|
الأبيض و الأسود: الأنثى والآخر : قراءة في المعرض الشخصي للتشكيلة مبروكة بوهودى: -حريم-
يامنة الجراي
الحوار المتمدن-العدد: 4840 - 2015 / 6 / 17 - 09:39
المحور:
الادب والفن
الأبيض و الأسود: الأنثى والآخر : قراءة في المعرض الشخصي للتشكيلة مبروكة بوهودى: "حريـم"
الباحثة والتشكيلية. يامنة الجراي
يقول الشاعر منير الرقي في هذا الباب:
إليكِ : يا حين همّت وأرخت لحظها خجلا = وقد ربا في رياض الخد بستان أغفى الشعور وراء الشعر تورية = ثَمَّ افترقنا وثغر القلب عطشان وإذ رنت ببليل الشوق لفظتها = معنى رقيق وحدّ الحرف سكران وإذ تفتح زهر اللوز مكتثبا = سبحت ربي فزهر اللوز برهان إن ماس منها رفيق الطرف معتذرا = خان اعتذار الهوى في الثوب رمانُ مرقى إلى النور فوق التلّ معتدل = أو مهبط للطيف الجس وسنانُ والماء في البحر أو في العين ما اختلفا = كأنما العين والشطآنُ صنوانُ ما عدت أعرف معنى الصد في جسد = كل ارتعاشه للعطشان تحنانُ
"حَرِيـــــــــــــــــــــم " :
هو عنوان المعرض الشخصي الذي قدمته الفنانة التشكيلية مبروكة بوهودي بأروقة المعارض بجزيرة جربه والذي يحتوي على مجموعة من الصُّور الفتوغرافيّة بالابيض و الأسود . و قد صُورت اغلب هذه الأعمال في الجنوب التونسي ، و تحديدا في ولاية تطاوين . و تعكس هذه الصور ملامح العروس و " العرس" في هذه الولاية و الذي تتعدد مراسمه حسب العادات والتقاليد، وحسب ما اصطلحت عليه المجموعة من طقوس ربما اغلبها راجع للعادات والتقاليد البربرية و الاماوغية . وربما لا يخفى علينا أن هذه "الأعراس" في هذه الولاية يطغى عليها مفهوم الحَريم ، وقد يكون الاشتقاق اللفظي يدعم هذا المبتغى فتحرّم عادة نساء هذه المنطقة على الرجال ولا يسمح لهما بالاختلاط مما يدعّم نظريّة ذلك التقسيم الواضح، و الحدّ الفاصل في الأمكنة بين الرّجال و النّساء . حسب ما صرحت به التشكيلية مبروكة البوهودي في حوار حصري معها في تناقش تفاصيل معرضها والجهاز المفاهيمى الذي تشتغل عليه .
و ربما لو تتبعنا المفهوم بالتحليل والدراسة من خلال البحث في الاشتقاق اللفظى لهذا المفهوم وجدنا أنّ مصطلح "الحَرِيم "هو ما يُحرّم فلا يُنتهك كما ورد في معجم المعاني ، و في الرّائد اللّغوي ما حُرم انتهاكه و ما يحميه الإنسان و يُدافع عنه ، و نقول نساء الرّجال ، و موضع اقامتهنّ . و كلمة حريم أصْلها تركيّ، وبالفعل منها حرم ومعناها الممنُوع غير الجّائز، كما أن فيه معنى القداسة. ومصدر حُرمة من كلمة حرام ..و تصف كلمة الحريم ( التركيّة ) كما تحدثت العديد من الدّراسات واحدًا من ثلاثة أقسام يتكون منها القصر العثماني، هي القسم الخارجي والقسم الدّاخلي والحرم أي الحريم، ويعني الحريم في هذا المُصطلح، الجزء الخاص من القصر الذي يعيش فيه السُّلطان مع أهل بيته من الّنساء، ويقوم على الخدمة الداخليّة فيه عدد من النّساء. ويحيط بقسم الحريم أسوار عالية تحول دون أن يطّلع أي إنسان من خارج القصر على ما يدور فيه، وأعدت بداخله حدائق واسعة مزيّنة بكل أنواع الزّهور ونافورات المياه لنزهة الحريم، ويتكون قسم الحريم من عدة أجنحة كل جناح منها يسمى دائرة، ويغلق على الأجنحة كلها باب رئيسي .
و كلمة الحريم لها فضائين فضاء داخلي أنثوي مُسْتتر مُحرم على كل الرّجال ما عدا السيّد ، وفضاء خارجي مفتُوح على كلّ الرّجال ما عدا النّساء وذلك طبقا لمفهومي المكان والحدود فكلمة حريم كما قال ابن منظور جاءت من الحرام والحرم في آن واحد فيقال حرم البيت أو حرم الجامعة أو البيت الحرام و هكذا، مع ترجيح ابن منظور على أن كلمة الحريم هي من الحرام أي الممنوع لمْسه ، والحريم عادة هنّ أدوات سيادة للسّيد ويدخلن ضمن معايير الثّروة والمال، ومن التاريخ ترسخ في العقل الذكري العربي لفظة حريم بالرغم من أن الحضارات في العالم كلها تجاوزت ما ذكرناه أعلاه وأصبح ماض بغيض لا يستخدمون فيها ثقافة الحريم أو الاسترقاق بمعنى أدق إلا نحن فتبقى الحريم حريم، واختزل العقل الحريم في شيئين فهن ولادات أطفال وحبيسات فراش متعة وجنس و هنّ أحد رموز الثّروة والسّلطة.و هذا التراث التدميري هو الذي ترسّخ في العقل العربي ألذكوري للحريم وختمت النساء بهكذا دور وهكذا تراكم حتى وإن خفت بعض هذه الأمور وتم نسخها من الفكر العربي إلا أنها نسخت حكما وبقيت لفظا. .
إن المتأمل في جملة الأعمال المقدّمة من قبل الفنّانة التشكيلية مبروكة البوهودى يكتشف نزعتها التجريدية إلى تبسيط محتوى الصور من خلال ربما نزعتها إلى اعتماد قيمتين ضوئيتين هما الأبيض والأسود ومن خلال تحليل المحتوى نكتشف أن الفنّانة تربت في وسط هذه الثقافة وتشبعت بهذه العادات والتقاليد ولكنها أخرجتها لنا بأسلوب حديث ومعاصر أسلوب يقوم على اللعب على الاشتقاق ألمفهومي من خلال اللعب على ثنائيتى الحريّم والتحريّم بالإضافة إلى تدعيم هذه الجدليات أو هذه الثنائات ب اعتماد الأبيض والأسود فتكون الأعمال حوار بين الأنثى التي تحتّل مساحة الصورة الفتوغرافية والأخر المتقبل الذي يرى فيها - الأنثى التي تختزل مفهوم الرحلة - الأنثى التي تختزل انطولوجيا المجموعة من خلال الزخارف والحلي البربري الذي ترتديه ونقوش الحناء المخضبة بها بل النظرة الخجولة التي تحاور بها الأخر ... فاختصر المعرض بقولي انه : الأبيض والأسود... الأنثى والأخر .... ويستمر الفعل .
#يامنة_الجراي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأبيض و الأسود: الأنثى والآخر : قراءة في المعرض الشخصي للتش
...
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|