|
القضايا السياسية
أمين حمداوي/ جميل
الحوار المتمدن-العدد: 4836 - 2015 / 6 / 13 - 21:24
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تمتعت حياة الأفراد قبل تكون الجماعة والمدنية والدولة -حالة الطبيعة – بامتلاكهم (للحرية، والعدالة، والمساواة...) بشكل مطلق؛ فكانت للحرية المطلقة مظهر سلبي يتجلى في فكرة القوي يأكل الضعيف ، وهكذا تجلت لنا أحد أكبر مشاكل "حالة الطبيعة" وهي عدم توفر (الأمن، والسلم، والإستقرار). إذ أن سعي الأفراد _ووعيهم القبلي على حالة المدنية_ لتكوين الجماعة والاحتماء فيها وبناء دولة تسهر على ضمان وتحقيق الأمن والسلم كان كفيلا لظهور المدنية أو الدولة، وهذه العملية تسمى "بالعقد الاجتماعي على حد تعبير توماس هوبز أحد مؤسسي النظرية الاجتماعية في مرحلة ما بعد العصور الوسطى في أروبا، حيث يرى أن نظرية العقد الاجتماعي هي الاتفاق على العقد المبرم لإقامة المجتمع. وأن الفرد هو المؤسس للمجتمع. بيد أن احتياج الأفراد للدولة هو احتياج يقصد منه تطور حالتهم الطبيعية الناقصة نوعيا في مفهوم (الحرية والعدالة والمساواة)، وذلك في شقه الإيجابي والسلبي إذ أن الأفراد شهدوا تطورا في مفهوم الحرية في حالة الطبيعة ،أدى بهم إلى ظهور مشاكل كالسرقة والقتل والإعتداء كجانب سلبي من مفهوم الحرية، إلا أن هذا التطور غايته الأسمى هو تحقيق الأمن والسلم إذ أن تحقق هاذين الأخيرين سيكون كفيلا بتحقيق حياة متوازنة بين الأفراد لا يعمها أي خلل طبيعي، حيث أن أحد أهم شروط التعاقد هو تخلي الأفراد عن نسبة معينة من حقوقهم ومالهم للدولة، حتى تقوم هي الأخرى ببناء سلطة تنشر بها الأمن والاستقرار بين الأفراد داخل المجتمع. إذا، هل نجحت الدولة في تحقيق الأمن والسلم مع الحفاظ على حالة الطبيعة؟ أم أنها اهتمت بمعالجة المشاكل التي أدت إلى تكونها_الأمن والسلم_ لتحافظ على بقائها والتغاضي عن حقوق الأفراد الطبيعة التي كانو يتمتعون بها في حالة الطبيعة؟ وهل حقا تمكن الأفراد من معالجة مشاكل " حالة الطبيعة " بشكل كلي في حالة المدنية أم ضلت سائدة حتى في حالة المدنية؟ وما هو الصراع الجديد الذي تكون في حالة الدولة بينها وبين الأفراد؟ وما كانت مطالب الأفراد؟ وما هو النظام السياسي الأنجع حسب تصور الأفراد؟ وأين يتجلى وجوده؟ وماهي الإعتراضات عليه؟ وما الانتقادات التي توجه إليه؟
يذهب بعض الفلاسفة إلى أن حالة الطبيعة إنما هي حلقة وصل مع حالة المدنية، وبأنها نظام سياسي حكمت حلقتها المنتهية لتظهر حلقة جديدة؛ وهي "الدولة والمدنية" لكن مع أنظمة سياسية مختلفة، تهدف كل واحدة منها لتحقيق الأفضل والأنسب لحياة الأفراد، ذلك أن حاجة الأفراد من الدولة حسب " كارل بوبر " هو حاجة غائية تتمثل في وجودها النسبي المتدني لا الكامل لضمان الاستقرار والأمن فقط، وليس بشكلها الكامل حيث تكون دولة سلطوية أبوية " تجعل من الأفراد مقيدين ومعدومي الحقوق والحرية، ليعبر بعدها عن رغبة الأفراد الحقيقة من وجود الدولة والتي تتمثل في منحها للإنسان حقوقه الطبيعية الكاملة من ( حرية وعدالة ومساواة...)، بشكل كامل وان كان نسبي لكن بشكله القريب من الكمال والقريب من حالة الطبيعة، الذي عبر عنه بمعنى آخر وهو استحسان الحق القانوني الذي يقيد حرية الأفراد؛ أي الشيء القليل من السلطة لا تضر مع الكثير من الحقوق إن كانت السلطة هنا فقط لضمان الأن والاستقرار وليس لتسخيرها في أمور تتعلق بمصلحة الدولة والحاكم، كما أن لا دولة تخلو من لحظات حاسمة وفاصلة تستدعي وجود الدولة الأبوية التي تتسعمل سلطتها بشكل مفرط لضمان الامن والسلم؛ وهذا ما لا يضر لانها حالة حسم وفصل ولا مانع من وجودها في مثل هذه الحاللات فقط،إذا فالرغبة الحقيقة وراء وجود الدولة هو وجودها النسبي في حده الأدنى لضمان الأمن والسلم وفي