|
يهود العراق يعيدون إحياء الشبكة التجارية العالمية للقرون الوسطى
سيلوس العراقي
الحوار المتمدن-العدد: 4817 - 2015 / 5 / 25 - 14:04
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بعد عرض النشاط التجاري الدولي ليهود الشرق (بغداد والعراق بوجه خاص) الذي ذكره الجغرافي الفارسي ابن خوراد ذبه (أو خرادذبه)، في القرن التاسع الميلادي، حول النشاط التجاري المؤسسي عابر القارات ليهود من الراذان في القرون الوسطى، وتركيز الباحثين والدارسين لهذا النص في محاولة تحديد موطن اولئك اليهود وهويتهم. في مقالنا السابق مؤسسة تجارية يهودية عراقية عابرة للقارات في القرون الوسطى http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=469342 نسترسل في عرض النشاط التجاري ليهود الشرق والعراقيين منهم بشكل خاص كرواد في استمرار هذا النشاط الدؤوب .
استمر النشاط التجاري ليهود بغداد والشرق الأوسط في العصور الوسطى، لكنه خفَ كثيراً مع ظهور الاستعمار البرتغالي الذي رسم خطاً تجارياً جديدا´مغايراً بين اوربا والهند، وقام البرتغاليون بالسيطرة على مسرح التجارة لمدة تقارب القرنين من الزمان. لكن في منتصف القرن الثامن عشر تمكن البريطانيون والهولنديون من مزاحمة البرتغاليين والسيطرة بالتالي على مسرح التجارة. ومن حينها ابتدأ يهود العراق في العودة الى اتخاذ دورهم المركزي في مجال التجارة (الدولية) ، وبدأوا تدريجيا باعادة بناء شبكة تجارية واسعة في الشرق وفي الهند وفي آسيا الصغرى وبطبيعة الحال مع اوربا : فينا، باريس، مانشستر، انكلترا. كما أن التجارة بين العراق والعالم الخارجي سيطر عليها تقريباً يهود العراق الذين قاموا بتوسيع التجارة من الهند والصين مع الشرق الاوسط واوربا وبالعكس. وتأسست على اثر توسع النشاط التجاري لليهود، جماعات ومستوطنات للجماعات اليهودية في العديد من المستعمرات البريطانية والهولندية في دول آسيا والهند. وهذه الجماعات تطورت تباعاً، حيث انطلقت بدايتها من سورات على السواحل الغربية للهند، وامتدت الى مستعمرات أخرى نحو الشرق، وبحلول منتصف القرن التاسع عشر استوطن يهود عراقيون في بومباي، كلكوتا، رانغون، مندلاي، بيننغ ، سنغافورا، سورابايا، بورنيو، هونغ كونغ، شنغهاي ، وساهموا في تطوير هذه المستعمرات أيضاً. وكان العديد من الرواد من مؤسسي هذه الجماعات اليهودية من بين الغيورين والأثرياء، الذين حملوا الى جماعاتهم كل ما تحتاجه مما يتعلق بطقوسهم اليهودية مثل الشوحيت ـ طقس ذبح الحيوانات ـ والكوشر الخاص بالطعام والمطبخ بحسب الشريعة اليهودية ، والشمامسة الذين يخدمون ويرتلون للجماعة في سيناغوغاتها، كما ازداد عدد أبناء الجماعات بالتدريج. وما يثير الانتباه لأهميته وهو جدير بالملاحظة، أن اليهود الذين التحقوا للعمل والعيش في المستعمرات البريطانية في دول آسيا والهند القادمين من دول الشرق الأوسط الأخرى غير العراق ، لم يؤسسوا لهم جماعاتهم الخاصة بهم ، بل انضموا الى جماعات اليهود البغداديين. وأمر آخر يثير الانتباه هو التزام النساء اليهوديات العراقيات بمرافقة أزواجهن التجار أينما حلّوا أو انتقلوا في دول آسيا ، بعكس بعض اليهود من دول عربية أخرى قاموا