|
نشيد القساوسة
احمد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 4815 - 2015 / 5 / 23 - 15:58
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
نشيد القساوسة اجتمعت جوقة كبيرة من المنشدين والعازفين ، بعضها من أصول ماركسية خضراء ، وآخرون حقوقيون و ليبراليون . ووسط دخان القنابل ، ورائحة البارود ، وشظايا الخرطوش المتناثرة ،صدحت الأصوات الملائكية وسمت الأرواح الطاهرة إلى سماء علا . اسفر هذا عن ترنيمة تتفوق فى تجردها على مزامير داود مجتمعة ، علا الصوت أن .... احبوا أعدائكم . تلك هي جوهر الترنيمة التي انطلقوا يترنمون بها فى وداعة الأطفال . وفى أثناء العزف يرتل القس .. العدالة الانتقالية ، المحبة ، معايير حقوق الإنسان ، فى مشهد يذكرنا بموعظة الجبل ، حيث صعد كهنة المعبد الحقوقي ،وقساوسة النزعة الإنسانية ،والأرواح الليبرالية الهائمة . خلعوا جميعا رداء الحرب الدائرة ،ارتفعوا فوق كل الأطراف ، تعالوا على السياسة والاستقطاب والصراع ، انطلقوا يبشرون بكلمة الرب الهابطة من السماء , وفى صوت واحد رددوا ....... احبوا أعداءكم . ليست ثمة خطاب ما يحملونه ، لكنها البشارة ، بشارة المحبة و المصالحة الوطنية ،دبج الترنيمة المقدسة قس وديع ، له روح هائمة وقلب خفاق ، حمل فى جنبات قلبه ماركسية خضراء ، ومنظور حقوقي، وإنسانية مفرطة ، وفى تجرد لا يليق سوى بملاك أدرك فجأة جوهره السماوي . القس مزورا .... الرحمة أيتها السماء .. حملت الترنيمة اسم ... ( لاستكمال الثورة الآن ... ).. وكان مدخلها صادما / انه خيال الملائكة وليس إدراك البشر / كانت البداية ( فى إطار تصاعد العنف بعد ٣-;-٠-;- يونيه بين الجموع الرافضة لعودة محمد مرسى ، والمطالبة به) ..... هذه الفقرة توحى للقارئ بوجود ...انقسام فى صفوف الشعب ... إلى جموع مؤيدة ، وآخري معارضة (خيال الملائكة ) ليس هذا مايراه عين البشر العاديين .. نحن نرى واقعا مغايرا ، شعب خرجت اغلب قواه الحية بفئات وشرائح اجتماعية مختلفة ، وثلث مجموع سكانه ، مدعوما بتأييد كبير من باقي السكان , ضد حزب الأخوان الحاكم ، ملايين لم يشهدها التاريخ من قبل ، وفى مشهد انتفاضة مصممة ضد نظام حكم مرفوض شعبيا ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى حزب الرئيس أو جماعته) ، يناصره جماعة ( إسلامية ) اقل عددا ونفوذا . لسنا إذا أمام هذا الوصف المتكافئ تقريبا بين جموع ، وجموع .... ليس ثمة انقسام شعبي ، نحن أمام أمة انتفضت فى مواجهة نظام رجعى مستبد وليس ثمة وجه للمقارنة ، عصابات مسلحة خرجت ... بعد ٣-;-٠-;- يونيه ... ، على المدن والأحياء تطلق رصاصا اعمي تجرح وتقتل بدم بارد فقراء عزل . وليست أيضا حربا دينية , أو قتل على الهوية ،عصابات تقف فى خندق يقابلها شعب بمجموع طوائفه الدينية واغلب فئاته الاجتماعية فى الخندق المقابل ، ليس ثمة هجوم على مساجد أو كنائس ، لا احد يتعقب ملتحي أو منقبة بهدف قتله ، المسلمون