عادل الخياط
الحوار المتمدن-العدد: 1337 - 2005 / 10 / 4 - 11:03
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
الإجابة على هذا التساؤل تقتضي الإيغال في البعد المُقدس أو الأخلاقي الكامن خلف هذا الفعل ؟ بمعنى.. أن فعل القتل الذي تقترفه تلك العصابات لا يمكن أن يُقارن بأي حال مع القتل المُؤسس على ركائز سايكولوجية بعينها... : كأن يُصمم شخصا ما برامج منظمة بدقة ليقتل فيها مجاميع من الناس وبوحشية لأجل إمرأة يعشقها بشذوذ يفوق الوصف .. أو آخر يمارس ذات الفعل الوحشي على خلفية عُقد دُونية لوثت شرايينه على مدى نموه البايولوجي .. والثالث يُسمم رأسه وأيامه فقر مُتقع فينقلب وحشاً كاسرا [ ليس المُعنى هنا هو السارق العادي الذي عاش في فقر فلجأ إلى السرقة والقتل أحياناً , إنما حالة تفوق تلك الحالة بمراحل ] .. والآخر .. والخامس والعاشر الخ .. والتي أعتقد أن الأدب العالمي والفن السابع مُفعم بها , ومنها ما أشاهده الآن :( في مسلسل OZ) :
مسلسل تلفزيوني , من أكثر المسلسلات التلفزيونية الأميركية شهرة في الأعوام الأخيرة .. و- OZ - هذا هو إسم أكبر سجن لمقترفي الجريمة في ولاية - نيويورك - والقتل هنا لأجل التسلية فقط .. ففي إحدى لقطات حلقة ما يستعرض شخص ما عملية قتل بشعة لعائلة مُكونة من ( أم وطفليها , أحدهما في عمر سنة ونصف , والآخر في طور الرضاعة !!) تخرج اللقطة بمُنتهى النشوة لهذا القاتل وهو يروي حكايته لسجينين آخرين , وبالذات حين قتل الطفلين عندما يغمض عينيه إنتشاءً أثناء سرده لعملية التنفيذ , إلى ذلك عندما يسأله أحدهما عن الدافع الذي دفعه لفعل ذلك : فيجيب بكل برود For fun !! ويتواصل شذوذه ليضيف أنه صورَ تلك العملية بشريط فيديوحتى يستمتع بها , الأمر الذي دعا حتى ذلكما السجينين الإصابة بالإغماء نتيجة هذا الفعل - رغم أنهما مُجرمين مُحترفين- , وهو ما حدا أحدهما لإبلاغ سلطات السجن عن تلك الجريمة البشعة [ لأن هذا القاتل في الواقع كان مسجونا على قضية أخرى وليس لسبب قتل تلك العائلة ] .. المهم, أن ما حدث له على أثر روايته لتلك الجريمة إنه قُتل في السجن ومن قبل جميع عصابات الإجرام بمن فيهم النازيين , أعني إتفقوا على قتله وفعلوا ذلك رغم إنه عُزل في سجن إنفرادي من قبل إدارة السجن بعد االتبليغ عنه !!
غير ان تلك الصورة رغم وحشيتها ورُعبها سوف تتألق كقبس أخلاقي على مذبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتوحيد وإقامة دولة الله والعروبية ذات الرسالات الخالدة !! .. [ عشرات إذا لم تكن مئات من العوائل : أطفال ونساء وشباب وشيوخ , تُقتل داخل منازلها في العراق بشكل سري ومُنظم , وعلى ذات الطريقة المُشار إليها في المسلسل التلفزيوني !! ] ووفق ذلك - بلوغ القتل حده المطلق - تسقط أو تهون مستوياته الأخرى .. إلى ذلك وضمن هذا السياق فإن صنف القتل الأكثر ضراوة ووحشية يغدو أكثر وقعا مخيفا لدى المحور الآخر , ليُعطى تأسيسا على ذلك مشروعية أكثر قوة ونُبلا !!
مع التنويه او التأكيد أن اللوث السايكولوجي لهكذا صنف من القتل أو مقترفيه - القتل الشرعي - لا يمكن أن يُنحى أو يسقط , فما يحدث أن ثمة عملية تمازج تتكون في هذا الموضع : القابلية القصوى لإقتراف هذا الفعل والمستندة دون ريب على جرب سايكولوجي , ومن ثم المفهوم العقيدي المُعتنَّق من قبل مُرتكبي هذا الجزر الدموي !
