خالد حسن يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4823 - 2015 / 5 / 31 - 15:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الإشتراك في المجموعة البريدية اشترك فى الخلاصات الإخبارية
في الأسبوع الماضي وصل العشرات النازحين والاجئين - صوماليين ويمنيين - على ظهر إحدى السفن إلى ميناء بربرة في شمال غربي الصومال, فارين من أحداث الحرب الدائرة في اليمن, ومع وصول السفينة إلى المرفئ تم فرز ضحايا الحرب على الهوية القومية صوماليين ويمنيين وعلى الجهوية شماليين وجنوبيين(صوماليين).بصورة مباشرة تم استيعاب الصوماليين الشماليين واليمنيين من قبل سلطات إدارة أرض الصومال(الإنفصالية), حيث تم إنزالهم من السفينة وذلك بعد التأكد من هويتهم الاجتماعية, وتم إستثناء الصوماليين الجنوبيين من النزول من السفينة وإبقائهم على ظهر السفينة انطلاقا من تبرير أنهم مواطنيين لدولة أخرى وهي الصومال.
أحتج الاجئين الصوماليين العادين من اليمن والذين يمثل عودتهم إلى وطنهم حالة نزوح من هذا البلد, على الموقف الرسمي والذي يمثل بموقف اجتماعي جهوي قبل أن يكون موقف رسمي, فارتفع احتجاج العائدين وأعتراضهم على أن تنتهي قضيتهم كخلفية لصراع مع الحكومة الصومالية الاتحادية في مقديشو, وتذمرت عدد من النساء الصوماليات مؤكدات عدم إنسانية أن يتم التمييز بين الصوماليين وفقا لجغرافية الجهوية وأن الأرض التي يرغبون في النزول إليها تمثل وطنهم, وبلغ بهم الاسثياء أن كررن أنه في حال عدم التعامل معهم من منظور إنساني فإنهن سوف يرمون ذاتهم مع أطفالهم إلى عرض البحر, وأنتهى الموقف إلى صدام بين مدير الميناء والمحافظ واللذان كان لكل منهم موقفه من القضية, حيث أكد الأول على تمسكه بعدم استقبال هؤلاء النازحين لاسيما وأن هناك تعليمات من قبل وزير داخلية الإدارة الانفصالية تقضي بوجود موافقة مسبقة لاستقبال نازحين صوماليين منحدرين من جنوب الصومال, ترى من أي جهة؟ وهو ما دفع المحافظ إلى التواصل مع إدارة هرجيسا مؤكدا على ضرورة إنزال النازحين من السفينة انطلاقا من مبررات إنسانية, أنتهى الأمر بعد ذلك بوصول تعليمات مباشرة من هرجيسا وقضت بعدم اعتراض النازحين, فتم إنزالهم من السفينة بعد أن أشتدت بهم المعاناة.
البعد السياسي والتعامل مع النازحين
على خلفية الخلاف السياسي ما بين الحكومة الصومالية والإدارة الانفصالية(أرض الصومال) تم منع استقبال النازحين الصوماليين عند وصولهم إلى مرفئ بربرة, فالحكومة نظرا لكونها تمثل سياسيا الجهة السيادية المسؤولة على الجغرافيا السياسية لجمهورية الصومال الاتحادية, كانت صرحت إعلاميا بضرورة استقبال النازحين الصوماليين, وهو ما تراه إدارة الانفصال في هرجيسا أنه يمثل بتدخل سياسي على صلاحيتها, فأرادت ايصال رسالة سياسية للحكومة الصومالية من منظور عدم التدخل في شؤونها الداخلية كجهة سياسية ترى ذاتها كدولة مستقلة عن الصومال.