بالانفصال أو الطلاق من زوجاتهم اللواتي رفضن (أورفض أهلهن) التحاقهن مع أزواجهن في الهند ودول آسيا الأخرى. وعلى سبيل المثال ما حدث مع أحد التجار من يهود حلب ، حيث سافر شالوم كوهين الحلبي عام 1790 م من سوريا الى الهند الى مدينة سورات التي كانت في ذلك الحين المركز التجاري المهم في الهند، وبعد أن قام ببعض الأعمال التجارية المربحة ، وذهب الى سوريا لأغراض تجارته ، قرر بعدها الاستقرار في الهند، فقام بارسال طلب الى زوجته الحلبية ـ ساطعة ـ لتلحق به . لكن والديها رفضا السماح لها وأرسلا رسالة الى الزوج شالوم قائلين له فيها : "لو أنك تفرش الطريق لابنتنا من سورات الى حلب بالجواهر سوف لن نرسل ابنتنا اليك". وعلى أثر ذلك قام كوهين بالزواج من امرأة أخرى عراقية اسمها ـ نجمة سيماح ـ من بين اليهود البغداديات في سورات. على الرغم من أن تحقيق أرباح كبيرة في التجارة الدولية خارج العراق كان حافزا مثيرا للهجرة ، لكن ظل هذا حافزاً جزئياً لمغامرة يهود العراق لمغادرته حيث فضّل أغلبيتهم البقاء في العراق خاصة وأن أعمال العديد منهم كانت مجدية. لكن هناك عوامل أخرى كثيرة في موطنهم شجعتهم أو قلْ أجبرتهم على البحث عن حظوظهم خارج العراق . فبعضهم تأثرت تجارته في القرن التاسع عشر وتضررت أعماله من كثرة فيضانات نهر دجلة في بغداد ودفعت البعض منهم الى البحث عن مكان آخر خارج بغداد أو خارج العراق. لكن تبقى الأسباب الأكثر ألماً التي دفعت بعضهم للخروج من العراق ، هي أسباب الأوضاع السياسية العراقية التي كان لها الأثر الأكبر ، فالحقبة الأخيرة للحكم العثماني سبّبت عدم الاستقرار السياسي في العراق التي كان وضع اليهود (وبوجه خاص التجار) خلالها يتأثر بنزوات حكام بغداد العثمانيين. ففي زمن داؤد باشا الحاكم العثماني لبغداد (من 1817 لغاية 1831 م ) الذي كان يتميز بظلمه وبشاعته مع يهود العراق وبالأخص مع أثريائهم الذين عانوا من تفنّنه بأعمال التعسف ضدهم ، فاحتجز العديد منهم لجني أموالٍ من فديتهم ، كما ذهب عدد آخر من اليهود ضحية تعسف وظلم داؤد باشا. وأحد ضحاياه كان ديفيد (أو داؤد) ساسون الذي تم اعتقاله عام 1828م. ديفيد ساسون هو ابن الشيخ ساسون بن صالح رئيس اليهود في العراق ، الذي تمكن من الهرب الى بوشهر ـ ايران ، بعد أن تم دفع فديته لداؤد باشا ، ومنها ذهب الى بومباي عام 1832. وهناك استعاد نشاطه وبنى مملكة أعمال كبرى. حيث أنشأ حوضاً كبيراً (ترسانة) لبناء السفن ، وموّل العديد من التجار، وأسّس شركات للنقل البحري ولنقل البضائع المختلفة : الشاي، القطن الخام، الأفيون، التوابل، السجاد، المنسوجات، الحرير وجلود الحيوانات، الفواكه المجففة، والذهب، من دول آسيا الى الشرق الأوسط واوربا وبالخصوص الى بريطانيا. ومما سهّل أعمال ديفيد ساسون التجارية وضعه لستراتيجية المراكز التجارية بادارة واشراف ابنائه الثمانية في : كلكوتا، موانيء ايران ، شنغهاي ، هونغ كونغ ، رانغون ، سنغافورا ، لندن ، مانشستر، حيث تمكنوا من دراسة الأسواق في كل من هذه البلدان وتمكنوا من القيام بمسح الاسواق في تلك البلدان وتحديد البضائع الأجنبية المطلوبة في أسواقها . استمرت شركة ديفيد ساسون وأولاده