عدنان محسن
الحوار المتمدن-العدد: 4832 - 2015 / 6 / 9 - 00:50
المحور:
الادب والفن
شيزوفرينيا الشعراء !
ليس المهم أن نعرف كم عدد الشعراء اليوم وما هي قيمة ما يكتبون. التاريخ وحده كفيل بهذا وكم كان بيننا من الشعراء الكبار، ما أن ماتوا حتى غاب ذكرهم إلّا في أوساط العارفين. هل يُذكر اليوم عبدالوهاب البياتي أو بلند الحيدري بعد رحيلهما كما كانا يُذكران في حياتهما؟ مازلت أردد عبارة لوتريامون الشهيرة: الشعر يجب أن يكتبه الجميع. هذا ليس ابتذالا للشعر بل تعميما للجمال!
ويبدو لي أن توافق الشاعر مع ذاته يأتي بالدرجة الأولى في سلّم الأهميات إذا صرفنا النظر عن عددهم وعدّتهم. وما زلت للآن أخجل عندما أقرأ نصّا جميلا وأكتشف أن النص أجمل من كاتبه!
مات بودلير بالسفلس لأنّه كان بكل بساطة يحب العاهرات،وشنق نفسه جيرارد دو نرفال كي يتوافق مع نفسه ونظرته للعلاقة بين الحياة والقدرة على التخلص منها متى نشاء، وانتحر جاك فاشيه بالمخدرات ، وعندما ضاق ذرعا من الهواء ترك كريفيل قنينة الغاز مفتوحة كي يسد منافذ الهواء على نفسه، ومات آرتو وهو على قاب قوسين من الجنون، كلّ هذا لأقول إن أدباء العالم كانوا منسجمين مع ذواتهم. أما نحن ، عندنا من ينادي بالثورة والتمرد والجنون لكن لا يمنع نفسه من أخذ الأوامر من ملوك الطوائف والبترول، منهم من ينادي بحرية المرأة ولا تخرج زوجته إلّا بأذنه ولا تصادق بنته صديقا إلّا بعد قراءة الفاتحة، يكتب عن المرأة ويخاف من تنهدات زوجته في السرير، يكتب عن العشق هو الذي لم يمسك بأصبع أمرأة خارج الزواج. يكتب عن الأزهار هو الذي لا يعرف الفرق بين الياس والياسمين، ويقوم برحلة حول العالم هو الذي لم يخرج من غرفته. يُسقط الطائفية بلسانه ويدعها تنخر روحه في الخفاء. يسخر من المؤسسات وهو أول من يلبي دعواتها ، ينتقد الأحزاب ولكن لا ينسى أوامر مسؤوله الحزبي. يعيش بالغرب ولكن يشتمه مستعيرا لغة الظلاميين. يؤمن بالمساواة بين المرأة والرجل وزوجته تمشي وراءه، باختصار ، لسنا بحاجة أن نعرف كم عدد الشعراء وما قيمة شعرهم ، حاجتنا ماسة أن نعرف كم عدد الشعراء المتوافقين مع ذواتهم !
#عدنان_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