|
فلامينكو ...رسائل الحب والحرب 12
نارين عباس
الحوار المتمدن-العدد: 4824 - 2015 / 6 / 1 - 17:45
المحور:
الادب والفن
فلامينكو ..رسائل الحب والحرب
ماذا يعني الحب في مدينة صغيرة كهذه ..؟؟
ماذا يعني الحب في دولة أبي الذي لا يضحك الا عندما ينتهي من صلاته على سجاة نسجتها أمي بخيبات املها برجل مثل أبي ..؟؟ أبي يضحك في وجه الله الذي لم يرسل له أية ضحكة حتى الآن .. ماذا يعني الحب فوق سطح هذه المدينة التي تنام على حلم تلو الآخر ..حلم يتلون بلون وردي كل يوم ..ثم يتساقط الحلم في اوائل كل صباح في اللون الاسود ..!!
تمسكت بمدينة برلين كتمسكي بيد حبيب لا أريده ان يغادر حياتي ..وعقلي ..وذاكرتي لا أريده ان يتركني وأتركه .. في حداقئها اتمدد مع ظلال اشجارها ..واترك العنان لقلبي كحصان يعدو يعدو بين تلالها... اترك ذكرياتي ان تتمايل مع أوراق أشجارها الكثيفة كما تشتهي... هكذا تمتص ذاكرتي الضوء من جديد بحب وشغف وجنون .. أغمض عيناي كعصفور صغير وأسافر بأجنحتي الى البعيد..عندما أفتح عيناي من جديد أجد اناملي قد تلونت بألوان العشب من حدائق برلين ..
هكذا أنسى شجوني الصغيرة والكبيرة لبرهة من الزمن عندما تتوقف ساعتي فوق معصمي الحنطاوي..لون الطفولة التي اكتسبتها من سهول قامشلو وسنابلها التي تنظر الى السماء...كانت أنذاك تنظر الى السماء ...الآن لا أعرف الى ماذا تنظر ؟ بعض ذكرياتي القبيحة تقفز فوق جسور بحيرات برلين لتسبح من حولي وتتبلل بقطرات امطارها التي تفاجئنا في ربيعها وصيفها ككل مرة بدون توقيت معلن ..
أناملي الملتهبة من الكتابة تمتد داخل الاعشاب الطرية تعيد الي رائحة الارض التي خنقها الانسان بيديه المشعوذتين اراقب النسائم الصغيرة التي تخترق وجهي فتوقظ فيني بقايا ذكرايات نائمة في حجرة من حجر القلب المحاصر بالإنتظار
لم تكن لي أية طموحات قبل أنضمامي الى صفوف الكريلا لأ العمر الزمني أنذاك لم يسمح لي أن اطمح الى شي آخر خارج حياة الكريلا .
عندما تعرفت على أيدلوجية الحزب و على الرفاق كنت صغيرة في السن ...,عائلتي من العوائل الاوائل الذين أستقبلوا الفكر و رحبوا به, ومنذ البداية لم تكن بعيدة عن الحس الوطني كسائر العائلات الكردية . جدي كان يستقبل البشمركة القادمون من جنوب كردستان في بيته بشكل سري و أبي بطبيعة الحال كان مؤيداً للفكر البرزاني المعاصر لزمنهم...و في بداية ظهور الفكر الاوجلاني احتضنت الفكر الجديد بكل شغف وحب .
كنت اتردد الى المدرسة...وفي الصف الخامس الابتدائي عندما تعرفت على الرفاق و حياتهم..وأبتسامتهم التي لم تفارق وجوههم المشعة بالحياة بالرغم ان كل فرد منهم كان يحمل وطناً مثقلاً بالآلام ..كل فرد من الرفاق كان يحمل معه قصة حياة وأحلام وطموحات كثيرة... كل رفيق ورفيقة كانت لهم الكثير من المشاعر التي أشعربها لكنهم سلكو هذا الدرب لتجتمع كل طموحاتهم نحو وطن جميل ..مستقر...تنساب فيها الحرية من كل الجهات....
آنذاك لم اكن بذلك السن الذي يسمح لي بفهم الايدولوجية بل كان الارتباط في ذلك الوقت كان عاطفياً . وكل ماعرفته في ذلك الحين هي أن كردستان وطن الكورد ومجزء الى اربعة أجزاء و أن الشعب الكوردي ناضل عبر سنين طويلة لنيل حريته و بناء دولة كردية . حينها وأكثر ماشدني الى الكريلا هي الروح الثورية و الصفات الثورية العالية الخلق .
