أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد بولس - من ينقذ الفن في بلادي؟














المزيد.....

من ينقذ الفن في بلادي؟


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 4834 - 2015 / 6 / 11 - 10:50
المحور: الادب والفن
    


لاستغاثة الفنان طعم من المرارة فريد، ونداءاته فرصة للبكاء النقي، كغيمة تشرّدها ريح عتيّة هوجاء. لم أتعرف على الممثل نورمان عيسى شخصيًا ولقائي الوحيد به كان من خلال مشاهدتي لبعض حلقات مسلسل "عمل عربي" والذي عرضته القناة الثانية الإسرائيلية واكتسب شهرةً لافتة راجت بين شقي السفرجلة، حتى غدا "أمجد" وهو صاحب الدور الذي جسّده نورمان، إنسانًا يستجلب على الشاشة، نار جميع مشاهديه من عرب ويهود، مصحوبةً، دومًا، بابتساماتهم المتدفقة بطبيعية ومثلها الدهشة، تمامًا، كما تعيش هذه الشخصية العربية/المستعربة حياتها، حينما تكون مطهّمة بدناديش واقعنا المبكي والمضحك في آن وكل أوان، وربما إلى أن يبيض الديك.
ومأساتنا ذات فصول
وأحداث هذا الفصل بدأت حين اعتذر نورمان عيسى عن مشاركته أعضاء الفرقة، الذين يعمل معهم، في عرض مسرحية على خشبة مسرح تابع لما يسمى "المجلس الاقليمي لغور الأردن" وهو مجلس مستوطنات يهودية مقامة على أراض فلسطينية محتلة في العام ١-;-٩-;-٦-;-٧-;-. أبدى مدير المسرح اليهودي تفهّمه لاملاءات ضمير فنان عربي لم يسمح له هامش إيمانه بالتآخي العربي اليهودي، الذي يمارسه فعلًا ويعمل من أجله ويكدح، بأن يعرض فنّا إنسانيًّا على أرض مغتصبة وأمام من يعتبرهم العالم مارقين وخارجين عن قانون الأمم وشرائعه.
وزيرة الثقافة الجديدة "خلنج" السيّدة ميري ريغف، لم تحتمل هذه النغنغة الفكرية الفارهة، فأطلقت نبالها، وهي التي تنام على قوسها ونشّابها، أبدًا، على طرف زفرة، وتوعدت أن تقطع مصادر ريّها عن مسرح يديره نورمان وزوجته في مدينة يافا، ليجف ويصير بيتًا للدمى، وعبرة لكل ذي ضمير فيّاض وصحوة واخزة.
ومسيرة فنانينا من دموع وحصى
فاليوم كانت الرقعة نورمان وقبله كان مسرح "الميدان" الحيفاوي الهدف ، فما زال القيّمون على إدارته يواجهون، كلّما زعق طاووس على كتف جادة "بن غوريون"، تهديدات مسؤولين إسرائيليين يتوعدون بإغلاق المسرح أو وقف دعمه حتى الشلل، وآخر هذه الحملات كانت قبل أيام، حين تدخل وزير التربية والتعليم، نفتالي بينت، وقرر سحب مسرحية "الزمن الموازي"، التي يقدّمها مسرح الميدان، من سلة الدعم الوزارية، بذريعة أن الموضوع هو عن أسير أمني يقضي ثلاثة عقود من حياته وراء القضبان.
لن نسرد، في هذه المقالة، تاريخ قمع الفن والفنانين العرب في وطننا الصغير، فكلّهم، منذ البدايات وحتى أيّامنا، تكبّدوا كثيرًا وآسوا كما آسى"البؤساء" والحلّاجون؛ فمسارحنا عانت من سياسات رسمية عنصرية وملاحقات وميزانيات شحيحة وتكاد تكون معدومة، سلطاتنا المحلّية بعيدة عن هاجس الفن والإبداع، كبعد المجرّات عن أرضنا، وغير مهتمة بواجبها ودورها في بناء هويّات ثقافية وطنية حصينة، فضاءاتنا الثقافية، الضامرة أصلًا، تغزوها العتمة، وجيوش هولاكو وجانكيز خان تختال في شوارعنا وتؤكد أن نجاحًا هنا وهيمنة هناك، لن يكفيها إذا لم يفشل الآخرون جميعًا ويُسحقون، ومؤسساتنا المدنية، على قلّتها، "دُكننت" وأصابها داء القبيلة، فأمست تحن على عودها وأصبحت تقسو على من ليس مثلها ومنها، والبقية في صمود الفنانات وخيارات المبدعين، وبعضهم قبل نصيحة شاعر سالف مجرب قائل:
