|
السجن 5 سنوات لاسلام بحيري
محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن-العدد: 4825 - 2015 / 6 / 2 - 23:43
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
أنا لا أشك في نزاهة أو ضمير القاضي الذي خبط اسلام بحيري 5 سنوات مع الشغل، وإلزامه بالمصاريف. صحيح هو حكم غيابي، لكنه يحمل في طياته الكثير. كلي ثقة أن القاضي كان راضيا عن حكمه تمام الرضا. سينام قرير العين بعد أن أدى واجبه وطبق القانون الذي يخالف الدستور.
هذه واحدة من 48 قضية، هي بمثابة دانات قصف بها البحيري من منصة التخلف والرجعية الدينية. من الذين أقاموا دعاوي ضد البحيري، فضيلة شيخ الأزهر بصفته الشخصية وآخرون. منهم أيضا محامون وحملة شهادات عليا. مشكلتي مع هؤلاء، ليست مشكلة أخلاقية بالمرة، لكنها مشكلة حضارية وثقافية.
واضح أن هؤلاء لا يفهمون معنى حرية الرأي وحرية العقيدة بالمرة. لا يعرفون الفرق بينها وبين البطيخ، كما يقول اخواننا الشوام، فك الله عنهم كربتهم. لا يعلمون أنها من القيم الإنسانية النبيلة، التي كافحت شعوب عظيمة من أجلها.
ضحت بالشهداء الكثر طلبا لها، ولا تزال تتمناها وتحلم بأريجها العطر شعوب كثيرة مقهورة ومغلوبة على أمرها. مثل شعوبنا البائسة، التي لم تزل ترزح تحت أصفاد التخلف والانحطاط الفكري والاجتماعي والاقتصادي.
حرية الرأي والعقيدة قيمة يا سادة، تقف مرفوعة الرأس، شامخة منافسة لقيم أخرى نبيلة وجليلة، مثل قيم الحق والعدل. لكن يبدو أن حرية الرأي كقيمة عندنا، لا تهم هؤلاء من قريب أو بعيد.
فهم أناس قد تبلد احساسهم وفقدوا عقولهم. بسبب تعليمهم وتربيتهم ونشأتهم. فقدوا مع ذلك، متعة التذوق لكل ما هو جميل ونبيل، طمعا في الحور العين والأرداف التي عرضها ميل. ولتذهب حرية الرأي، وكل من يدافع عنها، إلى الجحيم غير مأسوف عليها.
يرى البؤساء الذين أقاموا 48 دعوة قضائية ضد اسلام بحيري، أن ما يقوله الرجل، يعتبر إساءة بالغة للدين ورموزه الجديدة. أقول جديدة، لأنها رموز واردة إلينا حديثا، محملة برياح السموم، التي تهب علينا دون رحمة من هضاب الغباوة ورمال البداوة وكثبان التخلف. منذ اكتشاف النفط الذي جعل حياتنا هباب في هباب، وخلى ثقافتنا قطران في قطران.
رموز الدين الجديدة، والبقرات المقدسة الواردة إلينا مع الكبسة من بلاد الجاز، هي: الزبيبة والمسواك، والجلباب الأبيض الذي كش إلى الركبة في الغسيل. والعيون المكحلة واللحية الحمراء، المستفذة. المنكوشة والمنفوشة والممتدة إلى ما تحت الصرة، والمصبوغة في بعض الأحيان باللون الأحمر.
من رموز الدين الجديدة أيضا، وضع النساء في خيم سودة لون الهباب، وجعلهن يترجرجن داخلها مثل أكياس الدهن والعرق. كتل من الشك والكآبة والأرق. من الرموز أيضا، صحيح البخاري وسفر الاقناع في حل ألفاظ أبي شجاع.
ما دامت هذه الرموز الواردة، هي بقرات مقدسة، فلا يجوز أن يمسها إلا المطهرون. رفضها أو مهاجمتها أو المساس بها هو الكفر الفواح والخروج عن ثوابت الدين. حتى وإن تبين بكل وضوح، أنها مقدمة وبداية لعزوة هكسوسية، لبلادنا وعقولنا وحضارتنا، التي لم يتبق منها شئ نفخر به.
