أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (رحلتي الملح والماء ) ح1















المزيد.....


رواية (رحلتي الملح والماء ) ح1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4812 - 2015 / 5 / 20 - 23:02
المحور: الادب والفن
    



خرج رجال القرية ملتمسين النجاة وعوائلهم لم يبق غير العجوز ( ام كامل ) وأحفادها أمل الكبيره وزهرة ويحيى لا مكان محدد يمكنها أن تلجأ له وهب لم تخرج من قريتها من سنين, ولدها كامل قد أصطحب زوجته الى المدينه تعاني عسر ولادة قد يمس حياتها مع تفاقم القلق من كثرة موت الحوامل على يد الجدة الوحيدة هنا , الخوف يملأ المكان و يحيله الى جحيم لا يطاق والوباء يحاصرها لا خيار امام السيده العجوز وصغارها غير انتظار الموت القادم من الخارج المهجور او المقاومه بانتظار عودة كامل .
عرفت السيدة العجوز مما يشاع هنا أن أسباب الوباء هي أنفاس الجرذان التي تنتقل من مكان لمكان تحمل الموت في خلايا دمها لتنشر الدمار في كل زاوية تصل لها أقدامها الصغيرة, تشاهد الأسراب وهي تطوف بالقريه منتقله من مكان لمكان لا يمنعها شيء حتى القطط والكلاب لم تسلم وجيفها تتوزع في جنبات الطرق أو البيوت التي لم تعد بيوت للناس ..... الوباء يمسي ويصبح وكأنه الحاكم الذي لا يفهر .
منزل الملا في طرف القرية والمنعزل بعيدا عن بيوتات الناس لم يكن منزل عاءلة فقط ,إنه المتجر الئيس والممول الوحيد لأحتياجات القرية حاويا لكل ما يمكن أن يحتاجه الإنسان ,غرف طينية مملؤة بالتمر والشعير والحنطة والملح منتج القرية الأساسي ومهنة سكانها منذ أجيال وأيضا هو مكان للتعبد والمناسبات التي تحتفل بها القرية أو تتجمع لأجل إحيائها ,كان المصدر الرئيس لمنبع ومركز حركة الجرذان وهي تسحق القرية وأهلها وأول من هرب من هنا كان الملا وأولاده إلى حيث لا يعرف أحد أن هم الآن ... أكداس الملح تزيدها حرارة الشمس ألقا لتحيلها إلى ما يشبه جبال من فضة .
تنبهت العجوز أن الجرذان كانت لا تقرب أكداس الملح ولا تزورها ولا في حتى الطريق الذي تسكله في جولاتها اليومية حاملة العفن ورائحة الفناء لتزرع الهلاك ... إنها تخاف الملح لا بد .... كان قرارها الأن بعد أن أحرقت جثث بعض الحيوانات التي فطست اليوم أن تتدرع بالملح فهي متأكدة أنها كانت تحفظ السمك المجفف بالملح كما كانت تحفظ قراب اللبن من جلود الغنم بالملح ... ذهبم وأمل إلى أكداس الملح المبثوثة في أرض القرية لتحمل منها ما تستطيع لتسور بها أطراف البيت ...كل شيء يبدو لها تمام لو أنها أحتمت بالملح ....
قبل غروب الشمس ما زال هناك الكثير من العمل حملت الصغير يحيى تتبعها أمل وزهرة نحو النهر الصغير في الطرف الثاني من القرية لتغوص قليلا في الطين يتخلل جسدها المملح بالماء وليعيد لها جزء من الطهارة وكذلك الضغار ,يبدو أن يحيى يستمتع كثيرا بالماء ... أعرف أن أتباع يحيى النبي هم من يتعمدون في الماء للخلاص من أثر وبصمة الشيطان ..لا أحد يراقب غير الطيور التي تقف ناظرة من أعشاشها على شجر الصفصاف والغرب المرتوية جذورها من جذور النهر ..
خرجت العجوز أم كامل تحمل صغيرها يحيى الرافض للخروج من برودة الماء ولذة اللعب فيه فيما أمل وزهرة يلحقان بها كأنهم أوزات خرجن للتو يقصدن اليابسة بعد يوم وافر الصيد ...تعمدت العجوز أن تجعل الملح الذي حملته قبل أن تنزل للنهر يغطي قدميها المببلتين بالطين والماء وصغارها أيضا لتضمن أن أنفاس الجرذان المنتشرة لا تقربهم حتى تصل كوخها المبني من حصرات وأعمدة القصب والمسورة ببعض الطين وسعف النخيل ... هكذا صار الملح هو من يدافع عنهم في وجه رسل الموت وزبانية الفناء .
قرص الشمس المدمي وكأنه مقاتل توشح بالجراح والدم ينزل بهدوء معلنا قدوم ساعات الليل الطويلة على العائلة الوحيدة التي لم تنهزم من الموت ...يا لطولها على صغار لا يعرفوا حتى معنى الوباء وهيونهم ما تزال ترى بوضوح من يقدم للقرية من بعيد من جهة النهر الصغير عسى ولعل أن يكون القادم يحمل أخبارا سعيدة أو يأت ببشارة .. أمل تنتظر واقفة في الفتحة التي تسمى مجازا باب للبيت وهو ترقب الطريق مرة ومرة ترقب السماء بأسئلة لا تنتهي في ذاكرتها وذهنا الصغير .
