الروبوت في الانتاج الراسمالي وفي الانتاج الاشتراكي

حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 4820 - 2015 / 5 / 28 - 12:51
المحور: ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس
    

كتبت في مقالي عن كتاب الاستاذ فوزي ابراهيم ان يعقوب قدر ان الخطر الذي يهدد الحياة على الكرة الارضية سيحدث بعد اربعمائة مليون سنة واردت التاكد من ذلك فرجعت الى التعليقات على مقالي. ووجدت انني كنت مخطئا وانه قدر حدوث ذلك "بعد 700 مليون سنة". وعندما قرات التعليقين اللذين كتبهما يعقوب رايت انه كالعادة وكما يصرح دائما لا يفهم شيئا من اللغة القوجمانية وكذلك لا يفهم اي شيء من اللغة الماركسية.
مقالي كله يبحث كون الروبوت رغم اختلافه عن سائر ادوات الانتاج الا انه لا يختلف عنها من حيث خلق قيمة جديدة. فهو كادوات الانتاج القديمة لا يخلق قيمة جديدة. ويعقوب الذي ينتقد ويصحح اي خطأ يقع به الكتاب حتى لو كان حرفا يتوصل الى ان عبارة ان الروبوت لا يخلق قيمة جديدة تعني "ان البشرية تعيش اليوم تحت خطر ابادة الحياة على الكرة الارضية - وكل ذلك بسبب الروبوت."
يتضح من سؤاله للاخ حميد خنجي ان يعقوب يفهم من "ان الروبوت هو ككل الة لايخلق قيمة جديدة" يعني ان الراسمالي يجب ان يعلن افلاسه نتيجة لذلك. اذ يرد على سؤال الاخ حميد خنجي "أنا لم أسمع عن رإسمالي أفلس لأنه استخدم الروبوت في مصنعه." وهذا جهل مطبق لمعنى العبارة ولمصدر ارباح الراسمالية الحقيقي. ان استخدام الراسمالية للروبوت هو ككل استخدام لالة جديدة متطورة وسيلة لزيادة ارباح الراسمالية. فيعرف التاريخ اختراعات دمرتها الراسمالية لانها تقلل من ارباحها. واستخدام الروبوت يجعل بامكان الراسمالي قبل كل شيء ان يطرد الافا من عماله للاستعاضة عنهم بالروبوت. وبهذا يوفر اجورهم بصورة اوتوماتيكية. وليس هنا مجال تحليل الارباح الراسمالية وكيفية توزعها للمشاريع الراسمالية المختلفة.
باللغة الماركسية يعني توفير الراسمالي اجور العمال الذين يطردهم تقليص الراسمال المتغير ويعني اضافة الروبوت الى الالات المستخدمة زيادة الراسمال الثابت. وقد قسم كارل ماركس الراسمال الى متغير وثابت ليس لان الراسمال المتغير لا يتغير كميا وفي مثالنا يتقلص الراسمال المتغير بمبلغ اجور العمال المطرودين من مصنعه. ولا يعني الراسمال الثابت انه ثابت كميا وفي مثالنا يضاف ثمن شراء الروبوت الى الراسمال الثابت.
ان ماركس يقصد بالراسمال الثابت ان هذا الراسمال لا يتغير كميا عند استهلاكه جزئيا او كليا في عملية الانتاج. اذ ان الاستهلاك الجزئي لادوات الانتاج الكبيرة مثل بناء المصنع والمكائن والاستهلاك التام لسائر ادوات الانتاج مثل الوقود والمواد الخام التي تدخل في انتاج السلع لا تزيد عن ساعات العمل التي تضمنتها عند شرائها. فهي تضيف الى السلعة فقط ساعات العمل التي تبذل عند انتاجها دونما تغيير او زيادة.
