أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم محمد عياش - استعمالات رسومات الأطفال في علم النفس العيادي















المزيد.....



استعمالات رسومات الأطفال في علم النفس العيادي


ابراهيم محمد عياش

الحوار المتمدن-العدد: 4833 - 2015 / 6 / 10 - 18:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الملخص
تبقى رسومات الأطفال ذات أهمية في ميادين علم النفس و خصوصا في علم النفس العيادي الذي يعتبره و سيلة من وسائل التقصي لما تحمله هذه الرسومات من دلالات و رمزيات تساعد الأخصائي النفسي في بناء فرضيته التشخيصية لتقديم المساعدة للمفحوصين أو ضمن فرضية بحثية.
و ذلك من خلال عملية تحليل الرسومات التي أرسى قواعدها علماء النفس و التي تعطي أهمية لشكل الرسم و مساحته ونوعية الخطوط و الألوان المستعملة و ضغط على الورقة.
الكلمات المفتاحية: الرسم ، الخطوط ، الألوان ، المساحة.

مقدمة
إن معظم الباحثين في الأنثروبولوجيا الثقافية منها بالتحديد،ـ يؤكدون على أن الرسوم وُجدت مع وجود الإنسان البدائي ، وهو ما أيده ارنولد هاوزر Arnold Hauser في كتابه الفن و المجتمع عبر التاريخ بافتراضه أن تلك الرسومات لم تكن وسيلة للهو أو ترف، بل كانت أداةً وسلاحاً في الصراع من اجل البقاء. حيث كانت بمثابة فن بدائي لإنسان كان يعيش في مستوى طفلي .
و الأنثروبولوجية التطورية تفترض أن مرحلة الطفولة توازي مرحلة الإنسان البدائي في تفكيره وفي سلوكياته في سيرورة اكتساب اللغة و الرسم بنسبة للطفل هو نفسه بالنسبة للإنسان البدائي و الغرض منه تلبية حاجات نفسية، لأنه لا يستطع التعبير عن انفعالاته بسبب عدم امتلاكه للغة.
فلجأ إلى إسقاط مشاعره ، أحاسيسه ، مخاوفه و انتصاراته على جدران الكهوف برسومات بسيطة و بأدوات بدائية تشبه إلى حد كبير الوسائل التي يستعملها الأطفال في هذا الوقت.
لذا يعتبر الرسم وسيلة لتمثيل ما يراه الطفل من حوله ، خاصة واقعه الداخلي ،فهو يُعبر عن شعور الطفل و بُنيته وله وظيفة إسقاطيه للمكبوتات و الرغبات المدفونة في اللاشعور حيث تَعبُر الوعي متخذتا صور أخرى تتشكل على الورق ، و مهما اختلفت مستويات هذه المكبوتات و الرغبات ، فالرسم كفيل بنقلها إلى ساحة الشعور.
يُعد الرسم من بين النشطات التي يُطلب من الطفل القيام بها في التناول العيادي،لأنها تسهل عملية التُعبير عن المشاكل و الصراع الداخلي ، و يشكل أداة تقصي هامة لمعرفة معالم بُنية الطفل النفسية سواء كانت فوبية phobique، عنيفة agressive أو انطوائية introverti .
و بهذا يَتمكن الأخصائي من تَقديم تشخيصا للحالة و بالتالي تقديم المساعدة أو العلاج للطفل حتى يتسنى له التكيف مع الصعوبات والمشاكل العائلية، المدرسية أو البينية.
وذلك من خلال أسس و قواعد موضوعية تُفسر بها هذه الرسومات ،و فى هذا المقال سنتطرق الى أهم أسسه النظرية المعتمدة في تحليل الرسومات ، و فهم رسائلها التعبيرية .