حده الكامل لمنح الحقوق الطبيعية وجودا فعليا يتمثل في تسخير الحرية والعدل للأفراد وبتوزيعها بشكل متساوي بينهم، وبما أن الدولة تتضمن لحظات أبوية وحاسمة ومفصلية فلا بد للدولة في بعض الأحيان في أن تستعمل كامل سلطتها وان بشكلها الكامل. إن رغبة كارل بوبر هنا تجسد نظاما سياسيا يكون هدفه الأول هو القليل من الدولة والكثير من الحقوق الطبيعة؛ أي النظام الذي يعطي الأولوية للأفراد بإعطائه للحقوق الطبيعة التي تتجسد في قيم الحرية والعدالة والمساواة، مع القليل من السلطة التي تخول الدولة لضمان الأمن والاستقرار وتوزيعها لهذه الحقوق بشكل متساوي وعادل، وهذا ما يجسده النظام اللبرالي كمفهم سياسي الذي ظهر في أوائل القرن التاسع عشر باسبانيا وينتشر بعدها في باقي أرجاء أروبا. إذا ما نظرة هذا النظام السياسي للفرد باعتباره أساس المجتمع؟ وما نظرته للقضايا كحقوق طبيعية وللسلطة السياسية كمصلحة دولة؟ تعطي اللبرالية قيمة قصوى للفرد باعتبار الفرد الانساني متميز بمميزات شخصية وفردية، وهذا ما جعل من المجتمع سوى مجموعة من الأفراد يسعى كل واحد منهم إلى إشباع حاجاته وتحقيق مصالحهم، لكن هذه الفردانية السلبية تفطنت إليها الليبرالية المتأخرة فأعطت معنى إيحابي لها إذ جعلتها مرتبطة بالاحساس بالمسؤولية الاجتماعية. كما تعد الحرية أسمى قيمة سياسية في المنظور اللبرالي، إذ أن الحرية عند اللبراليين الأوائل هي حق طبيعي وشرط لوجود الانسان، أما عند المتأخرين فالحرية هي الفضاء الذي يمكن الفرد من أن ينمي فيه مهاراته ومواهبه. وهذا لا يعني بالحرية المطلقة لانها ستتحول إلى الحق في إيذاء الآخرين. بل أقصى ما يمكن ان يقدم بشكل متساوي مع الجميع كما قال راولز، إذ ان العدالة تقوم في التصور اللبرالي على الاعتقاد في المساواة في ثلاثة صور وهي أنها تستلزم الفردية الاتزام بالمساواة الأساسية،ومفاد هذه المساواة أن البشر لهم قيمة متكافئة ويستقون نفس المعاملة، وثانيا تستدعي المساواة الأساسية الإيمان بالمساواة الرسمية، هي فكرة أن الأفراد ينبغي أن يتمتعوا بنفس المركز القانوني في المجتمع، خصوصا فيما يخص بتوزيع الحقوق، ثالثا يشترك اللبراليون في الاعتقاد بتكافئ الفرص، بحيث يكون لكل الافراد جميعا نفس الحظوظ، ومع هذا من الضروري مكافأة الأجدر والأقدر لكي يكون هناك حافز لدى الناس للبذل والعطاء والاجتهاد، وجهت انتقادات عديدة إلى هذا النظام الذي يمنح حرية مطلقة وأهمية قصوى للفرد ويغفل المجتمع والسلطة الأبوية إذ نجد على خلاف اللبرالية النظام المحافظ الذي يهدف إلى مقاومة التغيير، فالمحافظين يبجلون التقاليد لأنها تولد لديهم الإحساس بالهوية بكل من الفرد والمجتمع فهي تشيع الطمأنينة الناتجة عن التقاليد التي تقدم للناس احساسا بالإنتماء يربطهم بتاريخهم حيث الأمان، وفي نظرتهم للفرد المختلفة كليا عن اللبراليين يرون أن الفرد كائن ناقص، ليست لديه القابلية للكمال، مما نتج عنه خشية الأفراد من العزلة وعدم الاستقرار، وانجذابهم سيكولوجيا إلى الأمن والمألوف والمعتاد والحفاظ على واقعهم ومواقعهم، هذا ما نتج عنه سلوك غير أخلاقي، إذ انه ذات طبيعة تشاؤمية، وهكذا فالتصور المحافظ يفسر الجريمة بردها إلى غرائز وشهوات دنيئة، لذا كان لابد من قانون رادع وقوي، أما الحرية في تصورهم هي: القبول الإرادي للالتزامات والقيود الاجتماعي من قبل الأفراد الذين يقدرون قيمتها،أي أن الحرية تتلخص في قيام كل واحد بواجبه،كما ان المجتمع في التصور المحافظ هو هيراركي يعني هذا انه درجات ومستويات ثابتة، من هنا فان المساواة الاجتماعية أمر مرفوض وغير مرغوب فيه وليس مثل اللبرالية التي تشيد بالمساواة الاجتماعية، إذ أن المساواة الاجتماعية في راي المحافظة مجرد خرافة، فهي في نظرهم مثل المجتمع تتطور بصورة طبيعية، ويشيد