أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير الخويلدي - ماهو الفعل الإبداعي في الذوق الفني؟















المزيد.....

ماهو الفعل الإبداعي في الذوق الفني؟


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 4815 - 2015 / 5 / 23 - 02:54
المحور: الادب والفن
    



" الاحتكام إلى الذوق السائد يفتقر إلى الطبيعة الحقيقية للذوق"1

منذ الوهلة الأولى يظهر البحث الايتيمولوجي الدلالي في مفردة الفن art في اللسان الفرنسي حالة معقدة وملتبسة ومتشعبة ويرجع ذلك الى التقنية Téchiné هي في الاغريقية والى الانتاج الصناعي والإجرائي والأداتي والحِرَفِي poïesis ، وكذلك الى ارتبط اللفظ للاتيني ars بالفعل الابداعي وبعد ذلك ميلاد الاستيطيقا في الحداثة الجمالية بالاشتغال على المصطلح الاغريقي aïsthêsis. في البداية لم يكن الفنان يوصف بالإبداع والخلق والإضافة بل المحاكي الوفي للحقيقة الموجودة بشكل مسبق والذي يعيد تنظيم المعطيات القائمة ولكن بع ارتبط بالحرفة والمهنة والإتقان في العمل الفني والجودة في المنتوج، ثم صار قائما بالأساس على العبقرية والإلهام والموهبة وإتيان العجيب الخلاب من الآثار وانتهى به الأمر إلى الاضافة والتشكيل والرحلة في المجهول والمغامرة في التخيل وتصوير ما عين رأت ولا خطر بقلب بشر.
بهذا المعنى يعرف الفن اصطلاحيا بأنه كل إنتاج للجمال يتم بواسطة أعمال ينجزها كائن واع وحددت الفلسفة الفن بأنه عملية إنتاج قيمة جمالية تتجسد في أثار هائلة وأعمال خالدة تحظى بإعجاب المشاهد.
في هذا السياق أصبح الفنان كائنا ذوقيا والأحرص على توصيل انفعاله إلى الجمهور والمحاول لفت انتباهه وشد اهتمامه والتأثير فيه وتوجيهه نحو مقاصده. ولكن العلاقة بينهما بقيت متوترة وفيها الكثير من المد والجزر ، اذ قد يكون محل ترحيب واستحسان ولكن قد يتحول هذا الاعجاب والقبول الى استهجان وعزوف. فما مرد ذلك؟ وهل يعود إلى جهة الفنان وعمله الفني أم إلى جهة الجمهور وذوقه الفني؟
هل يضع الفنان نصب عينيه ويأخذ بعين الاعتبار القيمة الجمالية للعمل الفني الذي يبدعه أم يحرص على إرضاء انتظارات الجمهور وتلبية رغبات المشاهدين إمتاعا ومؤانسة ويقوم بوظيفة اجتماعية ثورية؟
تعود ضرورة الفن إلى الأدوار التي يلعبها في الوضع الإنساني وما يؤديه من رسالة إنسانية نبيلة ويمتلك قيمة اجتماعية يستمدها من ذاته وليس مجرد وسيلة للتسلية والتفريج عن النفس وتأثيث أوقات الفراغ.
في هذا الإطار اهتمت الإستيطيقا المعاصرة بنفسية الفنان واعتبرته الفاعل الفني الأول وصاحب الدور الفعال والايجابي في تجربة الخلق الفني وأسندت له صفات الإلهام والعبقرية ونظرت إليه بإعجاب وثناء . أما علم الجمال النفسي فبحث في الآثار الفنية من جهة كونها وثائق نفسية تكشف عن طبيعة صانعيها أو عن طبيعة الجمهور الذي يتذوقها. من المعلوم التاريخي أن فكرة الإبداعية الحقيقية كانت غائبة تماما عن الفنان في العصر الإغريقي وكانت تنسب في الغالب إلى الآلهة ولكن الفنون الجميلة في عصر النهضة هيئت الأرضية لحدوث قطيعة ابستيمولوجية وثورة كوبرنيكية في مجال الفن بأن ظهرت النظرة الثاقبة عند الفنان وبرزت الحاجة إلى إحداث التحولات في تقنيات الإبداع الجمالي والتكلم باسم الغير وأضحى الفنان محرضا على الأمل وطبيب حضارة وكائن الصيرورة ولاعب نرد ومبدع أشكال جديدة من الحياة. لكن بما يتميز الفنان من ملكات عن العامي؟ وماهي التجارب والحركات الفنية المطالب بالانخراط فيها لكي يكون فنانا حقيقيا؟ هل يجب أن يكون مبدعا أم ملتزما؟ وهل يجدر عليه اجادة الحكم أم امتلاك الذوق؟
يولد الإبداع من معاناة الذات وينمو عند تعرضها إلى الخطر ومجانبتها للضياع ومحاذاته للعدم وترحالها على الحافة ن الوجود ولكنه يزدهر عندما تتعرض هذه الذات الجماعية (الهوية) إلى الانشقاق والتصدع من الداخل والى الاجتياح والغزو من الخارج. لن يصير من الممكن التطرق الى الابداع بلا نحت حقل دلالي جديد في اللغة الأم والسماح بولادة متكلمين جدد باللسان القديم وذبحه من الوريد إلى الوريد جملة الاستحالات التي تسكن الفكر الذي يحويها وتحويه. المبدع هو الذي يوقع استحالاته الخاصة بالإمكانيات التي توفرت له ويرسم الدرب الصاعد نحو إنسانية الإنسان الآخر. يستمد الإبداع علاماته من مقاومة الأحداث ونبض الحياة وإرادة الكيان لدى الكائنات ومن التواصل بين الذوات والتخاصب بين الثقافات.
فعل الإبداع هو التصدي إلى الفوضي وترجيح كفة التحضر على مد الهمجية وذلك بالانخراط في معركة المصير ضد الجهل بحماية الذات من ارتدادات الشر وانتزاع الهوية من قلب إعصار التدمير المعولم. إعلان الحرب على الأمراض يقتضي تطهير المدينة من عنف التاريخ وكذب اللغة وفظاظة المعرفة وتحرير النسيان من استبداد الذاكرة واثبات الحياة في قلب العدم والظفر بالصحة بعد ايقاف الاعتلال.
لكن هل يعتمد الفنان على ملكة الذوق أم يقوم بنقد الحكم الجمالي؟ أليس الذوق الفني هو الحكم الجمالي؟
الحكم هو ما يفع تحت طائلة الإدراك وما يسمح بإطلاق قيمة حول شيء معين والحكم الجمالي هو ما يولده الأثر الفني في الذات المتذوقة من متعة وإعجاب. واذا كان الحكم المعرفي هو وليد ادراك عقلي للواقع فإن الحكم الجمالي هو ثمرة الإحساس الذاتي بالموضوع الفني والمحدد لماهو جميل بلا غرض.
أما التذوق فهو قوة إدراكية للطائف الكلام ومحاسن الآثار الإنسانية ومواطن الجمال في المناظر الطبيعية ويفيد الذوق محبة ماهو حسن وممتع في الاشياء بمقياس الالتذاذ الدائم وغير مرتبط بتحقيق إشباع الحاجة. فكيف يساعد الفعل الإبداعي في التجربة الفنية على التمييز بين الذوق الرفيع والذوق الهابط عند المتلقي؟
يرتبط عمل الفنان بما يثير الإعجاب عند المتلقي وما يكون محل حفاوة وترحيب وتقدير عند الجمهور غير أن الذوق الرفيع هو الذي يصدر عن حكم جمالي أتقنه الفنان نفسه بعد تربية طويلة وتجربة عميقة وتميز وجداني وامتلاك مؤهلات ومزايا مثل الوحدانية والأصالة يتفوق بها المبدع على سائر المتلقين.
عندئذ يكون حكم الذوق جميلا ليس بالاعتماد على الحكم المنطقي وإنما بالانطلاق من الشعور الذاتي باللذة أو الألم. والمقصود بالجمالي هو ما يكون من حيث المبدأ ذاتيا. كما أن الحكم الذوقي غير نفعي ولا يقتصر على الغبطة الناتجة عن فعل الخير بل منزه عن الغرض الأخلاقي ويتميز بالتجريد والصفاء والابداعية2.
ربما من الاستتباعات الايتيقية للفن هي المهمة التي يقوم بها المتلقي في العملية الابداعية والدور الهام والايجابي حينما ينهض بالمشاركة وإعادة الإنتاج ويعمل على انجاح الرسالة الفنية. فهل يمثل الجمهور عنصرا منفصلا عن العمل الفني أم هو عنصر مكمل له؟ وهل يشارك في التجربة الفنية أم يتكفل بعملية التقويم؟ وبالتالي هل وظيفة الفن مجرد تسلية الناس والتفريج عن همومهم أم يرتقي بذوقهم ثقافيا ويهذب طباعهم؟