كان طموحي أن اكون ثورية مثلهم كنت أجدهم أشخاص غير عاديين بقوة فكرهم و ثقافتهم و مستوى تضحياتهم و طريقة تعاملهم من حولهم من الشعب ... وبذلك ولدت لدي الرغبة بالانضمام الى الكريلا منذ الصغر و منذ ذلك الحين أصبحت اهيئ نفسي لأكون كريلا عندما أكبر قليلا.
الرفاق كانوا يترددون الى بيتنا بشكل متكرر وبشكل يومي ,كنا نعيش معهم تفاصيل الحياة اليومية , حتى ان ثقافتهم في التعامل أصبحت مسيطرة على جميع افراد العائلة وكان جزء لايتجزء من عائلتي الصغيرة...
في كل مرة كنت ازداد ارتباطاً بنمط حياتهم و بالاهداف التي يناضلون لأجلها ...كم كنت أعد الساعات والثواني كي أكبر بسرعة لأكون واحدة منهم.... لم أكن أطمح بشيء آخرغيرذلك ... ان اكون ثورية و كريلا تناضل لاجل شعبها.
في ظل تلك الاوقات خلقتفي عائلتي بعض القواعد نتيجة التاثر بثقافة الفكر الجديد :
مثلا أبي كان يقول لبناته (طبعا لي اخت شهيدة بين صفوف الكريلا) لا تفكرن بالزواج أنتن سترفعن رأسي بأنضمامكم للثورة .لذلك ومنذ البداية تربينا على عدم الاهتمام بجماليات الحياة الثانوية.كنا نعرف أننا فتيات لسنى للزواج أو يتبرجن بالذهب و المكياج .
في يوم من الايام عندما كنت في الصف السادس الابتدائي طلبت من والدي شراء مظلمة تحميني من هطول المطر أثناء ذهابي الى المدرسة والعودة منها ... لكن ابي رفض طلبي و طلب مني ان أتعود على المطر لكي أستطيع تحمل أمطار جبال كوردستان وثلوجها الغزيرة... وبذلك طموح الحياة أصبح الانضمام الى الكريلا منذ الصغر.
قبل أنضمامي الى الكريلا كانت لدي فكرة لابأس فيها و بعض التفاصيل الغير قليلة عن الحياة في الجبال ... وعن صعوباتها و كذلك عن جمالياتها ايضاً بسبب الاختلاط الدائم مع الرفاق ...
بكل تأكيد هي ليس حياة سهلة الحياة في الجبال تلك الحياة التي لا تشبه حياة المدن ابداً ....هناك الكثير الكثير من تلك الفروقات بين حياة الناس العاديين و اقصد به عامة الشعب.. . فطبيعة الجبال تتطلب السير على الاقدام احياناً لساعات طويلة او لايام متواصلة و للمشي قواعدها في طرقاتها الوعرة و منخفضاتها ووديانها .....وهكذا كانت بدايتي أن أتعلم كيفية السير ووجدت صعوبة جمة بين المدينة وبين الجبال والوديان الوعرة لذلك كنت اتعثر كثيرا ووهويت كثيراً على الارض وهذه البداية كانت قاسية لكل رفيقلاورفيقة في بداية أنضمامهم الى الكريلا... كنت أخجل كثيرا في كل تعثر حتى أن أحد الرفاق الذي يملك خبرة قديمة ويقوم بتدريبنا ...لفت نظره حالتي في بداية انضمامي للكريلا حينها جاء الي و قال :لا داعي للخجل !!!! أن لم تتعثري 100 مرة فلن تتعلمي المشي في جبال كوردستان ...