هل يعقل أن البلد التي اخترعت الورق والكتابة والحضارة، يأتي من يغير لغتها وحروف كتابتها؟ الفرس والأتراك لم يغيروا لغتهم، لماذا نحن؟ هل يجوز للبلد التي أنتجت حضارة تعتبر فجر الضمير الإنساني، والتي اخترعت الرب الواحد والأديان والحياة بعد الموت والحساب، والصح والغلط، والعدل، والأخلاق، يأتي إليها من يعلمها دينها، ويفرض عليها لغته وثقافته؟
هل يعقل أن يكون نقد هذه المناظر الكئيبة المضحكة، المنتشرة بيننا وفضحها، ورفض ما نحقن به ويصب ليل نهار في رؤسنا، ولا يتفق مع العقل والمنطق، يصبح مجرما بالقانون والمحكمة، بحجة أنه يخالف تعاليم الدين القويم؟
ما دخل الدين بهذه الأشكال الغريبة والملابس العجيبة، التي لا تختلف في شكلها ومضمونها عن ملابس غلاة المتعصبين اليهود، أصحاب البرانيط السودة والسوالف المتدلية على الخدود، ودكة اللباس النازلة من الخصر.
الذين يحلقون شعر رؤوس نسائهم زلبطة، ويمنعون العمل يوم السبت، ويذرفون الدمع عند حائط المبكى، ثم يقومون بالاستيلاء على أراضي وبيوت الغلابة الفلسطينيين وطرد وقتل سكانها الأصليين؟
هل كتب علينا أن نكون مفعولا به، ومادة للغزو الحضاري والثقافي والاقتصادي منذ أيام عمرو بن العاص، إلى الآن؟ غزوات متعاقبة مستمرة، لنهب ثروات مصر، باسم الدين والقداسة، ومحاولات مستميتة لطمس حضارتها ومعالمها وشخصيتها، ووأد مستقبلها ومستقبل أولادها؟
هل من يقاوم هذه الهجمة الشرسة، ومن يحاول تنقية الدين من الدرن العالق به، يشكر أم يعتبر مزدري للأديان؟ هل الدفاع عن الوطن للحفاظ على تراثه الحضاري والثقافي، أصبحت خيانة نستحق عليها العقاب بالتكفير والسجن، وغدا السحل والذبح ؟ واضح تمام الوضوح أن المسرح يعد بعناية فائقة بواسطة هؤلاء، الذين يقيمون دعاوي التكفير، ومساعدة الحكومة لقيام الدولة الداعشية.
هل مهاجمة هذه الرموز الغريبة عنا، اللحية والنقاب والحجاب، التي لا تمت لتاريخ هذا الشعب العريق العظيم بصلة، والتي يراد فرضها بالقوة وبالغلاسة والبلطجة والكذب، على الجميع، يعتبر خيانة وكفر؟ وأين مصر من كل ما يدور في بلادنا اليوم؟ وأين مكانها في الثورة والدستور الجديد؟
أنا واثق أنك لو ذهبت إلى منزل هؤلاء السادة الأفاضل، الذين يقومون دعاوي الحسبة والتكفير، لن تجد تمثالا أو لوحة فنية واحدة. لن تجد كتابا يخاطب العقل أو الوجدان. لن تجد كتابا في الفن، أو رواية لنجيب محفوظ، أو قصة قصيرة ليوسف إدريس، أو مسرحية لتوفيق الحكيم، أو عملا لطه حسين.
لن تجد بالطبع كتابا في الفلسفة أو الأدب العالمي أو التاريخ أو العلوم. لن تسمع قطعة موسيقى لأبو بكر خيرت أو لشوبرت، أو أغنية رقيقة لفيروز أو ناظم الغزالي أو صالحة التونسية، تنساب من الراديو أو من جهاز التسجيل.
لكنك ستجد بالتأكيد راديو مضبوط على محطة القرآن الكريم، وتلفزيون مثبت على قناة سلفية، شغال عذاب القبر وعذاب يوم القيامة، ليل نهار على طول.
