أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الحسين شعبان - متلازمة الدّين والإنسان















المزيد.....


متلازمة الدّين والإنسان


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4841 - 2015 / 6 / 18 - 21:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



هل حقوق الإنسان في تعارض مع الدين أم ثمة وشائج تجمعهما؟ وهل هي قديمة أم جديدة، أم متأصلة بالإنسان؟ وهل تنتمي للغرب وتخصّه وحده أم أنها تعني بني البشر بغض النظر عن دينهم وقوميتهم وجنسهم ولغتهم وانتمائهم الاجتماعي؟ فالإنسان يجتمع مع أخيه الإنسان، في قيم وحقوق أساسها حق الحياة والعيش بسلام ومن دون خوف، إضافة إلى قيم الحرية والعدالة والمساواة والمشاركة، وهي قيم تكاد تكون أزلية وتتطور مع تطوّر المجتمعات؟
العالم العربي اليوم يمور بتحدّيات وتناقضات ومخاطر لا حدود لها، لعلّها أقساها، حالات وأشكال متنوّعة وكثيرة من التطرّف الديني والطائفي والتعصّب الإثني والسياسي، فضلاً عن نزعات الإقصاء والإلغاء والتهميش، التي تتجلّى بأعمال شتى من العنف والإرهاب والاقتتال والحروب الأهلية والنزاعات المسلحة والعدوان، التي تدور رحاها في أكثر من دولة عربية وإسلامية، وكلّها تؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان.
ويعود سبب ذلك إلى صعود تيار الإسلام السياسي بمختلف تنويعاته، وارتقائه خشبة المسرح السياسي بقوّة بعدما كان غائباً أو مغيّباً، وقد ازداد هذا العامل تأثيراً بفعل انتعاش «الإسلام الحزبي» والجمعيات والمنظمات الإسلامية المرتبطة به، وهي من الإفرازات للتيّار الإسلامي أو الإسلاموي، لاسيّما للتأسلم التكفيري، فتلك الجماعات ترفض قبول الآخر، أو التعايش معه، بل إنها تُنصّب نفسها أحياناً «حكماً»، بل وتصدر أحكاماً دون محاكمة، وتقوم بالتنفيذ بطريقة بربرية في الكثير من الأحيان للقضاء على أعداء «الدين»، كما تُبرّر ذلك.
وكان ضعف أو انهيار الدولة الوطنية في أكثر من بلد عربي، وامتداداتها في بلدان أخرى سبباً، بارتفاع منسوب العمل العنفي والإرهابي، لاسيّما بعد موجة الاحتجاج والتغيير التي اجتاحت العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، وعُرفت ب «الربيع العربي»، سواءً كانت بالانتخابات أو بغيرها، الأمر الذي احتاج، بقدر أو بآخر، إلى دراسة ظاهرة «التأسلم» بالعودة إلى تأصيلها والتفريق بينها وبين التديّن الطبيعي المعتدل والوسطي الذي تتبعه أغلبية الناس، وفي مختلف المجتمعات، والتأسلم التكفيري، وذلك من خلال بحث علاقة الدين بالسياسة وعلاقة الدين بالدولة وعلاقة الدين بالمجتمع، وعلاقة الدين بالفرد.
الظواهر الجديدة تحتاج إلى قراءات جديدة، ومنها ما يمكن تسميته ب «الإسلاملوجيا»، أي استخدام التعاليم الإسلامية ضد الإسلام، استناداً إلى تفسيرات خاطئة ومشوّهة، وخصوصاً عندما يندرج في إطارها التعصّب المذهبي والتمترس الطائفي ومحاولات التسيّد وإقصاء وإلغاء وتهميش الآخر، تحت مبرّرات ومزاعم مختلفة، ويقابل هذا التوجّه في الغرب ما شاع خلال العقدين ونيّف الماضيين، ما يمكن تسميته الإسلامفوبيا أي «الرهاب» من الإسلام، تلك التي استخدمت فزّاعة من جانب بعض القوى الغربية المتنفّذة، بهدف تطويع وترويض أي مقاومة لسياساتها أو ممانعة لاستراتيجيتها بما فيها المنحازة إلى «إسرائيل».
وإذْ نعتبر التطرّف والتعصّب بجميع أشكالهما وألوانهما ومبرّراتهما ودوافعهما من أخطر المعضلات الحضارية التي تمزّق نسيج الحضارة الإنسانية، لأن الجميع يمكن أن يكونوا وقوداً له، مثلما حاولت جهات دولية وإقليمية ومحلية توظيفهما باستخدام عباءة الدين، كرموز وإشارات ونياشين، وعسكرة الناس لصالحها وتأطير حركتهم بما يؤدي إلى المزيد من التناحر والتقاتل وعدم التعايش.