وتشير المؤشرات أن المسألة أبعد من المناكفة السياسية بين الإدارة والحكومة, إذ ترغب إدارة الانفصال في ايصال رسالة إلى المنظمات الدولية والتي يؤكد أدائها تجاه تداعيات الأزمة اليمنية بالأداء المتواضع والغير مسؤول, حيث أن دعمها للمتضررين من الحرب في اليمن ليست بالمستوى المطلوب إغاثياً, وبتالي أرادت إدارة هرجيسا في إيجاد تفاعل كبير من قبل هذه المنظمات, خاصة وأن الإدارة تدرك أن الصراع في اليمن سيستمر لفترة وسيسفر إلى قدوم الكثير من الصوماليين واليمنيين إلى مرفئ بربرة خلال القادم المنظور, ومن ثم محاولة دفع الأمم المتحدة للقيام بواجباتها الإنسانية تجاه ضحايا الصراع, وعدم رغبة إدارة هرجيسا في أن لا تجد ذاتها مستقبلا أمام استحقاقات إنسانية لا تستطيع القيام بها, على أن يتم الإعداد إلى برنامج إغاثي في نطاق الجغرافيا السياسية التي تسيطر عليها إدارة الانفصال, وأن يكون على غرار الدعم الحالي لجمهورية جيبوتي في استقبالها للاجئين اليمنيين والصوماليين القادمين إليها من اليمن, والذي أصبحت الحكومة الصومالية بطرف فيه, ورسالة إدارة هرجيسا تقول أين حصتنا من كعكة الاجئين والنازحين, على غرار حكومتي جيبوتي ومقديشو, في حين أن كلاى الحكومتين لن تنالا دعم مالي واقتصادي مباشر من قضية هؤلاء المتضررين, رغم أن الإدارة كانت في ما مضى قد استقبلت عدد من النازحين والاجئين اليمنيين في مرفئ بربرة بصورة سلسة.
موقف الحكومة الصومالية من العائدين
كلفت حكومة مقديشو لجنة وطنية صومالية في الإشراف على مساعدة الصوماليين في اليمن أكانوا لاجئين أو مقيميين في اليمن, وكلف الشيخ نور بارود جورحن, كرئيس لهذه اللجنة والتي كانت قد أجتمعت مع الرئيس الصومالي حسن الشيخ محمود عولسو, وتواصلت اللجنة مع العديد من الجهات المحلية الصومالية, وبدورها لعبت ولا زالت تلعب السفارة الصومالية وقنصليتها في اليمن بجهود إنسانية بارزة لأجل إغاثة الصوماليين في هذا البلد, وتواصلت السفارة مع المنظمة الدولية وجهات إغاثية يمنية ساهمت في نقل عدة الآلاف من الصوماليين إلى مرفئ المكلا في اليمن, كما أن الحكومة الصومالية وسفارتها في اليمن لم يميزا على خلفية جهوية في اطار تعاملهم مع ملف النازحين الصوماليين وذلك مقارنة مع موقف إدارة الانفصال.
موقف إدارة أرض البونت من العائدين
حشدت إدارة جاروي سياسيا,اجتماعيا وإعلاميا لاستقبال العائدين من اليمن والمواطنيين اليمنيين وتم دعمهم من قبل مؤسسات تجارية واجتماعية وممثلي قبائل صومالية في المنطقة, فتم تقديم ما أمكن من المساعدات الإنسانية والتي أتسمت بروح الترحيب, وفي هذا الصدد تعاون محافظ محافظة الشرقية هناك لتنسيق مع ائتلاف الخير في مدينة المكلا وأشرفت جمعية الأسرة السعيدة على تنفيذ نقل عدة الآلاف من الصوماليين إلى مرفئ بوصاصو, وتواصل محافظ الشرقية مع الجهات ذات العلاقة في مدينة المكلا, لعب دوره في موقف إدارة هرجيسا من العائدين الصوماليين, والتي ترى في ضرورة حضورها السياسي لما له صلة بملف العائدين من اليمن مع الجهات الخارجية ذات العلاقة (رسالة نحن أيضا هنا), ونظرا لكون إدارة جاروي بدورها غير قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من العائدين, فقد تم نقلهم نحو جنوب الصومال ومقديشو, فتم نقل الكثير من اولئك إلى مدينة جالكعيو ومن ثم تم نقلهم بالطيران إلى مدينة مقديشو, وضمن هؤلاء بعض العائلات اليمنية.
