|
فيلم عيّوش بين جرأة الفكرة ووقاحة الطرح
لحسن أمقران
الحوار المتمدن-العدد: 4821 - 2015 / 5 / 29 - 23:56
المحور:
ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس
أثار فيلم "الزين اللّي فيك" لمخرجه "نبيل عيوش" ضجة إعلامية كبرى وصخبا في النقاش العمومي المغربي. صخب تراوح بين التنويه بالجرأة التي طرح بها الفيلم موضوع الدعارة في ارتباطها بالسياحة الجنسية، والتنديد بالوقاحة التي وسمت المشاهد وبالبذاءة التي ميّزت لغة الفيلم. لقد أبى صاحب الفيلم إلا أن يحطم كل الحواجز الثقافية وامتداداتها النفسية في تناوله لموضوع يعتبر واحدا من الطابوهات المجتمعية لدى المغاربة، وهو ما يدل على استعداد من "نبيل عيوش" على كل هذه الانتقادات والقراءات. بداية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ندعّي امتلاكنا لثقافة النقد السينمائي، إلا أن ذلك لن يمنعنا من التفاعل مع هذا النقاش الذي أعقب عرض الفيلم، لا نجد بدّا من التنويه بفكرة طرح الظاهرة التي كانت موضوع الفيلم، فطالما كانت الدعارة والسياحة بالمغرب وجهين لعملة واحدة في نظر الكثير من المتتبعين والمهتمين داخليا وخصوصا خارجيا، وهو ما لا ننتبه إليه إلا في مناسبات موسمية نمتعض فيها من "اتهامات" المصريين - رغم انتشار زواج المتعة بالقاصرات عندهم من طرف الخليجيين - وعرب الشرق الأوسط – رغم تعدد أشكال الزواج الفاسد عندهم -، اتهامهم لنا بالدعارة والسحر. من جهة أولى، لقد كان القاموس الموظّف في الفيلم قاموسا عنيفا من الناحية السوسيو- ثقافية، خصوصا أنه آثر المكشوف والمباشر على المرموز، دون أية مراعاة لحميمية اللغة (Intimité de la langue)، وهو ما جعل الكثيرين ينتفضون ضده -وإن لم يشاهدوه بعد - لكونه تطاول على القيم المحافظة - ظاهريا على الأقل - للمجتمع المغربي بغير قليل من الجرأة، فصناعة التغيير في القيم الثقافية للمجتمع، بغض النظر عن طبيعة هذا التغيير، تحتاج إلى التدرّج والنفس الطويل، ويظل حرق المراحل في هذه الحال مغامرة غير محسوبة العواقب. من جهة ثانية، من يظن أن الفيلم هو من سيطلعنا على الواقع المرّ بظواهره المرضية فهو واهم، فالمغاربة أو لنقل جلّ المغاربة يدركون جيدا حجم الظواهر الاجتماعية المرضية، ويعون خطورتها على الاستقرار الاجتماعي والنفسي لهم ولأبنائهم، إلا أنهم لا يمتلكون من الآليات ما يمكّنهم من الدفع نحن تصحيح الأوضاع. صحيح أن الفيلم عكس للمشاهد ما يجري وراء الستار، لكن صورة الجسد الفاضحة الصادمة – لمن ألف رؤية الأجساد المدّثرة - وتوظيف كلام "خادش" - لمن لا يوظفه - ينهل من الواقع المغربي - كونه متداولا في الشارع ومحطات النقل والمواخير والأسواق في المدن والقرى - ستجعل المواطن ينتقده بطريقة أو بأخرى حسب قناعاته، وخلفياته، وتجربته، وفهمه، ونفاقه الاجتماعي، ورؤيته النقدية للفن، وولاءاته، واستقلالية فكره، و... جميل أن يكون سينمائيونا جريئين يخوضون في اللامخوض واللامفكّر فيه، فهو ما سيتيح لنا كمجتمع مكلوم فرصة التناول والتداول في مجموعة من الظواهر التي يريدنا البعض أن نجهلها أو نتجاهلها، لكن الطرح الذكي الذي يراعي حساسية الخصوصيات، وتحجّر العقليات في تناول مثل هذه الظواهر خيار لا محيد عنه، فيظل بذلك مبدأ التدرّج وتوظيف المرموز أمرا محبذا. إن السينما المغربية