أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى حنكر - يوميات متشرد _3














المزيد.....

يوميات متشرد _3


مصطفى حنكر

الحوار المتمدن-العدد: 4836 - 2015 / 6 / 13 - 01:34
المحور: الادب والفن
    


هذه جلسة أخرى في مقهى الحي ، ليست كباقي الجلسات .الأجواء ليست بخير ، كما أن السماء مكفهرة و غاضبة هذا المساء . السحب حبلى بمياه لقيطة وصيفية ،تتناطح بعنف فيما بينها محدثة أصوات طلقات مدافع حربية .جلست في طاولة مطلة على الشارع .مازلت أتحرك بمؤخرتي على الكرسي لأجد لها وضعا مريحا في الجلوس حتى سقط النادل واقفا أمامي . "أشنو تشرب أسيدي ". أجبته بلطف : قهوة سوداء خفيفة من فضلك . المشاهد أمامي جد مألوفة .العادة تكرر نفسها دوما على نحو ممل أمامي .شعرت بحمى غثيان سارتر تتفشى في جسدي النحيف ،وأحسست بثقله اليوم أكثرمن أي وقت مضى . بدا ذلك واضحا على وجهي العبوس و الشاحب .لا أحب الضحك إلا قليلا لضرورات يفرضها الصمت .سأسرد الأحداث أمامي ليس كما تحدث ، بل كما أراها أنا ، فلابد أن يزيف الإنسان من الواقع ليراه أكثر إبداعا وقبولا : فهذا شخص يمشي مسرعا جدا في خطواته . لا أدري لم العجلة في مساء بطيء كهذا .أكره البطء صديقي . لا أتحمله إلا من سلحفاة تائهة ،لأن تيهانها البطيء هو الصورة الحقيقية لوجود عبثي لا يعي ذاته .شخص آخر يقطع الشارع بسرعة حيث يبدو البطء هنا ، في طريق كهذه ، نوعا من اللامبالاة بالحياة و استفزازا للموت في الآن معا .إلى الآن كل شيء يومي و روتيني .إلا أن اللمسة التي وهبتها لنفسي طيلة سنوات رفعتني لأحس سموا مزيفا تجاه الأحداث أمامي .شيخ في منتصف الخمسينيات يرتدي وزرة بيضاء كتلك التي نراها عادة أثناء زيارتنا لمريض في المستشفى يحمل سطلا أبيض مليئا بالحمص المسلوق . من وجهه النحيف ، بنتوءان بارزان على خديه، عرفت أن الزمن هو القاتل الذي لا يشعر به أحد ، وكيف يشعر به المسن وهو مضطر أن يصرخ كل يوم في المقاهي : " بواشيش..طايب وهاري ..بواشيش طايب وهاري " ... عطيني شي درهم دلحمص أعمي . وخا بسم الله أولدي..شكرا ،رددت عليه . قاطع بائع الحمص اللطيف تأملاتي بصرخته المبحوحة .فكرت وأنا أتذوق أول حبة حمص مسلوقة أن الطايب وهاري أفضل بكثير مما كنت فيه من شرود قبل قليل . على الأقل أني تخلصت من عبء التفكير دون جدوى .على يميني، شيخ يتحدث بلكنة بدوية في الهاتف . سمعت حديثه من أوله إلى آخره . لا أدري لماذا لم أضع تركيزي في حديث الآخرين هذا اليوم .إنها صدفة أخرى جميلة .المسنون كعادتهم ينجذبون إلى ماضيهم الذهبي .إنه حنين قوي يمجدون به عصرهم .يتحدثون عنه بحرقة وأنين يجعلك تتمنى السفر بالليل خلسة إلى الماضي .لقد كان كل شيء جميلا في الماضي كما يؤكد شاهد من أهله .أما هذا العصر ، فهو عصر انحطاط و تحلل بامتياز : "إخخخخ " . كل شيء بدا فيه سمجا ومبتذلا .الإبتذال هو الذي يقول كلمته الآن صديقي . يتحدث الشيخ عن الحاضر بنبرة شزراء و دونية فلسفية .لا شيء يعجب العجوز اليوم . يعبر عن تقززه ،ولانتمائه إلينا ، بشفته السفلى إذ يدليها باعوجاج نحو الأسفل .صخب بذيئ في طاولة على اليسار ، يجلس فيها شبان طائشون "يخسرون" الكلام ،قابضين على "الستون" . شيء سينزعج منه شيخنا المنزعج أصلا بنفور . الحديث معروف .إنهم يتحدثون عن الساطات والشيرات المدوخات للعقول في صيف حار كهذا .كل يعرض غزوته اليوم على الطاولة ما دام الموضوع بطوليا لهذه الدرجة .أحدهم منعه شروده من حماس المشاركة ب"طرف" قد يكون استدرجه البارحة أو في الأيام التي قبله . الإستخفاف جيد في مثل هكذا محادثات تافهة . إن التفاهة غزت عقول الشباب صديقي . لقد صدق الشيخ في أقواله فيما يخص تفاهاتنا .كنت أود إبلاغه باتفاق متردد معه في هذه اللحظة . لكنه نهض عن انزعاج لما كان يدور في جهة اليسار .السوداء انتهت من الكأس . سيقوم هذا الأبيض لأنه قد بدأ ينزعج أيضا .



#مصطفى_حنكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات متشرد 2
- إنجذاب غير مرغوب
- حوار الفلاسفة __الجزء الأول
- خطبة كازانوفا في البار
- يوميات متشرد
- الإنسان بين فرويد و أدلر
- حينما نفكر على نحو مغاير


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى حنكر - يوميات متشرد _3