رويداً رويداً أصبحت أتجاوز صعوبة المشي وبذلك أصبح للمشي و طريقتها الجبلية لذة خاصة رغم صعوبتها و القوة الجسدية التي تتطلبها .طبعاً هنا أود أن أشير أن أغلبية الرفيقات كانوا يعانون صعوبة في تحمل ظروف حياة الكريلا بسبب طبيعتهم الفيزيولوجية مقارنة مع الرفاق الشباب الذين يتمتعون ببنية جسدية قوية .لكن ذلك أي ضعف بنيتنا الجسدية لم يشكل عائقا لنستمر في حياة الكريلا بل الرفيقات كانو يبدون مقامة كبيرة و شرسة للتغلب على هذه الناحية و لم نكن نتردد في المشاركة في المعارك و لا في الحياة اليومية العملية .طبعاً قلة الطعام و للباس العتيق و الاحذية العتيقة و أشياء ما شابه لم تصدمني ابداً فالرفاقية و االمحبة و الاحترام بين الرفاق و الارتباط بنفس الهدف كان يجعلنا نتغلب على صعوبات حياة الكريلا. طبعا لم اصطدم بقساوة الحياة لانها بقدر القساوة كانت الحياة جميلة و رائعة ايضاً طبيعة كردستان كانت مصدر الإلهام لنا و كانت تزيدا حباً لها , و الرفاقية و المستوى العظيم من التضحية و الوعي و المحبة و الارتباط بالهدف كان يشدنا للارتباط اكثر بنمط حياة الكريلا شيئا واحد اً أصطدمت به رغم أنه تفصيل صغير لكن لاعرف لماذا شكلت لي آنذاك صدمة غير متوقعة ....به و لازلت اتذكر ذلك .في اول يوم من وصولي الى الجبل و حين أقترب ساعة النوم أندهشت بأني سأرقد على الارض العارية مع العلم مسبقاً بأني لن أرقد كما كنت أفعلها في بيتنا أستلقيت على الارض وتلحفت بسماء كوردستان الملئية بالنجوم ..... رغم بساطة هذه الحادثة لكني مازلت أتذكر كيف أندهشت وقتها .!!
طبعا حياة الكريلا متعبة وصعبة لكنها في غاية الروعة و الجمال .لم تكن حياة روتينة ابداً فالحياة في كل يوم في تجدد و لم نكن نملك وقتنا للراحة الا القليل لكننا مع ذلك كله كنا نشعر بلذة و متعة الحياة فالحياة في الجبال اوهبتنا معن اخر للحياة .فهي اوهبتنا الانسانية بحد ذاتها اوهبتنا الاصالة الكردية في المقاومة . أيقظت فينا روح البحث المستمر عن الحرية . وطبعاً للفتاة الكردية معنى خاص لارتباطها بالجبل بحياة الكريلا و اقولها بكل معنى الكلمة كنا نشعر بطعم الحرية و نحن بين أحضان الجبال و حياة الكريلا ...ففي الجبال الفتاة الكردية طليقة الفكر تناقش و تحاور , و تمتلك أرادة القبول و الرد و الاعتراض بمقايسسها الخاصة , مستقلة في أتخاذ القرارات التي تخص حياتها التنظيمية و العملية بدون تدخل الرجل فالحرب مع العدو و مع النظام الذكوري أكسبتها الثقة بالذات و تجارب الحرب و لدت لديها قوة الابداع و المبادرة و الإصرار في تكوين شخصيتها.
شاقة هي المهمة عندما تخلق في المكان الخطأ
هذه أول مرة في حياتي أصعد فيها على متن طائرة ...لوحدى كنت لكن قلبي لم يكن وحيداً كان مشفولا بصراعات مع الخوف لحياة جديدة لا أعرف عنها أي شيء أنقطعت عن كل الاشياء منذ ذلك الحين وهذه الطائرة تحمل جسدي الى البعيد ...كم تمنيت ان لا أصل الى ذلك المكان الذي لم أرغب به قط ... كم تمنيت لو تبخر في هذا العلو ....وتحولت الى غيمة فوق هذا للمحيط الذي يفصل الشرق والغرب....كم تمنيت لو تبخرب في هذا الفضاء وكأنني غير موجودة.
حطت الطائرة في بودابيست...فكرت ملياً ان أخرج من المطار وأعدو ...أعدو الى خارج كل هذه الاسوار الغير مرئية حتى لو تشردت في شوارعها ...لكن جحيم أمي وأبي كان أقوى من فكرتي اللعينة ...أنتابني خوف أن أخدعهما وأحزنهما بهروبي من قرارهم ....لم استطع ان أحزنهما في هذا العمر وبقيت أنا مخدوعة وحزينة طوال عمري.
فجأة تجد عائلتك تضع خاتماً في يديك ..خاتم صغير يجعلك أن تكون ملكاً لشخص ما لا تعرفه ...لا ترغب به ...بل أنك لم تقرر ان تشارك حياتك مع شخص ما ... ..
أجهش لوحدي في زاويا البيت ..تتحول الزوايا التي كنت اختبئ فيها عندما كنت العب الى زاوية للهروب من زفير الأخرين من حولي ...هذه الزوايا كانت آنذاك ملئية بنجموم مضاءة من حولي في عتمة هذه الاماكن الصغيرة .
