|
حزمة إستراتيجية مخابراتية أمريكية واحدة
كامل السعدون
الحوار المتمدن-العدد: 1336 - 2005 / 10 / 3 - 12:02
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
بن لادن ...الزرقاوي .. قناة الجزيرة ..السيارات المفخخة في العراق ... التدخل الإيراني الواسع ... التدخل السوري المرحب به من قبل الأمريكان رغم إدعائهم عكس ذلك ... ! القائم وسامراء والموصل والرمادي التي تحرر مرة كل شهرين ثم يعود الإرهاب لينشط فيها بذات القوة ... الزرقاوي الذي أعتقلت جواريه وسواقه ومخبريه وكل مساعديه و..و..و ... الخ ، ولم يقبض عليه ولن يقبض أبدا .. ! أطنان المخدرات والأسلحة التي تعبر الحدود من إيران أمام أنظار القوات البريطانية دون أن تعترض ... ! الإرهابيين الذين يعتقلون اليوم ويطلق سراحهم بالجملة بعد أيام أو أشهر في إحتفالية كبيرة يتم فيها توزيع الدولارات ونسخ القرآن ... ! الجيش الذي بذلوا المليارات من الدولارات في تدريبه ، وقالوا أنه بلغ القمة في الكفاءة والجاهزية ، يعودون بعد ثلاثة أعوام ليقولوا أن كتيبة واحدة منه جاهزة فعلا للقتال ..! السيارات المفخخة التي تتصاعد أحيانا حتى تبلغ العشرات في اليوم أو الأسبوع الواحد ...! جميع هذا مفردات حزمة مخابراتية أمريكية غربية واحدة تعمل بتوافق أنيق مع بعضها من أجل الوصول إلى غرض واحد كبير يخدم المصالح الإستراتيجية الحضارية الغربية في المنطقة إلا وهو تعديل الإنحراف التاريخي غير الطبيعي الذي حصل قبل ألف ومائتي عام ، نعني ظهور الإسلام الذي قمع التطور الطبيعي لأمم الشرق صوب تعايش مسيحي يهودي مع الغرب عبر البوابة اليونانية والرومانية في البحر الأبيض المتوسط . الأمريكان أوجدوا أعدائهم ، خلقوهم ، طوروهم بشكل متقن ، ثم سربوهم ليس إلى الشرق حسب ، بل إلى العالم كله ضمن أجندة إستراتيجية كبيرة واسعة ذات هدف واحد وهو القضاء على الإسلام الذي لا زال يحمل ذات البذرة التي أوجدها محمد ، اي بذرة تصفية الآخر ورفض التعايش معه . لم يكن هناك إمكانية لتعديل الإسلام وتطويعه كما حصل مع المسيحية أو اليهودية ، وليس الإسلام مسالما ومتواضعا مثل ديانات اهل الصين والهند وشرق آسيا واليابان ليمكن إهماله وتجاهله ، ثم إنه الوحيد الذي رسخت مبادئه بقوة في عقول الأتباع بحكم إعتماده الأدوات القمعية كالتكفير وإقصاء غير المؤمن وبحكم سيادته على المنظومة الإجتماعية وتغلغله في العقل الجمعي للمواطن المسلم نتيجة طول فترة سيادة القمع الإسلامي على الناس وغياب التواصل مع الغرب والعالم مضافا إلى أوهام المجد الإسلامي التي لم تغب عن الذاكرة الجمعية للناس . وإذن لا بد من تطويعه بأدوات غير إعتيادية ، إنفجارات مدمرة ، صواعق ، براكين ، هزات أرضية كبيرة إنما جميعها محكومة بإتقان ضمن ضوابط الأجندة الأمريكية والغربية . لا بأس من أن يذبح أمريكان ، لا باس من أن تخسر أمريكا بضع مئات من المليارات في العراق أو غير العراق ، لا بأس بأن يعطى الآخر نصرا هنا ونصرا هناك ، لكن بالنتيجة فالنصر لمن يضحك أخيرا . لقد أمكن للأمريكان أن يطوعوا الغرب كله منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، وأمكن لهم أن يحيدوا الهند والباكستان ( كحكومة فقط لا كمجتمع ) والصين وأمريكا اللاتينية منذ وقت مبكر ، لأن تلك الدول لا تمتلك أجندات أكبر من حجمها الحقيقي وليس لديها نظريات عدوانية واسعة أكبر من حدودها الإقليمية ، أما الروس فبعد النبش لأكثر من خمسين عاما تحت الكرملين ، أمكن إسقاط الدب الروسي العجوز ، وإذن فالخطر كله يكمن في الإسلام السياسي الذي لا زال يعيش على أوهام المجد التليد وحلم الجنة القادمة الأكيدة . مشكلة الإسلام ليس في النظم السياسية القائمة في الدول الإسلامية ، لا .. أبدا .. المشكلة في التكيات والمساجد والعقول والضمائر التي لا زالت تؤمن بأن ما لديها هو الحق الأوحد وأن من واجبها نشر هذا القيح الذي لديها في العالم كله . ليس