وباسم الدين أو الطائفة اندفعت كتلٌ بشرية إلى الميادين والساحات في حمأة غضب وكراهية ووحشية ضد الآخر، وتحت عناوين مختلفة، مستثيرة كل ما في الإنسان من غرائزية حيوانية وميل إلى القسوة والعنف أحياناً، لفرض هيمنتها في ظل دعاية صخّابة، لتبرّر جزّ الأعناق وقطع الرقاب وتفجير المحال والأسواق والمدارس ورياض الأطفال والمستشفيات والجوامع والمساجد والكنائس.
إن ممارسة العنف ضد الآخر هي الوسيلة التي تتشبث بها القوى الإرهابية، علماً بأن أي محاولة لإلغاء الآخر هي في الوقت نفسه إلغاء للذات، وأي عنف ضد الآخر هو عنف ضد الذات أيضاً، لتدمير الجانب الإنساني فيه.
وعندما نتحدّث عن الإسلام كحضارة، فإننا نقصد القيم التي نادى بها، وهي قيم إنسانية مثل: الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية والعدالة والسلام والحق في الاختلاف والتنوّع والتعددية وغيرها، وما أشدّ الحاجة اليوم لإعادة فتح باب النقاش في مثل هذه العناوين، ومنطقتنا العربية تعاني عدواناً «إسرائيلياً» مستمراً وحروباً متتالية ونزاعات أهلية حادة وظروفاً تمييزية قاهرة وعنفاً متواصلاً وهدراً للحقوق والحريات، الأمر الذي قاد إلى انتشار ثقافة العنف والاستئصال والإلغاء والتهميش والعزل والإذلال، ومحاولة التسيّد والمغالبة بحجج ومبرّرات مختلفة، تارة دينية وأخرى طائفية، وثالثة عرقية أو إثنية ورابعة سياسية واجتماعية وغيرها.
وإذا كان دور العامل الخارجي كبيراً، فإن العامل الداخلي لا يقلّ أهمية إن لم يزد عليه، لاسيّما في ظل التطرّف والتعصّب والغلو وعدم الاعتراف بالآخر وادعاء امتلاك الحقيقة وكبت الحريات، خصوصاً في زمن التناقضات الحادة، والصراعات التي لا تدور بين الدين ومعارضيه فحسب أو بين المتديّنين وغير المتديّنين، بل بين المتدينين أنفسهم وأحياناً بين طوائف الدين الواحد، وأخرى بين أتباع الطائفة ذاتها، بحثاً عن مراكز النفوذ، وبهدف الحصول على الامتيازات، وهكذا تظهر على مسرح التديّن المعاصر، حروب الدين ضد الدين، والطائفية ضد الطائفية، والعنف ضد العنف، حيث ظهرت السلفيات التكفيرية المتخصصة في إطار منافسة محمومة. وبودي هنا القول إن تعصبين وعنفين لا ينتجان اعتدالاً وسلاماً، وإن رذيلتين لا تنجبان فضيلة، وإن جريمتين لا تصنعان عدالة كما يقول صديقنا المفكر اللاعنفي وليد صليبي.
والمشكلة ليست في الدين وقيمه، فالدين حقيقة باهرة احتاجت إليها البشرية منذ الأزل، ولكن المشكلة في التديّن وطرقه وأساليبه واختلافاته ومصالحه وتناقضاته، لاسيّما دور رجال الدين من المفسّرين والمؤولين الذين يلعبون دوراً سلبياً أحياناً، سواءً في الموقف من الظلم وهدر الحقوق والحريات، أو إزاء المجتمع والفرد، وذلك من خلال بعض الفتاوى التي تدفع متعصبين ومتطرّفين إلى مهاجمة الآخر، وأحياناً عبر أعمال إرهابية وانتحارية أو السعي لاستئصاله أو إلغائه أو تهميشه.
ويأتي البحث عن القيم الإنسانية في الأديان مسألة ضرورية لمواجهة ظاهرة التطرّف والتعصّب وإصدار الفتاوى والأحكام والمواقف التي تؤلّب ضد الآخر وتؤثم وتكفّر وتحرّم وتجرّم، في أجواء تشيع فيها الكراهية والحقد والكيدية واستخدام العنف والإرهاب، استناداً إلى ما يُضخّ في العقول عبر وسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت وتويتر وفيس بوك والتلفزيون والموبايل وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة في ظل الثورة التقنية - العلمية وثورة الاتصالات والمواصلات، لاسيّما الطفرة الرقمية «الديجيتال»، فقد أصبح نشر الأخبار والأكاذيب والتلفيقات وبث المعلومة الجاهزة سلفاً والمحضرّة في مخابر وكواليس الأجهزة صناعة متقدّمة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه اسم القوة الناعمة والحرب النفسية، كما نرى في حروب الفضائيات نزعات العصبية المتخصصة بتأجيج الفتن ومصادرة الحقوق الإنسانية في الكرامة والمساواة وحق التعبير والرأي.