لا أحبه ..اتركو يداي حرة أبية تنسج خيوط الشمس سجادة ذهبية ..دعو يداي ترسم وتكتب ......ووووو
سقط كل الرجال أمامي ..سقطو ...سقطو .. رجل تخلى عن حبي بمساعدة أهله ..ورجل تزوجني بمساعدة أهلي ..
لا أحبه ..لا أحب رائحته ..لا اطيق نظراته ..كل شيء فيه يثير اشمئزازي ... انا لوحدي في هذا العالم الموحش ..انا لا شيء ..امرأة بلا حدود ..
أن يكون يكون كل شيء على مايرام ..فهذا جميل ..اما ان تستيقظ ذات صباح وتنقلب كل الاشياء ضدك ومن حولك فحتماً هذا كابوس قاتم اللون ..وتاريخ جديد من مسودة الحياة التي نشخبط على لحظاتها وأيامها
أناس غير قادرين على الحب والعطاء والمحبة ناس غير قادرين ان يخططو لا نفسهم حياة جميلة ..لكنهم يبدعون أن يتركو الآخرين في مستنقعات جهنمية يسبحون ..
تتكسر الاحلام من فوقي .. جسدي كائن يخاف من كل شيء ..من حوله ....!!
قامشلو المدينة التي أنجبتني ولم أنجب مثلها بعد ..مدنية من الرغبات والاحلام ..مدينة تركتني ولم أتركها يوماً ما في مخيلتي ..حافظت على صورتها وصوتها ولحظاتها ومازلت ..لكنها نسيتني مع الايام ..ونسيت صوتي وبكائي ونسيت صورتي وخطواتي وانا أسير في شوارعا بحثاً عن حبي ..
كان يجب ان أودع مدينتي..بدون قبلة الوداع ..لم أرغب ان أذرف أية دمعة على هذه المدينة ..لقد أخفيت كل دموعي في حنجرتي وسببت لي الكثير من الإلم ومازالت محصورة هناك .. أخاف ان أبعثرها من حولي ..فيبكي حتى أبي حتى التراب الذي يرقد فيه بقلق ..وأخوتي ..وكل رجل دخل حياتي ومات فيها بعيداً عن الرجولة كان يجب ان أودعها ..ليس رغبة مني ..بل رغبة من دفع لي ثمن رحلة بلا عودة ..متى يحق للبشر أن يطردوننا من ديارنا بدون رغبة منا ؟؟ رغبة لمن يفصل لنا اقمشة مهترئة ..لفساتين الحياة ونتعثر بها حين نمشي مع الايام ..هذه الالوان لم ارغب ان ارتديها يوما ما ....هذه الالوان التي صنعت لنا هي ليست لي....
بدت لي قامشلو مرعبة وموحشة ..مدنية مقرفة ..لا تسمع صوت نحيبي .. ودعتها بنظرات اللوم ..ودعت بيتي ..الشارع ..سطح المدينة ..باب منزلي الفيروزي ..جرس الباب ..شجرتي ..قططي ..فرشاة الرسم والكثير من الاوراق التي شخبط فيها أحلامي .. في داخلي كنت اردد دائما بأنني سأعود يوما الى هنا من جديد ..ولكن عبثاً كان هناك دائماً شيئأ ما يمنعني ان أعود من جديد ..!!
لم أكن أعرف ماذا تعني الليلة الاولى من حياة مشتركة بين رجل وامرأة ..حينما يتقاسمون اللحظات لأول مرة في حياتهم ...!!
كانت دهشتي ممزوجة مع الخوف ..والخوف ممزوج بعرق يتصبب من جسدي الصغير ..وهو عبثاً يحاول أن يثير الشهوة الشهوة وانا لا أعرف ماذا تعني الشهوة اساساً ؟؟ وكل هذه الوقاحات الغير منتظرة أمامي في هذه الليلة العينة.
هذه الليلة البائسة التي سقط فيها كل الرجال أمامي .. نعم سقط أبي ..سقط ذلك الشيخ اللعين الذي كتب كتابي على رجل لا احبه وكان يعرف أنني لا أحبه ..وسقط كل أخوتي الشباب واحداً تلو الآخر ..وانا عبثاً احاول ان اكسر هذا الحلم من حولي الذي يشبه الكابوس ..كل صورهم أمامي وانا بصق عليهم واحداً تلو الآخر وهو يفك غشاء البكارة ليسقط هو الاخر داخل دمائي ..!!
