أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيف عبد الكريم الربيعي - دوستويفسكي))... الإبحار في النفس، واختزال المعاناة))














المزيد.....

دوستويفسكي))... الإبحار في النفس، واختزال المعاناة))


سيف عبد الكريم الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 1336 - 2005 / 10 / 3 - 10:57
المحور: الادب والفن
    


تتسبب المعانات في توليد صراعات جسيمة داخل النفس البشرية، والتي قد تؤدي إلى انبثاق الإبداع لدى الإنسان، عن طريق اختزالها ضمن إطار التجربة... هكذا اختزل الأديب الروسي الكبير (فيدور دوستويفسكي) الفقر والمعاناة التي عاشها، باعتقاده أن معاناته ليست بالصدفة الاعتباطية، إنما هي سبيل لفهم الحياة، وأسباب الوجود الإنساني، الذي أصبح هاجسا في حياته، وتتضح معالجة دوستيوفسكي لهذا المفهوم في روايته (الإخوة كارامازوف) حيث وظف فيها صراعاته الداخلية، والتي تشي بمدى فهمه لكينونة الشخصية البشرية التي يخيم عليها التشويش والغموض، وعبر( فاسيليفيتش روزانوف) عن هذه الرواية بأنها مركزية في كل إبداع دوستويفسكي، مشيرا إلى أن دوستويفسكي يصور لنا نفس الإنسان بخفاياها المبهمة، أما (سيغمون فرويد) فقد وصف دوستويفسكي بأنه الفنان الذي يستحق الخلود، منطلقا من معاناته، وتحليله لنوازع النفس البشرية، والتي جسدتها هذه الرواية، وروايات أخرى، كـــ((الجريمة والعقاب)) و((الممسوسون)).....الـــــخ.
ولد فيدور دوستويفسكي (1881- 1821)في موسكو وتلونت حياته بشتى أطياف العذاب، من فقر ومرض ــ حيث كان مصاب بنوبات الصرع ــ ، وأصبحت معاناته تلك معبرا له نحو الإبصار بالحقيقة....
أنجز روايته الأولى( المساكين)في الرابعة والعشرين من عمره، وانطبعت بها كل تلك الظروف التي مر بها أيام طفولته، واتسمت بالحقيقة الواسعة في البحث عن المصير البشري، التي عبر عنها الناقد الكبير ( بيلنسكي) : ((إنك فنان عظيم الحساسية.. إن الحقيقة تكشف لك وتعلن بوصفك فناناً، أنت تلقيتها هبة، فاعرف كيف تقدر هذه الهبة. ابق أمينا لها وسوف تصير كاتباً عظيماً)) .
وفي عام(1849) نفي دوستويفسكي إلى أوربا وهو مكبلا بالهموم والمرض الذي ينخر في جسده، واستمر النفي حتى عام ( 1859) ، الذي عاد به وقد أصبح رجلا كبيرا يبحث عن الحقيقة، وانعكس تأرجح نفسيته وتناقضاته على ملامح شخصياته الروائية، المعبرة عن تكهناته حول أمور الحياة ...
ظل ناقوس العذاب يقرع في رأسه، حيث اعتقل دوستويفسكي وختمت أوراقه بالشمع الأحمر: كان كل ذنبه الاشتراك في مناقشات بعض الأصدقاء الغاضبين، التي سميت على سبيل المبالغة باسم "مؤامرة بتراشيفسكي" ومع ذلك ينزل الحكم إلى أقسى العقوبات إلى الموت بالرصاص ، فولدت انتقالة مفاجئة في نظرته إلى عوالم الإنسان .... ومرة أخرى يتدخل القدر، فيخرجونه من السجن مع تسعة من رفاقه ، ويقرأ حكم العفو محولا الحكم بالإعدام إلى سجن أربع سنوات في سيبيريا.