ويقصد بالراسمال المتغير ان هذا الراسمال يخلق في السلعة المنتجة اكثر من ساعات العمل المستهلكة في انتاجه. اي ان استخدام قوة عمل العامل التي اشتراها في العمل في مصنعه تولد قيمة اكبر من القيمة المبذولة في انتاجها. وهذا هو اهم اكتشافات كارل ماركس، فائض القيمة، الذي لا يبقى للراسمالية وجود بدونه.
ان كون الروبوت لا يخلق قيمة جديدة يعني فقط ان الروبوت ككل الة اخرى تشكل الراسمال الثابت يحول الى الانتاج جزءا من القيمة المتوفرة فيه ولا يخلق قيمة تزيد من قيمة السلعة المنتجة. ولا شك ان هذا الكلام لا يعني شيئا بالنسبة ليعقوب.
"عبثاً تبحث في كتاب رأس المال عن وصفٍ لمصنع بلا عمال. كارل ماركس لم يعرف شيئاً كهذا ولم يحلم بشيءٍ كهذا. الكومبيوتر (والروبوت) هو ليس مجرد آلة متقدمة. هو آلة من نوعٍ جديد وتنطبق عليها قوانين من نوعٍ جديد."
بالطبع لم يكن باستطاعة ماركس ان يصف "مصنعا بلا عمال". ولكن يبدو ان يعقوب يحلم بمصانع بلا عمال. بالطبع هذا غير ممكن علميا لان الانسان يبقى هو المنتج للروبوت ولكل الة بما فيها الالات التي سيخترعها في المستقبل. والروبوت كالة لا تستطيع العمل وحدها وانما يجب ان يشرف الانسان على عملها وادارتها. فاستعمال الروبوت في الصناعة من شانه تقليص عدد العمال ولا يعمل بدون الانسان كليا.
ولنفترض مع ذلك ان حلم يعقوب بمصانع بلا عمال في النظام الراسمالي يتحقق. ماهي النتيجة الحتمية لذلك؟ ان يتحول الراسمال المتغير الى الصفر لان الراسمالي لا يدفع اجورا. وان وسائل الانتاج والانتاج والنقود تتركز كلها في الجانب الراسمالي من المجتمع ويخلو الجانب الثاني من المجتمع، الشعب العامل، من النقود التي تمكنه من شراء المواد الاستهلاكية التي يحتاجها لكي يعيد انتاج قوة عمله. وتتراكم السلع في مخازن الراسماليين ويتوقف الانتاج ولا يبقى للراسمالية وجود لانها لا تحصل على فائض القيمة.
ان زعمه" كون الروبوت هو انتصار الروح البشرية والفكر الإنساني" يجعل باستطاعته ان يصف شيئا من هذا القبيل. انه فقط يحلم ان ترى الانسانية "مصنعا بلا عمال". الروبوت هو انتاج انساني وهو الة لا تستطيع ان تعمل وحدها بالاستقلال عن الانسان. الانسان هو الذي يصنع الروبوت وهو الذي يشرف على عمله. ويعقوب على عادته لا ينور قراءه بشرح "ما هي القوانين من نوع جديد".
