أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - حسين علوان حسين - ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ / 3















المزيد.....

ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ / 3


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 4836 - 2015 / 6 / 13 - 14:09
المحور: مقابلات و حوارات
    


الاعتقال الثالث
في بداية عام 1962 ، بدأ جلاوزة الأمن حملة اعتقالات ضد الشيوعيين العراقيين و أصدقائهم ، أرجِّح أن رئيس الوزراء الشهيد عبد الكريم قاسم لم يكن على معرفة دقيقة بأبعادها الحقيقية . و لو كان الشهيد عبد الكريم قاسم قد سلَّح في حينها الشيوعيين العراقيين و اصدقائهم - الذين بقوا أقوى سند له على طول الخط - بدلاً من الزج بهم في السجون ، لما استطاع البعثيون و القوميون في شهر شباط الأسود من عام 1963إحتلال حتى و لو قرية أو محلة واحدة من العراق ، و ليس العراق كله . على أية حال ، يبدو أن الغفلات المصيرية للساسة في العراق و العالم العربي كثيرة ، و هم - مع " وِلْد الخائبة" من شعوبهم - أول من يدفع ثمن عقابيلها في الحال و الاستقبال .
في الساعة الرابعة من فجر أحد أيام كانون الثاني عام 1962 ، داهم دارنا ثلاثة رجال شرطة و معهم مفوَّض ، فتصدى لهم المرحوم والدي ، فدفعوه ، فصرخ بهم :
- أنتم لا تخافون من الله ! الدار له حُرْمة ! أما عندكم عرض ؟
ألقوا القبض عليَّ مع عدد من شيوعيي الحلة و مؤازريهم ، أذكر منهم الخباز سليم ليلو و عاملي الحياكة حبيب كاظم و صاحب كاظم و المدرس سامي عبد الكريم الصائغ و المعلم محمد حمود الشهيب و المحلل الكيمياوي هادي جاسم و العامل حسن الدلال . بقينا موقوفين دون تحقيق و لا تهمة في مديرية شرطة الحلة عشرة أيام ؛ نقلونا من بعدها بالباص فجراً إلى سجن السراي / القشلة ببغداد حيث بقينا موقوفين هناك على نفس الحالة عشرة أيام أخرى . و في زاوية من سجن السراي ، تعرَّفت على الرفيق - الطالب في حينها و الأديب البصري الكبير لاحقاً - الأستاذ ياسين النصير .
كان سجن السراي ببغداد عبارة عن قاعة عتيقة ، واسعة جداً ، تشبه علوة أو سكلَّة الحبوب . سقفها عال معقود بالحصران و سيور خشب "القَوَغْ" ، و أرضيتها مرصوفة بالطابوق الفرشي ، و لها ثلاثة شبابيك و باب ضخم من الفولاذ . و في الزاوية الأبعد منها ، يوجد حِبُّ للماء مخصص لسقاية الموقوفين ، مُسمَّر بقيد إلى الحائط . و كان أحد الموقوفين من غير السياسيين ، و هو شخص طويل القامة ، قد نصب نفسه قيِّما (سَرْهَنْك) على السقاية ، و يَمنع كل موقوف من الشرب منه إلا بعد دفعه مقدماً عشرة فلوس عن كل طاسة ماء شرب . و التزاماً منا بوصايا الشهيد الخالد فهد ، فقد كنا نعمل كل ما بوسعنا لمعاملة كل الموقوفين غير السياسيين بغاية اللطف ، و مساعدتهم بكل وسيلة متاحة ، لأن الشيوعية هي موقف شريف و أخلاق رفيعة قبل كل شيء آخر . و لذلك فقد طاوَعْنا هذا السرهنك رغم تحويله لحِبِّ الماء إلى مصدر لابتزازنا أبشع ابتزاز !
و في ضحى إحدى الأيام ، شعرت بالعطش الشديد ، و لم يكن قد تبقى لديَّ أي نقد لشراء الماء ، لمضي فترة طويلة على اعتقالي دون أن يتسنى للمرحوم والدي - رغم كثرة مراجعاته و تشبثاته في مراكز الشرطة و التوقيف - معرفة مكان احتجازي على وجه الدقة بغية زياراتي و تنقيدي مصروفي . شكوت عطشي اللاهف لرفيقي ياسين النصير ، فقال لي :
- أنت شاب رياضي ؛ هل تستطيع صَرْع هذا السرهنك الذي مَصَّخها هواي ؟
- و لكنه أطول مني بكثير !
- تستطيع مسكه من الوسط ، و تطرحه أرضاً ، و إذا ما حاول بعدها رفع يده عليك ، فسنهب جميعاً لتأديبه !
إستجمعت شجاعتي ، و توجهت بنبض قوي إلى ذلك السرهنك الجالس إزاء حِبِّ الماء ، و قلت له :
- أنا عطشان جداُ ، و أريد أن أشرب الماء ، و ليس عندي فلوس !
قام السرهنك من جلسته ، و وقف متطاولاً علي ، و قال لي :
- و لماذا حضرتك ما تدفع العشرة فلوس ؟
- يعني : أنت ما تخليني أشرب الماء ؟
- لا ، لن تشرب ببلاش . يللا ولّي !
فار الدم برأسي ، فهجمت عليه بغتة ، و عانقت مِحْزَمَه ، و رَفَعْتُه ، و ألقيت به وسط الحِبِّ ، فانكسر به إرباً إربا ، و اندلق الماء عليه و على الأرضية . صفَّق لي الموقوفون ، و تسارعوا لمسح البلل بالبطانيات في زمهرير الشتاء القارص ذاك ، ثم صالحونا أنا و السرهنك - الذي راح يعاتبني بتحبُّب فيما بادرت إلى الاعتذار له عن خطأي إزاءه و قد انتابني الشعور بالندم و بالألم الداخلي الممض . في نفس اليوم ، اشترينا - عن طريق رجال الشرطة - حِبَّاً جديداً ، جمعنا ثمنه من كل الموقوفين (عداي أنا المفلس طبعاً !) ، و صارت السقاية مجَّانية .
و بعد مضي عشرة ايام قضيناها من سجن السراي ، نقلوا الموقوفين صغار السن من سكنة الديوانية و النجف و الحلة - و أنا منهم - إلى سرداب سجن العلوية . و كان قبواً ضيقاً و قذراً ، مساحته (3 x 4) متر مربع ، علّبوا فيه عشرين شيوعياً ، في جو وخم ، تداهمنا ليلاً الزواحف و الحشرات السامة المتسللة من شقوقه ، و لا يُسمح لنا بالذهاب إلى المرافق سوى مرة واحدة باليوم بدلاً من ثلاثة مرات مثلما كانت عليه الحال في سجن السراي . كما لم يكن مسموحاً لنا بأي تشمُّس أو تريُّض ، و كانت المواجهة لذوي الموقفين لمرة واحدة بالأسبوع فقط .
زارني المرحوم أبي في السجن المذكور ، جالباً لي الملابس و الأغذية و مصروف الجيب ؛ فهاله وضعنا البائس ، و عطن المكان ، و عاتبني بالقول :
- يعني : الإمام موسى الكاظم كان مطموراً ببغداد ، و أنت - كاظم - مطمورٌ مثله هنا ؟ ما الذي عملته لك يا إبني كي تعذبني كل هذا العذاب و أنا أراك مطموراً في مكان كهذا ؟
أمضينا في ذلك المكان البائس عشرة أيام أخرى ، بلا تهمة و لا تحقيق .