النظام المحافظ بتأييدالملكية وذلك راجع لشخصية الأفراد إذ انهم يحققون وجودهم بما يمتلكون، حيث يعتبرون الممتلكات إنما هي انعكاس لشخصية المالك. وعلى غرار ما تؤمن به المحافظة واللبرالية فإن الاشتراكية تقوم على فلك المساواة وهي:قيمة أساسية في الاشتراكية وخاصة المساواة الاجتماعية وغايتها التماسك الاجتماعي، كما اعتبروها منطلقا اساسيا لتحقق العدالة والانصاف ولتوسيع نظاق الحرية بمعناها الايجابي، أما نظرتهم للحرية فقد أجملها ماكس في ان الانسان قد ولد مستعبدا مقيدا ومن هنا وجب ان يتحرر، كما يجمل نقيض الحرية في العبودية، إذ ان الحرية ليست هبة فطرية او ملكة موروثة، بل هي ثمار التطور التاريخي وعملية مستمرة يحقق من خلالها الانسان انتصاره على الطبيعة الخارحية ةتمردهم على العبودية الاجتماعية؛ إن الحرية إذا هي تحرر الانسان من استغلال الرأسمالي وتحرر الشعب من ربقة الاستعمار، أما مسألة الملكية عندهم فهي على نقيض المحافظة حيث يتحدث الاشتراكيون عن الملكية الخاصة ويقصدون بها الثورة الانتاجية أو رأس المال، وهذه محل نقد عندهم لمجموعة من الأسباب تجمل في ان الملكية في نظرهم غير عادلة، ويجب ان يمتلكها المجتمع وليس الافراد لانه جهد جماعي وليس فردي، وأن الملكية تولد التملك، وبالتالي تربي الناس على الجشع وحب المادة والانانية، وأنها تثير الملكية الانقسامات بين الناس؛ لانها باب للصراع الاجتماعي،وتجدر الاشراة إلى أن الاشتراكية الماركسية يفضلون الملكية العامة والمساواة الاجتماعية لكن الديمقراطيين الاشتراكين يؤيدون الرفاه او الراسمالية المقيدة.
في النهاية ان الوجه البارز للأنظمة السياسية هو خدمة الأفراد على وجه الكمال بما لا يتعارض مع حالتهم الطبيعية من ضمان لحقوقهم، إلا أن النظام اللبرالية هو النظيم الوحيد الذي تمكن فعليا في تحقيق مقولة كارل بوبر من خلال نصه " القليل من الدولة والكثير من الحقوق" ان اللبرالية هنا جائت لتضمن حقوق الأفراد بشكل كامل وباعطائهم الحرية الكاملة وضمان المساواة بين الأفراد بشقها العادل والقائم على الانصاف وان لم تكن تفعل ذلك المحافظة التي ترى بعكس منظور اللبراليين غلى الفرد بانه مركز الاهتمام فهي ترى انه فرد ناقص وان المساواة أمر مرفوض وغير مرغوب فيه والحرية انما هي القبول الارادي بالقيود الاجتماعية الذي يفرضها هذا النظام وعلى عكس ذلك فان الاشتراكية أقرب ما تكون إلى اللبرالية فهي تشيد بالمساواة الاجتماعية أما على مستوى الحرية فأرجعوها إلى العبودية وإلى التطور التاريخي لها، وهكذا فأن النظام الأنسب للحكم هو اللبرالية الديمقراطية باعتبارها تعبر عن مستوى رفاهية الفرد باعطائه لكافة حقوقه.إذا هل سيضل الفرد محكوم عليه بحالة المدنية وبنظام اللبرالي الدمقراطي كأنسب نظام له ويعمد على تطويره؟ أم أنه سيكمل البحث عن انظمة أخرى تكون أنسب له بشكل مطلق؟
#أمين_حمداوي/_جميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العدالة التوزيعية
المزيد.....
-
-حلم بعد كابوس-.. أمريكية من أصل سوري تروي لـCNN شعور عودتها
...
-
بوتين يتوعد العدو بالندم والدمار!
-
لغز الفرعون: هل رمسيس الثاني هو فرعون موسى الذي تحدث عنه الك
...
-
كاتس من جنوب لبنان: باقون هنا للدفاع عن الجليل ولقد قلعنا أس
...
-
بين حماية الدروز وتطبيع العلاقات.. ماذا يخفي لقاء جنبلاط بال
...
-
الشرع يطمئن أقليات سوريا ويبحث مع جنبلاط تعزيز الحوار
-
الشرع: تركيا وقفت مع الشعب السوري وسنبني علاقات استراتيجية م
...
-
أمير الكويت ورئيس الوزراء الهندي يبحثان آخر المستجدات الإقلي
...
-
قديروف يتنشر لقطات لتدمير معدات الجيش الأوكراني في خاركوف
-
لوكاشينكو يدعو الشيخ محمد بن زايد لزيارة بيلاروس
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|