يلامس عصفورين خائفين ..جناحي مببلتين بامطار هذه المدينة التي تمطر كوابس وتولد كوابيس فقط ..لقد فقد هذه المدينة عذريتها مع عذريتي ..لانهم أهدوني لرجل مغتصب .. مدنية تهطل الماً على جسدي في هذه الليلة اللعينة ..!! يحاول ان يجعلني اشمئز اكثر من الرجال ..هذا اول رجل عاري في حياتي ..ومقرفاً الى حد الموت .. كان سعيداً لأنني لا أحبه ..كان يبتسم لانني لا أحبه ..يلمس أشيائي الخائفة ..المرتجفة بين يديه القذرتين ..ويتابع نشوته وأنا جسد معلق مابين الموت والحياة ..لكم طلبت الموت في هذه اللحظة ..
كلما تذكرت هذه اللحظات ..أهرب بجسدي الى زاوية معتمة ..أخفي جمجمتي المغتصبة في تاريخنا المشوه والمشبع بالرغبات اليائسة والصرخات والاغتصابات ..وألعن التاريخ والعن كل رجل دخل التاريخ ليرعب اجسادنا وأرواحنا التي تعشق الحياة كما العن أبي وأمي الاف المرات عندما اغوص في بحار من الدموع التي لا تتوقف الا فجأة ..كامطار نيسان ...!! أخفي جسدي وأشعر باألام تلك الليلة والليال التي بعدها ..ومازلت ..
تحلم كل فتاة في يوم من الايام بفارس أحلامها التي رسمتها في مخيلتها بعدياً عن من يغتصب أحلامنا المرئية ..لذلك نكتفي باحلامنا المختبئة في أرواحنا .. يأتي فجأة الى عالمها الانثوي ...يوقظ فيها كل الورود النائمة بين يديها وعلى جسدها المبلل باشواق بنفسجية ..الورود النائمة على اطراف احلامها ولحظاتها المنتظرة ... ولكن عندما يتحول الحلم الى كابوس ويأتي فجأة على هيئة رجل يقتحم هذه الاحلام فتتكسر كل اللحظات التي نسجتها بأيادي ناعمة من حولها وتجرح كل المارين من امامها بصمت مروع .. فتصبح الحياة لحظات موت بطيء ..يسري في عروقها الطرية ..أنه الرجل الذي لم ترغب ان يكون شريكها في الحياة..!!
لاشيء يوجع المرأة سوى رجل يعيش معها وهي لا تحبه ..تعيش معه من أجل مجتمع البسها عباءة الزواج السوداء ليغطي كل أحلامها في ظلام دامس توت فيه كل لحظة .. هل المجتمع كله يعيش بنفس الطريقة التي يرتب للاجيال القادمة كل هذا الوجع والاضظهاد والقمع ..؟؟
اأشع أحساس ان يكون الزواج ..السفر ..اللغة ..البيت ..الاصدقاء ..الحيوانات الشوارع ..الطعام ..بشيء جديد يدخل فجأة الى عالمك الجديد ..أن تعيش كل هذه الاشياء الجديدة التي فرضت عليك ..تتأملها وتتألم منها ..ويتأملونك ولايتألمون من ألمك
منذ مجئي الى هذا المكان وأنا أعاني من عشقي لمدنتين ..جسد بعيد كما لو أن جسدي ليس لي ..ولا يشبهني ....
لم يخطرر ببالي اقط أن أعيش خارج مدينتي يوماً ما بالرغم من خيالي الواسع بأنني دائماً أنتمي الى مكان آخر ..يشبه الغابة ..كيثفة أشجارها التي تحضنني ..لي حرية تشبه حرية الطيور تحلق متى تشاء ..
لم يخطر ببالي ابدا ان اجتاز محيطات كثيرة وانا اصعد طائرة ترحل عن مدينتي وتضعني في منتصف برلين ..اصل الى مدينة اختارها لي بعض الرجال من امبراطورية أمي هذه المدينة امتزجت بي وانا احيانا بها ..احياناً ربما ..ربما احياناً فقط ...!!
