|
ألبومات النصر ..وذاكرة نكسة ..
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4829 - 2015 / 6 / 6 - 13:09
المحور:
سيرة ذاتية
ألبومات النصر ..وذاكرة نكسة .. عاد أخي الى البيت نهاية الأسبوع ، وقد أحضر معه ثلاثة البومات ضخمة ، غطاؤها من المخمل الأحمر وغلافها من الورق المقوى ، أما أوراقها فهي من الورق الصقيل والثخين . لقد كانت هذه الالبومات المليئة بالصور وبعض الشروحات ، هي البومات تُخلّد النصر الإسرائيلي في "حرب" الأيام الستة ، كما تُطلقُ عليها إسرائيل ، أو نكسة حزيران ، هزيمة ال-67 ،أو النكسة ، هكذا إختصارا . فبعد عام النكبة ، جاءت سنة النكسة .. وأخي يوسف هذا ، كان يكبرني بسنتين فقط ، ولم يكن أخي فحسب ، بل كان صديقي والمُدافع عني أيضا .. وكنتُ بالمُقابل "أُشعره" بالفخار بين ابناء صفه الذين يكبرونني بصفين دراسيين . وذلك عندما يدعوني أُستاذ العربية أو الإنجليزية لصفهم ، لكتابة كلمة بالإنجليزية أو شرح بيت شعر أمام طلاب صف أخي يوسف ، بعد أن يكونوا عجزوا عن ذلك ..فيقوم الاستاذ صلاح بإستدعائي (دون ان يكون لدي عِلم عن سبب دعوته ) لكتابة كلمة بالانجليزية ، تُنطقُ ليس كما تُكتب . وبعد ان اكون قد كتبتُ الكلمة بشكل صحيح ، يقوم الاستاذ بالإطراء وبتوبيخ طلاب الصف ، ومن ضمنهم أخي ، الذي يشعر بالفخار رغم التوبيخ والتقريع .. وكُلما أتذكر هذه النهفات وتلك الشذرات من حياتي الماضية والتي شاركني حلوها ومُرها أخي يوسف ، أشعر بغصة وضيق في الصدر .. فأخي هذا توفي في حادث طرق ولما يبلغ العقد الثالث ..تاركا وراءه ارملا واربعة اطفال .. وقبل ايام معدودة ، تم عقد قران أحد أحفاده ..فكم هي الأيام عجلى ... ما علينا أخي يوسف ، انضم لسوق العمالة في سن مبكرة ، ومرّة اثناء مروره بالمحطة المركزية في تل ابيب في طريق عودته الى القرية ، أوقفه شاب وصبيتان وعرضا عليه شراء هذا الالبوم .. أحسّ بالحرج ، فحال مواطني اسرائيل العرب ، أنقلب رأسا على عقب بعد هزيمة ال 67 ، فقد شعروا هم ايضا بأنهم مهزومون .. ما علينا ، وللتخلص من هذا الوضع المحرج ، "وافق " أخي يوسف على شراء هذه الألبومات التي لم يكن على علم دقيق بفحواها ..خاصة وأن ثمنها الباهظ في حينه سيتم سداده بأقساط شهرية ..!! لقد حَوَت هذه الألبومات صورا "مُهينة " كثيرة ، كأكوام الأحذية العسكرية التي "تخّلى " عنها جنود الجيش المصري ، وصور مئات الأسرى الحفاة ، وجنود يستجدون قطرة ماء ... وفي المقابل صور جنود وضباط جيش الدفاع الاسرائيلي ، يرفعون علمهم فوق مبانِ في سيناء ، الضفة الغربية والجولان ، وشيوخ يرفعون الأعلام البيضاء ...... ونشوة نصرِ كبير ... وهزيمة مُرّةِ كالعلقم . وكانت هذه الألبومات في مكتبتي وفي غرفتي التي خصصها أخٌ كبير لي لأسكنها .وهي في بيته الذي يتكون من غرفتين فقط . وعدا عن كونها غرفة نومي ، ومكتبتي فهذه الغرفة كانت غرفة الضيوف ايضا، استقبلتُ فيها اصدقائي واستقبل فيها اخي ضيوفه ، واستضافت لاحقا اقاربنا الذين قدموا لزيارتنا من الضفة الغربية والاردن ، بعد أن لمّت نكسة ال-67 ،شملَنا .. وشاهدَ هذه الالبومات حشدٌ كبير من الناس ، وكان أن ساهمت في "تذويت " فكرة الجيش الذي لا يُقهر في نفوس الجميع .. لم تحوِ هذه الالبومات بطبيعة الحال ، صورةً قد يُفهم منها أي تشويه أو مسٍّ بصورة الجيش الأكثر أخلاقية في التاريخ .. فهي صورٌ تخلد المنتصر الرحيم ، وتصور بؤس المهزوم