|
الرئيس - المعارض - ضد الحزب - الحاكم - !
صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 1337 - 2005 / 10 / 4 - 11:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في أنظمة الحزب الواحد الشمولية يفصّل الحكم عادة على مقاس الفرد الواحد الذي يعود اليه القرار ويمسك بمفاصل أدوات السلطة وأجهزتها وفي المقدمة مؤسستا الجيش والأمن والموارد المالية بالاضافة الى التحكم بمفاتيح السلطة التنفيذية والتشريعية – ان وجدت – والتدخل بشؤون القضاء كلما دعت الحاجة وحرمانه من استقلاليته النسبية المفترضة . وقد أظهرت تجارب حزب البعث خلال حكمه الطويل في كل من سورية والعراق تعاظما غير معهود في دور الفرد المهيمن على كل شيء عمليا وتغطيته المدروسة باتقان اعلاميا وشكليا باسم وشعارات وطقوس حزب البعث , وقد تجاوز ذلك الدور من حيث الصلاحيات وسلطة القرار وهيبة السلطة أدوار الأباطرة والملوك والأمراء في البلدان التي تقودها أنظمة غير جمهورية الى درجة مزاحمتها في طريقة انتقال السلطة بالوراثة على حساب انتهاك الدستور وتجييره حسب المقاس المطلوب للرئيس – الجملكي – المهيب . يؤكد لنا التاريخ السياسي الحديث لأنظمة الحكم في العالم أن العديد من الملوك قد تنازلوا عن سلطاتهم الممنوحة لهم حسب الشرعية الدستورية لبلدانهم عندما واجهت شعوبهم في ظروف معينة تبعات الانتفاضات الشعبية وتحديات الحروب الأهلية ومخاطر الانقسام وانسحبوا من – اللعبة السياسية – رضوخا لمتطلبات الحقائق الجديدة ودون التفكيربالقيام بمغامرات وردود أفعال تؤدي لا محالة الى ارهاق الدماء وازهاق الأرواح بل وغادروا أوطانهم دون ضجيج وتحولوا الى لاجئين سياسيين مثل غيرهم في بلدان الهجرة والاغتراب أو مكثوا في أماكنهم صامتين , حتى أن البعض منهم أعيد الى الحكم بعد عقود بارادة شعبية غالبة واستقبل هؤلاء كأبطال قوميين حريصين على مصالح شعوبهم ومضحّين من أجل سعادتها , في المقابل ضرب الدكتاتور صدام حسين مثالا آخر مختلفا بعدم تخليه عن السلطة حتى أحرق الأخضر واليابس على رؤوس العراقيين وحول البلاد خرابا وقد أثبت هو بنفسه كأمين لحزب البعث وقائده الأوحد الذي قاد الانقلابات باسمه وحكم أيضا باسمه وتغنى بشعاراته ليل نهار بأن الحزب مجرد غطاء لايؤمن له جانب عندما رفض بشكل قاطع احدى السيناريوهات المتداولة غير البريئة قبل وبداية الحرب والتي نالت رضى اقليميا من جانب الأنظمة القلقة على المستقبل والمصير القاضية بتنحيته والاتيان ببديل من احد رفاقه في قيادته القطرية . في سورية ومنذ بدايات سلطة البعث وفي حالات عديدة متكررة يظهر – بؤس – هذالحزب ورضوخه لمشيئة الفرد فمن المعروف عن الرئيس الراحل حافظ الأسد ومجموعته استخدام الحزب مطيّة لتحقيق طموحاتهم وطريقا للعبور نحو اغتصاب السلطة بواسطة عساكره ثم الانقلاب عليه بالطريقة ذاتها والقضاء على أعمدته واذلال رموزه ومؤسسيه لأعادة التمركز والتحكم من جديد وباسمه أيضا وأيضا ولكن حسب مقاس الفرد الدكتاتور وفي خدمة أهوائه والنتيجة كانت واحدة وتتلخص في أن الرئيس هو المنقذ والحزب هو الكبش المفدى والأول غال ونفيس والثاني رخيص وفي كل مرة بعد أن تغيب وجوه تظهر أخرى محلها لأن القضية وببساطة لا تتوقف على المواقف المبدئية بل تتعلق بالمصالح الفردية والفئوية الضعيفة أمام اغراءات السلطة والتسلط القادرة في معظم الأحيان على النيل من صمود وطهارة من كانوا مناضلين من أجل الديموقراطية والتقدم بل ودفعهم