تمهيد
تعتبر رسوم الأطفال أداة جيده لفهم نفسية الطفل ومشاعره واتجاهاته ودوافعه وتصوره لنفسه وللآخرين و إذا كان الراشد يستخدم الكلام كلغة أولى يستطيع التعبير من خلالها ،،فإن الطفل لا يستطيع أن يطوع الكلمات وفق مقصده وما يكتنفه من أحاسيس ومشاعر ورغبات واحباطات ومن ثم لابد من مدخل آخر لإقامة الحوار وتحقيق التواصل مع الطفل من خلال لغة بديله يفصح من خلالها الطفل بأسمى التعبيرات البلاغيه التي تنبع من أعماقه ألا وهي لغة الرســــم.
1- التعريف رسومات الأطفال :

المقصود برسوم الاطفال هي تلك التخطيطات الحرة التي يعبرون بها علي أي سطح كان ،منذ بداية عهدهم بمسك القلم أي في السن التي يبلغون عندها عشرة شهور تقريبا ،الي ان يصلوا الي مرحلة البلوغ

يقول عميد معهد التربية بموناكوMonaco ان معرفة الرسم تعنى قبل كل شيء الإدراك و الملاحظة الدقيقة والكافية و الشاملة لبنية الرسم من حيث الشكل، اللون، التفاصيل و الموقع في الفضاء. و هو أيضا ما يجب استنتاجه لإيصال في شكل تخطيطي لما ادركناه .
يرى السيد "سعد مرسب أحمد "أن الرسم الصادق الحر يتطلب استخداما حرا للحواس كلها لا الحاسة البصر فقط بل السمع و اللمس كذلك ، و يستلزم الرسم كذلك روحا منسجمة، إحساسا عاليا ، قدرة عقلية و لللادراك . كما تعد ذاكرة جيدة و تخيل واسع و قدرة على الخلق و الابتكار و الإبداع من دعائمه بالإضافة إلى هذا فان الرسم يفتح الطريق و يمهدها لقوى الطفل التكوينية .
يقول "هربت ريد" بالفن يخرج الأطفال ضيق أنفسهم الى رحاب الحياة الواسعة ،ربما يبدأ كنشاط فردى مستقل لكي ينقل عالمه الداخلي إلى والده أو مدرسه منتظرا منهما الحنان في استجابتهما ، و لكن مع الأسف فان الطفل لا يانبه إلا تحقير و الازدراء .
ان وجهة نظر "هربت ريد" تتخلص فى كون أن للطفل عالم داخلى يتم التعرف عليه من خلال رسوماته ، حيث أن الرسم ليس و سيلة ترفيه بالنسبة له بل هو إسقاط لمكبوتاته ، لحاجاته ، و لهواماته التي لا تسحق السخرية بل التشجيع .
توظيف الرسم في علم النفس :
استخدمت الرسومات في العلاجات النفسية للطفل بنفس المستوى الذي تستخدم فيه التقنيات أخرى، كاللعب واستعمال الدمى و هذا النشاط يسمح بتوظيف الأحاسيس والمشاعر وكذا التمثلات النفسية، بل نستطيع القول بأن الرسم هو بديل عن التمثلات اللغوية حيث أنه يستخدم على نطاق واسع في العلاجات الطفلية خاصة تلك المتعلقة بالجانب التحليلي للشخصية.
فهو من التقنيات التي تسمح باستثارة اللاشعور الطفلي و تسمح بصياغته بنفس مستوى اللغة عند الراشد. فالطفل يكون قادرا على إستخدام الرسم كمعادل للتداعيات الحرة المستخدمة في التحليل النفسي للراشد.