وقفت برهة على مدرج الطائرة أراقب من هذا العلو أرض برلين وهبط جسدي مسرعا اكثر من روحي ..عيناي تراقبان الفتاة الالمانية وهي تستقبل الزوار عند آخر درج من هذ الطائرة التي حطت في مطار تيغل الدولي لم اأتسم ابداً ..كنت اراقب زرقة عيونها الصغيرتين وخصلات شعرها القصير ورقة أبتسامتها الجذابة
لم اكن سعيدة ان اترك قامشلو وترابها لذك لن اكون سعيدة بان تحط قدماي باي بقعة ارض اخرى
في مطار تيغل البرليني أستقبلني الزوج الذي لا أعرف عنه أي شيء ...سوى أنه أخذني خلال اسبوعين فقط من أقامته في قامشلو بعد ان اخذ الاقامة الالمانية عندما تشرد في شوارع دمشق هرباً من صدام وحاشيته هرب من الموت وتعالج ضد السرطان في مستشفيات طهران عندما جرح وهو يقاتل كبيشمركة في جبال كوردستان حدثني مراراً أن الحكومة العراقية البعثية احرقت بيتهم علىىنهر الزاب أربعة مرات وأنا كنت أصغي اليه وابكي بحرقة على النار التي احرقتىبيتهم المتواضع والنار التي أوصلتني كي يحرقني هو فيما بعد بها ...هكذا ترك صدام كل هذه الآلام في عقله الباطني ..
كان برفقة أصدقائه ..يبتسم ..أقترب مني ووطبع على خدي قبلة ...كنت اتمنى الموت بعدها ..
الفجر مايزال يستهويني ... أنها ساعات من النكهة اللذيذة التي لا أعرف وصفها بمفردات عندما يأتي الفجر ليزورنا كل يوم افتح عيناي بنكه شرقية فيها الكثير من الجمالية الصادقة ..تعطيني الطاقة الروحانية التي أعشقها ..
الفجر ذلك الشي الفاصل مابين الضوء والظلام ..الحياة والموت ..الحب والكراهية ..الموت والولادة ...الرغبة بالبقاء أو الهروب الى اللامكان ... تعشق أمي أن تستيقظ مبكراً تصلي على سجادتها الملونة بخيوط لملمتها في حياتها أسمع صوت أمي والمياة وهي تسقي الزهور والشجرة الوحيدو في حديقة منزلنا كل صباح هذا الصباح الجميل .. أبي ينتهي من صلاته او أسمع بقدومه من الجامع القريب ليقضي الفجر في قراءة القرآن ثم مسبحته التي ترافقه... يقراء الآيات بصمت أو يتمتم مفرادات الروحانيات الدينية التي كثر من حفظها...لكن حينما قلتىله لا أريد الزواج ...تحول أبي الى وحش وكاد أن يلتهم جرائتي الوقحة .
تنشر أمي ثيابها المغسولة في الصباح او تلف الطابات تحضيراً لسجادة جديدة او تنتهي من أعداد وجبة من الحساء الساخن في في ليال الشتاء الباردة في صباحات قامشلو الحزينة.. نستيقظ نحن من أجل المدرسة..
كانت هذه الايام فيها الكثير من الدفء والحنان ..فيها الكثير من العفوية الصادقة التي أصبحت حلم بعيد المنال وأعرف أن الايام القادمة لن تكون هكذا كذلك الحلم الشفاف في ذاكرتي الكثيفة كانت ايام فيها الفصول فصول حقيقية طبيعية ..الربيع والخريف والشتاء وووو وأبتسامة أمي غير مصطنعة ..وتجاعيدها غير مصطنعة ..وغضبها غير مصطنع ..كانت أمي ممزوجة مع الطبيعة ومعجونة بها .. كان سمنتها طبيعية وجمالها طبيعي ..لا تاتو ..لا بودكس ..ونهديها كانتا تتدلى على جسدها الكبير بدون حاملات صدر آنذاك ..لكنها كانت أنثى طبيعية بكل معنى الكلمة .. ابي ليضا لم يكن مصطنعا ..كان يحب الله ..والسماء ومستقيماً اكثر من مسطرتي التي كنت أستعملها في حل مسائل الرياضيات
أغمض عينايا أحياناً في قيلولة الظهيرة ..أهرب للراحة ..وما بين الحلم والحقيقة خيط شفاف يعود الي بين الحين والآخر ..خيط رقيق جداً مابين الحياة والموت ..وكأنه صدق من قال أن هذه الحياة حلم وعند الموت سنتيقظ منه يوماً ما لنعيش في العالم الآخ من الحقيقة ..
في الحقيقة لا أحب الحقائق دائماً ..الأجمل والأفضل أن لا نتعرف عليها ..لأنها قد تكون بداية لحقيقة بشعة ..يكفي أننا ننخدع بالحقائق الكاذبة ..كما تقول الاغنية ..( كذبك حلو وووووووووووووو ..) .
نارين عباس
#نارين_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلامينكو ..رسائل الحب والحرب ( قصة )
المزيد.....
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|