|
رجال الدين والمسؤولية عن تدمير معالم الحضارة الانسانية
كاظم الحناوي
الحوار المتمدن-العدد: 4820 - 2015 / 5 / 28 - 17:15
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
لعل ماحل من تدمير وويلات وحروب على العراق خلال الاربعين سنة الماضية وما حل من تدمير لاثار بابل من قبل رئيس النظام السابق حيث اراد اعادة بنائها تحت شعار (من بوخذ نصر الى صدام حسين بابل تنهض من جديد) مما دفع الامم المتحدة الى رفعها من قائمة الاثار العالمية بسبب عملية التخريب تلك وما يحل الان في نينوى وتدمر بيد نفس الاشخاص وبشعارات جديدة يدفعنا الى التساؤل لماذا لم تأخذ الحفريات والاثار جانبا من هموم المفسرين وماهي مسؤولية رجال الدين عن تدمير هذا الاثر العالمي الانساني في بابل ونينوى وتدمر؟... كان الاشوريون شعبا ساميا استوطن الشمال الغربي من أرض الرافدين الجبلية، بعد خروجه من الجزيرة العربية في الألف الثالث قبل الميلاد وفي أوائل الألف الثاني قبل الميلاد استولوا على شمال أرض الرافدين وأنشأوا دولة لم تلبث، في أوائل القرن الخامس عشر حتى استولت على المنطقة بأسرها وقضت على الدولة البابلية. ثم شمل سلطان الاشوريين ميديا – في غرب إيران الحالية وأرض الرافدين وشمال بلاد الشام إلى البحر المتوسط. وهذا يسر لها أن تسيطر على طرق التجارة التي تصل أواسط آسيا بغربها. ان دراسة الحضارة الاشورية فتح أمام الباحثين مجال واسع فالمواد الكتابية التي وجدها الباحثون في هذه النقوش وفي آجرات القصور الملكية وفي مكتبة اشور ناصر بعل كانت كافية لأن توضح لنا حضارة قامت في مدنها ولها سياساتها وإدارتها وحروبها وعلومها السماوية والأرضية وأساطيرها. فنحن الآن نجد بين يدينا كل هذا مقروءا مترجما موضحا في متحف مدينة نينوى الاشورية الذي دمرته الة الدمار الارهابية. على ما جاء في نقوش تغلت بَلاسر كانت ثمة هبة ثانية لأشور في أواخر القرن الثاني عشر قبل الميلاد حين أخضعت البابليين والاراميين وصدت الحثيين عن أرضها وأخيرا جاء عصر الإمبراطورية الاشورية بالمعنى الصحيح بين 745 و 612 ق.م. إذ احتل الاشوريون بلاد الشام ومصر حتى مدينة طيبة. وكانت عاصمة الإمبراطورية الاشورية نينَوى. يقول هيجل أن الإنسان وحده هو الذي يمكن أن يكون له دين وأن الحيوانات تفتقر إلى الدين بمقدار ما تفتقر إلى القانون والأخلاق لان الفعل الإلهي في كل حركة كونية من حبة الرمل في الصحراء إلى نجوم السماء-فلا بد أن نسلم بالتالي أن تفسير هذا الحس الديني قد خضع لنفس التطور الذي خضع له الإنسان فاختلف وفقا لمراحل كثيرة لارتباطه ارتباطا وثيقا بالإطار الثقافي الذي وجد فيه.. ولقد دأب المسلمون إبّان ازدهار حضارتهم على دراسة الديانات البشرية اﻟ-;-ﻤ-;-ﺨ-;-تلفة القريبة منهم والبعيدة على حد سواء. لأنهم أدركوا في هذا العهد المبكر ذلك الأثر القوى الذي يتركه الدين في نفوس الناس وسلوكهم حتى قيل إن دراسة العقائد والشعائر الدينية يمكن أن تكشف عن طبائع الشعوب والأمم . وهكذا سافر أبو الريحان البيروني (في القرن الخامس الهجري) إلى الهند وقضى فيها أربعين عاما يدرس أولاً لغتها السنسكريتية ويُتقنها إتقانا يجعله يترجم إلى اللغة العربية عددا من المؤلفات السنسكريتية كما يترجم إلى السنسكريتية كتاب (أصول الهندسة ) لإقليدس واﻟ-;-ﻤ-;-ﺠ-;-سطي لبطليموس. ثم يكتب كتابه العظيم (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرزولة ) ( ١-;-٠-;-٣-;-١-;- م). ولم يكن الكثير مما يضمه هذا الكتاب القيم جديدا على المسلمين فحسب بل كان كذلك حتى بالنسبة للثقافة الأوربية في العصور الحديثة على ما يشير المستشرق الألماني إدوارد سخاو ناشر الكتاب. وبعد ذلك بفترة وجيزة كتب الشهرستاني أشهر كتبه (الملل