أخرجت أم كامل بقايا من طحين محفوظ في كيس من قماش سميك في داخل وعاء طيني يشبه البرميل وبحجمه وهي تشمه بقوة عسى أن لا تكون فيه رائحة الموت أو أثر من أثر الجرذان ... ما زال الطحين يحمل رائحة الأرض وسنابل الخير فهي تعودت أن تذهب بالحمطة في كل مرة للقرية المجاورة لتطحن كمية تتناسب مع حاجتهم دون أن تفرط في الخزين لئلا يفسد في هذا الجو اللاهب بالحرارة ... أفرغت الكيس وأخرجته خارج الكوخ ونادت على أمل الكبيرة لعلها تكون أكثر قدرة على الفحص البصري منها ,قلبت زهرة وأمل الطحين وأجزمتا أنه نظيف وطيب ... سكبت الماء من المصخنة التحاسية المركونة على الجدار الطيني وقد أغلقت بإحكام سد فوهتها العريضة ورشت الكثير من الملح فوق العجين .. سيكون هذا عشائهم القادم ولا غيره خبز مملح وماء .
أمل تحمل شقيقها يحيى على خاصرتها لتجعل من وسط جسدها المائل مثل كرسي مريح للصغير تخرج وتدخل مرار لتحمل أعواد الحطب وعيدان السعف الجاف لتساعد جدتها في تهيئة النار وسجر التنور ... زهرة النجمة الوسطى بين أخوتها تبدو خائفة ومرتبكة تبحث كثيرا في قسمات وجه الجدة وهي تقارن بينها وبين وجه أمها التي تركتها وذهبت للمدينة كي تأت له بأخ جديد .. صحيح أنها تحب يحيى ولكن تشعر منه بغيرة شديدة أحيانا وتنتهز كل فرصة مواتية لتوجه له ضربة أو عظة قوية على ذراعه وأحيانا على خده لتستمع بتفريغ شحنات الغضب والغيرة منه فقد سرق منها أمها .
أخرجت العجوز أول رغيف خبز وقد خيم قليلا من الظلام على القرية المهجورة وبانت نجيمات السماء تتلئلأ في عتمة شفافة وغير كاملة فيما يبدو أن القمر ما زال امامه الكثير من الوقت ليخرج على عالم الإنسان ,أصوات قادمة من جهة الشرق لرجل يمتطي حمارا كانه مار من هنا ليصل لجهة الطريق المؤدي للمدينة ,خر جت العحوز ويديها ملوثة بالعجين والنار ما تزال تسعر في قلب التنور لتعرف من القادم وما ورائه ... نزل الرجل ويبدو عليه التعب يسأل عن القرية وأهلها وعن بيت الملا تحديدا .. أجلسته على الفراش الذي أمتد سريعا على الأرض وأمل تحمل بيدها طاسة الماء لتسقي الضيف فيما حملت ام كامل ربعة أرغفة من الخبز في طبق من سعف النخيل عشاء للضيف .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح44 , الخلاصة العملية
- أفكار في دائرة التنوير
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح42 , التشخيص السليم ن ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح43 , البداية والمنهج
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح40 , الشخصية العراقية ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح41 , المصادر الفكرية ...
- زايتجايست الرؤية والأتهام الأيديولوجي.
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح38 , الشخصية العراقية ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح39 , من ملامح الشخصية ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح36 , الشخصية الأجتماع ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح37 , الشخصية العراقية ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح35 , الشخصية الأجتماع ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح34 ,5.النمط العراقي ا ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح32 , 3, البيئة والتنق ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح32 , 4. الحق والحقيقي ...
- قصيدة _ خطاب للشمس
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح31, الجغرافية البيئية ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح29 , ضياع الدليل العل ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح30 , الجغرافية البيئي ...
- المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح27 ,المكان والجغرافية ...


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (رحلتي الملح والماء ) ح1