سارة عوض محمد
الحوار المتمدن-العدد: 4811 - 2015 / 5 / 19 - 15:44
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لا شك أن المرأة عانت و لا تزال عبر التاريخ الانساني الطويل من سلسلة متصلة من أشكال التمييز و القمع و التسلط الذكوري ولا تكاد تخلو حقبة أو ثقافة من هذا التمييز الجائر و المبني على هيمنة القيم البطرياركية التي تكرس للوضع الاجتماعي المتدنى للمرأة من خلال عدد من التصورات السالبة عن المرأة تغذيها أوهام التفوق الذكوري الطبيعي... و لقد شكلت هذه التصورات المتغلغلة في بني الوعي الجمعي للمجتمعات البشرية بلا استثناء – و لو بدرجات متفاوتة - شكلت البنية التحتية اللاشعورية لمنظومة القهر و الاضطهاد على اساس الجنس عبر مختلف مراحل و حقب التاريخ الانساني , و لقد ساهمت الأديان تاريخيا من حيث كونها أحد أهم روافد الضمير البشري في مفاقمة الأزمة النسوية و تكريسها عن طريق اسباغ الشرعية على أنماط التسلط الذكوري و تعزيز مفهوم التفوق الطبيعي للرجل و شيطنة واحتقار المرأة , و تجسد قصتي الخلق و الخطيئة الأولى المشتركتين بين الأديان الابراهيمية - وان بروايات مختلفة - الجذر الاسطوري لهذا التمييز في الحضارات التي تأسست على هذه الاديان , حيث تصور القصة الأولى حواء على أنها خلقت من أحد أضلاع ادم - المخلوق على صورة الرب - لتبديد احساسه بالضجر أي أن تكون موضوع لتسليته ، فيما تنسب القصة الثانية الى حواء انها كانت سبب غواية ادم و هبوطه من الجنة و من ثم فهي مصدر كل الشرور و سبب تعاسة الجنس البشري , و لذا فهي محكومة الى الأبد أن تكفر عن وزرها بالحمل و الحيض , مقيدة برسن آدم , ترضي نزواته ... تحتمل قمعه وانفجاراته ... سخطه و ثورات غضبه ... عنفه و خياناته و اغتصابه.
ان الاسلام و هو اخر الديانات الابراهيمية قد حمل الكثير من هذا الموروث العدائي ضد المرأة , فضلا عن اسقاطات بيئته -وهو الذي نشأ في القرن السابع الميلادي أي في مرحلة مبكرة من التطور الانساني في قلب الصحراء العربية القاحلة- ذات التركيبة البدوية القبلية المتشربة بالقيم الأبوية و المعتمدة في معاشها على الرعي و غارات السلب و النهب و السبي ...أي على الانشطة الاقتصادية التي يمارسها الرجال, فيما اكتفت الانثى بالدور البيولوجي لحفظ النوع و تلبية شهوة الذكر متى ما عن له خاطر قضاء الوطر ... هذا الوضع عزز من مكانة الرجل الاجتماعية في الوقت الذي راكم فيه من المظلمة النسائية .. فولادة الذكر كانت تعني ان القبيلة كسبت اما مقاتلا او راعيا في حين أن ولادة انثى تعنى اما فما جديدا ليطعم -أي ضائقة اقتصادية- أو فرجا قد يجلب العار اما بالسبي أو بالزني. فاشتهروا بوأد البنات – أي دفنهن أحياء – خوفا من الفقر و العار و هي العادة التي أدانها القرآن و قام بتحريمها و لا شك أن هذه الظروف الموضوعية الذي تشكل في اطارها الدين الاسلامي وضعت بصمتها دون شك على التشريعات الاسلامية فيما يخص المرأة و التي تلقي بظلال كثيفة على وضع المرأة في المجتمعات المسلمة و تعوق مسيرتها نحو التحرر.