يرجع الفضل في إدخال تقنية تحليل الروسومات في عالم العلاجات النفسية للطفل إلى واضعة حجر الأساس للتحليل النفسي للأطفال في فرنسا 1940-1887 Sophie Morgenstein)) إذ تحدثت على طريقة علاج تخص طفلا أصيب بالبكم النفسي (Mutisme Psychogène) حيث قامت باستخدام الرسومات وربطها مع جلسات علاجية نفسية.
ان استخدام علم النفس للرسوم بوجه عام هو في ازدياد و توسع ليس في مجال قياس القدرات العقلية فحسب .إنما أيضا في مجال التشخيص الإكلينيكي المعمق، هناك اختبارات تقيس الذكاء كاختبار رسم الرجل للأمريكية Goodenough Florence ،و منها ما يقيس الشخصية كرسم الشجرة للعالم السويسري Koch 1934 ،و العالمة الفرنسية ،Renée Stora و اختبار "بال "الذي جمع رسوم البيت و الشجرة و الشخص عام 1948 .
2- المختصون الأوائل الذين اهتموا برسوم الاطفال :
اهتم النفسانيون بدراسة الرسم عند الطفل و استعمالاته المختلفة فى مجالات متعددة ،و سنتناول فيما يلي بعض الاعمال المتعلقة بالاتجاهات و الدراسات التى اهتمت برسوم الاطفال .
و هذا يمكننا من القول أن رسوم الاطفال تمر بدورة حياة خاصة بهم ، و بما أننا نهتم بالجانب التعبيري لهذا النشاط ، سوف نسلط الضوء على المختصين الّذين تناولوا هذا الجانب منهم :
استطاع لوكى Luquet تقسيم تطور الرسم حسب المراحل العمرية للطفل ، و بيّن أن هذا النشاط يعرّف فترة هامة في الطفولة ،حيث يعد وسيلة غنية للتعبير .
أما برودومو Prudommeauاستخدم الرسومات لقياس المستوى العقلي للطفل و الإضظربات الحسية الحركية و العاطفية للأطفال و ذلك بطلب من المفحوصين تقليد بعض الرسومات . عن طريق التقليد ليقيس كل من المستوى العقلي .
ركز غاردنر Gardner في دراسته على اهتمامات الطفل الذي يحاول من خلال القلم و الألوان ،الكشف عن أحاسيسه و عالمه الخارجي مبينا بذلك العلاقة الموجودة بين الرسم و معيشة الطفل .
تطرقت بلازا Plaza في إحدى مقالاتها إلى دور الرسم في التشخيص عند المختص النفساني، و ذكرت أن هذا النشاط نوع تعبيري عند معظم الأطفال .
أما دوبيان Debienne فإنها تري أن الرسم يمكننا من معرفة وجهة نظر الطفل لعالمه الخارجي و طريقة ادراكه و تعبيره عنه ،و هذا الفعل الادراكى المسقط يسمح بطريقة أو بأخرى من معرفة بنية الطفل النفسية ،الفيزولوجية و العلائقية.
إلا أن لفيدلوشيي D.WIDLOCHER الفضل في إبراز ثلاث قيم لرسومات الأطفال هي القيمة التعبيرية ،القيمة الاسقاطية و القيمة القصصية. و تمكن من إعطاء تحليلا جديدا لها حيث أنه قام بتحليل الرسم كما تحلل الأحلام. و هي تقنية أضافت الكثير في تأويلات رسوم الأطفال، من خلال منح أهمية للون و المساحة و الرموز وتمثلاتها.

