ماجد مغامس
مهندس مهتم بالدراسات الإنسانية والدينية
(Maged Moghames)
الحوار المتمدن-العدد: 4816 - 2015 / 5 / 24 - 09:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لن نتطرق في هذه المقاله إلى تحليل حادئة سقيفة بني ساعده بالمفهوم التقليدي اللذي تم إشباعه. فلن نميل لأحقية أي من المهاجرين أو الأنصار أول آل بيت النبي في الخلافه, ولن نطعن في أي من الصحابه, أو نؤكد على عدم تطبيق مفهوم الشورى المذكور في القرآن إلى غير ذلك من القضايا التي تم إشباعها في هذا الباب. ما سنتطرق إليه هنا هو إستنباط ما يمكن استنباطه من الجدال الذي دار في السقيفه وخصوصا فيما يتعلق بالأسس المعتمده لأحقية الحكم, وذلك من خلال نظره إلى مقتطفات من الحادثه كما وردت في تاريخ الطبري.
في السقيفه قدم كل من الطرفين ( المهاجرين والأنصار) دوافعه لبيان أحقيته بالحكم. تحدث في البدايه سعد بن عباده كممثل للأنصار مؤكدا أحقية قومه في الخلافه فقال مما قال:
يا معشر الانصار... لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب فكنتم أشد الناس على عدوه منكم وأثقله على عدوه من غيركم حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا حتى أثخن الله عز و جل لرسوله بكم الأرض ودانت بأسيافكم له العرب وتوفاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير عين.
من خلال حديث سعد نستبط ما يلي:
1- الأعتقاد الراسخ في ذلك الوقت بأن الأسبقيه في الاسلام تشكل أحد مؤهلات أحقية الحكم و هي قيمة غير معتمده اليوم في مقاييس الحكم حتى لو عاد عصر الخلافه: (لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام).
2- تأكيد مفهوم القبليه والعشائريه والتفاخر بالنسب : ( ليست لقبيله من العرب).
3- التفاخر بالقتل: (كنتم اشد الناس على عدوه....)
4- إكراه للغير بالسيف والقتل ورضى الرسول عن ذلك : (حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا.....ودانت باسيافكم له العرب....وتوفاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير العين).
بعد ذلك تقدم أبو بكر ليرد على بينة سعد ويدفع بحق المهاجرين في الحكم فقال فيما قال:
خص الله المهاجرين الأولين من قوم ( النبي ) بتصديقه والإيمان به والمؤاساة له والصبر معه .... فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن بالله وبالرسول وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم.
أيضا هذه المداخله لأبي بكر تؤكد بعض القيم السائده ومنها:
1- تأكيد مفهوم الأسبقيه في الاسلام كمحدد لأحقية استلام الحكم: (فهم اول من عبدالله .... وبالرسول).
2- تأكيد مفهوم القبليه العشائريه والقرابه من النبي تحديدا كمؤهل لاستحقاق الحكم: (وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده).
3- عدم تنزيه الصحابه عن الظلم مما يقوض المفهوم المعاصر لتقديس الصحابه: (ولا ينازعهم في ذلك الا ظالم).
4- توظيف المفهوم الديني للظلم ليخدم المصلحة والمتمثله في عدم منافسة الأنصار للمهاجرين على الحكم.
على أثر ذلك اقترح الأنصار رؤيه وسطيه بين المتخاصمين على السلطه تتمثل في تعيين أمير منهم وأمير من المهاجرين, وهنا تصدى عمر لذلك..ونورد فيما يلي جزءا من مرافعته إذ قال:
هيهات ..... و الله لا ترضى العرب أن يؤمروكم و نبيها من غيركم ، لكن العرب لا تمتنع أن تولى أمرها من كانت النبوة فيهم و ولي أمورهم منهم... من ذا ينازعنا سلطان محمد و إمارته و نحن أولياؤه و عشيرته ، إلا مُدل بباطل ، أو مُتجانف لإثم و متورط في هُلكه.
وهنا نرى صوره اخرى للقيم المذكوره أعلاه من حيث:
1- تأكيد مفهوم القبليه والقرابه النبويه كقانون لنقل السلطه: "(لا ترضى العرب أن يؤمروكم و نبيها من غيركم).
2- التركيز على المفهوم المادي لا الديني للخلافه من خلال التركيز على (سلطان محمد وإمارته).