ثم تفاجأ على الرف ببضع كتب دراسية، ومجموعة تفاسير، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وربما كتب عن أكل الزوجة عندما يجوع الزوج، وعن إرضاع الكبير وأهوال يوم القيامة، والأقرع الحابس، والأقرع الشجاع، وما فعله حنظلة من أعاجيب. والجان والشياطين، وكيف تتقي شرهم وكيف تتزوج منهم. بالطبع، مجموعة الشيخ الشعراوي الكاملة.
هل يمكننا أن نلوم من قاموا برفع هذه القضايا؟ لا والله. أنا لا ألوم هؤلاء أبدا. لأنهم ضحايا. هم نتيجة وليس سبب. لكنني، ألوم أولا المؤسسات التعليمية، ثم أجهزة الإعلام، ووزارة الثقافة في الثلاثين سنة الماضية. ألوم أيضا مؤسستي الأزهر والأوقاف، وكتابنا الأجلاء، والقناوات الفضائية، والدعاة الجدد، وكل من ساهم في هذا الخراب الحضاري والثقافي لهدم تراث هذا الوطن البائس.
ألوم كل من رأى الوطن يأن ويتلوى وهو يحتضر، ولم يتحرك له ساكن، أو ينبض له عرق. ألوم أيضا، من عادوا بفلوس النفط، من جحافل المدرسين والمهندسين والأطباء، العاملين في معاقل الوهابية ودروبها ووديانها.
هل الأزهر وراء هذا الحكم؟ وهل وظيفة الأزهر سجن الناس بسبب آرائها؟ هل هذا هو الدستور الذي قمنا بثورتين لكي نحصل عليه؟ وهل يمكننا أن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام ومؤسسة الأزهر وجامعته ومعاهده ومدارسه، كابسة على أنفاسنا هكذا؟ هل الأزهر نفسه، من ثوابت الدين، مثل صحيح البخاري والاقناع لحل ألفاظ أبي شجاع؟ نعم، هذه الأسفار أصبحت من ثوابت الدين ومقدساته.
هذه الأسئلة يجب أن نجيب عليها بصراحة إذا أردنا أن نلحق بالدول المتقدمة. لقد حاول جمال عبد الناصر في الستينيات القيام ببرنامج لتحديد النسل، عندما كنا 26 مليون نسمة. فتصدى له الشيخ شلتوت، شيخ الأزهر في ذلك الوقت، ومنعه من ذلك بحجة: "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم..."
هذه هي النتيجة، أصبحا 90 مليون نسمة، ولبسنا في الحيط. اقتربنا من أكل بعضنا البعض أحياء بسبب الزحام وقلة الموارد. وخبنا في كل المجالات وانحطت أخلاقنا. وأصبح حالنا يصعب على الكافر. فهل حقا نحتاج مؤسسة الأزهر وعلمائه اليوم بعد أن عششت داخله ذنابير الرجعية والتخلف؟
بالنسبة لموضوع حرية الرأي، هل من حق أي سلطة، منع ابداء الرأي مهما كان مخالفا؟ دعوني، قبل بحث الموضوع من الناحية المنطقية، أحكي لكم حكايتين بهذه المناسبة. الأولى عن بلد العميان، والثانية عن الفيل والعميان. أعتقد أنهما حكايتان ظريفتان تخففان من سخافة الموضوع، وتؤيدان قضية حرية الرأي:
الحكاية الأولى: بلد العميان، هي حكاية كتبها، إتش جي ويلز عام 1904م. هي قصة مهاجرين من بيرو، عزلوا بين جبلين لمدة أجيال عديدة. انتشر بينهم مرض غامض أصابهم بالعمى. ورثوه لأبنائهم جيلا بعد جيل.
متسلق الجبال، نيونز، زلت قدمه فوجد نفسه ينزلق إلى وادي العميان. راى البيوت كلها بدون نوافذ. راح يصرخ وينادي، فخرجوا له وتأكد من أنهم عميان لا يبصرون. شرح لهم من أين أتى. عندما أخبرهم بأنه يختلف عنهم، وأنه يبصر وهم لا يبصرون، لم يفهموا ما يعنيه بالإبصار.