و في ليلة اليوم العاشر ، في الساعة العاشرة مساء ، زارتنا امرأة مخمَّرة لا يظهر من وجهها سوى أسفل ناصيتها و العينان السوداوان ، و هي تتلفع بالمعطف الرمادي الطويل و البوت الأسود . لم أكن أعرف من هي تلك المرأة المُنقَّبة التي طلَّت علينا ، يحيط بها رجال الشرطة ، و التي بادرتني بالسؤال بنبرة أمومية كما لو كانت تعرفني من زمان :
- ماما ، أنت من الحلة ؟
- إي ، نعم ؛ و لكن أختي تسكن هنا ، بالشوّاكة .
- تريد تروح للحلة ، أم لبيت أختك ؟
- لبيت أختي .
فالتفتت مبتسمة نحو رجال الشرطة ، و قالت لهم :
- يللا ، ودّوه للشوّاكة .
صعدت السيارة المسلحة لشرطة النجدة و أنا بين مصدِّق و مكذِّب . سألت أحد رَجُلَي الشرطة المحيطين بي من اليمين و اليسار :
- من هي تلك المرأة التي أطلقت سراحنا جميعاً ، و طلبت توصيل كل موقوف إلى حيث يسكن ؟
- ألا تعرفها ؟
- لا ، و الله .
- كيف لا تعرفها و هي الدكتورة نزيهة الدليمي ، وزيرة البلديات ، صاحِبَتَكم ؟ إنها هي التي تولت كفالتكم .
عندما توقفت سيارة الشرطة أمام دار شقيقتي الكبرى ؛ ترجلت منها أنا و المفوَّض ، الذي طرق باب الدار ، فخرج لنا أبو أحلام ، زوج أختي ؛ فساله المفوض و هو يؤشر عليَّ :
- هذا كاظم حمود ؛ هل هو إبنكم ؟
- إي ، نعم ، لقد وصلتم ! هو إبننا . تفضلوا شرِّفونا !
- هل استلمتم إبنكم ؟
- نعم ، استلمناه ! تفضلوا ، ادخلوا !
- أعذرنا ، فلدينا أشغال .

يتبع ، لطفاً .
الحلة ، 13 حزيران ، 2015 .



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ / 2
- ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ
- قصة موت و حياة
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 13-13 (الأخيرة)
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 12-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 11-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 10-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 9-15
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 8-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 7-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 6-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 5-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 4-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 3-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 2-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 1-13
- حسين علوان حسين - الأديب و الباحث الأكاديمي العراقي - في حوا ...
- القليل من الدعم اللوجستي فقط
- ماركس ، و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب الظلم / 5-5
- أقوى العلماء تأثيراً ماركس ، و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب ...


المزيد.....




- حماس ترفض الاقتراح الإسرائيلي وتقول إن تسليم سلاح المقاومة - ...
- -بلومبرغ-: واشنطن تُعرقل إصدار بيان لمجموعة السبع يُدين الهج ...
- ما الذي يحدث في دماغك عند تعلم لغات متعددة؟
- الأردن يعلن إحباط مخططات -تهدف للمساس بالأمن الوطني- على صلة ...
- أبو عبيدة: فقدنا الاتصال مع المجموعة الآسرة للجندي عيدان ألك ...
- في سابقة علمية.. جامعة مصرية تناقش رسالة دكتوراة لباحثة متوف ...
- الإمارات تدين بأشد العبارات -فظائع- القوات المسلحة السودانية ...
- ديبلوماسي بريطاني يوجه نصيحة قيمة لستارمر بخصوص روسيا
- الحكومة الأردنية تكشف تفاصيل مخططات كانت تهدف لإثارة الفوضى ...
- -الحل في يد مصر-.. تحذيرات عسكرية إسرائيلية رفيعة من صعوبة ا ...


المزيد.....

- تساؤلات فلسفية حول عام 2024 / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - حسين علوان حسين - ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ / 3