كما أن وينيكوت WINNICOTT ابتكر طريقة جديدة في علاج الطفل باستخدام الرسم, حيث أن المعالج النفساني يقوم بإحداث شكل و على الطفل أن يتممه .سماها طريقة "سكيجل " Squiggle .

أما F. DOLTO فقد استخدمت الرسم بطريقة خاصة، حيث استخدمت تعليمة تقول فيها للمفحوص :
" أرسم لي رسما جميلا يسعدك، ليس رسم المدرسة" « Fais moi un beau dessin, qui te fait plaisir, pas un dessin d’école ». ولكنها أوخذت كثيرا على هذه التعليمية الموجهة التي كانت تقصد منه وراءها التشخيص فقط. لكن الأهم هو ليس التعليمة بالقدر الذي أحدثت هذه الطريقة هزة في العلاج النفسي للطفل واعتبارها تمردا على كلاسيكيات العلاج النفسي، لما حققته من نتائج بسيطة و سهلة في إخراج الطفل من أزماته النفسية العلائقية منها و الذاتية.


3- قيم الرسم :
اقترح فيدلوشير Widlocher في كتابه "L’interprétation des dessins d’enfants " ثلاث قيم للرسم التي تسمح لنا بتحليل رسومات الأطفال من خلال ثلاث القيم هي القيمة التعبيرية ،القيمة الاسقاطية و القيمة القصصية.
1-القيمة التعبيرية :
تعتمد على الدراسة الشكلية للرسم و التي تكون بمثابة قراءة أولى له، و تحتوي هذه القيمة على أربع نقاط هي: التحليل الخطى، طريقة استغلال الطفل للمساحة البيضاء، اختيار الأشكال و اختيار الألوان.
أ- التحليل الخطي:تبرز من خلاله نوعية الخطوط المستعملة في الرسم، فيما إذا كانت الخطوط رفيعة أم غليظة.
ب- طريقة استغلال الطفل للمساحة البيضاء :و تتمثل فى حيز الرسم (أين يرسم الطفل؟)،و المساحة التى يختارها لرسمه (العليا ،السفلى ،اليمنى ،اليسرى ،الوسطى)،كذلك حركة الرسم ،هل كانت من اليمين الى اليسار أم العكس ؟
ج-اختيار الألوان: كل لون مستعمل في الرسم له دلالة خاصة به، و هي مقسمة إلى ثلاث اجزاء
-1 – ألوان ساخنة: كالأحمر، البرتقالي، الأصفر.
-2- ألوان الباردة: كالأخضر، الأزرق، البنفسجي.
-3- ألوان معتدلة :تشمل ما تبقى من الالوان .
2-القيمة الاسقاطية :
إن ترجمة المظاهر البنيوية للرسم تكشف لنا عن قيمة الاسقاطية للرسم التي بواسطتها تتعرف على البنية النفسية للطفل ،و تسمح لنا حسب Widlocher اكتشاف( شخصية) الطفل المتمثلة في مجموعة تطورية ،حيث أن أجزائها فى التفاعل مستمر .هذه القيمة توضح لنا إسقاط الطفل لأحاسيسه و أفكاره و نظرته الى العالم . و فى بعض الحالات يقدم الطفل المعنى الظاهر للرسم الذى يرمي الى القيمة القصصية .



3- القيمة القصصية:
إن البعد القصصي للرسم يبين لنا الطريقة التى يستعملها الطفل لتقديم معنى الأشياء التي يمثلها ، و التعليقات التى تصاحبه ،فاثناء تطبيق هذا النشاط يبدأ الطفل بالتعبير بكل حرية عن رسمه بنقل ذكرياته ،طرائفه ،و تمثيلاته ،الخاصة بمراكز اهتمامه ،و انشغالاته و أذواقه .
و بهذا نستنتج أن كل قيمة من القيم الثلاث تكشف لنا عن واقع خفي للطفل ،فرؤيته و هو ينوع فى استعمال الخطوط ،الالوان ،و الاشكال ،يجعلنا ندرك أنه يريد التعبير أو الافصاح ،دون علمه بذلك عن أمر مايخصه ،و القوة القصصية التىيستعملها و هو يتحدث عن رسمه ،توحي بوجود أفكار و أحاسيس شخصية لم يجد لها مخرجا سوى الرسم .

4- سكولوجية الرسومات الطفلية :

أحد فروع علم النفس الذي يبحث عن الحقائق السيكولوجية المتعلقة ببزوغ رسوم الأطفال وتطورها في مختلف مراحل النمو والسبل التي يتعبها الأطفال في التعبير بالأشكال في كل مرحلة من مراحلهم العمرية ، بتقصي جميع الجوانب النفسية ،العقلية والفنية.
كما يميط اللثام عن الأسباب والدوافع التي تؤثر في ظهور الرسوم بشكلها المميز ،ويوضح النظريات التي تفسرها والتوجيهات التي يمكن استخدامها مع حل مشكلات الطفل السيكولوجية ،ونموه الفني فيساعد بذلك علي تحقيق صحة هذه الجوانب الهامة لدي الطفل في اثناء نموه .
إن لغة الرسم عند الأطفال المصابين بالإضطربات نفسية تكوّن الشحنة الاتصالية الأكثر تلقائية مقارنة بلغة الكلام. فعند النظر إلى رسم ما يكون من السهل جدا الانتقال بصفة عامة من الدال إلى المدلول والمرور من الشكل المرسوم إلى الحقيقة التي تم التعبير عنها، فلغة الرسم لا تستخدم كلمات، لكنها تستخدم أشكالا خطية، فالمرحلة التصويرية للطفل تبدأ من سن ثلاث إلى أربع سنوات، أما ما قبلها فإن الطفل يعبر عن نفسه من خلال العلامات. ومع ذلك فإن قدرته التعبيرية تفتقر إلى إمكانية فهم الرسالة الموجهة إلينا كأخصائيين، ثم ينتقل الطفل من مرحلة ما يسمى بالشخبطة ليصل إلى التنظيم التصويري للأشكال، لذلك فلغة الرسم تدرك على أنها تمثل شيئاً ما بالنسبة للطفل.