ظن نيوز أنه سيسود هؤلاء القوم بسهولة لامتلاكه حاسة الإبصار دونهم. فهم يستخدون آذانهم وحاسة الشم واللمس ببراعة فائقة. لكنهم لا يبصرون.
عندما حدثهم نيونز عن جمال الطبيعة، السماء الزرقاء والسحب البيضاء وقوس قزح، والشروق والغرب والزهور والفراشات، لم يصدقوا حرفا من كلامه. مع مرور الأيام، بدأوا يشكون في قواه العقلية. أمسكوا به عندما حانت الفرصة وأجبروه على الاعتراف بأنه لا يوجد شئ اسمه البصر.
كانوا يعتقدون أنه مجنون، ليس في مستوى البشر مثلهم. كان رأي حكمائهم، أن حاسة البصر عنده، هي التي أتـلفت مخه وجعلته يهبل ويرى أشياء غير موجودة. كانت نصيحتهم له أن يفقأ عينيه حتى يصبح سويا معافا مثلهم.
الحكاية بها تفاصيل أخرى لا تهمنا هنا، مثل وقوعه في حب فتاة ومحاولته الهرب، إلخ. تنتهي القصة، بأنه قد تمكن من الهرب من بلد العميان، والتضحية بحبه، في نظير احتفاظه بنعمة البصر التي لا تعادلها نعمة.
بالطبع يمكن تفسير هذه الحكاية على عدة مستويات فلسفية. المهم هنا أن الحقيقة نسبية غير مؤكدة. ومن يجذم بأنه يمتلك الحقيقة كلها دون غيره، يكون مثل سكان بلد العميان. البصر في القصة يمثل الفكر الجديد والتنوير.
الحكاية الثانية: كان فيه زمان ستة عميان من هندوستان. قرروا أن يدبوا فى الأرض، بالطول والعرض. ليفتحوا الغوالق ويكتشفوا المجهول، وينالوا من الحكمة ما يشبع العقول.
بعد عدة خطوات على الطريق، وجدوا أنفسهم أمام فيل عتيق. قرروا أن يبدأوا عملهم المجيد، بدراسة هذا الشئ الفريد، ومعرفة أمره بالتأكيد.
اقترب أولهم ووضع يده على بطن الفيل الجبار. عاد مسرعا قائلا يا إخوتى ما هذا إلا جدار.
تقدم الثاني فى حذر من الأمام، ولمس ناب الفيل بالإبهام. قال يا سادتي هذا رمح كبير، لا يحمله إلا ذو شأن خطير.
تقدم الثالث ببطء. تحسس من الفيل الخرطوم، ليطلق صرخة تتجمع لها الغيوم. أخبر باقي الهندوستان، أن الكائن هو الثعبان.
جاء الرابع ليلمس ساق الفيل فى جرأة، ليعلن على الملأ أن الكائن هو الشجرة.
أما الخامس فتحسس أذن الفيل بحنان. ليقول ، ياقوم، إنه مروحة يحملها الغلمان.
ويأتى الأخير ليشد الفيل من ذيله المنحول. ويصرخ، يارفاقي ما هذا إلا حبل مجدول.
الفيل هنا يمثل الحقيقة التى نبحث عنها جميعا. ويعتقد عمي هندوستان أنهم قد توصلوا إليها. هذه القصة تمثل محنة المعرفة البشرية بأثرها. كل منا يعتقد أنه يعرف الحقيقة كلها. لأنه قرأ كتاب تفسير أو تخصص فى فرع معين من العلوم أو الآداب وتعمق فيه. الواقع هذا التعمق والتخصص يبعدنا عن الحقيقة أكثر وأكثر. يجعلنا نرى الفيل ثعبانا أو شجرة، وما هو بثعبان أو بشجرة.
ماذا يحدث لو حاول كل واحد من عمي هندوستان، التمسك برأيه على أنه الصواب والحق المبين، المبني على التجربة. ماذا يحدث لو رفض كل منهم الإصغاء تماما لكل ما يقوله الآخرين. ألا يقود هذا إلى ضياع الحقيقة.