رد الفعل الشعبي من موقف إدارة الانفصال
فور منع العائدين الصوماليين والذين تعاملت معهم إدارة هرجيسا بصورة غير إنسانية, أرتفعت صرخات الكثير من الصوماليين على مستوى العالم, وأصبحت الواقعة بحديث الرأي العام الصومالي على المستوى الشعبي,المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي, وأنقسمت الرؤى ما بين تيار صومالي واسع ندد بالموقف المشؤوم, وتيار آخر انفصالي يدافع ما بين تهور وخجل عن موقف إدارته ومحاولا إيجاد التبريرات لموقفها, والعمل على محاولة استحضاره لتاريخ الصراع السياسي السابق ما بين الحكومة الصومالية المركزية السابقة والحركة الوطنية الصومالية(الاسحاقية), فيما سبق عام 1991.
وفي هذا السياق تعاطف العديد من الصوماليين والمثقفين مع الموقف الغير إنساني لإدارة الانفصال تجاه العائدين والمتضررين من الصراع في اليمن, ورددوا أن ما حل بالصوماليين الاسحاقيين في عام 1988 بمدن هرجيسا وبرعو تحديدا, جاء وراء موقف إدارة هرجيسا ومؤيدييها.وفي الاتجاه ذاته ردد صوماليين غير اسحاقيين على عدم تسييس الموقف والنيل من إدارة هرجيسا, في حين أن دعوتهم لعدم التسيس تمثل حاجة إنسانية ملحة, إلى أن هؤلاء يغيب عنهم أن الاشكالية لن تقف عند واقعة سوء التعامل مع الصوماليين العائدين من اليمن والمنحدرين من جنوب الصومال, بقدر ما أن مثل هذا الموقف وغيره من المواقف المشابهة سيظل قائما ومتكرر في ظل وجود مشروع الانفصال.
الواقع والرؤية السياسية
فطالما هناك موقف سياسي انفصالي وغير قابل للمشاركة في تسوية سياسية منصفة مع الحكومة الصومالية الاتحادية, فإن الصراع الجهوي القبلي(الاسحاقي), سيظل قائما مع الصوماليين على امتداد جمهورية الصومال الاتحادية, وتبرير موقف إدارة الانفصال مع النازحين الصوماليين على خلفية تداعيات الحرب في شمال الصومال عام 1988, يمثل بحجة واهية للغاية أكان على الصعيد الإنساني أو السياسي, وشمال الصومال مرت عليه سلسلة مأسي إنسانية لا زالت قائمة حتى الحاضر فيما بعد انهيار الدولة الصومالية عام 1991 ولا يقف الكثير من الصوماليين عندها, حيث وقفت الحركة الوطنية الصومالية(الاسحاقية) وإدارتها الانفصالية, وراء هذا الإرث من المأسي والمتمثل بالحروب على رافضي الانفصال وتهجيرهم من أراضيهم في شمال الصومال وغير ذلك من ممارسات التي لا زالت ماثلة, وهو ما يفنذ بعقم تبرير سياسة إدارة الانفصال تجاه الشعب الصومالي عموما, ناهيك عن استحضار الماضي - وما قامت به الحكومة المركزية السابقة ضد المكون الاسحاقي- , كما أن ذلك لن يحقق مستقبلا لمناصري الإدارة على خلفية قبلية, فلا يمكن منطقا اسقاط هذا الإرث على الشعب الصومالي والذي تضرر بكل الأشكال من تلك الحكومة المركزية.لدى ليس من الفطرة الإنسانية تحميل مسؤولية ما أرتكبه نظام سياسي للمواطنيين الصوماليين, وفي ظل وجود قنوات سياسية أكثر جدوى لحل الخلاف السياسي القائم ما بين الحكومة الصومالية الاتحادية وإدارة الانفصال.
#خالد_حسن_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