4- الرسومات في مختلف مراحل الطفولة:
قام بعض الباحثين بتحديد مراحل لتطور الرسم عند الطفل ،و سنركز فى بحثنا هذا على فترة الطفولة الثالثة بين 9-12سنة و ما يقاربها كفترة محددة لنموه ،و نكتفي بذكر تطور الرسم عند هذه الفئة العمرية و ما يقاربها كما سبق الذكر حسب الباحثين الآتية أسمائهم :
De Lavoisier : قام بجمع مختلف مفاهيم التطور و اهتمامات الطفل ،و ميز المرحلة الثالثة الممتدة بين 7سنوات و 12 سنة ،على أنها سن الاهتمامات الموضوعية المتخصصة ،حيث يبدأ الطفل في هذا السن بالاهتمام بالعالم الخارجي ،خاصة بمحيطه العائلي.
كلاباريد والذي أطلق على خصوصيات ما بين 7 و 12 سنة فترة الاهتمامات الخاصة وجعلها إحدى وآخر الفترات المشكلة للمرحلة الأولى من مراحل تطور الرسم وأسماها : مرحلة الإكتسابات والتجريب ، تمتد من الولادة إلى سن الثانية عشرة .
يرى Osterieth أن رسم الطفل الذي يتراوح سنه بين 9 و 13 سنة تقريبا ، يبرز أن الطفل يهتم بالأشكال و الأجزاء و المواقف و العلاقات المنطقية و المقاييس و الأحجام ، تصميم البُعد ،مع التمييز بين الأشخاص الرسومات من حيث الجنس و السن كما يميل إلى الرسم الموضوعي و المتفق عليه .
و من خلال تقسيم هؤلاء الباحثين لتطور الرسم حسب سن الطفل نلاحظ أنهم بينوا أن الفترة الممتدة بين 9 و 12 سنة تتميز بالواقعية و الموضوعية ،و التخلص من الطابع التعبيرى ،حيث نجد أن "دو لافوازييه" يرى أن الطفل في هذه المرحلة يكتشف عالمه الخارجي ،و يحاول التعبير عن ماهو حوله بواسطة الرسم
أما كلاباريد مع أوستريث "Osterieth "فيجدان أن الطفل في هذه المرحلة يهتم بالعلاقات المنطقية و يميز الأشخاص المرسومة ،و هذا يعني أنه يستطيع تحديد انطباعاته ،و توزيع الأدوار التي يعيشها مع أسرته على أفراد رسوماته حسب ما يعيشها.
يرى كل من محمد كاسحي و حسين موهوب في كتبابهما التربية الفنية أن نمو الفني يمر بعدة مراحل متتابعة و متداخلة:
-1 مرحلة ما قبل التّخطيط و تبدأ من الولادة إلى سن الثّانية.
-2 مرحلة التّخطيط من سن الثّانية إلى سن الرّابعة.
-3 مرحلة تحضير مدرك الشّكلي من سن الرّابعة إلى سن السّابعة.
4 - مرحلة المدرك الشّكلي من سن السّابعة إلى سن التّاسعة.
5- مرحلة محاولة التّعبير الواقعي من سن التّاسعة إلى سن الحادية عشر.
6- مرحلة التعبير الواقعي من سن الحادية عشرة إلى سن الثّالثة عشرة.
7- مرحلة المراهقة من سن الثّالثة عشرة إلى سن الثّامنة عشر.
إذن للرسم دلالات وعلاقات ارتباطيه بالتوافق أو عدم التوافق و ذلك من خلال ثلاث مبادئ أساسية يمكن اعتماد عليها في تحليل الرسم بصفة عامة وعند الطفل بضفة خاصة و تتمثل في التالي:
5- موقع الرسم:
5-1- موقع الرسم على الورق :
يمكن أن يكون الرسم متموقع فى وسط الورقة فيعبر ذلك إما عن إحساس الطفل بالواقع بشكل سليم بمعنى إشباع ( نفسي ) أو أن يكون دالا على تمركز الطفل حول ذاته ومن خلال المقابلة نستطيع ان نضع فرضية تشخيصية.
5-2- التمركز فى جزء صغير فى الورقة :
غالبا ما يكون للفرد مشكل نتعلق بفقدان الأمن – خجل حيث يكون الرسم صغير ثم يمتد نحو الأسفل معبرا عن الإحساس بالضياع ( أي إمكانية و جود مشاكل علائقية كحالات تفكك أسرى ).
5-3- إخراج الرسم خارج الورقة:
- إذا كان الأمر مع المتخلفين عقليا أو طفل صغير سن فهو عادى لأنه لا يعرف حدود الورقة.
- كما نستطيع تفسيره بالحرمان العاطفي حيث يحاول بحث عن العاطفة خارج الأسرة.
- يستطيع أن يكون مؤشر على ضعف الثقة بالنفس: و طفل في هذه الحالة يبحث عن شخص أخر لكي يعتمد عليه، في حالات أخرى هو محاولة للفت الانتباه بهدف طلب المساعدة ( لان الطفل متمركز على المشاعر ).
- يكون بسب الإفراط في الحركة و قصور الانتباه .
-يكون بسب عدوانية الكامنة و المتبوعة أحينا بنوبات الغضب مما يشكل لدى الطفل ضبط الذات ضعيف لذا يخرج الرسم من الورقة.