ماذا يكون عليه الحال، لو فرض أقواهم باعا وأعلاهم صوتا رأيه على الآخرين بالقوة وبالإرهاب الفكري والجرجرة إلى المحاكم، وهدد وتوعد كل من يقر بأن الفيل يختلف عن الحبل المجدول.
يقول الفيلسوف البريطاني جون ستيوارت ميل: "إذا كان للبشرية كلها رأي واحد، فيما عدا شخص واحد له رأى مخالف، فعذر البشرية في إخراس هذا الصوت الوحيد، هو نفس عذر هذا الشخص فى إخراس البشرية كلها، عندما يتولى السلطة."
ليس هناك داع للدفاع عن حرية الرأى، كوسيلة لمحاربة الطغيان والفساد والجهل والخرافات، ولمعرفة الحقيقة. ليس هناك حاجة لإقناع السلطة الحاكمة ورجال الدين، كى تكف عن تحديد ما يجب وما لا يجب أن نقوله أو نفكر فيه.
لأنه، عندما تشجب أى سلطة حرية الرأي، تكون بذلك قد ارتكبت جريمة ضد الإنسانية، ووضعت نفسها هدفا تصوب إليه غضب وسخط الناس المتطلعة للتقدم.
إذا كان رأي الفرد لا يفيد إلا صاحبه، منع هذا الرأي من الظهور، يسبب ضررا شخصيا يصيب صاحب الرأي فقط. لكن رأي الفرد ليس ملكه وحده. إنما هو ملك للجنس البشري كله. منع هذا الرأي من الظهور، هو اغتصاب حق من حقوق البشرية. فهمت يا موانا الشيخ؟
لنا أن نتخيل كم تكون خسارتنا إذا منع الحكماء والفلاسفة والعلماء من الكلام بحجة أن مايقولونه يختلف عما يقوله الآباء والأجداد. كيف يكون حالنا اليوم، إذا منع اسكندر فيلمنج مكتشف البنسلين من إعلان اكتشافه، لأنه يختلف عن العقاقير المستخدمة فى ذلك الوقت.
إذا كان الرأي الآخر صوابا، فنكون عندما نحجبه، قد فقدنا الفرصة لتصحيح أخطائنا. وإذا كان الرأي الآخر خطأ، نكون أيضا قد فقدنا الفرصة لتعميق إحساسنا بأننا على صواب. لأن الصواب يتضح ويتلألأ حينما يصطدم بالخطأ. الحقيقة تظهر بالجدل والخلاف لا بالتطابق والتوافق.
ليس من حق أى سلطة، دينية أو غير دينية، أن تختار لبقية الناس. وليس من حقها أيضا أن تحرم الناس فرصة الحكم على الأمور بأنفسهم واختيارهم لأديانهم. رفض سماع الرأى الآخر بحجة أنه خطأ، هو افتراض أن السلطة الدينية على علم بالصواب المطلق والخطأ المطلق. لكن الصواب المطلق والخطأ المطلق لا يعلمه أحد. كل المعارف نسبية.
عدم السماح للرأي الآخر بالظهور، يجعلنا غير واثقين من أنفسنا، ويضعف قدرتنا على التمييز بين الصواب والخطأ. فالرأي الذي لا يخضع للمناقشة والدراسة، مهما كان قويا، يعتبر تعصبا، ولا يمكن اعتباره صحيحا.
مهما كانت شدة خطأ الرأي الآخر، فإنه دائما يحمل جزءا من الحقيقة. وحيث أن الرأي الصواب بالنسبة لأي موضوع، لا يمثل الحقيقة كاملة، لذلك وجب الاستفادة من الرأي الآخر.
الإيمان برأي واحد، وكبت الرأي الآخر، يعتبر عقيدة عمياء. استخدام الناس الإيمان فقط بدون منطق، يجعلهم يقبلون الأكاذيب بدون تفكير.
القول بأننا نحمي الأفكار المفيدة من الأفكار الهدامة أو الغير مفيدة، هو قول خاطئ:
أولا، لأنه ليس من حق أحد أن يقرر للآخرين ما هو المفيد وما هو غير المفيد. مسألة المفيد وغير المفيد، يجب أن تترك لإبداء الرأى فيها.