3- ربط المفاهيم الدينيه المتمثله بالإثم والهلاك والباطل بالمصحله المراد تحقيقها و ضمان عدم مخالفة قانون القبليه والقرابه النبويه: (أو مُتجانف لإثم و متورط في هُلكه).
4- عدم تنزيه الصحابه عن الوقوع في الإثم والهلاك والباطل, مما يصب في النقطه 3 اعلاه.
ما أن سمع الحباب بن المنذر ( من الأنصار) حديث عمر حتى قام ليؤكد احقية قومه بالسلطه, فقال فيما قاله:
يامعشر الأنصار ..... فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين ... أما والله لئن شئتم لنعيدنها جذعة فقال عمر "إذا يقتلك الله"... فقال ( الحباب) "بل إياك يقتل."
هنا مرى أخرى نرى
1- تأكيد مفهوم الافتخار بالسيف والقتل: ( فإنه باسيافكم دان لهذا الدين ...).
2- النزعة "غير الوديه" بين الصحابه مما يقوض مرة اخرى فلسفة تقديس للصحابه المتبعه في هذا العصر: (فقال عمر إذا يقتلك الله... فقال ( الحباب) بل إياك يقتل).
يأتي بعد ذلك بشير بن سعد ابو النعمان ( من الأنصار) مخالفا قومه مقدما بعض التنازلات باعطائه أحقيه الحكم للمهاجرين, مستخدما في الوقت نفسه اسلوب أبي بكر من حيث توظيف المفهوم الديني للتقوى بالإلتزام لخدمة قيم القبليه والعشائريه إذ قال:
ألا إن محمدا صلى الله عليه و سلم من قريش وقومه أحق به وأولى وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم."
إلى هنا لم يتغير موقف الصحابه برغم التحذير من الوقوع في الظلم والإثم والهلاك. كما أن الحث على تقوى الله لم تثنهم عن المضي كل في إصراره على أحقية الحكم والسلطه. ليتجلى بعد ذلك مشهد العنف الأكبر في الحادثه بين عمر بن الخطاب وسعد بن عباده. فيروي الطبراني أن عمر قال فيما قال:
اقتلوه قتله الله ثم قام على رأسه فقال لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضدك فأخذ سعد بلحية عمر فقال والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة.
في النهايه... تقول رواية الطبراني أن سعدا استمر بخصامه لأبي بكر والمهاجرين:
فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر رحمه الله.
اللافت للنظر في حادثة السقيفه التي تصور جدالا حول أحقية الحكم أنه لم يتم التطرق للحديث عن مبادئ وحقوق وواجبات تتعلق بالحاكم أو المحكوم من قبل المتصدرين للأحقيه بالسلطه. حتى موضوع الإسلام والحفاظ على دين محمد كهدف من أهداف الحكم لم يتم ذكره. ولم يتم الإشاره لتفصيلات الدين الا – كما تبين أعلاه – من خلال توظيف النص الديني لتعزيز الرأي الشخصي بأحقية الحكم. فنرى ذلك في استخدام أبي بكر لمفهوم الظلم لمنع منازعة المهاجرين على الحكم, ووصف عمر لمخالفة القانون القبلي بالإثم والهلاك والبطلان بالإضافة لتوظيف مفهوم التقوى من قبل ابو النعمان لتعزيز أحقية قوم محمد بالحكم.
على الجانب الآخر نرى أن كل ما سيق من الصحابه لإثبات الأحقيه بالحكم تمثل في التأكيد على الأسبقيه في الاسلام ودرجة القرابه من النبي و تاريخ القتل في سبيل الدعوه. وما يتعين ملاحظته هنا هو وجود ازوداجيه في الطرح. ففي الوقت الذي اأكد فيه المهاجرون أحقيتهم بالحكم بصفتهم من أقارب النبي, فإنهم لم يتنازلو بالخلافه لعلي برغم انه من أبناء عمومة النبي. وهذا ما دعا علي أن يعبر عن إعتراضه على ذلك بمقولته المشهوره : "احتجوا بالشجرة و أضاعوا الثمرة." وأكد ذلك الأمر عمر بن الخطاب لاحقا فيما روي عنه في صحيح البخاري إذ قال: " فلا يغترن إمرؤ أن يقول : إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت, ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها."
#ماجد_مغامس (هاشتاغ)
Maged_Moghames#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