|
أين المفكر؟
لحسن لحمادي
الحوار المتمدن-العدد: 4817 - 2015 / 5 / 25 - 17:54
المحور:
الادب والفن
"ليس من تحرقه النار كمن يتدفأ بها" مثال أمازيغي يحمل عظيم المغزى الراهن، لذلك كانت ولازالت الخبرة البشرية جزء من أي قالب حادث؛ فالدنيا قالب مهما تنوعت خصوصيتها، قالب من حيث تتشكل طبقا لها الخلوقات فلطالما حاولت الاختفاء والتحول لحال غير مرئي ولم أستطع، فالقالب الواسع للدنيا أكبر منا ومن محاولاتنا من أجل فعل ما يتجاوز حدود قالب الدنيا. لذلك لا يستطيع أن يختفي المفكر، فهو في قالب الدنيا موجود وتجده خصوصا إن ظهرت المشاكل مثل رجل الإسعاف. وحده من يحرق بالنار في قالب الدنيا لكي يتدفأ الآخرون ممن يعتبرهم نصفه الآخر المتعدد. يبنى الفكر والأفكار والتفكر على الخبرة التي صاغتها البشرية من عصور البساطة في العيش إلى عصور الرفاه المعيشي، وأرى أنه لم يكن خلف العصر الهجرية عصور ظلام بل كانت هناك عصور تسعى لتحسين وضع الإنسان، كان رغم ما كان في الكتب؛ كان سعي مستميت من أجل أن يعيش الإنسان رغم ما يحايث هذا من مظاهر الرفاه التي قد تكون ظهرت مع الشعوب التي عبدت الأوثان، ولا عيب في عبادة الأوثان إلا إذا كان الحق مصحصحا والتوحيد ظاهر بتجليه الإسلامي، فالشرك مع الله الذي جسده اليهود ثم النصارى أسوأ من عبادة الأوثان خصوصا وأنها في حالة قريش اختلطت بالكعبة المشرفة وبالطواف وبكل أو بعض الطقوس كالحجامة وغيرها. يعتمد ثم يتكون المفكر من هذه الحصيلة العامة والكونية مهما كانت جزئية؛ ويتشكل المفكر من مجموع هذه الاعتقادات اللهم ما هو ملزم به ليصبح ذا جدة فيكون نابغا وسط معشر الذين يناقشون الدنيا وشؤون الإنسان. وكثيرا ما صادفنا في بحثنا ونظرنا في إنتاجات المفكرين أن منهم من تسلق وارتقى ومنح ما لم يأتي به رجل قبله من تفسير وتقويم للشأن العام والخاص، ومن هؤلاء من عبر عن ذاته ونظر في شؤونها نظرا ثاقبا استفاد بعده العموم من الناس رغم أنه منطلق خاص به، وهناك من انطلق من العموميات وترتيبها والنظر بشأنها وأفاد باستنتاجاته الشأن الخاص. أين المفكر؟ إن المفكر في كل مكان، فالإنسانية جمعاء تفكر ونحن معيشتنا رهينين بتفكيرها وكل خطوة من أجل اختراق نظام تفكيرها المعتمد على اللغة والإشاريات سيؤدي حتما بنا إلى الفناء، فكثير الأخطاء الإشارات التي تضمنتها فلسفة نيتشه عن تمجيد الجسد وعن الإنسان السوبرمان استخدمها النازيون للقضاء على شعوب وعرقيات برمتها، الفناء الجامعي كان عنوان هذه الأفكار المخترقة والمدمرة لمثل الإنسانية ولعله هو ما دعى عديدا من المفكرين إلى الرضى بحل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية لتجنب المزيد من الدماء، وهو ما كان حلا مفكريا بالنسبة لإردود سعيد على وجه المثال. المفكر يكون صحبته مجموعة من المثقفين يقيمون أداءه ويصوبون انفلاتاته ويعبرون عن الفهم الجمعي للأخرين من الأفراد وهو ما انصب عليه نقد علي حرب، عندما اعتبر أن المثقف يمارس الوصاية على الأفراد، وهو في نظر علي حرب ما يخالف روح الموضوعية وما يكرس وعي الإتكالية لدى الناس، الكل يفكر ولكن المفكر هو من يفكر في إنتاج الأمور التي لم يفكر فيها الناس الآخرون مهما أجهدوا تفكيرهم. يتواجد المفكر في الكتب بحسب نظري، فلا يمكن أن تجد روح المفكر الخالصة إلا في الكتب؛ فبمجرد أن يرفع أصابعه عن آلة الكتابة أو يترك القلم من يده يعد من عالم الأمثولات إلى حاله الواقعي، قال ريتشارد رورتي فيما معناه: " لا يجب أن نرتفع عن واقعنا، يجب أن نرضى بواقعنا" وأرى كذلك أن نعي أنه في الوقت الذي نحشر في واقعنا بكل عنف وبغير حب لواقعنا ونرضى به غير راضين يجب ألا نتخلى عن الجانب الأمثولي الذي نسعى للعودة له بأي ثمن ومهما كانت البلاءات التي تمسك بنا في الواقع، فلعله مكمن التوازن، ولعله ما عبر عنه أرسطو بالتوسط في الإقبال على الأشياء. المفكر له أبناء يحاول أن يحسن تربيتهما ويتجاوز ذلك للسعي إلى تربية غير أبنائه؛ وهذه التربية قد تكون ضد التربية التي نعرفها أو هي نفسها أو ما يشبهها دون تماثل، يسعى المفكر للارتباط دوما؛ ولابد أن تجده مرتبطا بشيء لا يعيش دونه، فإما أن يرتبط بامرأة يشترط أن تكون ضائعة من حياته ولم يستطع العيش معها مثل كيركغارد أو نيتشه، وإما أن يرتبط بالأكل مثل أفلوطين أو كانط، أو بمكان معين مثل بول ريكور. المفكر على الدوام نموذج للنشاط والاشتغال، فلم يحدث في التاريخ أن وجد مفكر خامل أو كثير النوم أو كثير تضييع الوقت ومنهم من لم يحدث أنه ضيع الوقت أو وجد نفسه مضيعا للوقت. المفكر يسكن في كل مكان في الجمل والفقرات و حتى الكلمات، يبقى مهما كان ميدان نظره مؤثرا بشكل هائل ومتسلسل، فلا نستغرب أن يؤثر مفكر اقتصادي في الفلسفة وفي الأدب وفي الفيزياء، لا نستغرب حينما يؤثر الفيلسوف في الأدب وهو ما عرف في كثير من الأونة. إن المفكر يتتبع العالم بضجيجه ولو كان صامتا، يجهد نفسه كثيرا وهو يتابع التفاصيل ويرتكز على التفاصيل مهما عاين الأمور الشاملة، يستمر المفكر مهما غاب عن العالم ولا يغيب مهما كان مستمرا في العالم.
#لحسن_لحمادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سياسة المحافظة، حفظ دون فهم
-
الفلسفة في مراكش
-
نزول المفكر للمجتمع
-
الدين والزمان
-
السياسيات المقارنة
-
قراءة في كتاب -فلسفة العلم، الصلة بين الفلسفة والعلم- لمؤلفه
...
-
قراءة في كتاب -فلسفة العلم، مقدمة معاصرة- لمؤلفه أليكس روزنب
...
-
التراجيديا من منظور نيتشه
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|