|
قراءة في انشاء القوة العسكرية العربية المشتركة.
عبد الحميد الموساوي
الحوار المتمدن-العدد: 4832 - 2015 / 6 / 9 - 10:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قراءة في انشاء القوة العسكرية العربية المشتركة.
أ.م. د. عبد الحميد العيد الموساوي.
يمكن لنا القول في البدء: انّه: إذا كان التطلع الى تحقيق (الوحدة العربية) هو الذي قاد إلى ولادة جامعة الدول العربية، فانّ غياب التماسك السياسي، وشيوع منطق (المصلحة الوطنية) على حساب مبدأ (التضامن العربي) هو الذي منع قيام أي تكامل حقيقي بين الدول العربية. وقد كان من المفترض أن يتمحور عمل جامعة الدول العربية في تعزيز الروابط بين الدول العربية الأعضاء عن طريق التعاون والتنسيق الوثيق في مختلف المجالات. وتم توضيح وتحديد الأهداف العامة عن طريق التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات الإضافية التي تتعلق بكل الأنشطة الثقافية والاجتماعية( معاهدة العام 1945م)، فضلا عن اتفاقية الدفاع المشترك التي تم التوقيع عليها في العام 1950م، ومع ذلك، ومن الناحية العملية فانّ غياب الفعالية والكفاءة هو الذي ميّز مبدأ التعاون ما بين الدول العربية الأعضاء خلال (70) عاما مضت على العكس من الاتحادات الاخرى، مثل: الاتحاد الاوروبي على سبيل المثال. فقد أعاقت مسالة سيادة الدولة، واستقلالية كل دولة عربية- عن طريق التصويت بالإجماع- تكوين أي تقارب حقيقي أو أي وحدة حقيقية، وظهرت المجاملات الدبلوماسية في الاجتماعات والمؤتمرات العربية التي نادت بالسوق العربية المشتركة، والعملة العربية الموحدة أو حتى الدفاع العربي الموحد. أما الآن، وفي ظل قيادة الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي)، فقد اجتمع روءساء دول الجامعة العربية في دورتها السنوية في يوم 29/3/،2015م، واتفقوا على مبدأ تكوين قوة عسكرية عربية مشتركة، من اجل محاربة الجماعات الناشطة في دولهم. لقد اتخذ القادة العرب قرارا لم يحدد ما ستكون عليه طبيعة وأهداف تلك القوة، ولا كذلك تكوينها وتركيبتها التي يبدو أنّها تستند إلى عمل طوعي من قبل الدول العربية الاعضاء. ومع ذلك، فانّ الإعلان عن القوة العسكرية المشتركة كان استجابة في الحقيقة، وبشكل مباشر للعملية التي أطلقتها المملكة العربية السعودية المسماة بـ(عاصفة الحزم)، بمشاركة تحالف من الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية، والتي تدخلت في اليمن لضرب مواقع الميليشيات الشيعية للحوثيين – المتحالفة مع إيران – ودعم النداء الذي أطلقه الرئيس اليمني الشرعي (عبد ربه منصور هادي). ويمكن القول: انّ تلك العملية العسكرية تعدّ من قبل الروءساء العرب بمثابة ( مختبر تجريبي) لإنشاء او تكوين القوة العربية المشتركة، ومع كل ما تقدم فانّ الدولة السورية (التي كانت ضمن التحالف المناهض للعراق عند غزو الكويت) كانت غائبة عن الاجتماع، مثل: ليبيا في الوقت الذي سجلت فيه كل من: الجزائر وتونس غياب الشرعية الدولية للعملية، وعدم وجود قرار صادر عن الأمم المتحدة يجيز التدخل في اليمن، مع التفهم للمخاوف السعودية. لقد كانت الفكرة العربية المثالية مرتبطة أساسًا بوجود جيش عربي، فعلى الرغم من ان الحروب العربية_الإسرائيلية قد قوّضت إلى حد كبير أي سابقة في هذا المجال، فانّه يمكن للمشروع ان يستند الى الإطار المقترح من قبل جامعة الدول العربية منذ الخمسينيات من القرن الماضي، ومع الاعتراف بمبدأ الأمن الجماعي الدولي( في إطار ميثاق الأمم المتحدة) خوفا من التدخلات الغربية، فانّ جامعة الدول العربية فضلت الأنظمة الإقليمية للأمن، وعدّتها أكثر جدوى. إن ميثاق جامعة الدول العربية كان ينص على: نظام بدائي للأمن الجماعي، ففي حالة العدوان أو التهديد بالعدوان، فانّ الدول العربية بإمكانها ان تدعوا الى عقد اجتماع عاجل لمجلس جامعة الدول العربية الذي يقرر بدوره ما يجب اتخاذه من إجراءات ضد المعتدي. إن نظام الأمن الجماعي الذي كزنه ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الدفاع المشترك(13 نيسان من العام 1950م)، والذي انشأ بدوره على غرار أنموذج حلف الناتو لم يؤد دورا في أثناء الحروب العربية _الإسرائيلية في الاعوام: (1956م، و 1967م، و 1973م)، وعلى مدى استمرار الحرب اللبنانية كونت جامعة الدول العربية قوات الردع العربية( ما بين العامي: 1976م، و 1983م)، والتي كان لها تأثير متواضع في مسار الصراع. ففي منتصف السبعينيات