ويعود دوستويفسكى إلى (سانت بطرسبورغ) رجلا منسياً، وقد أصبح لديه انطباعا خاصا حول الجريمة والعقاب، ظهر بوضوح في روايته " ذكريات من بيت الموتى" التي تصور كل ما عاناه أيام السجن.
إن سجن سيبيريا والأشغال الشاقة والصرع والفقر وحمى المقامرة والتهتك، والرفض من قبل المجتمع كما يزعم بعض مؤرخي الأدب، كل هذه التجارب القاسية في حياته أصبحت مثمرة بفنه، موسعة لقدراته على التعبير عن أفكاره، وعبقريته بنقل التجربة إلى عالم التفكير واستخلاص الدروس منها، كما واتسعت لديه الرؤى في تحليل المواقف الإنسانية ... و مابين الإيمان والإلحاد أخذت شخصيته بالتأرجح أكثر، حتى أن (فرويد ) كتب عنه قائلا " : لقد قضى حياته حتى آخر أيامها، حائرا بين الإيمان والإلحاد "وقد أرسى دوستويفسكي هذا الصراع بثلاث شخصيات روائية (ايفان واليوشا وديمتري )حيث تبرز من بينهم نظرة دوستويفسكي لعلاقة الحياة بالإيمان والإلحاد...
لقد حقق دوستويفسكي على حد تعبير(باختين) ثورة داخل الفن الروائي، حين أعطى لأبطال رواياته حرية رسم مصائرهم بأنفسهم، وأعطاهم الحق في الكلام بحرية مطلقة، ويبرز هذا المفهوم في رواية ( المراهق) .... أما ذروة الخير الذي ملأ نفس دوستويفسكي فقد تمثل في الأمير مشكين بطل روايته (الأبله) الذي حمله مرضه ( الصرع)، وبعض مشكلاته التي أزمت حياته وأرهقت فكره، فكان موقع سخرية من الجاهلون فوصفوه بالبله، لما كان يحمله من انعتاق وإشراق.... وبالإضافة إلى الحقيقة الواضحة في أدب دوستويفسكي، فأننا نلاحظ في نهاية كل رواية من رواياته بزوغ عملية تطهير العواطف المعروفة في التراجيديا الإغريقية ...
وبهذا يظل دوستيوفسكي الرائد الأكبر للرواية الواقعية، فرواياته تضج بالعبقرية والفكر السامي، مبحرة في أعماق النفس البشرية، مضمنا إياها قيما إنسانية رفيعة، وروعة أدبية، وانعتاق، وشاعرية لاتضاها، كما وضمنها صفات النفس البشرية المتعددة والمتناقضة من الإيمان والإلحاد، والخير والجريمة، والسمو والسقوط ...



#سيف_عبد_الكريم_الربيعي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات سجين
- ((وقت الرحيل))
- (العجوز)
- صوت الرماد


المزيد.....




- لبنان يحظر عرض «سنو وايت» في دور السينما بسبب مشاركة ممثلة إ ...
- فيديو.. -انتحاري- يقتحم المسرح خلال غناء سيرين عبد النور
- بين الأدب والسياسة.. ماريو فارغاس يوسا آخر أدباء أميركا اللا ...
- -هوماي- ظاهرة موسيقية تعيد إحياء التراث الباشكيري على الخريط ...
- السعودية تطلق مشروع -السياسات اللغوية في العالم-
- فنان يثني الملاعق والشوك لصنع تماثيل مبهرة في قطر.. شاهد كيف ...
- أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو فارغاس ...
- أفلام رعب طول اليوم .. جهز فشارك واستنى الفيلم الجديد على تر ...
- متاحف الكرملين تقيم معرضا لتقاليد المطبخ الصيني
- بفضل الذكاء الاصطناعي.. ملحن يؤلف الموسيقى حتى بعد وفاته!


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيف عبد الكريم الربيعي - دوستويفسكي))... الإبحار في النفس، واختزال المعاناة))