المراجع:
1 جورج هانز غادامير، الحقيقة والمنهج، الخطوط الأساسية لتأويلية فلسفية، ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح ، دار أويا ،طرابلس ، ليبيا 2007،
2Kant (Emmanuel), critique de la faculté de juger, édition Vrin, Paris, 1974, p55

كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف يتحقق العيش المشترك في ظل التصادم بين الحضارات؟
- الفنان بين اتساع نطاق التسمية وتقلص رقعة المعنى
- ميديولوجيا الصورة وعرض جمالية الوجود
- الثورة والحشود والامبراطورية المضادة عند أنطونيو نيغري
- الفلسفة بين مواجهة الحدث وصنعه واعادة بنائه
- أنطولوجيا اللغة وإيتيقا التفاهم عند هانز جورج غادامير
- النشاط الاجتماعي بين العقلنة والشرعنة عند ماكس فيبر
- معالجة ايريك فروم للنزعة التدميرية عند البشر
- تقنية الحياة وإيتيقا المعرفة عند جاك مونو
- دور الفلسفة في الحراك العربي الراهن
- الأنثربولوجيا الثقافية بين البنية والاختلاف عند كلود ليفي شت ...
- أحوال الديمقراطية العربية
- مارتن هيدجر والطريق القصير نحو الوجود
- إيتيقا العذاب من خلال مقابلة مع عمونيال ليفيناس
- المقصد الإيتيقي بين سبينوزا وليفيناس
- الوضع المعرفي للكائن البشري
- الفلسفة بين الاسلام والغرب
- تفصل العنف والكلام في السياسة والشعر والفلسفة
- يورغن هابرماس ومراجعة الغرب صورته عن ذاته
- فلسفة جاك دريدا في مواجهة عولمة الإرهاب


المزيد.....




- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...
- -هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ ...
- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير الخويلدي - ماهو الفعل الإبداعي في الذوق الفني؟