباط بالجماهير.
فهى ديمقراطية: لأنها ليست منظمة تنظيمًا هرميًا يخضع فيه المستوى الأسفل للأعلى, بل كل أعضائها على قدم المساواة, آرائهم متساوية فى الأهمية والجميع يقررون ماذا يفعلون ومتى ؟! ومعيار التمايز الوحيد هو موضوعية الرأى المطروح ونشاط الأعضاء وإخلاصهم فى العمل.
وهى جبهوية: لأنها ليست حكرًا على أحد أو تنظيم دون الاخر بل هى مفتوحة لكل من آمن ببرنامجها وأقتنع بمطالبها بغض النظر عن إنتماءه الفكرى أو السياسى أو التنظيمى, فاللجان الشعبية مفتوحة للجميع بشرط الإقتناع ببرنامجها وإحترام رأى الأغلبية.
وهى جماهيرية: لأنها تمس الناس فى كافة قضاياهم الحياتية والمعيشية المباشرة وليس فقط بالقضايا السياسية العامة وهى فى ذلك ستعتمد على أعضائها من أبناء المناطق والمواقع المختلفة, مستلهمة فى ذلك تراث " إبن البلد" و "إبن الحتة".
ويجب أن تكون مثل هذه اللجان مرنة فى بنائها كما هى مرنة فى عملها, فمن الممكن ان تبنى على مستوى المنطقة او الحى أو المصنع او القرية او الجامعة... إلخ, ومن الممكن أن تبدأ بفرد أو إثنين أو مجموعة صغيرة تنمو مع الوقت عن طريق إرتباطها بمعارك الناس البسيطة.
والحملة الشعبية لديها فرصة تاريخية لبناء مثل هذه اللجان أثناء الإنتخابات البرلمانية المقبلة, فعن طريق لجان دعم المرشحين و لجان الوعى الإنتخابى يمكن بناء اللجان الشعبية من أجل التغيير وعن طريق إثارة قضايا معينة خاصة بالمنطقة خاصة أثناء الحملة الإنتخابية بما تمثله من لحظة مد فى وعى الجماهير وإهتماماتهم.
حول شعارات الحملة الشعبية وآليات عملها:
إن الإقتصار على شعار " لا للتمديد.. لا للتوريث .. لا لحكم العسكر" لا يتناسب ابدًا مع المطروح هنا من نقاط برنامج للتغيير ورؤية لإعادة تنظيم الحملة الشعبية, كذلك يمثل هذا الشعار التعبوى مرحلة سابقة من توازنات القوى داخل الحملة الشعبية ووضعًا تنظيميًا داخل نخبة محدودة يختلف عما نحن بصدده من إعادة تنظيم الحملة الشعبية لتعميق تواجدها داخل الجماهير الشعبية الفقيرة والمتوسطة, كذلك يمثل شعار " لا للتمديد .. لا للتوريث .. لا لحكم العسكر" شعارًا إحتجاجيًا بالسلب والنفى دون ان يطرح مطالب تغييرية بالإيجاب ومن هنا فالشعار المقترح إلذى يمثل رؤية فى إطار برنامج للتغيير هو :
معًا ضد الإستبداد والإستغلال والتبعية... معًا من أجل العدل والتحرر والمساواة
كذلك يتطلب التغيير المطروح فى تنظيم الحملة الشعبية إعادة النظر فى آلية إتخاذ القرار داخل الحملة الشعبية ومادمنا لسنا بصدد إنشاء حزب بل بصدد قيام حركة واسعة فإن أفضل طريقة لإتخاذ القرار هو التوافق من خلال الإجتماع العام للحملة الشعبية على أن تعرض سكرتارية الحملة الشعبية كافة الآراء المطروحة داخلها وعليها أمام الإجتماع العام.
ولضمان إستمرار الحوار داخل الحملة الشعبية وإثراؤه لصياغة برنامج للتغيير الشامل والعمل على تطويره وشرحه لأكبر عدد ممكن من الجماهير فمن المهم البدء فى إصدار نشرة حوارية تكفل ديمقراطية الحوار داخل الحملة الشعبية.
#ياسر_عبد_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