ثانيا، لأن الآراء التى لا تستطيع أن تثبت وجودها بالدليل القاطع، هى آراء لا تستحق أن تعيش.
الأفكار مثل النظريات العلمية، أو مثل الحياة نفسها على سطح الأرض، تتبع قوانين التطور. البقاء للأصلح. حماية السلطة الحاكمة أو رجال الدين، لرأي معين. ومنع مناقشته بالإرهاب الفكري، يضعف هذا الرأي. ويضعف معه قدرتنا على كشف الحقائق.
النظر إلى الحقيقة من جانب واحد، ليس رؤية بالمرة. إنما هو مجرد سراب أو انطباع أو وجهة نظر أو أحلام وتمنيات. لأن الحقيقة لها عدة وجوه. من لم ير جوانبها المختلفة، كمن لم يرها مطلقا. فوتونات الضوء والإلكترونات وكل من له كتلة، له طبيعة مزدوجة. طبيعة الموجة وطبيعة الجسيم في نفس الوقت.
إننا عندما نبني الحواجز، ونقيم القضايا، ونستخدم التهديد والإرهاب الفكري، لإسكات الرأى الآخر، نكون قد فقدنا القدرة على التعلم والتقدم والإزدهار إلى الأبد.
هل حكومة المهندس محلب تحارب حقا الإرهاب؟ لماذا إذن تسمح باستخدام القضاء لفرض الإرهاب الفكري على الناس بالمخالفة للدستور؟ لماذا تبقي حزب النور وتحاول إشراكه في الحكم، هذا أيضا مخالف للدستور؟ وما فائدة الدستور إذن؟ الحكومة تحارب الإرهاب المسلح، لكنها في نفس الوقت تمارس الإرهاب الفكري. شئ عجيب!
لماذا تبقي حكومة محلب، الإخوان في الأزهر والجامعات وباقي مؤسسات الدولة؟ هل يعتقد رئيس الوزراء المبجل، أن حزب النور السلفي يختلف كثيرا عن داعش أو بتوع بيت المقدس؟ بأمارة إيه؟ هل يستطيع الوزير الأعظم أن يجذم بأن حزب النور عندما يتولى السلطة، لن يعلن ولاءه وانضمامه لدولة أبو بكر البغدادي؟
التقدم له أسبابه. والتخلف لا يأتي من فراغ. إذا لم نراجع أنفسنا ونعيد حساباتنا، سوف نضيع. وقد ضاعت أمم كثيرة قبلنا، حين اختلط عليها الأمر، وحجبت الرأى، وحاربت العقل. فلم تعد تفرق بين الخطأ والصواب. أو الظلم والعدل. نحن الآن لا نستطيع التفرقة بين الصواب والخطأ أو الظلم والعدل. لذلك لم نتقدم خطوة واحدة منذ 1400 سنة. وأصبحت شعوبنا ملطشة لكل من هب ودب.
#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أساطير السماء – برج العقاب
-
أساطير السماء – برج الدب الأصغر
-
أساطير السماء – برج الميزان
-
الست كاملة وعيالها الستة
-
أساطير السماء – برج التنّين
-
أساطير السماء – برج الحوّاء
-
أساطير السماء – برج ذات الكرسي
-
أساطير السماء – برج الجوزاء
-
أسماك تعيش في الصحراء وأميبا تبني بيوتا بدون عقل
-
أساطير السماء – برج الجدي
-
أساطير السماء – برج الثور
-
ملوك هندسة البناء: النمل الأبيض (التيرمايت)
-
فريدريك نيتشة – رأيه في الدين والعلوم
-
أساطير السماء – برج الجبار
-
أساطير السماء – الدب الأكبر
-
أساطير السماء – الثريا
-
يا عبده، أنت غبي
-
الإصلاح الديني، إن شاء الله في المشمش
-
الحجاب ليس فرضا يا فضيلة الشيخ
-
اسلام بحيري والإصلاح الديني
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|