تحديدا يقفون خلف المتاريس فى جانبي الصراع ، مأمن شيئ يدور على الهوية الدينية ، ، و بالعكس تماما نشهد أعلي درجات التلاحم والانصهار بين المصريين مختلفي الديانة فى ذات اللحظة . الصورة التي رأها ملاكنا الرحيم ( خيال ملائكة ) ليست حقيقية ، ليس ثمة جموع وجموع بمعنى انقسام شعبي ، بل عصابات مسلحة فى مواجهة شعب ، عتريس فى مواجهة الدهاشنة . يبدو القس وكانه يتحدث من سماء بعيدة فلا يرى جيدا مايحدث على الارض . ( تصاعد العنف ) يالها من عبارة فخيمة مجردة ، انها لا تجيب على سؤال :- من بدأ العنف ، من المعتدى ومن المعتدى عليه ؟ فالقس لا يريد أن يدين أحدا ، العنف مجردا لا يحمل أي انحياز لطرف ، ولا يدين طرف ، ولا يساعدنا على فهم أي واقع معين ، لكن هكذا تتحدث الملائكة . على ارضنا البائسة جرت الأحداث على النحو التالي ، ما أن تقرر خلع الرئيس حتى اعلن المرشد النفير العام ( للجهاد) وعلى اثره تحركت عصابات إخوانية منظمة ومسلحة تفسد على الشعب فرحته فى عدة مواقع جمل أخرى ، ولكن بالخرطوش والألي جواتيماليات وليس بالجمال والبغال. سعى الإخوان المسلحون للضغط على الدولة عن طريق الهجوم المرعب على قاطني الأحياء الفقيرة والمحافظات التي كانت لا تزال فى نشوة الاحتفال ب ٣-;-٠-;- يونيه . تباطأت أجهزة الأمن فى الرد ، وقع قتلى وجرحى من المواطنين ، وكان محتما أن يدافع المواطنون عن انفسهم ، هل نحن بحاجة لاستدعاء مشاهد العنف الدموي الإخواني فى الإسكندرية والمقطم وبين السرايات وغيرها لنعرضها على اذهان القساوسة . اليس ثمة فارقا يجب أن يؤخذ فى الاعتبار بين عنف عصابات عدوانى ، فاشى مثلا أو استعماري أو طائفي أو رجعى ، وعنف شعبي دفاعي ، حيث يجب إدانة الأول وعدم المساواة مطلقا بينه وبين الثاني ، أليس الخلط أو المساواة بينهم فعل بشرى سيئ . حسنا .. انه نشيد القساوسة . تقول الترنيمة ( الهدف من هذه الموجة من موجات ثورة ٢-;-٥-;- يناير خلع نظام أبي أن يشارك القوى الثورية فى صنع القرار والسعي لتحقيق أهداف الثورة ..... دون إقصاء أو شيطنة فصيل سياسي بالكامل.) . ونسأل الكاهن الحقوقي ... هل كانت المشكلة مع النظام الإخواني تكمن فى عدم المشاركة ، هل كان الإعلان الدستوري وما تلاه من تعبئة جماهيرية مشكلة عدم مشاركة ، القرض وأعباؤه ، جمعة كشف الحساب ، أحداث الاتحادية ، الدستور المغرق فى الرجعية ، الانفلات الأمني ، ارتفاع الأسعار ، اعتقال المعارضين ، اغتيال الجنود ، التنازلات الأكبر أمام إسرائيل ، خطابات التغطرس والتهديد المستمر ، تفاقم سؤ الأوضاع ، ازمة الكهرباء والطاقة .... وفى الذيل ما سمىمى بالأخونة . هل كل ذلك كان ازمة عدم مشاركة؟ .... سحقا للكهان. يقول القس الملائكي الباسم .... وتردد خلفة الجوقة ( لم تسع الجموع فى ٣-;-٠-;- يونيه إلى فرض إدانات مجانية أو إجراءات قمعية تجاه طرف بعينه ، خاصة أن كانت إجراءات غير ملتزمة بمعايير العدالة وحقوق الإنسان ).