ان النصوص و التشريعات الاسلامية في ما يخص المرأة تحمل تمييزا جائرا ضدها و تؤسس لاضطهادها و هو الشئ الذي مورس و لا يزال يمارس على نطاق واسع حتى يومنا هذا في معظم المجتمعات المسلمة , فعلى سبيل المثال يبيح الاسلام للرجل الجمع بين أربعة زوجات و التمتع بعدد لا محدود من الجواري وقد ظل التمتع بالجواري ممارسا حتى وقت قريب قبل أن تمنعه المواثيق الدولية التي حرمت الرق ولا يزال تعدد الزوجات ممارسة شائعة تجد التشجيع من رجال الدين فيما لا تملك المرأة هذا الحق بل لا تملك حق تزويج نفسها اذا كانت بكرا و لا تتزوج الا بموافقة وليها والذي يشترط أن يكون رجلا , بل لا تملك المرأة حتى حق الامتناع عن تلبية دعوة زوجها لها لفراش الزوجية اذا رغب حيث يحذر النبي من أن الملائكة تظل تلعنها حتى الصباح فيما يملك الرجل كل الحق لتأديب زوجته اذا قصرت في طاعته في أمر ما بكل الوسائل بما في ذلك الهجر (المقاطعة الجنسية) كما للزوج الحق بضربها و تطليقها دون رضاها و حتى دون مبرر و حسب هواه دون عقوبة دنيوية أو أخروية , كما تمتد الوصاية الذكورية على المرأة الى أمور العبادة فلا يجوز للمرأة الصيام تطوعا الا بموافقة زوجها اذ قد يتعارض هذا الصيام مع جدول احتياجه الجنسي , كما تلزم هذه الموافقة في عبادات مثل الحج و العمرة و زيارة أهلها و الخروج من منزل الزوجية وهي موافقة مشروطة بمرافقة محرم . كما يؤسس الدين الاسلامي للكثير من اشكال العنف ضد المرأة مثل اباحة زواج القاصرات حيث أن النبي نفسه تزوج عائشة و هي بنت تسع سنين كما لا يزال ختان الاناث يتلقى دعما من بعض رجال الدين الذين يؤكدون أنه سنة واجبة و هي ممارسات لا تزال موجودة حتى يومنا هذا.
يمتد هذا الاضطهاد على أساس الجنس و الذي يرتكز علي سلطة الخطاب الديني الاسلامي ليقوض كل اشكال الاستقلالية و الاعتزاز بالنفس لدى المرأة المسلمة في كل مناحي حياتها و يحولها لتابع يدور في فلك الرجل ... و تمنحه الوصاية على روحها و جسدها... هي خلقت لأجله ...لتسليته و خدمته و شهوته ... التشريع ينظر اليها على انها بأكملها عورة يلزمها الستر لذا هي محتجبة بلا هوية ... هي شئ ...يغطى و يرغب و يشتهى ... هي لا تملك زمام امرها بل تمتلك... شهادتها نصف شهادة الرجل و ترث نصف نصيبه و هي ناقصة عقل و دين أبدا .. و لا تصلح للولاية لأنه لا يفلح قوم ولوا امرهم امرأة ... بل نجد أن الوعود الاخروية تبشر الرجال بعدد كبير من الحوريات في الجنة بينما لا نجد في الاسلام وعدا جنسيا أخرويا للنساء حتى و ان متن عذراوات ...و المفارقة الكبرى انه ازاء كل هذه التفضيلات التي يتمتع بها الذكر في التشريع الاسلامي تتحقق المساواة فقط في العقوبات فالمرأة اذا زنت أو شربت الخمر تجلد نفس عدد الجلدات التي يتلقاها الرجل ... و كذلك اذا زنت و هي محصنة ترجم حتى الموت مساواة بالحكم الشرعي على الرجل... او اذا سرقت تقطع يدها بلا تمييز ... و اذا قتلت نفسا فجزاؤها نفس الجزاء لا يخفف من عذابها و لا يشفع لها الحجج التى تساق لتبرير اضطهادها ...يتجاهل المشرع أنها عاطفية و ضعيفة و نزقة و ناقصة عقل و دين ... يتغاضي المشرع عن انها لا تملك شخصية او ارادة ... ينسى المشرع انها عورة ... ولعل من أكثر الامور اثارة للضحك المأساوي أنه في مقابل كل هذا القهر الأزلي للنساء في الدنيا يبشرهن النبي الأمي بحيازة الأغلبية الكاسحة من مقاعد جهنم .
#سارة_عوض_محمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