في حاجة إلى الجرأة في الطرح، لكن ليس فقط في دائرة ضيقة تلعب على الإثارة في مواضيع تتمحور حول الجنس بشكل مباشر أو غير مباشر. لسنا أبدا ضد فكرة طرح موضوع الدعارة في السينما، لكننا نستحب الغوص في جذور الظاهرة في ارتباطها بالفقر والتشتت الأسري، وظاهرتي الاغتصاب وزواج القاصرات، في تناول يهتم لطرح البدائل التي من شأنها تصحيح الوضع، بدل السلبية والضبابية اللتين تشوشان على المشاهد. جميل كذلك أن نتناول موضوع السياحة المغرب للتنبيه إلى أشكال البضعنة والامتهان التي تطال أبناءنا وبناتنا باسم السياحة، ولفت الانتباه إلى ما يدفع بعض الشواذ ممن يعانون كل أنواع العقد إلى القدوم إلى وطننا حاملين الدولار واليورو لاستغلال الفقر والجهل كي يعبثوا بكرامتنا وشرفنا، كل ذلك لتتحمل الدولة مسؤولياتها في حماية مواطنيها من هذه الوحوش الآدمية المكبوتة. ما أحوجنا إلى سينما تطرح المواضيع السياسية والاجتماعية والثقافية والحقوقية بغير قليل من الجرأة، من قبيل الامتيازات التي تهم فئات مجتمعية معيّنة، وتوريث المناصب السياسية، ومراكمة الثروات الضخمة، وتداعيات الفقر المدقع، ومخاطر الجريمة المنظمة، وأسباب التهميش الممنهج، ومضاعفات الرشوة المستشرية وويلات حقوق الإنسان المهضومة. كم هو جميل أن تطرح السينما في قالبها الفني موضوع العدالة في كل تجلياتها الاقتصادية والمجالية واللغوية والثقافية. لقد كان الفيلم في الحقيقة مناسبة سانحة لملامسة جوهر الظاهرة بطرح أكثر عمقا ومسؤولية، فالتهور الذي يطبّع ويميّع تحت ذريعة الحداثة المغلوطة، والاندفاعية التي تتنكر وتتجاهل باسم الطهرانية الظاهرية، لم يعودا ينفعان في مقاربة الظاهرة، وحريّ بمسؤولينا فتح نقاش عمومي هادئ حول هذه الظاهرة وكل الظواهر المرضية بشكل ينصف المواطن المغربي الذي تداس كرامته في الواقع قبل السينما، بدل اللجوء إلى الوقفات "الفلكلورية" التي تجيش السذج والبسطاء، أو سن سياسة المنع والحظر اللذين لم يعودا يعنيان شيئا في زمن الأنترنيت.
#لحسن_أمقران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحو تنزيل شعبي لرسمية الأمازيغية(*)
-
اتحاد -تامازغا- ولسنا نحلم...
-
متى يبادر الأمازيغ؟؟؟
-
من أجل نضال أمازيغي استراتيجي
-
العمل الأمازيغي لماذا يضعف الوقع؟؟؟.
-
ردا على تحامل -ويحمان- على المزوغة
-
ماذا حققت الأمازيغية بإيجابيتكم أستاذ بوكوس؟؟
-
المجلس الأعلى للتعليم واللغة الأمازيغية: الإمتحان العسير
-
مغربنا الكبير الذي يعرّبه الإعلام...
-
في عيدك الأممي …عفوا أيّتها المرأة
-
من -خلّصنا- من المستعمر الغاشم؟؟
-
تاباعمرانت: البرج العالي الذي يرميه الصغار بالحجارة
-
النسب الشريف...عودة على بدء
-
قانون -ألقاب التمييز- و-الأسماء الأمازيغية- أو عندما تغيّب ا
...
-
الأمازيغ والكورد... معا من أجل التحرر
-
حزب الميزان وتخليد السنة الأمازيغية
-
الأماكنية المغربية أو الهوية الأمازيغية التي لا تبلى
-
إلى رئيس الحكومة المغربية...سنة أمازيغية سعيدة
-
إلى مجنون الأمازيغ
-
الأمازيغية أسمى من الحياة الشخصية للأفراد ...
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
الروبوت في الانتاج الراسمالي وفي الانتاج الاشتراكي
/ حسقيل قوجمان
-
ظاهرة البغاء بين الدينية والعلمانية
/ صالح الطائي
المزيد.....
|