المشكلة في آل سعود أو القذافي أو الخامنائي أو القرضاوي ، فليس هؤلاء إلا الظاهر من جبل الجليد ، لكن الكارثة في الخبيء من هذا الجبل ، هذه الأمة العريضة الواسعة من الجهلة التي لا تستطيع أن تفتي في أكلها وشربها ولباسها ونكاحها وقيادتها للسيارة قبل أن تسمع لرأي الفقيه المبارك الذي يطل من التلفاز أو الجريدة أو الموقع الإلكتروني على الشبكة المعلوماتية العالمية . لقد أستطاعت قبائل الهون أن تسقط الإمبراطورية الرومانية ، لكنها لم تستطع أن تطفيء نور الحضارة الغربية طويلا ، وأستطاعت قبائل المغول أن تسقط بغداد وتحرق مدارسها ومكتباتها لكنها عادت لاحقا لتتأسلم وهذا هو الفرق بين الحضارتين المشرقية والغربية . الحضارة المشرقية الإسلامية قادرة على أن تقنع الطاغية الإسلامي بأن له مكانا في جنة الرب وقادرة على أن تجنده لاحقا لخدمة الرب القبلي المشرقي ، وهذا هو مكمن حيوية وخطورة هذا الدين على الحضارة الإنسانية عامة . الإنجليز نجحوا في أن يوجدوا طوائف دينية جديدة كالقاديانية الأحمدية ، لكنها فشلت في أن تنتزع راية محمد التي رسخت بقوة في اسفل طبقات الدماغ العربي والإسلامي وأقدمها تكونا ، رغم كل المليارات من الدولارات التي بذلت في سبيل نشر هذه الديانة . وإذن فلا بد من إعتماد ذات الأدوات من أجل إيصال الناس عمليا إلى حالة الصدمة الجماعية التي تهز العقل العربي والإسلامي بقوة من أجل إسقاط تلك المقدسات التي نبتت في مستنقع العقل الإسلامي . لا بد من خلق مغول جدد ، بن لادن ، الظواهري ، الزرقاوي ، عبد الله الجنابي ، القرضاوي ... ! ولا بد من أربعة آلاف موقع إلكتروني حر يستقبل نداءات الجهاد وينشر صور الذبائح ... ! بل ولا بد من قناة تلفازية واحدة قوية غنية ، تقوم بنشر بيانات القاعدة وبن لادن والزرقاوي وغيرهم ، وتلك هي الجزيرة ... ! بل ولا بد من حكومة تدعم القاعدة والإرهاب الإسلامي عامة ، دون أن يكون هناك ضرورة لأن تطرد الأمريكان من أرضها ، وتلك هي إمارة قطر التي أخذت مكان السعودية في دعم الإرهاب ، بل وفي تسليطه على السعودية ذاتها وبقدر محسوب ... ! ولا بأس بإنتخابات عراقية معروفة النتائج سلفا ، توصل الإيرانيين مؤقتا إلى السلطة في العراق ، ولا بأس بمئات السيارات المفخخة التي تقتل الشيعة في العراق ، ولا بأس بنعرة طائفية واسعة النطاق تفرغ طاقات الإسلام السياسي بالكامل في بحر فترة وجيزة ، لتسقطه بشكل نهائي من العقل العراقي وإلى مئات أخرى من السنين . ولا بأس بإستنزاف الإسلاميين السوريين والإيرانيين والسعوديين والأردنيين وغيرهم وبقوة في حروب جانبية محسوبة تنهكهم بالكامل وتهدر ثرواتهم ثم تنتهي بإسقاط أكثر من نظام بضربة واحدة بدلا من أن يقتل عشرات أو مئات الآلاف من الأمريكان على جبهات الشرق ويخرج الإسلام قويا أكثر من قوته أيام نصر صلاح الدين على الصليبيين . لقد أسقط الأمريكان السوفيت من كامل أوربا والعالم دون أن يخسروا قطرة دم واحدة ودون أن يتضرر إقتصادهم قليلا أو كثيرا ، وما كانت جبهة السوفيت بذات القدر من الخطورة كجبهة الإسلام ، لأن الفكر الشيوعي فكر علماني محدث جديد ولم يسبق له أن أستنبت مفرداته في العقل البشري بذات القوة التي فعلها الإسلام ، فمجرد نجاح الأمريكان في المنافسة الإقتصادية مكنهم من الإنتصار في المعركة ، لكن الإسلام يملك بديلا سماويا لا علاقة له بجنة ماركس الأرضية ، يملك وهما له جذوره في العقل الجمعي الإسلامي ومن المستحيل قلعه بعد أن تم توارثه عبر الكرموسومات ليغدو جزءا حيويا من دماغ الفرد وروحه ولا مناص من قلعه بقوة الصدمة المرعبة . التجربة الجزائرية الرهيبة مثال حي جدا ومؤثر للغاية لما يمكن فعله في غسل دماغ الإنسان المسلم ، والتجربة العراقية الحالية ستفعل ذات الشيء في القريب وستنتهي بأن يختفي الإسلام السياسي بالكامل من العراق ، لكن ليس قبل أن تسقط أنظمة عديدة على هامش حرب الإرهاب والطوائف في العراق .
