سمير دربالي
الحوار المتمدن-العدد: 4840 - 2015 / 6 / 17 - 23:35
المحور:
الادب والفن
الظلام يُخلي المكان لبصيص نور بدأ يتسلل من ثقوب نافذة خشبية زرقاء إلى الأجساد المكوّمة ، بينما الزمان متوقف في الأعماق ، تتبعه أصوات متداخلة ووقع أقدام كثيرة تهرول ..تتسرب الأصوات إلى الحواس السّكرى لتوقظها ..ثم تنتظم في موجة واحدة .. ويعلو نشيد مبتور .. إحساس باليتم يفيض على النفوس وأوجاع مُرة تشعر الرّوح بعبث الواقع وسخرية الأقدار..يتوقف الصّوت ..تعود الجلبة من جديد .. وقع أحذية تتسابق قريبا من القاعة يزداد اقترابا...ثم يتوقف ..خوف ٌيخنق الأنفاس ..ما يشبه صمْت النائمين المنسييّن هناك في الضّفة الأخرى، والقادم مفتوح على المجهول..تظهر وجوه بعضها خبرته أعيُننا بالأمس ..أخرى جديدة ..يأمرنا بوليس بالنهوض ..يقف الجميع ..أُمسكُ محفظتي ..أنهضُ مسنودا إلى الحائط ..أتذكر فردة الحذاء التي انتُزعتْ منّي قريبا من المكتبة...يعاودني مشهد البوليس وهم يجرّوني قسرا إلى مركز الكلية..أتذكر مشهد ‘‘حياة ‘’وهي تمسكني من الخلف صارخة نائحة ..أتذكر أمي وهي تفكّ طرف ‘فولارها’ لتضع في يدي بعض الدنانير التي خبّأتْها لأجلي..وتملأ طريقي بالدعاء ..’يا ربي ،يا سيدي علي بن جاب الله ،احميه ونجْحو ‘..أتخيل أبي وهو يجلس مزهوّا في حانوت ‘عبد الباقي’، يحدّث أصحابه عن ابنه الذي كاد ينهي دراسته في الجامعة والذي أودع فيه بقية حلمه..أنظر أمامي أرى ‘عبد الباسط ‘ يُغالب أوجاعا حفرت عميقا في قلبه..و هو يحاول النهوض، عيناه تائهتان في زاوية ما في القاعة تبحثان عن اللاّشيء.
يتقدم ضابط رفيع ..يشرع في إلقاء خطبة طويلة ..تلتقط أذناي كلمات كثيرة عن الشرف وحب الوطن والمصلحة والمظاهرات والمستقبل و رجيم معتوق .....بينما ترتفع يداي لتتحسّس سائلا حارّا لَزجا ظل يسيل من خدّي الأيمن..فيعاودني مشهدُ ذلك البوليس وهو يركلني بحذائه الغليظ من الخلف في المركز.. ارتطامُ وجهي بالحائط ..، منظرُ الطلبة الذين سبقوني إلى الأسْر ،أعينهم وهي تتصفّحني ، أيديهم المقيّدة فوق رؤوسهم ،أرجلهم المطويّة كالجمال ،ووجوههم التائهة ....الكل وهو ينظر إلى الكل.. بينما الأذهان تحلّق بعيدا متسائلة عن المجهول العالق في فم الغيب ..
#سمير_دربالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