أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - شبابيك القدس2 / قالت لنا القدس














المزيد.....

شبابيك القدس2 / قالت لنا القدس


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 4841 - 2015 / 6 / 18 - 19:49
المحور: الادب والفن
    


لشبابيك القدس القديمة وظائف كفاحية تبدّت أيام الانتفاضة الأولى على هذا النحو أو ذاك (في الأحياء القديمة في كلّ من نابلس وبيت لحم والخليل وغزّة وغيرها، كان للشبابيك أدوار مشابهة). كانت الشبابيك العالية المطلّة على الأزقّة والحارات، تتحوّل إلى مواقع لسكب الزيت المغليّ ولإسقاط أصص الورد المليئة بالتراب، على جنود الاحتلال الذين يتعقّبون شباب الانتفاضة.
نساء البيوت هنّ اللواتي كنّ يسكبن الزيت على الجنود، ويسقطن أصص الورد على رؤوسهم، ويراقبن في الوقت نفسه تحرّكاتهم عبر الشبابيك، يرشدن الشباب الذين يشتبكون مع الجنود في كرّ وفرّ، إلى أين يتّجهون للنّجاة من الاعتقال.
إبّان الانتفاضة الأولى، شهدت القدس انفتاحاً في العلاقات الاجتماعية. ودخلت النساء ساحة النضال الشعبي جنباً إلى جنب الرجال، وبدأت تتخلّق قيم جديدة مبنيّة على احترام الكائن الإنساني سواء أكان رجلاً أم امرأة، وتراجعت إلى حدّ ما عناصر الشكّ والريبة في النساء، والخوف مما يمكن أن يتعرّضن له أو يُعرّضن أنفسهن له من ممارسات، في حالة خروجهن إلى مواقع النضال أو إلى اجتماعات اللجان الشعبية، وما يترتّب على ذلك من اختلاط بينهنّ وبين الرجال.
غير أنّ ذلك لم يستمرّ إلا لبعض الوقت. تراجعت الانتفاضة بسبب إجراءات بيروقراطية وأخطاء، وتراجعت معها القيم الجديدة التي كانت على وشك أن تتجذّر في وجدان الناس. وعاد المزاج المحافظ للانتعاش من جديد، وتفاقمَ القمع الإسرائيلي، وتصاعدت إجراءات تهويد القدس وإحكام السيطرة على المكان.
من يرصد شبابيك القدس من الخارج يجد تعبيراً ما عن حالة الصراع على المكان. تبدو الشبابيك حائلة الألوان، يأكلها الصدأ وبعضها مخلّع الأباجورات، لا يأبه بها أهلها ولا يحيطونها بالعناية اللازمة. ويترافق مظهرها الكئيب مع مظهر الحيطان الحجريّة التي تبدو كالحة هي الأخرى، ينمو العشب في الشقوق البارزة بين حجارتها، وتتجمّع البيوت على نفسها كما لو أنها تحاول أن تحمي نفسها من ضربة قاصمة ستأتي بعد حين. وتظهر في فضاء الأسواق في البلدة القديمة بوّابات متطامنة تنفتح على سراديب معتمة تفضي إلى أدراج، تقود بدورها إلى شقق سكنيّة قديمة تقاوم عسف الزمان، وتؤوي ساكنيها من المقدسيّين الذين يتشبّثون بالبقاء في مدينتهم، رغم كلّ إجراءات المحتلّين الإسرائيليين التي تتهدّدهم باقتلاع.
هنا تبدو المفارقة. فالمقدسيّون ليسوا معنيّين بالمشهد من خارجه. ولذلك يتركون للصدأ أن يأكل شبابيكهم وأباجوراتها. يتركون هذه الأباجورات عرضة للانخلاع ولضياع اللون تحت عسف الشمس والريح والمطر. إنهم معنيّون بالمشهد من داخله، أي بالحيّز الذي يتّسع لهم ولأبنائهم. في القدس القديمة الآن ضائقة سكنيّة مريعة، زادتها حدّة نيّة سلطات الاحتلال سحب هويّات المقدسيّين الذين يقيمون خارج القدس، ما يعني حرمانهم من العودة إليها. هذه النيّة المبيّتة دفعت ألوفاً من أهل المدينة الذين كانوا يقيمون في رام الله وفي بعض مدن أخرى في الضفة الغربية، إلى العودة إلى القدس للإقامة فيها.