نحو قمع الشعب واقتراف الجرائم بحقه والتجرد من كل القيم الانسانية النبيلة وقد نلحظ هذالمشهد في تجربة حكم البعث عامة وخاصة في الحالة العراقية المتميزة بالعنف واراقة الدماء والتشارك الجماعي في اطلاق النار على الخصوم وعمليات الابادة ذات الطابع العنصري . لقد أثمرت تراكمات ثلاثة عقود ونيف بعد الحركتين الانقلابيتين العسكريتين باسم حزب البعث في كل من العراق وسورية عن معادلة لها –خصوصية بعثية - تنتظم في ظلها قوانين وأسس الحياة السياسية الجارية في شرايين نظامي البلدين والمستندة بعد مخاضات ومواجهات دامية على منظومة سياسية أمنية يشكل الفرد محركها الأول والأخير ومبرر وجودها واستمراريتها ومهندس اعادة تشكيل ذاتها بين مرحلة وأخرى كشرط لديمومتها , يستند رأس المنظومة فعليا ودون الافصاح عنه على رجليه – الجيش والأمن – وفي السلطة التنفيذية والادارة وخدمات المنظومة والدعاية القومية على اسم حزب البعث حيث يتم توزيع المغانم بصورة أوتوماتيكية على الجميع وفي المجال الاجتماعي لا بد للمنظومة من قاعدة اجتماعية – اقتصادية تعتمد عليها وتتفاعل معها لأن القاعدة البعثية تفتقر الى المصداقية ومحدودة التأثير في الحياة الاجتماعية على المستوى الوطني خاصة وأن مصالح البورجوازية والأوساط الرأسمالية المستغلة لم تعد تتعارض منذ وقت طويل مع نظام البعث البورجوازي من حيث المنبت والآيديولوجيا وفي وقت ظهرت فيه طغمة رأسمالية طفيلية جديدة من ورثة وأبناء الرعيل البعثي الذي سيطر على مقاليد الحكم منذ بداية ستينات القرن الماضي وقبضت على مفاصل هامة من هيكل الاقتصاد الوطني ومدت يد الشراكة نحو الرأسمالية التقليدية باتجاه الوصول الى نوع من عقد توزيع الثروات ومشاركة غير رسمية في السلطة والحكم , قد يكون هذالتعدد في أعمدة المنظومة الأمنية الحاكمة التي تتكىء عليها نقطة لمصلحة توسع هامش مناورة الرئيس وعدم البقاء الى ما لانهاية أسير – حماية – الحزب الذي يرى في نفسه الحاكم والقائد وصاحب الرسالة الخالدة فهل سينحو الخلف باتجاه درب التمّيز عن الحزب – الهرم المتفسخ – كما فعل السلف ؟ وهل باستطاعة الرئيس الشاب كبح جماح حزبه واعادة تفصيل سرجه على المقاس المطلوب كما فعل الوالد الراحل ؟ أم أنه بصدد التخلص نهائيا من هذا العبىء الثقيل بالتحول الى رئيس – معارض – للحزب – الحاكم - ! وأين سيقف الجيش والأمن عماد المنظومة الحاكمة ؟ وما هو موقع الطبقة الرأسمالية الشريكة في هذه المعركة ؟ ثم ماذا عن موقف المعارضة الوطنية الديموقراطية من مجمل فصول اللعبة ؟ يقينا ومنذ التدخل السوري العسكري والأمني والتجاري- المافيوي في شؤون لبنان الداخلية والتحالف مع النظام الايراني والتعامل الانتهازي مع القضية الفلسطينية وتحديدا بعد تواطىء النظام في جريمة اغتيال الرئيس الحريري والتورط في دعم الارهاب في العراق انتقل الوضع الداخلي السوري بما هي معركة الشعب من أجل دحر الدكتاتورية وتحقيق التغيير الديموقراطي السلمي الى مسألة سورية بأبعاد اقليمية ودولية وبات من الصعوبة بمكان فصل العملية السياسية في الداخل عن المسار الدولي باتجاه ادانة النظام عبرالقنوات الشرعية وممارسة الضغوط عليه للرضوخ لارادة المجتمع الدولي ودفع ثمن جرائمه بحق الشعب السوري وشعبي لبنان والعراق ولم يعد يجدي نفعا – مزايدات – البعض باسم المعارضة حول مسألة التدخل الخارجي كما لم تعد – شماعة – الاتهامات من جانب دوائر السلطة بارتباط هذه الجهة الوطنية أو