6- الخطوط:
6-1- الخطوط دقيقة و محمقة :
-عندما يمرر الطفل القلم على نفس الخط يدل هذا عن إمكانية وجود القلق و هو الباعث على هذا التصرف.
- تمرير القلم مرة واحدة : دليل على الشعور بالأمن و مستوى مقبول من التوافق .
- إذا كان الخط خفيف جدا أي يكاد يظهر: خفيف جدا على الرسم هذا مؤشر إما انه يشعر بتقدير الذات منخفض أو لديه مشاكل مع أشخاص داخل الأسرة.
6-2- عندما يمحو القلم:
تدل على وجود مخاوف بشكل عام أو انه يحاول إلغاء الأشخاص الذين يشكلون له إزعاج.
7- الألوان و دلالاتها الرمزية:
- إذا وظف الفرد على الأقل خمس ألوان يكون مؤشر جيد على التوافق و غياب الألوان يحي إلى غياب العاطفة ( فراغ عاطفي ) و في بعض الحالات أخرى مثلا في السن الحادية عشر يمكن:
1- يكون مؤشر على الميول مضادة للمجتمع ( مؤشرات الشخصية معارضة , متحدية ) .
2- استعمال عدد قليل من الألوان من لونين إلى ثلاث ألوان:عندما يكتفي بها الطفل يدل هذا على
رغبته بالانعزال و الشعور بالوحدة و إحجامه على إقامة العلاقات مع الأخر ( و بالتالي ضعف الاتصال مع الواقع ) و هو مؤشر على الذهان.
8- مواضيع رسم الأطفال .
تحتل الأسرة و المدرسة مرتبة الصادرة في رسومات الأطفال ،الطفل عندما يرسم هذه المواضيع فانه يبعث من خلالها مجموعة من الرسائل التي لا يستطيع الفصح عنها بشكل مباشر و مادام البيت هو الأكثر تداولا في رسومات الطفل فان اغلب محللي رسومات الأطفال اعتمدوا تناول هذا الموضوع وفقا لما يلى :
البيت:
-المنزل يحمل دلالات عاطفية ايجابية و سلبية ( حب و كره) تعكس مشاعره و هنالك معالم تدل على الايجابية حيث تكون عناصر البيت كاملة و كلما كانت فيها تفاصيل ارتفع احتمال أن يكون الطفل يعيش مستوى من تناغم العاطفي و هناك عدة عناصر تدل على ذلك على سبيل المثال :
1- الأبواب واسعة تدل على انفتاح و رحابة الصدر.
2- ستائر النوافذ ملونة تدل على الدفء العائلي ومؤشر على نسق عائلي راقي.
3- طريق مؤدي مباشرة إلى منزل خلو الجو الأسري من الحواجز و المشاكل.
في بعض الأحيان ( نكتشفها في المقابلة) أن رسم الطفل الذي يحتوى على عناصر تفصليه يمكن انه ليعكس واقع الطفل فعلا لكنه عبارة عن رسالة يوجهها محبذا أن يكون بيته على هذا المنوال.
أما رسم المنزل بدون ألوان وبدون باب فانه من خلاله يعبر الطفل عن مشاعر النفور مظهرا لنا مستوى و نوعية المشاعر التي تدعمها الأسرة و عن طبيعة النسق الأسري الرضي الطفل العرضEnfant symptôme.