وبالطبع، فليس من السهل الحصول على ترخيص من سلطات الاحتلال، لإضافة غرف أو لإقامة بناء جديد. والأسر تتكاثر والأولاد بحاجة إلى مساكن وإلى حيّز أكبر مما هو متوفّر. والمقدسيون يتفنّنون، تفنّنَ المضطر، في تكييف الحيّز المتاح لهم، وإعادة تقطيعه من الداخل، لخلق فرص استيعاب جديدة، ولضمان الاستمرار في الإقامة في المدينة. لذلك هم معنيّون بالمشهد من داخله لا من خارجه.
ولذلك، ليس غريباً أن يستثمر المقدسيّون كلّ حيّز متاح لهم لتحويله إلى غرف للسكن، ولا تلبث أن تظهر في الحيطان القديمة شبابيك مرتجلة، يجري استنباطها لكي تهب مخزناً مكرّساً لاستيعاب الأثاث القديم، أو قبواً مهجوراً لا قيمة له، شيئاً من نور وبصيصاً من حياة. إنّه اعتناء لا مثيل له بالحيّز الداخلي، أمام ضائقة السكن تلك.
ثم إنّ أيّ اعتناء بالمشهد من خارجه، قد يكلّف مالاً يمكن استثماره في زمن الضائقة الاقتصادية التي تعيشها القدس في ما هو أنفع وأجدى، وقد يستدعي هذا الاعتناء شبهة بناء جديد وما يعنيه ذلك من مخالفةٍ لشروط البناء، ما يستدعي حضور الأجهزة المعنيّة التي قد تستصدر قراراً بهدم البناء، أو بفرض غرامة ماليّة باهظة على صاحبه. ويحدث في حالات أخرى أن يأتي مستوطنون ومعهم جنود مسلّحون، لتنفيذ أوامر بإخلاء بيوت من ساكنيها المقدسيّين، بحجّة ملكيتهم، أي المستوطنين، لهذه البيوت، عن طريق الشراء المزوّر، أو بادّعاء ملكيتهم لها منذ أيام الانتداب البريطاني على فلسطين.
مع ذلك، ورغم الإجراءات الإسرائيلية المشدّدة ضدّ من يجازف ببناء بيت دون ترخيص، أو بإضافة غرف جديدة إلى بيته القديم، فإنّ الحاجة الملحّة إلى سكن، تضطرّ المقدسيين إلى مخالفة الشروط المجحفة التي لا تسهّل لهم فرص البناء، وإلى بناء بيوت جديدة وإضافة غرف إلى غرفهم القديمة. وهم يحاولون ابتداع طرق في التمويه والتخفّي، قد تنجح حيناً ولا تنجح في كثير من الأحيان.
تتعرّض البيوت الجديدة والغرف المضافة إلى الغرف القديمة للهدم، تنهار الحيطان التي انبنت بالجهد والعرق، وتتكوّم الشبابيك بما فيها من زجاج وألمنيوم وحديد فوق الركام.
وتتواصل معاناة المدينة. وتتفاقم جرّاء ذلك ضغوط نفسية وأزمات، ومع اكتظاظ الحيّز بالأفراد من أجيال مختلفة، تتضاءل الخصوصيّة إلى أبعد الحدود. ولعلّ من المناسب أن تجري قراءة العلاقة بين هذا الاكتظاظ في القدس القديمة، وانتشار المخدّرات في أوساط نسبة غير قليلة من شبابها. لعلّ من المناسب قراءة القلق الذي يخيم على المدينة في ضوء ما تعانيه من حصار. ولهذا، قد تبدو شبابيكها حزينة لمن ينظر إليها مليّاً، كما أفعل أنا كلّما تمشّيت في أسواقها وأزقّتها. وقد تبدو منطوية على نفسها، كما لو أنّها تتوقّع مفاجآت غير سارّة ذات صباح أو ذات مساء.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شبابيك القدس1 / قالت لنا القدس5
- في مديح نساء القدس/ قالت لنا القدس4
- قالت لنا القدس3
- تمهيد ثانٍ/ قالت لنا القدس
- تمهيد أول/ قالت لنا القدس
- رقص/ قصة قصيرة جداً
- فراغ/ قصة قصيرة جداً
- لو/ قصة قصيرة جداً
- مفاجأة/ قصة قصيرة جداً
- غبش/ قصة قصيرة جداً
- الخالة/ قصة قصيرة جداً
- نبيذ/ قصة قصيرة جداً
- قطار/ قصة قصيرة جداً
- الطفل/ قصة قصيرة جداً
- عشاء/ قصة
- متجر/ قصة قصيرة جداً
- عري/ قصة قصيرة جداً
- مرور خاطف
- كهوف/ قصة قصيرة جداً
- الطائرة/ قصة قصيرة جداً


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - شبابيك القدس2 / قالت لنا القدس