ثمة إشكالية ما في هذا المضمار , إشكالية المواءمة والتنافر وصراع القوى فيما بين تلك المجموعات , بمعنى أن الفعل الميكافيلي لتلك المجموعات لا يقتصر على ذرائعية القتل حسبْ , فسلوكياتها عموماً تتبنى أو تنطلق من ذلك المفهوم .. فالتقاطع العقيدي بين التكفيري السلفي أو القاعدي , أو- بنظرة أكثر شمولية - بين العقيدي الديني عموماً وبين البعثي العروبي ليس بحاجة إلى تطقيس أو تفرس في مدياته , وكبار رؤوسهم دوما تعلن وبوضوح عن ذلك , فلم يكن بمقدور الإسلام - وفق مُنظري البعث - أن يبلغ ذلك المدى التضاريسي الشاسع , من تخوم الصين إلى ثغور بلاد الإفرنجة من دون أمة ذات عُمق تاريخي عظيم , عُمق تاريخي عروبي ذات رسالة خالدة أعظم من رسالات السماء ذاتها !!.. النقيض التكفيري قد لا يكون على بينة - أو لعله على علم - بذلك الصُلب العروبي غير إنه ينطلق من التطعيم الذي زرق فيه البعث مفهومه ( الإشتراكية ) , وكل من يتمحور حول ذلك المصطلح فهو مُلحد دون أي مراء , وقرينة لذلك ما طفق به - إبن لادن - قبيل الحرب الأخيرة بخصوص النظام البعثي الحاكم في العراق وعقيدته الإشتراكية الإلحادية , لكنه سوف يدفع شراذمه للدفاع عن العراق بغض النظر عن إلحادية نظامه [ بالمناسبة جميع رجال الدين , وعلى صعيد كل المذاهب ومن بُعد في أقصى مديات الغباء يتطير عقلهم من تلك اللفظة كونها بديهة مُلحدة , وأذكر على سبيل المثال ( الأزهر ) حين حاول تشويه - أبي ذر الغفاري - بوصمه بالإشتراكي على أثر حدث تاريخي وهو محاولة - معاوية - لإحتواء أبي ذر الغفاري بضخ الذهب والأموال عليه , فقام هذا بتوزيعها على الناس وسط الأسواق والطرقات !!.. طبعا - الأزهر- إنطلق من منطلق طائفي في ذلك الوصم التشويهي ضد أبي ذر كونه صديقا لعلي بن أبي طالب , لذلك رد عليه أحد فقهاء ومؤرخي الشيعة المتأخرين ( محمد حسين الأميني النجفي في مؤلفه الضخم - الغدير - ) رد عليه ببعض الآيات القرآنية واحاديث السنة النبوية عن إكتناز الذهب والفضة وإن أبي ذر بسلوكه ذاك لم يكن بأي حال إشتراكيا مُلحداً ]
والواقع أن تلك الملحوظة أو المناسبة بقدر ما تلقي الضوء على التقاطع الصميمي بين العروبي البعثي والتكفيري السلفي لكنهما رغم ذلك يتحالفان على أساس نفعي , فإنها في ذات الأفق تظهر التماثل العقائدي بين ذلك التكفيري وبين العصابات بشقيها الصدري والحكيمي وبصرف النظر عن الإختلافات المذهبية , ومن هنا فإننا سوف نقاد أتوماتيكيا إلى جوهر شرعية القتل - موضوع البحث -
ولكي تنال تلك الشرعية إستحقاقها الملائم كونها صُلب هذي الموضوعة , فلا بد من الإيغال النسبي في مكوناتها أو خلفياتها وليس مجرد التسطيح , الإحتمال أن يمنحها ذلك أحقية الإعتراض أو الإحتجاج على مضامين هذا السرد , فهي في الواقع الموضوعي تمثل عالما جغرافيا واسعا يمتد من محيط الطاعون التكفيري العُروبي إلى خليج الزرنيخ الإصولي الروزخوني ؟
أمة العُرب العظيمة وما تحتمله من قدرات روحية خارقة هي نبراس البعث العروبي : أمة عملاقة بهذا المستوى لا بد من بعث القوة الأسطورية الكامنة فيها لتعانق السماء مثلما إحتوت الشمس في القرون السالفة , وبناءً عليه فالخنجر العروبي على شفا الرقاب المناهضة لهذا المفهوم لحزها بالقدسية المطلقة لتلك الأمة , كونها خلايا سرطانية في قلب النقاء العروبي !!.. إلى ذلك فإن الآخر الغير منضوي تحت لواء تلك - المناهضة - : الطفل , المرأة , الشيخ , الخ .. هذا الآخر - الذي يرقد في داره بعيدا عن مخاضات السلطة والمجد والخلود - هذا الآخر حين يُحز رأسه فإنه أساساً لا قيمة له قبالة عظمة الأمة , ومن ثم أنه طريدة أو قربان رُعب في واجهة عدو مدجج بكل سلاح الفتك والشراسة والحقد على الأمة , كل شي مُباح لبعث أمة السُحاق تلك .