يبدو القس وكأنه يتحدث - فى صيغة تقرير - عن مشاركون فى ندوة حقوقية ، وليس عن انتفاضة جماهيرية جرت على خلفية سلسة من جرائم الحكم الإخواني . نحن لا نعرف المقصود بعبارة ( إدانة مجانية ) إلا أننا نستطيع أن نؤكد انه لم يكن هناك شيئ مجاني فى المشهد كله ، الدماء التي سالت على مدى شهور متصلة لم تكن مجانية، لم يكن مجاني مجانيا جمعة كشف الحساب ، أحداث الاتحادية ، بارود المقطم ، ومثلها العديد ... تلك كانت أدلة مادية قطعية ، واستنادا أليها ولغيرها من الأسباب أصدرت الجماهير حكمها على السلطة الإخوانية ، ٣-;-٠-;- يونيه كان تنفيذا لحكم شعبي بالإدانة . وفى الصراع الطبقي بتعقيداته ،يقرر الأطراف وحدهم ، وعلى ضؤ توازنات القوى ، ماهو مقبول أو غير مقبول ، محكمين فى ذلك معايير مرتبطة بفرص الانتصار أوالهزيمة لا غير ، تاركين لجوقة الإنشاد الحقوقي ماشاؤا من ثرثرة عن العدالة ومعايير حقوق الإنسان . وبغض النظر عن ( الإدانة المجانية ) إلى أن الوقائع لا تشير إلى ما يساند هذا التهويل حول الإجراءات القمعية ، لا نقصد أن الجيش بريئا أو ديموقراطيا ، فهدفه طول الوقت هو قطع الطريق على الثورة وانهائها بالعنف أو المناورة ، فى هذه اللحظة يستخدم العسكر أسلوب القتل الناعم للعملية الثورية وليس المواجهة العنيفة ، السيسى اكثر ذكاء من طنطاوى فى السعي لتحقيق ذات الأهداف ، فقد توفرت أمامه فرصه نادره لفرض حظر التجول وتدابير الطوارئ وغيرها بعد ٣-;-٠-;- يونيه ، تحت ذريعة الإرهاب أو حماية المواطنين أو مواجهة العصابات المسلحة وحصارها ، ولم يقم على ذلك . أما المواجهات بين القوات النظامية والإخوان فهي مواجهات بين عصابات مسلحة وأجهزة دولة ليس مدنين عزل والدولة ، وسواء كان تصرف الدولة .. عند الحرس الجمهورى . فعل استباقي لإجهاض احتمال اقتحام وشيك تم الإعلان عنه ، أو قمع محاولة اقتحام فعلى ، فليس ثمة ما ندافع عنه هنا ، خاصة فيي ظل سلسة من الهجمات المسلحة الإخوانية على مواطنين فى عدة أماكن ، الجيش تباطأ فيها لخلق تعبئة نفسية أعمق شعبيا ضد الإخوان ، لجعل الجماهير تدرك فداحة جرائمهم بصورة محسوسة ، ضحى العسكريون بأرواح كان يمكن حمايتها ، إلا أن هذا لا يغير أي شيئ فى حقيقة جرائم عصابات الإخوان ، والحقيقة الأهم هي أن اليد الإخوانية الآن ، تحمل سلاحا ، وهذا السلاح مصوب إلى صدورنا ، ،وتمسك مقبضه باستماتة شديدة استعدادا لإطلاقه ، وذلك حتى تفرض عودة نظام رجعى مجرم ضد إرادة أمة قررت إسقاطه ..... ويجب ... إما أن تشل حركة هذه اليد تماما ، أو تقطعها ، حتى تنزع منها السلاح ، بعد ذلك يمكن أن نبدأ أي حديث ، فلن يصغى احد المنهمكين فى عمله إلى نشيد القساوسة سوى فى فراغ عطلة الأحد . يحدثنا النشيد الملائكي بعد ذلك ، والدموع تكاد تنهمر من عين القس ، عن ... :- من سقطوا ضحايا لخطاب الكراهية والعنف الذي يتم ترويجه . / المؤمرات التي يحكيها الساسة على حساب المواطنين البسطاء ........ ، والإجراءات الأمنية الاستثنائية التي يستمر فرضها على عموم الحراك الشعبي . / شيطنة ( تعبير لا تسمعه إلا من قديس ) فصيل سياسي بجملته ، وخطاب الكراهية ، قيم العدل والإدماج والكرامة . ولجوقة الإنشاد ( بجملتها ) نقول ... لم تكن العلاقة / بين أطراف الصراع / فى يوم من الأيام ،قائمة على أساس عاطفي ، لم ولن يكون قانونها الحب أو الكراهية ، أنها مصالح ، ومصالح مضادة ، وصراع حولها يصل أحيانا إلى الاشتباك بالسلاح ، من سلاح النقد إلى نقد السلاح ، ذلك هو القانون الحاكم للصراعات الأرضية ، العظة القائمة على ( أن .. احبوا أعداءكم ) مكانها الكنيسة وليس العالم الاجتماعي الواقعي . ويجب النظر إلى أن أنتاج ، أو قراءة , أي خطاب ، إنما تتم فى سياق عملية الصراع الفعلي الدائر وليس فى الأدب الرومانسي أو الوعظ الأخلاقي . أن القس يحلق بعيدا جدا عن الأرض ليسبح فى فضاء الأخلاق المجردة ، نحن بصدد صراع موضوعي سياسي واجتماعي ضاري ولسنا بصدد عملية شيطنة أو رهبنة ، يثيره تناقض موضوعي, ، فى المصالح والأهداف ، وليست مشاعر الحب والكره ، عالم المصالح المادية وليست تهويمات الأخلاق والعظات الروحانية ، أن مسألة فصيل برمته ، أو بعض منها ، ليس لها أي محل من ألإعراب فى تلك العظة ، ووحده مجرى الصراع الدائر وتوا زانته هو الذي يعطيها إعرابها ويحدد دلالتها ومداها . أن كبير القساوسة يلقى علينا بسر سماوي خطير ( المؤامرات التي يحيكها الساسة على حساب البسطاء) وياله من صعود وعلو فوق كل أطراف ومجريات الصراع ، الملاك يكشف من علياءه لجموع الشعب ، دنس الساسة ، كل الساسة من كل الاتجاهات بلا ادني تمييز ، يتأمرون ويستخدمون الشعب البسيط فى مؤامرتهم ، ليس سوى أن يأتي بعد ذلك هتلر أو ناصر أو السيسى ليخلص الشعب من دنس الساسة والأحزاب السياسية والمؤمرات ....... تكبيييير .... ويهلل المؤمنين بعد كشف المؤامرة السياسة الكبرى . ما هذا التحذير الغبي والتحريضي ، ضد من ، ولمصلحة من؟ هل يجب قذف الحياة السياسية برمتها فى الجحيم حتى يرفرف الملاك على ارض لا سياسة فيها ولا مؤامرات؟ إقصاء ، كراهية ، إدماج ، مصالحة وطنية ، ولنجعلها أذا مصالحة شاملة ، لقد كان هذا هو خطاب العسكر والإخوان قبل أن يردده القس ، لنضم إذا فلول نظام مبارك إلى جانب فلول نظام الإخوان ، ولنعتبر الثورة كانت مجرد سؤ تفاهم ونعود جميعا أخوة ، أحباء ، متصالحين ، ومندمجين . والآن ، بعد أن تمت المعجزة ، وارتفعنا جميعا ........... خروا سجدا ولا تعليق أخر .
الموضع سبق نشره على شكل نوت فى صفحتى الشخصية فقط على الفيس بوك ، وقد كان ذلك عقب احداث 30 يونية المصرية بوقت قليل حيث خرج بيان مشترك من بعض الحقوقين وغيرهم يدين العنف ، وجاء هذا المقال تعقيبا على الموقف الذى ورد فى البيان ، واهمية اعادة نشره ان اغلب قضاياه الرئيسية ﻻ-;- تزال مطروحة ضمن خطابات بعض التيارات فى مصر وغيرها .
#احمد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجانب الدرامى فى ثورة لم تنتصر - جدلية اﻻ-;-حباط وال
...
-
موجزاً عن تاريخ قرية كري بري
-
حياة مدنية على شواطئ دجلة
-
الديمقراطية والفوضى
المزيد.....
-
استأنفت نيابة العبور على قرار إخلاء سبيل عمال شركة “تي أند س
...
-
استمرار إضراب عمال “سيراميك اينوفا” لليوم السابع
-
جنح مستأنف الخانكةترفض استئناف النيابة وتؤيد قرار إخلاء سبيل
...
-
إخلاء سبيل شباب وأطفال المطرية في قضية “حادث الاستثمار”
-
إضراب عمال “النساجون الشرقيون”
-
تسعة شهور من الحبس الاحتياطي.. والتهمة “بانر فلسطين”
-
العدد 590 من جريدة النهج الديمقراطي
-
اليمين المتطرف يحتفل برحيل أونروا من إسرائيل
-
الفصائل الفلسطينية تفرج عن دفعة جديدة من الأسرى بينهم أربيل
...
-
تسع خطوات عاجلة لـ 10 نقابات مهنية مصرية ضد تهجير ترامب للفل
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|