في ازدهارها بعد وفاة ديفيد في عام 1864، كما تأسست شركات أخرى: اي. دي. ساسون وشركاؤه في عام 1867 من قبل ابنه الياس الذي أصبح قائد مصانع القطن في الهند. ان نجاح أعمال وشركات ساسون التجارية جذبت اليها الكثير من يهود العراق ويهود ايران واليمن وسوريا نحو الهجرة الى الهند وبورما والصين والى المستوطنات الأخرى، حيث تواجدت نشاطات وأعمال مكاتب شركات ساسون، وحيث كان اليهود يضمنون سهولة الحصول على الأعمال الجيدة والواعدة. ان النجاحات الكبيرة والهائلة لأعمال ديفيد ساسون وأبناءه وشركاته التجارية والاقتصادية لم تنسيه أبناء جلدته واخوته اليهود الشرقيين والعراقيين المحتاجين والمقيمين في بغداد وغيرها، فلم تتوقف مساعداته الكريمة لهم، فتم بناء السيناغوغات والمستشفيات والمدارس لهم والأعمال الخيرية الأخرى المتعددة. كما أنه لم تقتصر أعمال ومشاريع الرحمة لديفيد وابناءه على اخوته اليهود ، فبنى مستشفى في بونا Poona لتقدم خدماتها المجانية للجميع من كافة الديانات والاثنيات، وبنى مدارس ومشاريع ومعاهد لتعلم الشباب ومساعدته للمعاهد الصناعية والميكانيكية في بومباي . كما أن ابناؤه استمروا في أعمال الكرم على مثال والدهم في مساعدتهم واسنادهم جمعيات مساعدة الفقراء في المجتمع الهندي.
تأثيرات افتتاح قناة السويس : افتتاح قناة السويس في عام 1869م عمل على تطوير طرق المواصلات والنقل التجارية بين اوربا وآسيا القصوى، فاتجه العديد من اليهود نحو مصر، ومنهم يهود عراقيين لاستثمار الفرصة الجديدة في أعمالهم التجارية. فقامت عائلة زلخا العراقية بتأسيس بنك (مصرف) أصبح مؤسسة مالية رئيسية في الشرق الأوسط لغاية أن تمت السيطرة عليها من قبل الحكومة المصرية في عام 1956م. الخط التجاري الجديد بعد افتتاح قناة السويس، ضاعف من أهمية بغداد والبصرة وساعد في ازدهار تجّارها، كما أنه حفّز نمو مستوطنات اليهود العراقيين (البغدادي كما يطلق عليهم) في الهند ودول شرق آسيا. وبالرغم من أن الظروف السياسية في مختلف دول المستعمرات البريطانية والهولندية كانت متشابهة بالنسبة لليهود، حيث كانوا في حماية بريطانية أو هولندية، وبالرغم من أن الجماعات اليهودية في هذه البلدان ازدهرت اعمالها وحياتها ووضعها ومستواها المعيشي، لكن بقيت الفوارق والعلاقات بين الجماعات اليهودية مختلفة ومتباينة اعتماداً على خلفيتهم وتبعاً للدول التي جاءوا منها. فيمكن تمييز جماعتين يهوديتين استقرتا في الساحل الغربي من الهند لعدة قرون : بني اسرائيل الذين استقروا جنوب بومباي ، ويهود كوشين في الجنوب في كيرالا. فبينما اليهود العراقيين تحدثوا العربية وفيما بعد تبنوا الانكليزية ، تحدث يهود بني اسرائيل اللغة المحلية الماراتي ، ويهود كوشين تحدثوا المالايالام . في بومباي لم يختلط اليهود العراقيين ببني اسرائيل، بينما في كلكوتا تفاعل اليهود العراقيين مع اليهود الآخرين ذوي الأصول الشرق أوسطية الذين أتوا مثلهم الى هنا للقيام بالأعمال التجارية. في عام 1798م كان شالوم كوهين اليهودي الحلبي الأول الذي استقر في كلكوتا وعمل في تصدير الأحجار الكريمة، القهوة، التوابل والحبر الأزرق (النيلي) الى الشرق الأوسط . وأعماله التجارية