الذي يفرُ من ارض المعركة حافيا عاريا ، إلا ممّا يستر العورة . لقد كان ذلك قبل 48 عاما ، وفي هذا العام تشابكت الارقام والهزائم ... ففي هذه السنة احتفلت اسرائيل بعيد إستقلالها ال -67 ، لنستذكر هزيمة ال- 67 ، والتي يمر عليها هذا العام 48، عاما ، لتُذكرنا بنكبة ال- 48 ...!! ال-48 تُذكرنا بال- 67 ، وال67 تذكرنا بال- 48 ..!! كُنتُ حينها في الصف الخامس الإبتدائي ، وكان يوما من ايام الاسبوع العادية ، ذهبنا الى المدرسة صبيحة ذلك اليوم ، وما هي الا ساعات بسيطة حتى انقلبت المدرسة رأساً على عقب ، وصراخ المعلمين يتعالى ، وأحدهم يشتم ويسب بأعلى صوته ... فغالبية المعلمين من قرى بعيدة عن قريتنا ، يأتون يوميا قاطعين عشرات الكيلومترات للتدريس في مدرستنا الإبتدائية .. اصابهم رعبٌ شديد وهم يتوقعون "القصف الجوي العربي " ، كما سمعوا به عبر الإذاعات ... وما زال الناطق الرسمي العربي يُصدر البيانات التي تحتسب عدد الطائرات الاسرائيلية التي تم إسقاطها ... أعادونا إلى بيوتنا ، جلسنا نترقب .. لكن اصوات الحرب تبتعد حتى لم تعد تُسمع .. وابي لم يُصلِّ ، لا هو ولا صديقه في يوم الخامس من حزيران ، بعد ان لم ينقطع عن تأدية الصلوات في اوقاتها لخمسة عقود متتالية ! ولم تمضِ سوى شهور حتى حصل بعض المقربين على تصاريح لزيارة الاقارب في الضفة الغربية ، حضر بعض الفلسطينيين "بشكل غير شرعي " للزيارة ، بعد أن قطعوا الحدود التي لم يعد لها وجود .. وهكذا كانت زيارتي الأولى لخالاتي في مخيم لاجئين .. قطعت الحدود بدون تصريح ، وركبتُ الباص من قرية فلسطينية قريبة من قريتنا بمعية والدي ودخلنا جنين .. وزرتُ خالاتي .. وزار ابي اصدقائه ..!! قد يتبع ...
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مِنْ -فضل آلرحمان - ..
-
ألسيوطي والكاماسوترا ..
-
مُجتمع الرجولة ، الكرامة والشهامة ..!!
-
مسيرة -الشرموطات - في القدس .. والنقاب !!
-
ألعجوز والتيه .. قصة قصيرة
-
أين ألنِساء ..؟
-
جون ناش -والعقل الجميل -..
-
Shamingشيمينغ..
-
مرثية لتدْمُر الكوسموبوليتية والمُتسامحة ..
-
المرأة وقيادة السيارة
-
ألفصل العُنصري ..لطخة على جبين إسرائيل .
-
ألجغرافيا والإبداع .
-
خالد حسيني ليس أفغانيا ..
-
دراويش القرن الحادي والعشرين ..!!
-
في هجاء ألزَبّالين ...!!
-
ذكريات مقموعة ..عن النكبة .مُهداة لأرواح ابي وأمي ، أخي وأُخ
...
-
جميلةٌ كنساء الرايخ الثالث ..
-
شهادات الجنود ..
-
ألمسلمون وإضطراب ما بعد ألصدمة (3).
-
دفاعاً عن المقملين ..!!
المزيد.....
-
الرسوم الجمركية.. ترامب يعلن تطورًا جديدًا بعد اتصال مع رئيس
...
-
الشرع يتحدث لـ-تلفزيون سوريا- عن معركة إسقاط النظام: خطط لها
...
-
ترامب يفرض رسوماً جمركية إضافية.. فمن الدول المتأثرة وكيف رد
...
-
أحمد الشرع يبدأ أولى زياراته الخارجية إلى السعودية ويؤدي منا
...
-
تبون يتحدث عن شرطه الوحيد للتطبيع مع إسرائيل، ما هو؟
-
نور عريضة تتحدث لترندينغ عن حملتها مع هيفاء وهبي ضد التحرش ا
...
-
-مخاطرة بأمننا-.. شولتس يهاجم المحافظين بسبب تشديد الهجرة
-
حكومة غزة: الاحتلال الإسرائيلي يماطل في تنفيذ البروتوكول الإ
...
-
رئيس الوزراء الكرواتي يعلق على فكرة ترامب حول فرض رسوم على ا
...
-
على خلفية تصريحات ترامب.. غرينلاند تخطط لتشديد قيود التبرعات
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|