"إني يمان إذا لاقيت ذا يمن.... ومن معد إذا لاقيت عدناني".
وحيفا من هناك بدأت،
فلقد ولد ونشأ نورمان عيسى في مدينة حيفا. صغيرًا، أحب بحرها، الحامل صولجان من ملح، وتعلم، يافعًا، من تراقص موجه، الذي لا ينام، لذة الحلم وتهدّج العروق، حتى إذا صار رجلًا صفعته كحبيبة تبكي على حضن أضاعها وعلى وطن. إنه سليل عائلة فلسطينية هجّرت من كفر برعم، قرية ما زال أهلها يشرقون بأمل العودة الصغيرة والعرب، إخوتهم بالدم والرضاعة، يغصّون بالماء.
في حيفا، مدينة من دخان أسود وفجر مقطّع، بدأ نورمان، ككثيرين من الشباب العرب، يتلمس طريقه إلى قمة كرمله، حتى قادته الصدفة إلى أحد المسارح، فحمل صليبه ومضى من على تلك الخشبة في طريق من خل وحديد وغار. إنّها بلاد السمن والعسل، هكذا حكت الساحرة وروت الأسطورة، ونورمان، الذي من برعم، العروس التي ما زالت تنتظر قمرها يطل من طاقة الزمان، طفق يجني الشهرة والقلق والعرق، وبات كما صرّح في إحدى مقابلاته، يحلم بأن يصير غنيًا كي يحقق بعضًا من مشاريعه الجميلة.
"ما يمر علي يقترب من عملية ابتزاز غير منصفة"، صرخ نورمان الذي كاد يصير صانعًا لمرآته ولأحلامنا، وكتب على صفحته، مستغيثًا بهم وراجيًا: "لا تجبروني أن أتصرف ضد ضميري كي أواجه ذلك التهديد"، إنّه يخاطبهم بضمائرهم الغائبة، وكأنه يخاطب العدم والفضاء، تمامًا كما يخاطب ممثل كبير كبرياءه وأحلامه من على مسارح المجاز، فهو رغم الفاجعة، ما زال يؤمن بالدولة وقوانينها وبما تتيحه لكل انسان بأن يعبّر عن رأيه حرًا.
خاطبهم يا عزيزي ولا تيأس، حتى وإن صاروا أشباحًا ورماحا، فمثلك أنا، وأنت أخي بالخوف ورفيقي بالأمل والرمال؛ خاطبهم وإن كنت من آخر الضحايا، فنحن والسابقون، أولاد تلك المأساة، التي قبّلت جرحها يوم اصطحبك والدك للمرة الأولى إلى ما كان بيتكم في برعم وحينها ارتجفت؛ خَف وافصح عن القلق ولكن عِ أن بالبكاء وحده لا تبنى أمجادًا ولا تملأ مِعدًا؛ صِح ونبّه فإن الخطب فيما قالته "ريجف" ولم يعد كما قالته حذام!
من يحمي نورمان من العطش، ومن يبقيه على شاطئ الأحلام والسعادة؟ فقبله لوحق البكري حين نادى "جنين جنين"، بلقمة عيشه، وعيبت سناء لأنها أصرّت أن لا تطفأ لهب الحقيقة. هوجمت ميرا إذ صاحبت قيثارة ولم يغوها عود، وسليم ما زال يقاتل كي يحمي ضوء قنديله من بساطير جند السلطان، وعدنان مدير الميدان يؤكد "إن الحرب على مسرح الميدان هي حرب على الثقافة العربية والمسرح الفلسطيني..".
من ينقذ الفن في بلادي؟ كافح يا ابن عيسى، فلولا الكراهية، ما كان للحب معنى، ولولا الظلم، يا ابن أبي، ما صار النجاح معجزةً والتقدم أضحى مفخرة، فتقدم ولا تهن، وانهر اليأس وردد:
"هزمتك يا موت الفنون جميعها".



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين سألت طمرة : من منكم بلا خطيئة؟
- في بيتنا شريف
- عندما يصحو القضاة
- قديستان عاشقتان من فلسطين
- هل كل المضطهدين أخوة؟
- وطن يحن إلى وتر
- مطبخ المشتركة
- الحر كريم يونس
- في يوم البشارة
- بين يوم الأرض و - هاتكفا-
- من كان بحاجة لاعتذار؟
- وكفى بالتجربة واعظًا
- للمشتركة، لا بديل
- ليست لأنها مشتركة فقط...
- لأنها مشتركة..
- حين يخاف عاموس عوز
- ظلم في العدل العليا
- قائمة تفتش عن لغة
- ومض أم شرار؟
- ما قاله أبو الطيب في أهل العزم


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد بولس - من ينقذ الفن في بلادي؟