لعلّ الكثير من الفتاوى التكفيرية لا يربطها رابطاً بالعلم والتقدم، فجزء منها يعود إلى الماضي، وهو ما كنّا نعرفه من كتب التاريخ في سياق الاضطهاد الديني والاتّهامات الجاهزة بالهرطقة والارتداد والكفر والإلحاد، ليغدو الإكراه على الدين لغماً موقوتاً في حقل الفتن العمياء، وليصبح العنف مسيطراً لإملاء الإرادة وإرغام الخصم على التسليم، ولا شكّ أن العنف لن يولّد إلاّ عنفاً جديداً، وهكذا تتوالد دورات العنف والعنف المضاد، وكلّ ذلك يتغلّف باسم رجال الدين والفقهاء أحياناً، فضلاً عن الساسة والمسؤولين، حتى وإنْ اتّخذ شكل مكافحة الإرهاب الدولي أو ملاحقة الإرهابيين، ولكن في الكثير من الأحيان يتم التجاوز عن حقوق الإنسان وحرياته وكرامته وأمنه، إذ لا ينبغي أن تستخدم حملات مكافحة الإرهاب للنيل من كرامة الإنسان وحرياته الأساسية، فالأمن مع الكرامة عنصران لا ينبغي أن ينفصلا، والإرهاب والعنف، مسألتان سياسيتان أولاً وقبل كل شيء، ولهذا اقتضى معالجة أسبابهما وتجفيف منابعهما تمهيداً لاجتثاثهما والقضاء عليهما.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 12
- تحدّيات التنوير منظوراً إليها أكاديمياً!
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 11
- عن القوة الناعمة
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 10
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 9
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 8
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 7
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 6
- العقد الثاني لليسار في أمريكا اللاتينية
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 5
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 4
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 3
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 2
- الرمادي بعد الموصل.. كيف ولماذا سقطت؟
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 1
- العراقي يُقتل حتى في السويد
- تقسيم العراق وحكاية الأعظمية
- النظام الإقليمي العربي ومعادلات القوة العالمية
- الثقافة والمواطنة والهّوية في العالم العربي


المزيد.....




- بعد تحرره من السجون الإسرائيلية زكريا الزبيدي يوجه رسالة إلى ...
- أحمد الشرع رئيساً انتقاليا لسوريا...ما التغييرات الجذرية الت ...
- المغرب: أمواج عاتية تضرب السواحل الأطلسية وتتسبب في خسائر ما ...
- الشرع يتعهد بتشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا
- ترامب: الاتصالات مع قادة روسيا والصين تسير بشكل جيد
- رئيس بنما: لن نتفاوض مع واشنطن حول ملكية القناة
- ظاهرة طبيعية مريبة.. نهر يغلي في قلب الأمازون -يسلق ضحاياه أ ...
- لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول ...
- الشرع للسوريين: نصبت رئيسا بعد مشاورات قانونية مكثفة
- مشاهد لاغتيال نائب قائد هيئة أركان -القسام- مروان عيسى


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الحسين شعبان - متلازمة الدّين والإنسان