إستدراك : _______
لا نشك في أن الأمريكان قرأوا تاريخ الشعوب والحضارات جيدا وعرفوا سبب الإنتصار السريع للينين على الكنيسة الأرثوذكسية ، وماوتسي تونغ على الثقافتين البوذية والكونفشيوسية ، بينما فشلت الشيوعية في أندونيسيا والعراق ومصر وإيران رغم حضورها الباكر في تلك البلدان وقوة أحزابها ، أما الباكستان والسعودية فلم تعرف بالمطلق حركات سياسية ولا حتى وطنية يمينية أو يسارية . إنها قوة الإسلام ... ! لا نقول صحة مبادئه أو سلامة نهجه ، إنما قوة هيمنته على العقل بهذا الأمل المودع فيه في أن هناك حياة أخرى وجنة أخرى تعوض بؤس الحاضر . وإذا كنا لا ننكر وجود الرب أو حتى وجود الجنة ، لكن القنوات التي سرب بها زعماء الإسلام هذه المباديء والتاريخ الطويل من النجاح والإنتصارات أعطى الأتباع قناعة بأن هذا السبيل الذي يلقنهم إياه الشيوخ وتلك القراءات العوراء غير المحايدة للنص والتاريخ ، هما السبيل الأوحد للوصول إلى جنة الرب التي لا حدود للحرية والسعادة والسكينة والصفاء والنعمة فيها . المسلم منفصل بالكامل بوعيه أو بعقله الباطن عن الواقع ، ولا سبيل لإعادته إلى هذا الواقع وتحريره من العدوانية إلا بإيصاله إلى مواجهة مرعبة مع أدواته ذاتها التي يعتمدها لفرض واقعه الشخصي العدواني . ولهذا أطلقوا له كل ما في قمقمه ذاته ، فأما شفاء نهائي أو فناء نهائي ذاتي يرحل بهم بموكب جماعي إلى جنة الرب المزعومة . ومن ينتظر يرى ... !
#كامل_السعدون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل كانت أمريكا غبية كما يتوهمون ؟
-
اللجاجة في تفاصيل الديباجة
-
الفاشوش في دستور قراقوش
-
ليس هؤلاء بصالحين للسباق يا جلبي يا رائع
-
لماذا الإصرار على عروبة العراق ؟
-
إنتظروا علاوي العائد في القريب
-
أهلنا عرب الجنوب …أدفنوا ماضيكم وأنهضوا
-
الخطاب الصحفي الكردي القاسي على عرب العراق
-
!..أضاعوه وأي عِراق أضاعوا
-
عن الإسلام والعلمانية – رد متواضع على مقالة الأستاذ صائب خلي
...
-
المرأة والحيوان مفسدات وضوء السيد الرجل
-
عن المرأة والدستور في هذا العراق المقهور
-
عن المرأة والدستور والإسلام وما به من جورٍ وفجورْ
-
عن المرأة والأنفال ودستور أهل الإسلام
-
الإسلام مصدر التشريع – خزعبلة دستورية -1
-
- ملاحظات على الدستور العراقي المقترح - ج3
-
ملاحظات على الدستور المقترح -ج2
-
- ملاحظات على الدستور العراقي المقترح - ج1
-
أنت تملك القوة في داخلك - الفصل السادس - بقلم لويزا هاي
-
أنت تملك القوة في داخلك -الفصل الخامس- بقلم لويزا هاي -
المزيد.....
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|