والنحل )الذي يؤرخ فيه لأديان عصره بمنهج علمي دقيق حتى إنه اشترط على نفسه في مقدمة الكتاب أن يتجنب التعصب وا الميل مع الهوى يقول (شرطي على نفسي أن أورد مذهب كل فرقة على ما وجدته في كتبهم من غيرتعصب لهم ولا كسر عليهم دون أن أبين صحيحه من فاسده وأعين حقه من باطله وإن كان لا يخفى على الأفهام الذكية في مدارج الدلائل العقلية لمحات الحق ونفحات الباطل) . بهذه الروح العلمية الموضوعية كتب الشهرستاني عن اﻟ-;-ﻤ-;-ﺠ-;-وس واليهود والنصارى وا لمسلمين كما كتب عن الصابئة وعبدة الكواكب. وعبدة الأوثان وعبدة الماء ومعتقدات الهنود لا سيما البراهمة فأصبح كتابه دائرة معارف للديانات في عصره (القرن السادس) رغم أنه أراده في البداية مختصرا يحوى ما تدين به المتدينون وانتحله ا المنتحلون عبرة لمن استبصر واستبصارا لمن اعتبرعلى ما يقول هو نفسه في المقدمة لكن هذا اﻟ-;-ﻤ-;-ﺨ-;-تصر طال حتى زاد عن خمسمائة صفحة ولا يزال حتى الآن مرجعا لا غنى عنه لكل من يهتم بتاريخ الأديان حتى إنه ترجم لأهميته إلى بعض اللغات الأجنبية. موقف البحتري تجاه أثار المدائن و أحمد شوقي تجاه آثار مصر، واضحا للعيان فيه الموقف من الاثر حيث نجد الاول يجده درس وعبره فيما الاخر يجده مصدر للهوية والاعتزاز ويتفق الشاعران في إبراز اهمية المواقع والآثار في الوجدان العربي عبر التاريخ، وما يحملان من رؤية تجاه الآثار بوصفها شواهد حضارية تتجاوز دلالة الاعتبار أو العبرة. أما عن موقف العلماء المفكرين من النظريات الخاصة بالشأن الإنساني في الأرض خاصة نظرية دارون في النشوء والارتقاء والانتخاب الطبيعي فقد تباينت مواقفهم حيث نجد العلامة نديم الجسر مفتي طرابلس السابق يسالمها ولا ينكر عليها أبداً . لذلك من الاهمية بمكان بذل المزيد من الجهد للتقريب بين وجهات النظر العلمية والدينية ولاسيما في مجال تفسير القرآن الكريم حيث أن الموضوعات الحديثة كالحفريات والآثار لم تكن من هموم المفسرين ولا من أغراض مباحثهم وقضاياهم لتوجيه المسلمين للتعامل مع الاثر الذي يؤخذ على انه صنم بينما هو اية عن الاولين لانه لايعبد ووجوده فقط كشاهد على تلك العصور اي عصور الاولين... اننا اليوم بانتظارالخطوات المنتظرة تجاه اثار اشور وحمايتها لأن هذه الاثار لعبت في نشأتها وتطورها وما تزال تلعب دورا سياسيا وتاريخيا حيث تكشف إمكانيات الأجيال السابقة في البناء الحضاري للمجتمع، وساهمت في الحفاظ على الذاكرة الجمعية وإعادة بناء ماضيها واستذكار تاريخها. لكي يبادر الجميع إلى تقديم المأمول منه في الحفاظ على هذا التراث العالمي وحمايته والمحافظة عليه. من ايدي لاتعرف سوى السكين والمعول.
#كاظم_الحناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
داعش اقرب الى التفكك ... مفاجأة ام نتيجة؟
-
الشيفونية والطائفية وبراءة الدكتاتورية !
-
هل التمتع بالحرية سببا مؤديا للارهاب؟!
-
الطرش الهندي ؟!
-
الاعلام الطائفي طريق لتهميش الآخر واستبعاده
-
التواصل تكنلوجيا جديدة تتطلب استجابات مختلفة
-
اكثر من صحاف لعاصفة واحدة!
-
الكرامة وحقوق الأخر
-
الانسياح الاعلامي: إشكاليات الطرح وضرورات النشر
-
أمة الغربان والملك سليمان
-
بمناسبة عيدها: مامي بابلية تلهج بها الالسن حول العالم
-
(المجلس ) اسم عاصمة مصر الجديدة
-
هل الدواعش من متطرفي الدين ام السياسة؟
-
أتمتة العقل البشري لقبول واقع جديد
-
بمناسبة عيد المعلم: عندما يكون الجاهل معلما!
-
رجل ومكتبة اسم صريح وكنية وما بينهما ..
-
قوانيان صناعة صينية تناقلتها الشعوب
-
الصراعات المصاحبة لحكم قوى الاسلام السياسي
-
الهجمة على قطر معاداة السامية ؟!
-
شبه الجزيرة هل ستغلق الشناشيل ؟
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|