9- نوع مشاكل حسب السن الأطفال:
معالم البيت:
يمكن الكشف عن نوع المشاكل العاطفية التي يعانى منها الطفل الذي يرسم بيتا خاليا من معالم العاطفة و الدفيء فإذا كان سن الطفل يتراوح ما بين 05-08 سنوات يدل غياب المنفذ (الباب) وجود تعلّق شديد بالأم أي حماية مفرطة و علاقة انصهارية مع إمكانية وجود مشكلة الخجل.
أما بين 8 السن حتى السن 12 يظهر لدى الطفل مشاكل تتعلق بالشعور بالنقص سوء تقدي الذات و الوحدة ، أما في سن البلوغ فيدل ذلك على حساسية مفرطة اتجاه الآخرين.
عنصر الطريق :
الطفل الذي لديه صعوبة الاتصال مع الآخرين لسبب من الأسباب يفضل تغيب عنصر الطريق في رسمه، فالطريق المرسوم بشكل ملتوي يدل على أن طفل يرغب في الاتصال ( لكن هناك حواجز ) و يدل أيضا على أن انه يجد صعوبة في التعامل مع الطرف الآخر لوجود معيقات في عالمه الخارجي المحدود أو أنه يكتفي فقط بتلقي هذا الاتصال . و كلما كان طريق واسع و مفتوح دلّ على مشاعر الفرح و المستوى الاجتماعي مقبولة، و على العكس إذا كان الطريق ضيق يدل على الكف أو عدم القدرة على التعبير عن العواطف. و على غرار الرسم الذي تظهر فيه طرقا متعددة يعكس لنا هذا مستوى ذهني راقي و في مقدوره إقامة علاقات مختلفة و معقدة.
عنصر الشمس :
إن جودها في الرسم يدل على الشعور بالقوة و الأمان و الدفيء العاطفي كما تدل أيضا على نوع العلاقة بين الطفل و أبيه إذا كانت مرسومة ساطعة تدل على علاقة متوافقة مع الأب.
إذا رسم الطفل جزء منها دلّ ذلك على أن الأب مريض، و إذا كانت مرسومة خلف الجبال أو السحب دلت على العلاقة متذبذبة مع الأب أو عيش الطفل حالة الطلاق أو حالة غياب.
إذا لونت الشمس بالأحمر أو الأسود دلت على العلاقة المتدهورة بين الطفل و أبيه حيث يعيش في جو مفعم بالقسوة أو الظلم.
- رسم الشمس تبكى :
دلالة شديدة على الافتقاد: أي أن الأب يبكى على حالة الطفل بعيد عنه.
رسم القمر: وجوده في الرسم يعكس فكرة الموت أو الخوف من الموت.
-السماء و الأرض :
كلما رسم الطفل الخط الأفق يعكس ذلك نوع من الواقعية و الاتزان و الاستقرار و كلما كانت السماء صافية يعكس النضج و الأمل في المستقبل مع الإدراك بان طفل راضى على مستوى دعم الأسرى بالإضافة إلى احتمال أن الطفل يكون متميز بالواقعية.