وعلى شاكلة تلك القدسية العروبية تفد إلينا في أواخر الدهر التكنولوجي
التكفيرية الإسلاموية , وتلك التكفيرية السلفية الوهابية كانت ممقوتة حد ويل الله لأصناف أو فروع الإسلام المذهبي منذ بذرتها الأولى : الحنفي , الشافعي , المالكي , الخ من فتات تاريخ التفقه الإسلاموي .. لكنها - الوهابية - أضحت معبودة العمائم المذهبوية في أمة أو مذاهب السحاق في هذا الزمن المذهبوي الفاجر حين تقتل طفلا عراقيا وافدا إلى بيته أو مدرسته , أو إمرأة تجلب لرضيعها قوتا يُقويه على زمنه العاهر المذهبي الطائفي , أو شيخا على وشك الولوج إلى مملكة عزرائيل , أو شابا يحلم بإفق أرجواني وسط فداحة الظلمة والدم .. أو .. أو ...
لكن عظمة الإكتشاف لم تكن عقيمة المغزى , فثمة يقين لا بد قد تهادى إلى اللحى السرطانية , يقين يقول : أن لحاهم قد تمرغت في الوحل منذ سقوط دولة الأغوات أو الطرابيش العثمانية الإسلاموية , مع التذكير إن الطرابيش التركية أبان ذلك كانت قد مرغت تلك اللحى بفضلات المخلوقات وليس الوحل حسب , لكنهم - الطرابيش - بكل الأحوال يمثلون إمتدادا للدولة الإسلاموية , وهذا بالطبع يرضي الغرائز العمائمية على إختلاف مذهبياتها , ومن هنا فإن إعادة المجد الإسلاموي بالقتل الوحشي وكل الأساليب سوف يصير مُباحا بإطلاق , ليس على مستوى العراق حسبْ , إنما جميع بقاع العالم الإسلاموي , إنها الغايات النبيلة أو المقدسة البُعد, أو بلغة الكفار Holy Purposes - الغايات القدسية التي تنوي تشييد مملكة الله فوق ارض الله الموعودة والتي يسقط إزاءها أي سفح دموي , ومن هنا فليس ثمة فرق بين طفل عراقي يُقتل أو حارس مصري يعمل في شرم الشيخ لأجل أن يلقم أطفاله رغيفا , أو قرىً جزائرية تستباح قطعا للعناق وتمثيلا جسديا وحشيا .. وفي هكذا سقوط للكيان الكوني برمته سوف لن يتوجه المرء بالحشرجة لتلك الفايروسات البربرية على إباحينها الدموية التي لا تحدها الآفاق , إنما على إلهها الذي أنزل آياته لتكون ذخيرة روحانية لتلك الشذوذ السرطانية , وسوف نواصل التمرد على موروثنا المقدس في هذا الموضع ونتساءل بجدية: أن أولئك الذين يسلخون الجلد البشري على ذلك النحو الخنزيري السافج , هل يتشربون تعاليمهم من العدم , أم أنهم بالفعل قد وجدوا لهم رصيدا كتابيا سمائيا يحتكمون إليه !!؟
وهذا السياق سوف يقودنا كذلك إلى مملكة أو سلطنة وربما إثنين أخريين من سلطنات الله ( سلطنتي الحكيم والصدر ) .. الجزر الصدري لسنا بحاجة لإثباته فلقد فضحته محكمته الشرعية وعصاباته الممتدة على طول محافظات الجنوب والفرات الأوسط ... والحكيم وعصابته التي لم تزل جرائمها في مخيلتي ممتدة من مخيم - سفوان - إلى مخيم - رفحاء - فلقد قتلوا ودفنوا الكثيرين وُفق اهوائهم لخلق مملكة الرب , وكاتب هذي السطور كان سيضحي أحد قرابينهم حين هددوه بالدفن حيا.. في الأفق الآخر أنه حين يجزر أحدها الآخر دمويا , لا ضير - صراع قوى سلطوي - , المهم أن الإثنين يطمحون إلى ذات الطموح , لكن في وضع كهذا [ تكفيريون , صدريون , حكيميون ] لابد أن تتكون مفارقة أو إشكالية من نوع ما , لكن تلك الإشكالية ليس لنا , لكن لإلههم الذي يطمحون في سفكهم الدموي هذا - سواء كان ذلك السفك للآخر أو فيما بينهم لأجل التبؤ السلطوي - لإرضاء أو تنفيذ تعاليمه حرفيا حتى يلجهم الفردوس .. إشكالية تقول : ياترى من ذلك الذي سوف يكون المُستحق أو المؤهل للفردوس ومُتعه الأبدية , والآخر المارق الذي يتوجب أن يلج جحيم القهر والضيم المُخلد ؟؟؟
#عادل_الخياط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