تلك بالخارج تخيف أو تقنع أحدا . لا أعتقد أن هناك من عاقل يمكن أن تنطلي عليه ألاعيب المنظومة الأمنية الحاكمة خاصة في الآونة الأخيرة والمتجسدة في استجابة أطراف اقليمية و- محلية – لأحدى الخيارات المطروحة من جانب – رجال – الرئيس تقضي بالابقاء عليه مقابل تنفيذ شروط الأطراف الأخرى حتى لو كانت على حساب السيادة والمبادىء والاستعداد في التضحية بالجميع لقاء صحة وسلامة ودوام الرئيس وهكذا نرى أن تجربة النظام العراقي ودكتاتوره تعاد ولو بطريقة أخرى والأهم لأنظمة المنطقة كما أثبتت بالأمس القريب تجاه العراقيين ليس مصير الشعب السوري ومستقبله الديموقراطي بل قطع الطريق على موجة التغيير والاصلاح والحفاظ على الوضع القائم الى ما لا نهاية لضمان مصالح انظمة الاستبداد الحاكمة في الشرق الأوسط ووأد العملية الديموقراطية التي بدأت تتعاظم في العراق ولبنان واذا كان بديلها المناسب في الحالة العراقية لوقف التدهور أي – التغيير – حزب البعث على حساب الرئيس فان الآية تصبح معكوسة في محاولة الحفاظ على الوضع القائم في سورية بتفضيل الرئيس على الحزب والسبب في ذلك حسب نظر الأطراف المعنية هو نوع من تصحيح الرؤية السابقة والتسليم بأن خيار الرئيس أكثر واقعية فهوعلى الأقل موجود ومنصاع أما الحزب ففي عالم الغيب .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالتي الى الملتقى الوطني السوري - باريس 1 -
-
مداخلة في مهرجان تكريم الشاعر قدري جان
-
انفصالية المركز ... ووحدوية الأطراف ... العراق نموذجا 3
-
انفصالية المركز ... ووحدوية الأطراف ... العراق نموذجا - 2
-
نداء الى الجميع حول مؤتمر باريس نعم للقاء نعم للحوار
-
انفصالية المركز ... ووحدوية الأطراف العراق نموذجا ...
-
وأخيرا شرب المستوطنون من بحر - غزّة -
-
- طلاق فوري أو زواج كاثوليكي -
-
عودة الى- ثلاثيّ- زمن الردة
-
ماذا يجري في كردستان ايران ؟
-
في ذكراه السنوية الاربعين ماذا عن صرخة كونفرانس آب المدوية أ
...
-
كيف السبيل لمواجهة ارهاب جماعات - الاسلام السياسي - في كردست
...
-
موقع الارهاب في خارطة الصراع ( 2 ) الارهاب كرديا : - شيخ زان
...
-
موقع الارهاب في خارطة الصراع-1
-
رسالة مفتوحة الى - نخبة المجددين الكرد السوريين -
-
قراة في مقال ( نبذةتعريف ) - للمجلس الوطني للحقيقة والعدالة
...
-
جورج حاوي ذلك القائد الطليعي المتواضع
-
رئاسة اقليم كردستان العراق ( 3 ) ردود فعل واصداء
-
رئاسة اقليم كردستان العراق ( 2 ) خطاب القسم او البرنامج السي
...
-
رئاسة اقليم كردستان العراق ( 1 ) خصوصية مميزة وشرعية كاملة
المزيد.....
-
سوريا تطالب بانسحاب إسرائيل من مناطق سيطرت عليها بعد سقوط بش
...
-
الخارجية السلوفاكية تستدعي السفير الأوكراني وتسلمه -احتجاجا
...
-
لقاء مرتقب بين مبعوث ترامب ونتنياهو والجيش الإسرائيلي يسقط م
...
-
بسبب اكتظاظ السجون.. السويد تدرس ترحيل المدانين لقضاء عقوبات
...
-
السيسي ردا على ترامب: -لا يمكن أن نشارك- في تهجير الفلسطينيي
...
-
السويد تدرس إمكانية استئجار -سجون- في دول أخرى!
-
كانت في طريقها من دبي لموسكو.. طائرة -بوبيدا- الروسية ترسل إ
...
-
تقرير عبري يثير تساؤلات حول غياب سلاح الجو خلال الساعات الأو
...
-
أنباء عن مقتل ثمانية من أبرز قادة الدعم السريع في السودان
-
نائب روسي: الضغط على موسكو بخصوص أوكرانيا أسطورة من تأليف زي
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|