الخلاصة:
أن التعبير عن المشاعر والانفعالات المختلفة عند الأطفال خاصة الذين لا تؤهلهم قدراتهم اللغوية من التعبير الدقيق عما يشعرون ويرغبون في تحقيقه من حاجات.
لذلك ادخل الرسم كأداة في مراحل الطفولة المبكرة كونه وسيلة فعّالة لفهم مكنونات الأطفال ودوافعهم ومشاعرهم، وبالتالي أصبح الطريق الذهبي لصبر أغوار نفسية الأطفال. و البديل عن اللغة المنطوقة، و التنفيس الانفعالي، حيث تمثل الرسوم انعكاساً لحقيقية مشاعرهم نحو أنفسهم والآخرين.
وبهذا أصبح استخدام الرسوم في علم النفس بوجه عام في ازدياد و توسع ليس في مجال قياس القدرات العقلية فحسب ، إنما أيضا في مجال الدراسات النفسية و في المجال العيادي المعمق. و من خلال البحوث الأكاديمية و الممارسات العيادية نستطيع القول إن استخدام الرسم لدى الأطفال هو تنفيس انفعالي و تشخيص عيادي و علاج .

قائمة المراجع:
1- محمود بسيوني.سيكولوجية رسوم الأطفال،دار المعارف1985.
2- سعد محمد مرسي، تربية الطفل قبل المدرسة1987.
3- مليكة كامل لويس.دراسة الشخصية عن طريق الرسم،دار التاليف ، مصر1960.
4- حسان المالح .الطب النفسي والحياة ، دار الإشرافات ، دمشق ، 1999.
5- رالف لنتون، الأنثروبولوجيا وأزمة العالم الحديث، ترجمة: عبد الملك الناشف، بيروت، المكتبة العصرية، 1967.
6- أرنولد هاوزر، الفن والمجتمع عبر التاريخ، ترجمة: فؤاد زكريا، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1981، ط2 .
7- محمد كاسحي و موهوب حسين ،التربية الفنية ،INFPE ،الجزائر، 2011 .

8-Mazet(PH) et Houzel(D) in : Psychiatrie de l’enfant et de l’adolescent.
9-Prudhommeau(M) : le dessin de l’enfant, PUF,Paris -;-1947.
10-Howard (G),Gribouillages et dessins d’enfants,Mardaga,3eme éd,USA,1997.
11-Plaza (M) in Bulletin de psychologie Tome XLV : l’enfant, le dessin et la conclusion psychologique.
12-Debienne (N) : le dessin de l’enfant, P.V.F, Paris1913.
13-Ferraris(A.E) : Les dessins d’enfants et leurs significations, édition Marabout, 1980.
15- Luquet (G.H.), Le dessin enfantin, Neuchâtel, Paris, Delachaux et Niestlé, 1977, 4e éd. 1984, 1e éd. 1927.
16-Widlocher (D), L interprétation des dessins d enfants, Bruxelles, Dessart, 1971.
17- Abraham (A), Les identifications de l’enfant à travers son dessin , Toulouse, Privat,1992.
18 -Lisa (B), Moschini, Drawing the Line Art Therapy with the Difficult Client, John Wiley & Sons, Canada. 2005.
19-Morgenstern (Sophie), Un Cas de mutisme psychogène, revue Française de psychanalyse, P492-504, France, 1927.
20-WIDLÖ-;-CHER (D.), L’interprétation des dessins d’enfants, Bruxelles, Dessart, 1965.
21-Winnicott (D.), Processus de maturation chez l’enfant. Développement affectif et environnement, Paris, Payot, 1970.
22-Dolto (F.), La cause des enfants, Paris, R. Laffont, 1985.



#ابراهيم_محمد_عياش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اهمية التغذية
- الأنماط السلوكية
- الهجرة غير الشرعية الجزء 02
- الهجرة غير الشرعية : الجزء الأول
- حتى لا ننقرض!
- معلومات يجب أن تعرف !
- الجن والمرض النفسي و عقلية المسلمين
- المحاكمة الكبرى
- النظرية الإنسانية في العلاج النفسي
- الأمن الصناعي
- حكاية السينما 5
- حكاية السينما4
- في بيتنا رجل
- التطور من المنظور الأنثروبولوجي
- حكاية السينما 3
- مراحل اكتساب اللغة
- الشائعات
- حكاية السينما 2
- على من نطلق الرصاص
- حكاية السينما


المزيد.....




- بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
- فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران ...
- مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو ...
- دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
- البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
- ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد ...
- بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
- مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
- مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو) ...
- الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم محمد عياش - استعمالات رسومات الأطفال في علم النفس العيادي