أرسلت سوريا قوات إلى لبنان من اجل وقف الحرب الأهلية، وفي نهاية الصراع بتشرين الثاني من العام 1976م، نشرت جامعة الدول العربية قوات الردع العربية، والمتكونة من جيش قوامه (30) ألف جندي مكونون أساسًا من الجيش السوري، والتي كانت غير فعالة على ارض الميدان، والتي تم إنهاء عملها وحلها في العام 1983م، وأخيرا وفي الجانب المدني، فانّ الجامعة العربية أرسلت بعثات مراقبة للانتخابات بالاتفاق مع الدولة العربية العضو المعنية، ومن ثمّ زارت بعثة الجامعة الجزائر في الانتخابات التشريعية في العام 2012م، من اجل الوقوف ازاء الجوانب التنظيمية والقانونية والفنية المرتبطة بالعملية الانتخابية في أوج الثورات العربية، وكذلك لمراقبة الانتخابات في كل من: العراق وتونس. ان بقراءة ذلك المشهد يمكن ان نؤشر نقطتين تستحقان ان نؤكد عليهما، وهما: * النقطة الأولى: إن القوة العربية المشتركة العسكرية قد تستهدف في المقام الأول دول عربية أخرى كما هو الحال اليوم في اليمن، إلاّ أنّ ميثاق الجامعة لا ينص على: اللجوء إلى القوة العسكرية، وإنّما يفضل التسوية السلمية للمنازعات بين الدول العربية الأعضاء، ويحضر التدخل في كل الحروب الداخلية الأهلية أو بين الدول العربية الأعضاء، اي إن الجامعة العربية تهدف في المقام الأول لان تؤدي دور الوسيط. وقد كانت جامعة الدول العربية عاجزة عن منع الحروب والنزاعات المسلحة ما بين الدول العربية( حرب اليمن في السبعينيات، ومن ثمّ الاجتياح العراقي للكويت، فضلا عن مشاركة الدول العربية في التحالف الدولي ضد العراق في العام 1991م، وضد ليبيا في العام 2011م)، إلا أن الدول العربية قد وافقت في العام 2002م، بقمة بيروت على إجراء المصالحة ما بين كل من: العراق والكويت. * النقطة الأخرى:فتكمن في الثورة التي حصلت بداخل الجامعة العربية نفسها، إذ بدأت تسمح بالقيام ببعض الأعمال والأفعال الداخلية، فلاعتبارات الانسانية والديمقراطية ليستا من الأسباب الوحيدة لذلك التغيير. فقد حافظت دول الخليج العربي وحلفائهم الغربيون على خطاب متقلب حسب مصالحهم الإستراتيجية الخاصة، خطاب امتد إلى أروقة جامعة الدول العربية نفسها، إذ مالت وتأرجحت نقاط القوة والقرار لمصلحة دول الخليج العربي ذات الأنظمة الاستبدادية وليس الديمقراطية، لذلك نجد أن دول الخليج العربي قد قدمت الدعم السياسي والمادي إلى الثورة السورية والليبية، وعلى النقيض من ذلك قدمت الدعم لسلطة البحرين (السنية) وفي صمت تام لجامعة الدول العربية. إلا انه من الواضح اخيرا القول: أن دول الخليج العربي قد نجحت وبفضل جامعة الدول العربية للاستفادة من الثورات العربية لتعزيز نفوذهم في دول المغرب العربي( تونس، وليبيا)، وكذلك من اجل تشكيل إطار جيوسياسي جديد في الشرق الأوسط. إن الاولوية لأنظمة الخليج العربي اليوم: تتمثل في تجنّب ومنع انتقال عدوى الثورة في بلدانهم.إنهم في مواجهة الآن مع العدوى الجهادية. فهل ستكون تلك القوة العسكرية العربية المشتركة لمكافحة الإرهاب العابر للحدود أم جيشا عربيا يلعب دورا أكبر ليس على مستوى الداخل العربى ولكن على مستوى الإقليم ككل. باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية
#عبد_الحميد_الموساوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى أين تسير تونس؟
-
الأزمة السورية وتداعياتها الإقليمية.
-
المعوقات الجديدة في العام 2012م
-
العراق و توازن القوى في الشرق الأوسط
-
(قوس الأزمات) كما يراه الرئيس أوباما ومستشاروه
-
رؤية للسياسة الأمريكية المتوقعة لعهد الرئيس (أوباما)
-
الدروس المستخلصة بعد ستين عاما من الصراع
-
تساؤلات ورؤى حول المنعطف التاريخي في فلسطين
المزيد.....
-
ضد روسيا.. أستراليا تلوّح بـ-أقوى إجراء ممكن- إذا قُتل أسير
...
-
انتقادات قانونية لبايدن بسبب نجله
-
إنقاذ رجل وكلبه بعد سقوطهما في بحيرة متجمدة في بوسطن
-
لقاء مستشاري بايدن وترامب للأمن القومي لتسليم -الشعلة-
-
الكرملين: ننظر بتفاؤل حذر إزاء أنباء التوصل لاتفاق بشأن غزة
...
-
تيم كوك يكشف عن أول وظيفة له قبل ترؤسه آبل
-
أكثر من 3 آلاف معتقل من قطاع غزة يقبعون في مراكز احتجاز في إ
...
-
القوة الجسدية والجاذبية الجنسية.. دراسة تكشف سر العلاقة بين
...
-
الزيت الأكثر فائدة لكبار السن
-
الكرملين يتوقع إبرام اتفاقيات قطاعية مع إيران بعد توقيع اتفا
...
المزيد.....
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
المزيد.....
|