جذبت عديدين من أفراد عائلته كما عمل معه عراقيون كشركاء تجاريين، اضافة الى عدد من يهود سوريا والعراق وكوشين. ويمكن القول بأن هذه المجموعة شكلت نواة الجماعة اليهودية في كلكوتا التي ستنمو عددا بازدياد اليهود العراقيين المنضمين اليها ليصل عدد أفرادها الى 5000 خلال الحرب العالمية الثانية وغالبيتهم العظمى كانت من يهود بغداد. الجماعات اليهودية في بورما كانت عراقية ، مع عدد قليل من يهود ايرانيين ويمنيين ومصريين. وفي الهند الشرقية الهولندية استقر يهود اوربيين في جاكارتا، بينما اليهود البغداديين ففضلوا الاستقرار في سورابايا. ظهرت بعض العائلات اليهودية العراقية على الساحة التجارية في مختلف المستعمرات الآسيوية ، من خلال الاستثمارات التجارية والصناعة. والعائلة الرائدة في كلكوتا كانت عائلة عزرا التي كانت هجرتها من بغداد عام 1817م . امتدت عملياتها التجارية من الصين الى الشرق الاوسط وجزر الزنجيبار الافريقية ، تعاملوا في تجارتهم بسلع ومواد مختلفة مثل : الحبر الأزرق، الحرير والأفيون، كما تعاملوا في بيع وشراء الأراضي والعقارات، حيث اشتروا أراض في مركز كلكوتا فازداد ازدهارهم المالي . كما ساهم عزرا (وعائلته) في الأعمال الخيرية للجماعة اليهودية ببناء مدرسة حررتهم من مدارس المبشرين المسيحيين ، وقام بتزويد تلاميذ المدرسة بالملابس والكتب ووجبات الطعام وغيرها مجاناً. في القرن العشرين، أصبح اليهودي العراقي بنيامين نسيم الياس رجل الأعمال الأكثر نجاحاً في كلكوتا. فكانت له مطاحن الجوت ومصانع السكاير والمصابيح الكهربائية والأجهزة الكهربائية.ساعدت هذه المشاريع والمصانع في توفير فرص العمل الجيدة لأبناء الجماعة اليهودية المحلية. كما عبرت منتجاته ونشاطاته عبر شركة بي . إن. الياس وشركاؤه كلكوتا الى بلدان عديدة. ففي عام 1948 خلال حرب الاستقلال الاسرائيلية دعا بعض القادة المسلمين مواطنيهم لمقاطعة السكاير الجاهزة الاجنبية من انتاج شركة الياس. كما قام الياس وشركته بالاعمال الخيرية كغيره من الأثرياء اليهود للعوائل اليهودية الفقيرة والمحتاجة. ـ يتبع ـ
#سيلوس_العراقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مؤسسة تجارية يهودية عراقية عابرة للقارات في القرون الوسطى
-
القرد العبري
-
الدف والتف في العبرية وأعمدة الصحافة العربية
-
هل المسلمون منزعجون من جيش محمّد سوف يعود ؟
-
هل الدين في اليهودية كما هو في الاسلام !! ؟
-
ثقافة (الموت) : شهيد كلّ من يقتل اليهود
-
موقف نتنياهو من استقلال كردستان ورؤيته لمخاطر داعش
-
المرأة والحمار والسلّم
-
رؤوس الرجال تحرّكها النساء ؟
-
من جهنم الكنعانية الى جهنم الاسلاموية
-
قدمُ زوجتي تؤلمنا
-
تأملات في خمسات بوذا والبوذية
-
المرأة ركن أساسي في المجتمع اليهودي
-
تعلموا الحكمة حتى من لسان البقر
-
الخمسات في ثقافة الشعب الصيني
-
هل المرأة هي ضلع مسروق من الرجل ؟
-
النبيذ العبري يفضح الأسرار
-
الخمسات في الاسلام : بين النبي والامام علي
-
رمزية الرقم خمسة في التراث العالمي وتراث سعدي الحلي
-
الفول العبري واكتشاف خبز النبي حزقيال (ذي الكفل)
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|