"أليس من الأسهل والأبسط والأصح، عزيزي حسقيل قوجمان، بدل هذه النبوءة السوداء، أن نفكر "إن الروبوت هو انتصار الروح البشرية والفكر الإنساني" وإن قوانين كارل ماركس الإقتصادية حول القيمة وفائض القيمة، التي صاغها في القرن التاسع عشر، في عصر الطاحومة البخارية ومصانع غزل النسيج اليدوية والميكانيكية، تفقد فعاليتها ومعناها في عصر الكومبيوتر والروبوت؟"
توصل شقيق يعقوب الاستاذ فوزي ابراهيم الى نفس "النبوءة السوداء" حتى بدون الاشارة الى الروبوت. ترى هل نزف يعقوب بشقيقه لانه توصل الى نفس النبوءة"؟ هذا طبعا شانه. ولكن راي يعقوب هو "إن الروبوت هو انتصار الروح البشرية والفكر الإنساني". ان هذا القول هو لغة الفلسفة المثالية باجلى صورها. فليست الروح هي التي اخترعت الروبوت وانما العلم والعلماء البشر هم الذين اخترعوا الروبوت. وليس الفكر هو الذي انتج وصنع الروبوت بل الانسان العامل على الطبيعة لتحويلها هو الذي صنعه. ان اختراع وصنع الروبوت هو انتصار قوى الانتاج بلغة كارل ماركس العلمية. ولغة كارل ماركس ككل لغة علمية لا تندثر بمرور الزمن. فكما تحقق تطور قوى الانتاج في المشاعية البدائية وفي العبودية والاقطاع والراسمالية والاشتراكية سيستمر تطورها طالما بقي على الكرة الارضية انسان يعمل على الطبيعة لتحويلها. وقوانين كارل ماركس التي اكتشفها في القرن التاسع عشر كانت تسري في المجتمع قبل اكتشافها بالاف او ملايين السنين وما زالت سارية في النظام الراسمالي لانها قوانين علمية لا تندثر بمرور الزمن.
الروبوت انتصار عظيم للعلوم البشرية وللانتاج الصناعي. ولكن ثمة فرق بين الانتصار العلمي وبين فائدته للبشرية. فبما ان السلعة ليست هدفا اساسيا للانتاج الراسمالي وانما هي وسيلة لتحقيق الربح فان اختراعا عظيما كالروبوت لا يعني حتما انه مفيد للبشرية. ان انتاج القنبلة الذرية كان انتصارا هائلا للعلوم البشرية فقد نجح العلم في انتاج عنصر لا وجود على الكرة الارضية وبواسطته توصل الى انتاج القنبلة الذرية. ولكنه لم يكن مفيدا للبشرية لانه كلف الكثير من تريليونات الدولار وكلف عملا بشريا هائلا من خيرة علماء العالم وهو مازال بستهلك مئات التريليونات من الدولارات وادى الى اجبار الملايين من العمال على العمل على انتاج ما هو معد لقتلهم او لابادتهم. وهو مجرد وسيلة لمضاعفة ارباح الراسمالية وتهديد البشرية بحروب ابادة. فالفرق واسع بين عظمة تطور قوى الانتاج وفائدة انتصارها للبشرية بسبب وجود الراسمالية وعلاقات الانتاج الراسمالية. وهذا يصح على كل انجاز عظيم تحرزه العلوم وقوى الانتاج. اذ من المفروض ان يؤدي كل انتصار علمي كاختراع الروبوت الى فائدة البشرية ولكنه في حالة وجود علاقات الانتاج الراسمالية يؤدي الى الاضرار بالبشرية بدلا من فائدتها.
اهم تغيير يتحقق لدى انتقال البشرية من الراسمالية الى الاشتراكية هو ان ملكية ادوات الانتاج تتحول من ملكية شخصية للطبقة الراسمالية الى ملكية اجماعية لقوى الانتاج، لكامل الشعب العامل. فهذا التحول يجعل الهدف الاساسي للانتاج الاجتماعي هو الانتاج السلعي وليس ارباح طبقة اخرى. فكون هدف الانتاج هو السلع المنتجة يجعل الفائدة منها هدف فائدة الانسانية. ويصبح انتاج الروبوت في المجتمع الاشتراكي واستخدامه وسيلة لانتاج ما يفيد الانسانية وليس ابادتها.
فبينما يهدف استخدام الروبوت في النظام الراسمالي الى انتاج سلع تؤدي الى مضاعفة البطالة وتفاقم فقر الطبقة العاملة ومضاعفة ارباح الراسمالية يصبح استخدام الروبوت وكافة الانجازات العلمية في النظام الاشتراكي وسيلة لزيادة رفاهية الشعوب ومنحها المزيد من الفراغ الذي يمنحها فرص التقدم العلمي والفني والادبي والتمتع بمباهج الطبيعة.

#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات